أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعود عبدالله الجارح - وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون















المزيد.....

وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون


سعود عبدالله الجارح

الحوار المتمدن-العدد: 602 - 2003 / 9 / 25 - 03:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



 
معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم المتفق عليها بين جميع علماء المسلمين هي القرآن الكريم، وهي معجزة خالدة ما بقي الزمان والمكان، إلا انه ولأسباب عديدة، نجد في أمهات الكتب الإسلامية، الكثير من المعجزات الأخرى المنسوبة للرسول، مثل تكثيره للماء، وسلام الحجر عليه، وتلبية عرق الشجرة لنداءه، وغير ذلك الكثير. مع العلم ان نسبة هذه المعجزات للرسول يتعارض تعارضا صريحا مع قوله تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون )، وهذا يوقعنا بإشكالية حقيقية، لا يكون حلها إلا بمحاولة تحليلية للخروج بالجواب الصحيح.

ولعل أفضل بداية تكون من الإقرار بان كل الرسل قبله صلى الله عليه وسلم، قد أتوا بآيات بينات، وان كفار قريش كانوا ينتظرون من الرسول ان يأتي ببينة مماثلة يثبت فيها نبوته، ومن هنا كان الرد القرآني عليهم بالآية الكريمة السابقة. فالبينات التي تقوم بخرق نواميس الطبيعة لا وجود لها مع النبي صلى الله عليه وسلم، لان التجربة السابقة أثبتت تكذيب الناس لها بعلل مختلفة، بالإضافة لهذا فمحمد هو أخر الأنبياء، ورسالته عامة لكل الناس حتى قيام الساعة، ومن الطبيعي إذن ان المعجزة المؤقتة لا تكون بينة لنبوته بالنسبة للأجيال اللاحقة التي لم ترى هذه المعجزة وبالتالي فلا حجة عليهم، ومن هنا كانت الحكمة الإلهية بحصر معجزة الرسول بالقرآن الكريم الخالد الذي تكفل الله عز وجل بحفظه. ولا زال التحدي الإلهي قائما الى الآن ( فأتوا بسورة من مثله ). فهذه هي معجزة الرسول ولا معجزة غيرها.

بعد التمهيد السابق لابد من القول ان العقل العربي في وقت الرسول، هو عقل بدائي، يؤمن بالمعجزات الخارقة لنواميس الطبيعة، وينسب هذه المعجزات لناس هم اقل مكانة من الرسول، فهذا قد حدثته الجن، وهذا شقت بطنه الملائكة، وهذا يتنبأ بالغيب، ومن هنا كان لابد للعرب والمسلمين ان ينسبوا معجزات مماثلة للرسول ، بل ولا بد ان يتم المبالغة في نسبة المعجزات له ولصحبه الكرام، حتى تتوافق صورة المرحلة النبوية مع بنية العقل العربي.

بالإضافة لذلك.. فالإسلام بعد ان انفتح على الحضارات الأخرى، وبدأ الآخرون بالتشكيك بالدين الإسلامي ، ورفضوا كون القرآن معجزة انطلاقا من كونه باللغة العربية التي لا يفهمونها، كما ان صورة أي نبي بذهنهم مرتبطة بالمعجزة الخارقة لنواميس الكون، كل هذا أدى الى قيام بعض المسلمين انتصارا للإسلام كما يظنون بنسبة المعجزات الخارقة للعادة للرسول وأصحابه .

من هذا وذاك ظهرت لنا القصص التي لا يقبلها العقل في أمهات كتبنا، مثل قصة خبيب الذي كان الله يرزقه في أسره بعناقيد العنب في وقت لم تكن فيه بمكة ثمرة واحدة، وقصة عاصم بن ثابت الذي حمته النحل من ان يقوم الكفار بملامسة جسده ( ماذا لو قال لهم أحدهم، ولماذا لم تحمى النحل جسد حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء وعم الرسول ؟ ) ، والعلاء بن الحضرمي الذي خاض البحر هو وجيشه ولم يبتل منهم احد، وغير هذا من الهرطقات، التي وجودها في كتب التاريخ هو بحد ذاته مصيبة، ولكن ان تتجاوز هذه الكتب حتى تدخل في كتب التفسير القرآني فهنا تكون المصيبة أعظم، فمثلا، المفسرون يقولون ان الملائكة حاربت مع الرسول في يوم بدر، ويحتجون بقوله تعالى : ( اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين )، ولو أخذنا بتفسيرهم لقال لنا الملحدون ان كتبكم تقول ان قتلى بدر من أعداء نبيكم هم بضع وستون او بضع وسبعون، فما هذه الملائكة الضعيفة التي لم تتمكن إلا من قتل هذا العدد الهزيل من جيش قال عنه مؤرخوكم انه بلغ الألف رجل ؟.إن الحل في نظري للتخلص من هذه الإشكالية في التأويل لهذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات، لا يكون إلا بتبني منهج التفسير العقلاني، فمثلا بالآية السابقة يكون التأويل هو كما قال الشيخ محمد عبده ان الإمداد المقصود هو إمداد روحاني يؤثر بالقلوب فيزيد من قوتها المعنوية.

إن هذا التفسير العقلاني للشيخ محمد عبده هو التفسير الذي يتناسب مع قوله تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) ، ومن ثم لا يكون هناك تناقضا بين الايتين كما كان سيحدث لو اعتمدنا التفسير التقليدي كحقيقة واقعة. بالإضافة لهذا فان هذا التفسير سيحرر العقل العربي من سيطرة فكر الخوارق على مصيره، خصوصا لو تم هذا عن طريق عملية تدوينية عقلانية جديدة، تسترجع تجربة عصر التدوين الأول وتنقدها وتتجاوزها، مدشنة بذلك لدخول عصر التدوين الثاني في الحضارة الإسلامية.

استمر العقل العربي مصراً على ايمانه بالمعجزات والخوارق بعناد غريب، بل أنه أحيانا يحل مشاكله عن طريقها، حتى وان كانت مشاكل سياسية عويصة، ويمكن أن نطرح المثال التقليدي بقصة مقتل سعد بن عبادة زعيم الخزرج في سبيل إثبات هذا الأمر، فبعد معارضة هذا الصحابي الجليل لخلافة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وظهوره بمنظر الزعيم لتيار المعارضة المضاد للتفرد القرشي بالخلافة، بعد هذا بفترة، تم اغتياله بسهام غادرة لا يعرف صاحبها، وكادت ان تقوم بسبب قتله فتنة كبيرة، خصوصا وان كل المؤشرات تدل على ان سبب اغتياله يتعلق بمعارضته الدائمة للتوحد السياسي القرشي، إلا ان احد الدهاة تمكن من اقناع الجموع الغاضبة، بان قتل سعد بن عبادة كان بواسطة الجن، وانه سمع الجن تقول:


نحن قتلنـا سيد الخررج ** سعد بن عباده
ورمينـاه بسهميـن ** فلم نخطـئ فؤاده
وهنا انطفئت نار الفتنة، واقتنع الناس بهذا ، وضاع دم سعد.

كما يمكن التمثيل بقصة سراقة بن مرداس حين أتوا به أسيراً الى المختار الثقفي، فقال سراقة أبياتاً يمجد فيها المختار ويناشده العفو، مشبهاً انتصار المختار عليهم بانتصار الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، ولابد من استرجاع التفسير السائد لآية الإمداد الملائكي السابق ذكرها لفهم الموقف كما هو، وهذا هو الشاهد في الأبيات :

كنصر محمد في يوم بدر** ويوم الشعب إذ لاقى حنينا

ثم قال للمختار كما ورد نهاية الأرب في فنون الأدب (أصلح الله الأمير، أحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل معك على الخيول البلق بين السماء والأرض؛ فقال له المختار: اصعد على المنبر فأعلم الناس، فصعد، فأخبرهم بذلك، ثم نزل فخل به فقال له: إني قد علمت أنك لم تر شيئاً، وإنما أردت ما قد عرفت، فأذهب عني حيث شئت، لا تفسد علي أصحابي ).
وبعد أن أطلق المختار سراحه، ووصل الى مأمنه عند مصعب بن الزبير العدو اللدود للمختار، قال أبياتا يثبت فيها ان ادعاءاته السابقة بخصوص الملائكة التي تحارب مع المختار، ليست إلا كذباً محضاً، ولعله فعل ذلك تحت ضغط مصعب بن الزبير العدو اللدود للمختار فقال :


ألا ابلغ أبا إسحاق اني * رأيت البلق دهما مصمتات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا * على قتالكم حتى الممات
أرى عيني ما لم تبصراه * كلانا عالم بالترهات
إذا قالوا أقول لهم كذبتم * وان خرجوا لبست لهم أداتي

ومن حسن الحظ ان سراقة ذهب لمصعب ولم يذهب لغيره لكي تنجلي عن تراثنا هذه الكذبة، ولا داعي ان نقول ان تراثنا بحاجة لأكثر من مصعب، كي يتحرر من أغلال الأكاذيب والتلفيقات المختلفة.

