احذروا .. غزة في مهب الريح !

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

الحوار المتمدن-العدد: 2054 - 2007 / 9 / 30 - 08:09
المحور: القضية الفلسطينية
    

عاش الناس في غزة الأسبوعين الماضيين في حالة من الرعب والهلع والتوتر منتظرين الرد الإسرائيلي على قصف المقاومة الفلسطينية لموقع ( زيقيم ) العسكري ، الذي أدى لإصابة سبعة وستين جنديا إسرائيليا كان من بينهم قتيل أو أكثر .. الفلسطينيون توقعوا احتلالا جديدا لغزة يذهب ضحيته الآلاف من الشهداء والجرحى وتدمير كبير للمنشآت والمنازل .. وإن لم يكن احتلالا للأرض يمكن للطائرات الحربية الإسرائيلية بكافة أنواعها أن تؤدي نفس التوقعات .. حتى الآن لم تقدم إسرائيل على أي رد من هذا القبيل سوى إعلانها عن غزة كيانا معاديا تمهيدا لأخذ إجراءات صارمة بحق غزة وأهلها كنوع من العقاب الجماعي الذي سيطول كل شيء .. وبالفعل رغم انتقاد الكثير من دول العالم هذا القرار بما فيها كافة المنظمات الإنسانية الدولية إلا أن إسرائيل بدأت بتطبيقه عمليا على الأرض ، فقد منعت إسرائيل دخول كل المواد الضرورية لحياة السكان واقتصرت على دخول القليل من المواد الغذائية الأولية وبشكل محدود جدا وبعض الأنواع من الأدوية ، كما كانت تمنع كل شيء ليس له علاقة بالغذاء منذ أن أصبحت غزة في قبضة حماس .. مواد البناء التي كانت تشغل عددا لا بأس به من العمال وغيرهم توقفت كليا ، العديد من مشاريع البناء التي كانت تنفذها وكالة الغوث في المخيمات توقفت بما فيها بناء مجمعا صحيا كبيرا في مخيم جباليا بدلا من العيادة القديمة انتهى العمل به من وضع الأساس .. بالإضافة إلى العديد من مشاريع البنية التحتية التي تنفذها بلديات محافظات غزة ومشاريع ( بكدار ) كذلك ! الشتاء على الأبواب وكثير من منازل المواطنين تحتاج إلى ترميم وإصلاح وتعمير لمياه الصرف الصحي ولا يوجد كيلو أسمنت واحد يمكن لمواطن أن يغلق به ثغر في جدار بمنزله لو احتاج الأمر .. قال لي عامل يعمل في مجال السباكة : حافظ على صنابير المياه في بيتك لأنه لا يوجد في غزة ما يمكننا إصلاحه أو تبديله .
موسم الزواج هذا الصيف استهلك ما كانت تختزنه غزة لعرسانها من غرف النوم والملابس والأثاث والإكسسوارات وغيرها .. ولم يستطع أي عريس جديد أن يحصل على غرفة نوم واحدة لا مستوردة أو من صنع محلي لأنها تعتمد على استيراد كل المواد الخام لتصنيعها .. على أصحاب السيارات أن يحافظوا على عجلات سياراتهم لأنه لا يوجد في غزة عجلا جديدا واحدا من الكاوتشوك يمكن تبديله إذا عطب عجل سيارتك .. خلال كتابتي هذا المقال علمت أنه : منع دخول اللحوم بكافة أنواعها حيث استهلكت غزة مخزونها نتيجة حلول شهر رمضان المبارك ، وكذلك أعلن أكبر بنك في إسرائيل وقف تعامله مع بنوك غزة ..! المدخنون في غزة وقد يكونوا الأغلبية انقطعوا عن عادة التدخين قسريا ليس من باب الحفاظ على الصحة بل لأنه لم يدخل إلى غزة سيجارة واحدة ، ورب هذا النفع الوحيد من الضرر الكبير الذي لحق بأهل غزة ..!
إذن إسرائيل لم تقدم هذه المرة على رد عنيف وسريع ، بل برمجت لما هو أشنع وأبشع من ذلك لتطول كل فرد غزاوي كبير أم صغير ، امرأة أم رجل .. ليتنافى هذا الإجراء مع كافة المواثيق والأعراف الدولية وأبسط حقوق الإنسان حيث لا يعرف التاريخ البشري مثل هذا العدوان السافر على شعب بأكمله .. بالإضافة إلى الإجتياحات المستمرة بين وقت وآخر للعديد من المناطق مثلما حدث مؤخرا لمخيم البريج للاجئين والقرارة في خانيونس وبيت حانون وكافة المناطق الحدودية ليستمر مسلسل القتل والتدمير الذي يطول كل شيء هناك .. شيء آخر لم يذكره أحد في السابق هو : أن سكان غزة بالكامل يعانون من عدم رؤيتهم لكافة الفضائيات الإعلامية وذلك بسبب تشويش رادارات وطائرات إسرائيل على طبقات الجو العليا والسفلى لمنطقة غزة بالكامل .. هذه غزة مثلما سعت إليها إسرائيل عندما انسحبت منها ، وأوهم الجميع أنها خرجت منكسرة فيها ..! لكنها خرجت وأخرجت من يسمونهم المعتدلين منها حتى لا يلومنهم أحد وكي يتسنى لهم الإطباق على من تبقى فيها حتى يستسلموا ويقبلوا بحلول مغشوشة تساعدهم على البقاء في الحياة التي تريدها إسرائيل لهم وعل مقاسهم فقط ..!
الناس هنا في غزة لا أحد يعنيه ما يجري .. كل فرد يتمركز حول ذاته ويعمل على تدبير أموره بنفسه ، الجيوش التي استولت على السلطة ومواقعها يفرون منها عند سماعهم ( زنانة ) أي طائرة استطلاع في الجو .. وأوهموا الناس أن المقاومة باقية بوضعهم سواتر ترابية عند مداخل المدن .. أصبحوا يركبون السيارات الفارهة بعدما كانوا يتهمون أصحابها بالفساد والخيانة ؟؟ وما يحرقونه من وقود على هذه السيارات تطعم كثيرا من العائلات التي لا تجد قوتها اليومي .. قيادة حماس الأبية باقية على مواقفها المتحجرة ولا يعنيها شيء لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الداخلي ، جامعتها المقدسة متورطة في الفساد ولا تعلق على الأمر بشيء .! جرائم ترتكب بحق الشعب من قبل التجار ولن تتدخل لمعاقبتهم أو التحقيق معهم .. معلم حمساوي يضرب تلميذا في الابتدائي لمجرد أنه يعلق في رقبته صورة لرمز فتحاوي ويخاف أهل الطالب من تقديم شكوى ضد المعلم ، أو لمن يشكوه ..؟ حماس طيلة عمرها السياسي تعلن أن إسرائيل عدوة لنا وللمسلمين وتحاربها بكل الوسائل ، وتحتج على قرار إسرائيل باعتبار غزة كيانا معاديا .. إذن ماذا تريده كيانا صديقا أو جارا مؤدبا خلوقا ..؟ معادلات صعبة لا يمكن فك رموزها الغريبة ..؟ ها هي غزة أصبحت قشة في مهب رياح الخريف العاتية ، لكنها لا ولن تسقط ، ولن يبتلعها البحر .. لأن ذلك لن يحل مشكلة إسرائيل ، أو ورطة أمريكا ..!!

#عبد_الكريم_عليان (هاشتاغ)       Abdelkarim_Elyan#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات