أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة(2-3)















المزيد.....


المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة(2-3)


محمد عثمان ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2039 - 2007 / 9 / 15 - 10:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كان تحرك مجموعة الشيخ أحمد بيتاي ضد القيادة و ضد النفوذ الإرتري هو التحرك الخطير الثاني بعد حركة الشيخ موسي علي بيتاي في قدماييب .
كنت قد وصلت للتو من قرورة عبر أسمرا و تم اختياري ضمن لجنة للوساطة برفقة زميلين آخرين و حين وصلنا لمكان التمرد تم إستقبالنا بشكل جيد و ادرنا حوارات لا باس بها مع المتمردين لكننا لم نبذل الجهد الكافي وفق ما كانت تقتضيه شروط الواقع الذي وجدنا أنفسنا فيه و بالتالي لم نتمكن من التوصل إلي حل.
بعد ثلاثة أيام أتت لجنة وساطة نافذة بقيادة أحد (لأصدقاء ) الذي حسم الأمر بقوله "إنه لا يمكن أن تجلس كل مجموعة تحت شجرة و تقول إنها قد قررت تغيير القيادة" ، و اشار إلي مخاطر أن يصبح مثل هذا الأمر سلوكاً يعيق الثورة.
إنبري متمرد ماهر و قال لرجل (الأصدقاء ) بطريقة فظة و ساخرة " يا فلان نحنا عايزين نعرف بس ، أنحنا مسيرين و لا مخيرين؟" و كان السؤال في غاية الوضوح .
ستتم خيانة العهد الذي قدم لقادة التمرد و سيقبعون في السجن ( الموسوي ) لأشهر عديدة ثم سيطلق سراحهم فرداً فرداً دون أي معايير .
و للحق لم يكن دور موسي و إلقائه للرفاق في السجن عملاً فردياً و إنما كان دوره في ذلك هو دور المخلب المنفذ لخطط الآخرين و تحت حمايتهم .
كان الشيخ عمر في حاجة للمساندة ضد الشيخ احمد بيتاي لذا فإنه بعد قيام الإرتريين بتسلم المجموعة من حماية الحركة الشعبية ( و يمكن للرفيق عبد العزيز الحلو ان يقول الكثير عن هذا لو شاء )، أخذ الشيخ عمر مجموعة سيئة الحظ لمقابلة بيتاي و مجموعته بغرض التشفي و كيل الشتائم.
تمثلت مجموعة الشيخ احمد عبارة مانديلا الشهيرة " الرجال الأحرار فقط هم من يستطيعون التفاوض ، ليس بوسع السجناء الدخول في إتصالات و هنا لا يمكن الفصل بين حريتك و حريتي".
إمتنع رجال الشيخ أحمد عن الحوار كما رويت لي القصة و تباهت كل مجموعة الشيخ عمر في الإساءة للرجل الكبير و رفاقه.
بقيت المجموعة في حماية ( سجن ) الإرتريين لشهرين تقريباً ثم أحضرهم موسي ( و هل هناك غيره ؟) في شاحنة إلي سجن جديد أعد لهم .
أبلغني البعض من الضباط الإرتريين أنهم مستاؤون من إعتقال السيد بيتاي و مجموعته و إنهم سلموهم لرئيس مؤتمر البجا بإعتبارهم تابعين لتنظيمه و بشرط إطلاق سراحهم و لم أصدق هذه الترهات بالطبع.

في موقعي بمكتب الرئيس كان هناك عرف لم يدم طويلاً ، من يريد التصديق بميزانيته الشهرية عليه تقديم تقرير عن إنجازات الشهر الماضي و خطة العمل للشهر المقبل و في ذلك الموقع عرفت أن موسي لم يكن (عبقرية بجاوية ) و إنه يكتب مثل صبي في الصف الثالث الإبتدائي و إنه يعثر في الكتابة والقراءة . مثل هذه المسائل يسهل إكتشافها حين يتولي شخص بهذه القدرات منصباً عاماً يستلزم معرفة القراءة و الكتابة و رسم التوقيعات.
لم يقدم السيد موسي طوال توليه رئاسة الأركان خطة عسكرية للحماية كانت أو للهجوم .كان مشغولاً بقضايا السجن و الحبس و القمع نيابة عن الشيخ عمر نفسه أحياناً و نيابة عن الآخرين و في بعض الأحيان أصالة عن نفسه بعد فبركة هذه التهمة أو تلك.
ذات مساء إلتقاه أحد الرفاق مغاضباً و وصفه بأنه رجل يحيك الدسائس و المؤامرات و أساء إليه بعبارات مقذعة و حادة و في اليوم التالي كان الرجل الذي نعرف حبيس السجن في تهمة فادحة و هي تهمة التحرش الجنسي فيما كان الجميع يعلم إن الرجل بريء و إنه كان عفيفاً نقياً و لن أزيد .
هكذا صار النضال أكثر فظاعة من السقوط في الوحل و صار الإرتماء في أحضان النظام الذي صمم الجميع علي إقتلاعه ذات يوم من الجذور أكثر مدعاة للراحة و الأمان من مقارعته.
و موسي رجل بلا أصدقاء و هذا يكفي . لم يكن لديه خلصاء فقد خشي الكثيرون من الإرتباط به و الوصم في أعين الاخرين بالتجسس و جاسوس شتيمة مقذعة في التخوم الإرترية.
لم تمض شهور قليلة حتي صبأ التنظيم عن الهيكل التنظيمي الذي أقره مؤتمر مايو 1998م وأقام هيكلاً جديداً كرس فيه موسي نائباً للرئيس لكنه ما زال في دورانه حول نفسه يتسقط الأخبار ويستجوب المقاتلين و يترصد أخبار المواطنين .كان الجميع يعرفون حقيقة واحدة و هي أن الرجل واجهة لآخرين و دون هؤلاء كان يمكن أن يتصدي لقيادة التنظيم و العمل كله من يأتي بهم الفرز الطبيعي و في أي حالة لفرز القيادات بشكل طبيعي فإن السيد موسي لن يكون موجوداً.
حين أنظر إلي مسارب الرجل الصاعدة أستعيد سيرة شخصية عضو مجلس الشعب عطية الساعاتي التي أداها ببراعة الممثل المصري صلاح عبد الله في أحد المسلسلات المصرية ففي أحدي المرات يتخلي الرجل عن السراب الذي يحيط به من جماهير تهتف باسمه و ضباط شرطة يفسحون له الطريق و صحف تنشر حواراته في صفحاتها الأولي و قال لشخص وحيد كان يحادثه " أنا تلزمني الحصانة ، من غير حصانة ما فيش عطية الساعاتي " و لعل الكثيرين في توق ليعرفوا ماذا يقول السيد موسي لنفسه حين يأوي إليها وحيداً.
ذات صباح حافل و بينما كنا نعقد جلسة لإجتماع اللجنة المركزية الأول جاءتنا الأخبار بأن (العدو) يجهز لهجوم واسع علي توقان و تلكوك و كدبوت و تم توزيع جميع أعضاء اللجنة المركزية علي تلك المناطق إلا موسي الذي إختص بالتنسيق مع قوي التجمع و الأصدقاء. هكذا كان يقضي يومه متنقلاً بين تلك المناطق ينقل المؤن من هنا لهناك و المرضي من الخطوط الأمامية للخلفية.
و في عصر أحد تلك الأيام الذي أنَت في صبحه الدبابات و قصفت فيه الطائرات ما شاء لها الله أن تقصف و اشتعل فيه المكان الذي كان آمناً بالرصاص جاء ( موسي ) مذعوراً يحمل إلي توقان نبأ إستشهاد الرفيق محمد دين مصطفي ( لبسوي ) و ثلة من الرفاق الكرام.
كان فاقداً للتركيز، قص أن المعركة كانت قد انتهت لكن محمد دين أصر علي سحب مجموعة من الجثث و حين عاد لموقع تلك الجثث عاجلته قذيفة مدفع قضت عليه. سأله أحد الرفاق هل تمزقت جثته فقال مرتبكاً " لا محمد دين كويس" و صمت الثلاثة.
كان محمد دين محبوباً في أوساط الجيش و العامة فزيادة علي خفة روحه كان شجاعاً و كان يجاهر برأيه و كان يمثل عازلاً ما بين موسي و الجيش.
كان الشيخ عمر يحتاج إلي موسي و يثق به أكثر من محمد دين الميال إلي الإعتداد برأيه و العناد.لم يكن الشيخ عمر مشغولاً بالجيش و كان يريد أن يحمل هذا الهم لموسي حتي يتفرغ هو لمعركته الهائلة و التي خسرها لاحقاً ضد عائلة الشيخ بيتاي و هي العائلة التي نصبته رئيساً علي التنظيم فأراد أن يحمل العبء عنها وحيداً.
إشتهر موسي بجلساته المطولة مع شيخ عمر كلما عاد أحدهما من السفر. كانا يعقدان اللقاءات سراً و لم يكن الشيخ عمر يفكر مطلقاً إن هذا الرجل الذي يتحدث أمامه بصوته الهاديء سيورده مورداً نسأل الله له تجاوزه و فكاك أسره و العودة لأهله .
بعد استفحال خلافات الشيخ عمر مع أعيان همشكوريب عبر الرجل عن إستعداده التخلي عن منصب الرئيس الذي كان قد كرهه كما أسر لبعض أعوانه و ذهب للأصدقاء ( لتقديم استقالته ) لكن الأصدقاء أوضحوا له إن هذا شأن داخلي عليه ان يعالجه داخل تنظيمه و كانت إجابة ماكرة توضح أن الرجل قد أتم مهمته و إنه لم يعد مطلوباً لديهم .
هكذا أدرك الرجل بحسه إن تخليه عن المنصب في هذا الوقت و هذه الظروف سيضعه في مرمي الكثير من النيران و ستتم معاقبته و إرساله لمعسكرات (إعادة التأهيل ) التي كان يعلم تماماً كيف تقوم بتأهيل الثوار و كيف يخرجون منها و هم يعبرون عن سعادتهم بسبب تمكنهم من تقديم الكفارة عن أخطائهم في حق الثورة.كان علي كل سجين أن يعلن عن قناعته بالعقوبة التي حصل عليها و في أحيان كثيرة العقوبة و التهمة معاً فالثورة ترتب لك كل شيء.
كانت مفردة السجن هي أقل المفردات إستخداماً فقد كانت كل جماعة من ثلاثة تستخدم مفردة أخري ترمز له تحاشياً للمشاكل.
أقام منتسبو التنظيم مجتمعاً موازياً بلغة موازية كانت فيها عشرات المفردات ترمز للقيادة و للأشخاص و لكل شيء فقد كان القهر يجبر الجميع علي ابتداع الوسائل في التكيف عليه و التأقلم معه.
وضع الشيخ عمر خطته و أمر بالإعداد لمؤتمر من أجل إنتخاب قيادة جديدة و كان يتابع من بعيد مرسلاً الإشارات إلي أنه سيقدم إستقالته خلال هذا المؤتمر و في اليوم الأول جاء للقاعة و رشح نفسه للرئاسة و دمر جميع المخططات.
قرر الشيخ عمر الإستفادة من عباءة الرئاسة و الخروج بجلده فذهب إلي الخرطوم هارباً فيما أعاد سيارة التنظيم و هاتف الثريا و غيرها من الممتلكات حتي لا تصبح سبة فيه.
ربما أدرك الشيخ عمر بإطلاعاته الواسعة أن الأمور تفلت من يديه لصالح الرجل ذو المؤهل الغامض فحاول أن يحتفظ بخطوط مفتوحة مع موسي فأرسل له خطاباً كال فيه المديح للرجل و التنظيم الذي قدم له الكثير و " مكنه من ركوب الطائرات" لكن الشيخ عمر سيبقي طويلاً في انتظار الرد ريثما يترجم خطابه للتغرينية!.
إختلط حابل التجمع الوطني الديمقراطي (البائس ) بنابله بعد فرار عضو هيئة قيادته و اشتعلت بورصة التكهنات حول من سيخلفه و إستقر الأمر علي شخصين إما الأستاذ فكي علي محمد أوهاج الذي يحظي بتأييد الغالبية من منتسبي التنظيم لعدة أسباب و الأستاذ عبدالله كنة لرمزيته و معرفته و تجربته لكن الأصدقاء فيما يبدو كان لهم رأي آخر .
لم يطب المقام بالشيخ عمر في السودان فقفل راجعاً بعد حوالي الشهرين فخسر بذلك حكومة الجبهة الإسلامية و لم يكسب حكومة الجبهة الشعبية.
بقي في السجن لوقت قصير ثم أطلق سراحه بل و منح سيارة و حراسة خاصة و كان موسي يشك في أن الرجل يحمل معه سراً هاتف ثريا و رصد من أجل ذلك العيون.
كان إطلاق سراح الشيخ عمر هو سجن له بشكل آخر فقد كان الجميع يدرك أن الرجل لن يغامر بالعودة للسودان و في ذمته مليارات الجنيهات ثمن السيارات و الأموال التي هرب بها و قد فتحت بلاغات جنائية في مواجهته و لم يكن أحد يفكر في أن الشيخ عمر سيأوي من جديد إلي همشكوريب بعد أن هرب من الشيخ سليمان علي بيتاي الذي وصفه بالخيانة في تصريح صحفي.
ظل موسي رهن سجن اخر يحبس فيه نفسه فقد كان يقضي غالب يومه محبوساُ يترصد أخبار السجناء و الطلقاء و حين يأتي الليل كان يأوي إلي فراش مفاجيء بأذن تطن من الأخبار الكاذبة . كان الكثيرون يعرفون أن التقرب من الرجل مرهون بنقل الوشايات له و حين لا تكون هناك ثمة وشاية حقيقية فإن حاجة الرجل الملحة لها تتطلب الإختراع و هكذا كان البعض يزيد من القيود حول الرجل بمزيد من الغزول الواهية. منذ متي تحاصرني و تحبس في نفسك ، تساءل محمود درويش مرة.
في الشهور الأولي لإنتخابنا في اللجنة المركزية جاءني موسي بنبأ ، كانت ظهيرة مشئومة عرفتها بمجرد دخول الرجل باتجاه الصالة الرئيسية في منزل الرئيس الشيخ عمر الذي احتفظت فيه لنفسي بغرفة.
لم يكن الشيخ موجوداً حينها و كان موسي في شغل شاغل يقلب بصره في المكان كله كثعلب مذعور . سألني عن مكان الشيخ فأجبته الإجابة المعتادة " لا أعرف" . قال : " الشباب في قسم الإتصالات أيضاً لا يعرفون ، لا أحد يعرف مكان الرجل و نحن نريده ".
رددت عليه بنظرة مصطنع اليأس فيها يقول معناها " لا أستطيع مساعدتك" . صمت لبرهة ثم قال لي هل تعرف شخصاً من بورتسودان إسمه الأمين مصطفي . تبادر في ذهني علي التو إسم مصدر المواشي المعروف لكن عند التعامل مع موسي ينبغي الحذر فموسي يأتي بالشرور .
سألته أن يعطيني مزيداً من التوضيحات
- تاجر مواشي .
نعم .
- هل هو جبهجي؟
لا و ليست له أي علاقة بالسياسة ، لكن ما الأمر؟
- لدينا معلومات أن لديه أبقار دخلت إلي المنطقة و نريد ( أخذها ) أي مصادرتها.
إياكم ان تفعلوا ذلك فالرجل عظيم في أهله و هو من وجوه سنكات المعروفة في كل صيف مذ كنا أطفالاً و ستحرج التنظيم أي عملية من هذا النوع و .. و ...
- خلاص ، أرجو أن يظل حديثنا هذا سراً بيننا.
في المرة السابقة كانت الأبقار ( التي صادرتها الثورة ) مملوكة للسيد / كمال سيد أحمد الذي قيل لنا إنه (جبهجي ) و إنه يعمل محافظاً للقلابات . الحق أن لا أحد أعرب عن أسفه لتلك الحادثة و الكثيرون إعتبروها تحصيلاً عادياً لضريبة مستحقة و ساعد علي ذلك أن السيد سيد أحمد لم يكلف نفسه عناء السؤال عن هذا المال.
ذهب موسي عني لكن بعد ساعات سرت الشائعات أن التنظيم إستولي علي ابقار تابعة (لواحد جبهجي) من بورتسودان.
للحقيقة تداولنا في الأمر و اعترض علي العملية عدة إخوة سأذكرهم و لا أدري إذا كان يسوءهم ان أذكر اسماءهم لكن في تقديري هذا الموقف مشرف و ليس فيه ما يعيب . عبدالله كنة و محمد هيكل و حسن جعفر شاركوني الإعتراض و أوضحنا جميعاً إننا كأفراد سنشعر قطعاً بالعجز إذا جاء أصحاب هذا المال للسؤال عنه و كنا ندرك أنهم سيفعلون فلم نعهد من أصحاب الحقوق أن يتخلوا عنها بهذه السهولة.
إجتمعنا كلجنة مركزية و تداولنا في الأمر علي ضوء مذكرة و إحتجاج من الأستاذ عمر عيسي المقيم بالولايات المتحدة و الذي أفادنا بأن السيد / الأمين مصطفي قد توفي إلي رحمة مولاه و إن هذه الأبقار تخص الآن ورثته الكرام. و لم يكف رفيقنا الراحل الدكتور الحسن مصطفي عن الضغط عبر المذكرات و المحادثات الهاتفية من أجل إعادة الأبقار سالمة إلي أهلها.
طرح الشيخ عمر الأمر فتحدث الأخوة معترضين علي الأمر ( وهذا الكلام موثق في دفتر الإجتماعات ذو الغلاف الجلدي الأسود و بخط يدي ) و أوضحوا إن هذه العملية تضر بالتنظيم . قاطع الشيخ عمر المتحدثين متسائلاً عن لماذا لم نوفر هذه النصيحة لموسي حين خطط لهذه العملية فأوضحت له إنني فعلت في هذه الصالة و طلبت من موسي البعد تماماً عن ممتلكات هذا الرجل و سأل واحد عما إذا كان بإمكان موسي ان يستولي علي أبقار مواطن من همشكوريب مثلاً.
عند هذا الحد أوقف الشيخ عمر التداول حول الموضوع طالباً منحه تفويضاً للتعامل مع الأمر برمته و كان واضحاً إنه يريد حفظ ماء وجه الرجل الذي كان يخدمه ( بعيونه).
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قدم إلي إرتريا وفد بقيادة السيد / أحمد إيرة و السيد / أبوفاطمة دايتك و هما من وجهاء بورتسودان المعروفين و التقوا بالإرتريين و ببعض الزملاء من اللجنة المركزية لمؤتمر البجا في حين كنت أنا في أسمرا و حين عدت علمت إن الرجلين فشلا في مهمتها و أسر إلي صديق إن الرجلين تسرب إليهما خبر خطة كانت تهدف لإعتقالهما فتفاديا كل هذا العناء.
بعد شهور سأكتشف إن رعاة البقر ظلوا في السجن منذ الإستيلاء علي ما كانوا يقومون برعيه.
لست أدري شيئاً عن الترتيبات التي تمت بهذا الشان لكني أحسب أن السيد (مساعد الرئيس) لا بد أن لديه خطة لمعالجة مثل هذه القضايا و التكفير عن أخطائه الشخصية عبر عصا المنصب أو ذهبه و تعويض ذوي المظالم حتي دون محاسبة الجناة فأن تفعل شيئاً خير من ألا تفعل علي الإطلاق.
لعله تبين مما ذكرت أن السيد موسي يتحمل بنسبة عالية مسئولية تلك العملية و لكن ماذا عن العمليات التي لم يقم بالتخطيط لها رغم وجوده علي رأس هيئة الأركان مثل عمليات ضرب خطوط نقل النفط التي أثارت جدلاً كبيراً و لفتت الأنظار إلي خطورة عمليات الإستنزاف التي يمكن أن تقوم بها مفارز قليلة العدد .
كانت قلة منا تعرف مواعيد العمليات و بالرغم من إن تلك العمليات لم تستثمر إعلامياً علي الوجه المطلوب و كان هذا محل إعتراض العديد منا بإعتبار إن غياب الإسناد السياسي و الإعلامي يحول عمليات هائلة مثل هذه إلي اعمال تخريب تقوم بها عصابات.
كانت العمليات ذا أثر موجع علي الحكومة حتي إنني أذكر أن الحكومة و علي لسان وزير الخارجية (حينذاك) مصطفي عثمان إسماعيل عبرت عن إستعدادها للتفاوض مع مؤتمر البجا إذ اشار إسماعيل إلي أن الحكومة ليس لديها مانع من التفاوض مع (فكي بتاع البجا) و كان الوزير يشير إلي الأخ / فكي علي محمد أوهاج الذي تحدث عن العملية لقناة الجزيرة في قطر.
تأخر تنفيذ العملية الثالثة و لم يكن الشيخ عمر موجوداً فيما كان الشباب الذين تولوا تنفيذ العملية قد وصلوا إلي المدي الذي يمنع فيه إستخدام وسائل الإتصالات خشية الرصد. وصل موسي من إحدي أسفاره فسألته عما إذا كانت لديه معلومات عن الرفاق و عن اسباب تأخر تنفيذ العملية و هل هناك أي مؤشرات عن تعرضهم لمكروه –معاذ الله- فرد عليَ إنهم بخير . ألحيت عليه فطلب من أحد الرفاق الحراس بناً ( نعم حبات من البن الذي تصنع منه القهوة).
لم اكن اعرف كيف يريد السيد رئيس هيئة الأركان التعرف علي وضع الرفاق المقاتلين بواسطة حبات البن لكنه أفحمني بسهولة إذ إحتسب لنفسه عدة حبات ( قدرت إنها ثلاث و ثلاثين) إنتقي منها مجموعة عدها ثم كرر العملية ثلاث مرات و قال لي إنهم سينفذون العملية و سيعودون بخير.
لم يكن الرجل قارئاً للكف أو محتالاً بلدياً يحاول كسب عيشه بطريقة مبتكرة و لكنه كان قيادياً تنظيمياً و ثائراً و عرفت بلا شك طريقة إدارة السيد رئيس الأركان للمعركة ضد الحكومة .
الإحتيال عن طريق (الخيرة) ليس بهذه السهولة فهو يتطلب مظهراً متديناً و صلوات متباهية أكثر منها تقية و لم يكن باستطاعة موسي جلب شكوك ( الأصدقاء ) نحوه بادعاء التدين لذا فقد إحتال علي بخيرته البائسة تلك دون مؤهلات شأنه مع كل الوظائف التي وضعته (القسمة العمياء ) عليها.
شخص بهذا القدر من التناقض لا بد ان يكون موسوساً و مصاباً بالهواجس و في هذا قصة. فقد كان علي تواضع حصته من المعرفة ميال إلي إستخدام بعض الكلمات الكبيرة التي يقتنصها في تسمعه لأحاديث البعض مثل عبارة (آراؤنا متباينة) التي كان يقصد بها إن آراءنا متطابقة و غير ذلك لكن هذا ليس من النواقص فمن الشطط ان نطلب من الجميع أن يكونوا عارفين باللغة العربية و قد رأينا في تهافت العوام علي تسمية أحزابهم السياسية - في زماننا هذا -أن يخطأوا في العنوان .
تخرجت إحدي الدفعات قليلة العدد من الجيش و أحسب أنها الدفعة العاشرة أو الثانية عشرة فكلف الشيخ عمر (موسي ) برئاسة حفل التخرج و كتب له أحدهم (وكان رفيقاً متباهياً و عاجزاً) خطاباً باللغة العربية علي ورقة كراس مسطرة عرضها عليَ فلم أجر عليها شيئاً.
تولي تقديم الحفل صديقنا العزيز علي بدري الذي كان شاعراً و كاتباً و اديباً عارفاً فقدم موسي الذي ألقي كلمته البائسة ثم عقب عليه علي بدري بعباراته الأدبية المنتقاة و واصل تقديم فقرات الحفل.
غضب موسي و أسر إلي إن علي بدري أراد إحراجه و الظهور أمام الناس بأنه اعرف باللغة العربية و إنه أكثر تعليماً منه.
إذن كان مطلوباً من علي أن يخطيء في حديثه و أن يظهر العي و الحصر حتي يظهر السيد موسي في ثوب العارف.
لا علينا فقد سئم علي كما سئم غيره و غادر إلي أهله دون غنيمة و دونما وداع و هو الذي كتب أشعاره الرائعة باللغة العربية الفصحي و بعامية أهل شمال السودان و أذكر أن قصيدته الرائعة ( شرق السودان يا بلادي ) التي قام بتلحينها أحد الشباب و صارت إحدي الملاحم قد تعرضت للتحريف بسبب السيد موسي فقد كان يقول في أحد (كوبليهاتها ) :
المؤتمر دة مظلة
و انحنا حالفين والله
فوق الخلوق نتعلي
شرق السودان يا بلادي.
قام أحد الشباب من الخبثاء و حرفها من سجنه ( المؤتمر دة مذلة ، عوضاً عن مظلة) .



#محمد_عثمان_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة (1)
- السودان دولة فاشلة ، محاولة لرفض اللقب
- الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي ...
- 2موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في الس ...
- موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في السو ...
- الحزب الأتحادي الديمقراطي ، التباسات الخفة و الثقل
- في تداعي سائر التجمع الوطني السوداني بالسهر والحمي ،الحزب ال ...
- في تآكل المنسأة ، أو عن كيف خسر التجمع الوطني السوداني المعا ...
- في تآكل المنسأة أو كيف خسر التجمع السوداني المعارض ذاته والع ...


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة(2-3)