أستمر العقل العربي يؤمن بالمعجزة الخارقة للعادة، حتى وقتنا المعاصر، وذلك بعد ان تخالطت الخرافة بالمقدس، وأصبح لمدعين الخوارق الجدد، رصيداً هائلاً من الأكاذيب المترسخة بالعقل العربي، والتي أصبحت بحكم المسلمات، ومن هنا يمكن ان نفهم كيف صدق الكثيرون أكاذيب الاسلامويون في منابر المساجد وفي وسائل الاعلام المختلفة، في وقت حرب الروس ضد أفغانستان، وكيف كان الناس يتحمسون بتبشير بعضهم بالطير الأبابيل التي حطمت الطائرات الروسية، وبالملائكة التي نزلت تناصر الأفغان ضد الروس وهي متشحة بالعمائم الخضر، وعن الشهيد الذي كان يتخالط دمه بالمسك الذي يشم من مسيرة كذا وكذا. ولم يخطر ببال الكثير ان هذه الترهات لم تكن إلا خطاباً تعبوياً ذكياً، ساهمت في نشره أجهزة الاستخبارات المؤيدة للمحاربين الأفغان، والتي درست بنية العقل العربي وتاريخه، وعرفت دور الخرافات والمعجزات في تكوين هذا العقل، واستغلته بالشكل المناسب لتحقيق هدفها الاستراتيجي باستنزاف القوات الروسية، بينما كانت الحقيقة ان صمود الأفغان لم يكن إلا بسبب الدعم المادي الذي وفرته الدول الخليجية، والدعم اللوجستي الذي وفرته الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وحين قامت الولايات المتحدة بشن حملتها القاضية على طالبان، استرجع الاسلامويون ذكريات الخوارق المختلقة في المعركة السابقة ضد الروس ، وكانت المسئلة محسومة بالنسبة لهم، فالملائكة التي دمرت العدو الروسي ستدمر العدو الأمريكي. وبعد انهيار طالبان تحت الضربات الأمريكية الهائلة صدموا صدمة قوية، وأيقنوا بان الخوارق المنسوبة بالسابق لمن سموهم بالمجاهدين ليست إلا أقاويل مختلقة، وان الملائكة لم تنزل من السماء لكي تناصر جماعة على جماعة.

وحين انتقلت المعركة الى الأراضي العراقية، وبعد أن روج العراقيون مزاعم بان الفلاح العراقي المسن علي عبيد منقاش قام بإسقاط طائرة مصفحة أمريكية ببندقية بدائية، هلل الاسلامويون من جديد لهذا الخطاب الساذج الذي حرض فكر المعجزات للخروج من مأزقه في أفغانستان ، ولعل بعضهم قال ان ابتلاء السماء قد انتهى، وان الملائكة قد نزلت لكي تدمر الهيبة الأمريكية على ارض الرافدين، وتوالت المبشرات، و خرج الناس زرافات زرافات للمساجد وبدؤوا بدعاء القنوت ضد القوات المتحالفة، فالمسئلة بنظرهم لا تقتضي سوى الدعاء، من أجل ان تكمل الملائكة نصرها في العراق. وبعد سقوط الصنم في ساحة الفردوس، عرف الناس ان الملائكة لم تنزل لكي تحارب في بغداد الرشيد، وعرفوا عن طريق بعض الصحف العربية التي قامت بمقابلة المنقاش، ان المسئلة برمتها لا تعدو ان وزير الاعلام العراقي قد قام بشكل أو بأخر باستعادة تجربة سراقة بن مرداس الذي رأى الملائكة تحارب مع المختار، بشكل جديد يتناسب مع ظروف المرحلة ، وكما كان ظهور الحقيقة مرتبطاً بالنسبة لسراقة بوصوله لمصعب بن الزبير , كان ظهورها بالنسبة لمنقاش مرتبطاً بسيطرة الدبابة الأمريكية على الأراضي العراقية، وهكذا أسدل الستار على المسرحية الأخيرة لفكر الكرامات، وليتها تكون الأخيرة، وان كنت لا أظن ذلك، فيبدو ان عقولنا قد قدمت استقالتها منذ زمن بعيد، ولعله الزمن الذي قتل فيه سعد بن عبادة على يد مردة الجن.
 
سعود عبدالله الجارح
كاتب سعودي / الرياض
[email protected]

 



#سعود_عبدالله_الجارح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرير المرأة في السعودية حتم وليس خيار


المزيد.....




- نزلها عندك.. نزل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على الأقما ...
- شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل ...
- سيدة بريطانية يهودية تفضح محاولات وسائل الإعلام والسياسيين ف ...
- تونس: قرض بقيمة 1.2 مليار دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية ...
- تونس تقترض 1.2 مليار دولار من -المؤسسة الدولية الإسلامية-
- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعود عبدالله الجارح - وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون