أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود عبدالله الجارح - متى نكف عن العناد ؟!















المزيد.....

متى نكف عن العناد ؟!


سعود عبدالله الجارح

الحوار المتمدن-العدد: 633 - 2003 / 10 / 26 - 05:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 

يسيطر الأصوليون التقليديون على توجه الرأي العام في المجتمع السعودي، ومن المعلوم ان الحركة الأصولية هي حركة ماضوية في طبيعتها، ترفض الحاضر، وتتخيل مستقبلاً لا يختلف عن الماضي في شيء؛ إلا ان حركة التاريخ تثبت ان هذا الفكر لم ولن يقدر له الوقوف في وجه حركة التطور والتغير الاجتماعي، ومن هنا كانت اشكالية المراحل الثلاث التي يمر بها الاصوليون - ومن وراءهم المجتمع - تجاه كل فكرة جديدة، فبالبداية يكون الخيار الوحيد هو الرفض التام لهذه الفكرة، ومن ثم يبرز خيار التعايش معها، و في النهاية يكون قبولها بشكل كلي لا يستدعي تشكيكا في شرعيتها ولا في وجودها. ان هذه المراحل الحتمية للفكر الأصولي تجاه الجديد هي أمر طبيعي وملازم ضد كل ما هو حديث، أو لم يكن في وقت السابقين الأولين، تتفق في هذا كل أصوليات العالم سواء كانت اسلامية او مسيحية او حتى بوذية. هذه الحقيقة ليست بالجديدة، لقد اكتشفها وكتب عنها الكثيرون، حتى قال أحد الشعراء:

قل لمن لايرى للمعاصر شيئا *** ويرى للأوائل التقديما
ان هذا القديم كان جديداً *** وسيغدو هذا الجديد قديما


حينما تفشى الطاعون في "تبريز" الإيرانية ثم وصل الى كركوك في العام 1830، طلب داود باشا من طبيب القنصلية البريطانية اعداد منهج للحجر الصحي بغية منع الوباء من التقدم الى بغداد، وبعد ان شرع الطبيب البريطاني في إتخاذ اجراءات الحجر فوجيء الباشا بصدور الفتاوي الدينية من المشائخ التقليديين بتحريم إجراءات الحجر الصحي كافة، مما أدى الى تقدم الطاعون نحو بغداد وتفشيه فيها حتى بلغ عدد الجنازات اليومية في بغداد عدداً يناهز الثلاثة الاف جنازة. وبينما كان هذا واقع المسلمين المر في بغداد، كان الاوروبيون الموجودون في بلاد الرافدين قد بدؤوا بإجراءات الحجر الصحي، وقد أقتدى بهم مسيحيوا العراق، مما ساهم في ندرة الاصابات بهذا الوباء بين صفوفهم.
وينقل سليمان فائق في مذاكراته انه حين عودته ومن معه الى بغداد لم يجدوا احدا في الطرقات التي مشوا فيها، حتى ان امه قالت لمن معها من النساء: (أيتها البنات لايوجد أحد في الطريق فلم نسير وقد أسدلنا هذا النقاب)، إلا انهم بعد وصولهم الى حلة النصارى شاهدوا امرأة تطل عليهم من أحد الدور، وحين سألها سليمان عن سر بقائها هي وأهل بيتها أحياءاً مع العلم ان غالبية السكان قد توفوا من جراء الطاعون، قالت المرأة : (نحن نصارى، وقد جئنا الى هنا ونحن بضع عائلات، وأقمنا الحجر، وعددنا واحدا وأربعين شخصاً بالتمام، فأصبحنا بحمد الله ثلاثة وأربعين وذلك بولادة طفلين جديدين في صفوفنا) (1)

وفي أسطنبول حين أقتنع سلاطين بني عثمان بان الجيوش العثمانية لن تتمكن من مجاراة الجيوش الاوروبية التي تحارب وفق أحدث الخطط والمخترعات، تقرر ان يتم تحديث الجيش العثماني، وبدأت الاستعانة بالخبراء الأجانب لتنفيذ هذه الغاية، إلا ان الفتاوي الدينية أخذت طريقها وكما هي العادة بمحاربة كل جديد، فقد قررت هذه الفتاوي ان فتوحات المسلمين في العصور السابقة لم تكن بحاجة للخبراء الاجانب ولا للاساليب الحديثة، وان هذه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار، وأنتهى الأمر بان ثار الجنود الانكشاريون على السلطان سليم الثالث وحاصروه في قصره، ثم خلعوه بعد ان تحصنوا بالفتاوي الشرعية، ووضعوا مكانه سلطاناً جديداً! (2).

اليوم لا نجد احداً في العراق يحرم الحجر الصحي، وأظن ان الاسلاميين في تركيا يؤيدون وبقوة خطط تحديث الجيش وتطويره لمواجهة كافة التحديات التي قد تعترض البلاد في أي حين.

وفي وقت الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسس الدولة السعودية الحديثة، ثارت جموع العلماء نتيجة لإدخال التلغراف في الدولة، وقد أفتى الشيخ محمد بن عبداللطيف وجموع من العلماء بعدم جواز ذلك، وقالوا في الفتوى: (وأما وضع البرقيات في الرياض وغيرها من قرى نجد، وما يترتب على ذلك، فلا نراه جائزا ولا نفتي به ونبرأ إلى الله من الإفتاء بشيء يترتب عليه المفاسد.) (3).
واليوم، هاهو مفتي البلاد السعودية لا يستطيع الاستغناء عن الهاتف والتلفزيون، وتطرب أسماعنا بين الحين والآخر بسماع خبرٍ عن أرساله لبرقية تهنئة أو تعزية لأحد المسؤولين الكبار في الدولة.

أما في وقت الملك فيصل بن عبدالعزيز فقد ثار علماء الدين نتيجة للقرار القاضي بفتح المدارس للفتيات، ولولا حزم وإصرار الملك فيصل لبقيت المرأة السعودية جاهلة كما كانت، ولما كتب لها ان تساهم بنصيبها الضئيل في مسيرة التطور الحضاري في البلاد، ومن المعلوم ان معارضي الأمس، هم باليوم، أكبر المطالبين للدولة بأن تقوم بواجبها بفتح المزيد من المدارس للبنات !.

أذكر انه في بداية صدور قرار السماح للنساء باستخراج البطاقات الشخصية، كانت المعارضة الدينية التقليدية لهذا القرار تتتصاعد يوماً بعد يوم - كما هي العادة برفض كل جديد-، وقد تسابق التقليديون بكتابة العرائض وتدبيج المقالات واعتلاء المنابر لشجب هذا القرار الذي تأخر اوانه كثيرا في نظري. ولازلت أذكر أحد الاصدقاء المتزمتين حين وصف كل من يسمح لمحارمه بإستخراج هذه البطاقة بانه "ديوث"!!. و قبل فترة بسيطة كان صديقي هذا يسألنا ان كان استخراج البطاقة للمراة يسلتزم واسطة لانهاء الاجراءات وان كان كذلك فمن بامكانه ان يتوسط له، حيث ان زوجته قد عزمت على استخراج بطاقة شخصية لها.!

لا غرابة إذا كان هذا حالنا ان نستمر كما نحن عالة على الحضارة الانسانية، قد نساهم في هدمها، ولكن يستحيل ان نساهم في بناءها. ان اختزال الحضارة باستيراد أكبر كمية ممكنة من المنتجات الحضارية الحديثة دون ان يكون لنا دور في تطويرها وتحديثها ليس له أي مسمى في نظري الا في ان يكون "تهريجاً" وربما تخلفاً، فلا يمكن لنا ان نساهم في دفع عجلة التطور الحضاري الانساني الى الامام إلا بعد ان نغير معاييرنا الفكرية التي نحلل الأمور من خلالها، أو بعبارة أخرى : من اللازم علينا قبل ان نستورد المنتج الغربي المادي ان نقوم بأستيراد الفكر والمنهج الذي صنعه، ذلك الفكر الذي هو قمة ماوصلت اليه الحضارة الانسانية المتراكمة، ولن يكون ذلك إلا بعد ان يتم تحطيم كافة الأصنام والأنساق الثقافية البشرية، ومتى ماتم هذا، فقد يذهل العميان رؤية الصبح.


الهوامش:

(1) القصة بكاملها منقولة بتصرف من مؤلف الدكتور علي الوردي : لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1، مكتبة الحيدرية، 1378-1379 , ط2، ص 269 – 275

(2) د.علي الوردي، مرجع سابق، ص 260

(3) عبدالعزيز التويجري، لسراة الليل هتف الصباح ، ص 273

 

 



#سعود_عبدالله_الجارح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطارنا الفكري لا يصنع الحضارة
- وجهة نظر في الحديث الشريف
- وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون
- تحرير المرأة في السعودية حتم وليس خيار


المزيد.....




- بعيدا عن -البند السابع-.. القرار الأمريكي في مجلس الأمن حول ...
- ترودو قلق إزاء نجاح قوى اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي ...
- تقرير إسرائيلي عن ترسانة الأسلحة لدى -حزب الله-: أكثر من 100 ...
- 5 قتلى بينهم 3 من -حزب الله- بضربات إسرائيلية على الحدود الل ...
- آبل تكشف عن نظام جديد لتحسين استخدام أجهزتها بالذكاء الاصطنا ...
- الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى 15 كتيبة جديدة للقيام بمهامه على ...
- سيدة أعمال جزائرية تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة
- هل أنصفت جداول موازنة عام 2024 المحافظات؟
- -سربان من المسيّرات وإسقاط مسيّرة وغيرها-..-حزب الله- ينفذ 1 ...
- -لحظة الإطلاق ولحظة إصابة الهدف-..-حزب الله- يعرض مشاهد من ع ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود عبدالله الجارح - متى نكف عن العناد ؟!