أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - اكرم سالم - الموازنة العامة للدولة وعملية الدمج الاقتصادي الاجتماعي















المزيد.....


الموازنة العامة للدولة وعملية الدمج الاقتصادي الاجتماعي


اكرم سالم
(Akram Salim Hasan Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2008 - 2007 / 8 / 15 - 05:03
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


هذا الموضوع اخذ يستقطب جهود من الباحثين نظرا لتعاظم الدور الستراتيجي للدولة المعاصرة بمختلف توجهاتها الفكرية و الايديولوجية وضرورة تدخلها الايجابي في المفاصل الحيوية للمجتمع وتنظيماته بشكل استباقي نبيه و واع للمتغيرات البيئية الكبرى وطنيا ودوليا . ولا نغالي اذا ما قلنا بأن موازنة الدولة هي الجهاز الديناميكي الفاعل للقيام بهذا الدور

المطلب الاول
الاهمية :
فرضت ظروف مالية الدولة الحديثة ضرورة الاشارة الى مدى ما يمكن ان تحدثه الموازنة من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية ، فالموازنة تمثل الاطار الذي تنعكس من خلاله خيارات الدولة لأهدافها واداتها الى تحقيقها ، و في ظل الفكر المالي التقليدي او سيادة مباديء الاقتصاد الحر التي تنادي بتحريم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية وضرورة ترك التوازن الاقتصادي يتحقق تلقائيا من خلال تفاعل القوى الاقتصادية ، نلاحظ ان الاثار الاقتصادية للنشاط المالية للدولة لم تنل الاهمية التي تستحقها نتيجة التستر خلف فكرة المالية العامة المحايدة ، على الرغم من انها لم تنكر وجودها تماما .
الا انه ومع تدخل الدولة في مجالات النشاط الاقتصادي وانتشار فكرة التخطيط واستخدام الادوات المختلفة للتأثير في الحياة الاقتصادية ، برزت اهمية النشاط المالي كأداة لتحقيق اهداف المجتمع ، وبخاصة ان هذا التدخل المتجسد في استخدام الوسائل المالية يتميز بمرونته مقارنة مع وسائل التدخل التحكمية . كما تتجلى مدى الصلة المتينة بين هذا النشاط والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فأختيار الدولة لنفقاتها وايراداتها قد يحول دون تحقيق اهداف المجتمع ، اذا لم يكن هذا الاختيار نابعا من نظرة شاملة لجميع الاثار المتبادلة بين الظاهرة المالية وظروف البيئة المحيطة بها . وقد فرض هذا الامر ضرورة النظر الى الموازنة العامة في ظل اطار اكبر يتم التعبير من خلاله عن نشاط المجتمع ككل ، وبذلك اصبح متعذرا فصل الموازنة عن الخطة او عن الحسابات القومية .
مفهوم الموازنة وتعريفها :
بدأ العمل بصيغة الموازنة في العراق سنة 1921 مع نشوء الحكم الوطني وانتقال الادارة المالية الى مسؤوليته فصدرت اول موازنة بالمعنى المعروف في بدأ العمل بصيغة الموازنة في العراق سنة 1921 مع نشوء الحكم الوطني في تشرين الثاني سنة 1921 وقد ضمن دستور البلاد الذي اعلن آنذاك حق البرلمان في مناقشة الموازنة والمصادقة عليها ( د. مجيد عبد جعفر، 1999 ص 25 )
و تعرف الموازنة العامة وفق القانون الفرنسي بأنها " القانون الذي تخمن فيه واردات الدولة ونفقاتها بشكل متعادل ويؤذن بها " ويعرفها آخرون بأنها " تقدير احتمالي لنفقات الدولة وايراداتها واجازة لها عن مدة محدودة " ويعرفها بعض الباحثين بأنها " المنهاج المفصل للحكومة من الناحية المالية وتعنى الايرادات والنفقات المقررة لسنة مالية معينة " ( المصدر السابق ص 31 )
كما عرفت بأنها " خطة تتضمن تقديرا لنفقات الدولة وايراداتها خلال فترة قادمة ، غالبا ما تكون سنة واحدة ، ويتم هذا التقدير في ضوء الاهداف التي تسعى اليها السلطة السياسية " (د. طاهر الجنابي ، 1990 ص 270 ) .
وقد تطور مفهوم الموازنة ، و عبر احد الكتاب عن المفهوم الجديد قائلا " هي وثيقة تصب في قالب مالي قوامه الاهداف والارقام اما الاهداف فتعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات خلال فترة زمنية مقبلة . واما الارقام فتعبر عما تعتزم الدولة انفاقه على هذه الاهداف وما تتوقع تحصيله من مختلف مواردها خلال الفترة الزمنية المنوه عنها وهي عادة تحدد بسنة مالية "
كما عرفت المادة 45 من دليل المحاسبة الحكومية الصادر عن الامم المتحدة في الحلقة الدراسية الاقليمية التي عقدت في بيروت 1969 الموازنة بأنها " عملية سنوية ترتكز على التخطيط والتنسيق ورقابة استعمال الموارد لتحقيق الاغراض المطلوبة بكفاءة ، فهي اساسا عملية اتخاذ القرار بطريقة تمكن الموظفين الرسميين على مختلف المستويات الادارية ، ان يقوموا بالتخطيط والتنفيذ لعمليات البرنامج بطريقة مخططة للحصول على افضل النتائج الممكنة من خلال التوزيع والاستخدام الاكثر فاعلية للموارد المتاحة "
وقد ازدادت اهمية الموازنة العامة بشكل مضطرد وواسع بحيث شملت ابعادا سياسية واقتصادية واجتماعية في الدول على الرغم من اختلاف انظمتها السياسية ومن النتائج التي ترتبت على زيادة هذه الاهمية ان تغير وتطور دور الموازنة في المالية الحديثة عما كان عليه سائدا عند مفكري المالية التقليدية . وتمثل الموازنة العامة بيانات لتوقعات ما تنفقه وتحصله السلطة التنفيذية من ايرادات خلال فترة قادمة تقدر بسنة حيث تتولى هذه السلطة تحديد هذا التوقع قبل عرضه على السلطة التشريعية ، وعندئذ فان بنود النفقات والايرادات وحجمها ما هي الا برنامج عمل الدولة خلال الفترة المحددة له ، حيث تعكس سياستها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومن نافلة القول ان توقع نفقات وايرادات الدولة عن الفترة المحددة للموازنة لا يتم بمعزل عن توقعات النشاط الاقتصادي في المجتمع وحجمه . وتقوم المجالس النيابية في الدول ذات الانظمة الديمقراطية بأعتماد الموازنة اي الموافقة على توقعات السلطة التنفيذية عن نفقات السنة القادمة وايراداتها اذ على الرغم من ان السلطة التنفيذية هي التي تتولى اعداد الموازنة الا ان السلطة التشريعية تقوم بأجازتها لها قبل ان تقوم الحكومة بتنفيذها في الحدود التي صدرت بها اجازة هذه السلطة . United Nations
" Government Budgeting In Developing Countries "
خصائص الموازنة الحديثة :
من خلال الاستعراض السريع للنظرة الحديثة للموازنة يمكن ان نقف عند الخصائص التالية :
• مؤشراتها التقديرية ذات دقة عالية
• جداولها المقارنة اشمل واوسع
• مدتها محدودة ولكنها ديناميكية
• تنفيذها بأذن
• اهدافها اوسع من الاهداف التي تتطلع اليها الموازنة التقليدية : اضافة اهداف جديدة الى اهدافها التقليدية كتحقيق الرفاهية الاجتماعية وادارة المشاريع الاقتصادية منفردة بذلك او متعاونة مع القطاع الخاص ، فراحت تنفذ برامج استثمار تولاها بنفسها في صورة قطاع الدولة ، حيث تستطيع ان تلعب دورا مباشرا في تخصيص الموارد .
• دورها تدخلي
• توازنها مرتبط بسلامة النشاط الاقتصادي .
( انظر د. مجيد عبد جعفر ، 1999 ص 40 -43 )
كما تتضح بعض ابعادها الاجتماعية المستقبلية في كونها ( خطة مالية مستقبلية تحتوي على جانب الايرادات وجانب النفقات وتعبر بصورة غير مباشرة عن النشاطات والخدمات التي قامت او ستقوم بها مؤسسات القطاع العام من اجل رفع المستوى المعيشي والثقافي والصحي لافراد المجتمع .)
قواعد الموازنة العامة :
تتمثل قواعد الموازنة العامة في اربع قواعد هي :
• وحدة الموازنة
• سنويتها
• عموميتها
• توازنها
فوحدة الموازنة يقصد بها ان تدرج جميع نفقات وايرادات الدولة في موازنة واحدة اما سنويتها فتعني التحضير والاعداد والتصديق لنفقات الدولة وايراداتها دوريا كل عام . وعموميتها يقصد ان تظهر جميع تقديرات النفقات والايرادات العامة في وثيقة واحدة دون اجراء مقاصة بين الاثنين ، اي ان الموازنة لاتظهر سوى رصيد الفرق بين تقديرات نفقات المرفق وتقديرات ايراداته " الموازنة الصافية " ، والى جانب ذلك تظهر قاعدة عدم تخصيص الايرادات ، وقاعدة تخصيص الاعتمادات . اما القاعدة الرابعة وهي توازن الموازنة فقد اقرت النظرية التقليدية التوازن السنوي بين النفقات والايرادات العامة بشكل مطلق واعتبرت ان حسن الادارة المالية يتطلب التوازن بين جانبي الموازنة نفقات وايرادات والرغبة في تفادي ( مخاطر العجز في الموازنة ) وما قد يترتب عليه من اثار تضخمية او فائض لاتستطيع الدولة التصرف به من جهة اخرى .
( انظر د. رفعت المحجوب ، 1971 ،
الموازنة العامة والموازنات الاخرى:
الموازنة العامة بالمعنى الحسابي قائمة رقمية شاملة لنشاط الدولة تسجل فيها جميع العمليات التي تجري داخل دائرة نشاط معين . ان الموازنة تختلف عن الموازنة الخاصة في وجوب التصديق عليها من قبل السلطة التشريعية ومن خلال انفصال سلطات الدولة ، في الوقت الذي لاتحتاج موازنة المشروعات الخاصة مثل هذا التصديق . فموازنة المشروع Budget هي " خطة المشروع المالية خلال فترة زمنية معينة ، عادة سنة ، ويستخدم المصطلح ايضا للتعبير عن خطة عمل تقوم على اساس فحص انتقادي للانجازات السابقة ، وتتأثر بتقدير معقول للعوامل الحالية والمستقبلية التي يحتمل ان تؤثر في النتائج ، انها اداة بيد الادارة تستخدمها لاتخاذ قرارات حكيمة ، كما انها طريقة للتنبؤ والمراقبة " ( د. بشير عباس العلاق ، 1983 ص 87 ) .
وفيما تمثل الموازنة القومية تقديرات جميع وجوه النشاط الاقتصادي في المجتمع خلال فترة زمنية قادمة من خلال التوقعات الخاصة بحجم الدخل القومي خلال الفترة نفسها وتكوينه وتداوله وتوزيعه اضافة الى جميع انشطة المجتمع بما فيه الدولة ، فأن الموازنة العامة تعكس جميع وجوه نشاطات الدولة وحدها خلال العام (المقبل) ، لذا لاتتطابق الموازنة القومية مع موازنة الدولة ولا تحل محلها ، كما تتضمن الموازنة القومية البيانات الاساسية التي يهتدى بها عند اعداد الموازنة العامة نظرا لاحتوائها على عنصري النفقات القومية والايرادات القومية ، مما يساعد الحكومة على تكوين فكرة صحيحة عن الحياة الاقتصادية القومية بحيث تصبح قراراتها المتعلقة بالموازنة العامة ذات تأثير مفيد للنمو والتطوير الاقتصادي للدولة وغير ضار به .
من جانب آخر فان الموازنة العامة تتعلق بفترة قادمة متضمنة تقديرات يكون عنصر الاحتمال فيها قائما اذ قد تتحقق وقد لاتتحقق ، أما الحساب الختامي فيمثل بيانا بالنفقات العامة والايرادات العامة التي تحققت فعلا في فترة زمنية منتهية ، حيث يعتبر عمل هذا الحساب تقديرا للمدى الذي بلغته صحة تقديرات الموازنة خلال العام المنتهي . كذلك فأن كل موازنة لابد ان يكون لها حساب ختامي ، اضافة الى ان اعداد الموازنة وتحضيرها لابد ان يعتمد على الحساب الختامي خلال السنوات السابقة . ( انظر د. عادل احمد حشيش ، 1983 ،
الطبيعة المالية للموازنة :
يتضح ان الموازنة العامة هي تخمينات للنفقات العامة والايرادات العامة خلال فترة قادمة ، من خلال تحديد حجم الخدمات العامة التي تتولى الدولة القيام بها خلال الفترة التي تغطيها الموازنة ، ومن ثم تقدير النفقات العامة اللازمة لتغذية هذه الخدمات وبالتالي تقدير الايرادات العامة التي تغطي هذه النفقات ، ويعكس ذلك عملا تحليليا لكل من الانفاق العام والايراد العام . وتتحدد التقديرات المذكورة في صورة جدول يبين المحتوى المالي للموازنة . ( انظر د. حسن عواضة ، 1973 ،
الطبيعة القانونية للموازنة :
ان جدول النفقات والايرادات يكتسب الصفة القانونية من القانون الذي يجيزه حيث يجعله ملزما ، غير انه ينبغي ان نفرق بين قانون الموازنة وبين الموازنة نفسها ، اذ تتولى السلطة التنفيذية تحضير الموازنة في معظم الدول ثم تعرضها بعدئذ على السلطة التشريعية لاعتمادها ، وعند الموافقة عليها يصدر بها قانون هو" قانون اعتماد الموازنة " وعلى الرغم من موافقة السلطة التشريعية فان الموازنة ذاتها تمثل عملا اداريا حيث لاتقرر كقواعد عامة دائمة ، اذ هي خطة تعدها السلطة التنفيذية لتنظيم الانفاق والايراد عن مدة معينة ، فمن المعروف ان السلطة التنفيذية تمارس اختصاصها في شكل قرارات ادارية ، اما قانون اعتماد الموازنة فيعد عملا تشريعيا من حيث الشكل فقط بالنظر لصدوره عن السلطة التشريعية ، اما من ناحية الموضوع فلا يعدو ان يكون عملا اداريا لانه خال من قواعد عامة جديدة ولا يمنح الحكومة حقا لم يكن قائما في القوانين السارية .
( انظر قانون اصول المحاسبات العامة في العراق رقم 28 لسنة 1940 )
المطلب الثاني
الاهمية السياسية للموازنة :
للموازنة اهمية سياسية كبيرة اذ ان ارغام السلطة التنفيذية بأن تتقدم سنويا للمجالس التشريعية النيابية لغرض التصديق عليها واجازتها من قبل نواب الشعب في صرف النفقات العامة وتحصيل الايرادات فان هذا يعني اخضاع الحكومة للرقابة المستمرة ، تلك الرقابة التي تتجلى في القدرة على تعديل الاعتمادات التي تطلبها او رفض مشروع الموازنة .
الاهمية الاقتصادية والاجتماعية للموازنة :
ان هذا النوع من الاهمية تزداد كلما اتسع نطاق دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وتستخدم الدولة الموازنة كـأداة لتعديل توزيع الدخل القومية بين الفئات الاجتماعية او من خلال استخدام الضرائب وتوجيه النفقات العامة . ان اهتمامات الموازنة المعاصرة اخذت تتسع وتزداد حيوية نسبة الى ما كانت عليه في ظل النظرية التقليدية حيث اصبح من اهدافها تحقيق الاستخدام الكامل وتعبئة الموارد الاقتصادية ، والمساهمة في زيادة الدخل القومي ورفع مستوى المعيشة ، اما في الدول ذات الاقتصاد المخطط ، فيزداد دور الموازنة بصورة كبيرة جدا بالنظر لعلاقتها الوثيقة بعملية التخطيط الاقتصادي ، حيث تصبح الموازنة جزء من الخطة المالية العامة للدولة وابرز ادواتها التنفيذية .
فلقد تميزت النظرية التقليدية كمرحلة من مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي بعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية الا في حدود ضيقة ، من منطلق التأثر بمذهب الحرية الفردية الذي ازدهر في ظل نظام الاقتصاد الحر ، فتغلب على فكر هذه النظرية نوع من الحيادية الاقتصادية التي تتجسد في رفض التقليديين فكرة العجز في الموازنة العامة . بينما اخذ دور الدولة في ظل المالية الحديثة يتوسع ويزداد تدخلا في جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، فاصبحت الموازنة اداة رئيسة من ادوات السياسة المالية تستخدمها الدولة لتحقيق اهداف السياسة الاقتصادية بالمعنى الواسع الذي طبقت في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة واصبحت جزء متداخلا مكملا من الخطة المالية العامة ، لذلك اندثرت الاراء التي نادت بها النظرية التقليدية نتيجة تغير الظروف التي احاطت بمالية الدولة ، حيث ازدادت نفقات الدولة بصورة مستمرة نتيجة زيادة تدخل الدولة المستمر في الحياة الاقتصادية ، ولم يعد الحفاظ على توازن الايرادات والنفقات العامة في الموازنة السنوية مهما ، وانما اصبح التوازن الاقتصادي والاجتماعي للاقتصاد القومي ككل هو الذي يستأثر بأهتمام السلطة وليس التوازن المالي والحسابي للموازنة ، ولم يعد التوازن السنوي امرا تلتزم الدولة بتنفيذه حرفيا ذلك ان المالية العامة الحديثة قد وجهت اهتمامها نحو التوازن الدوري .
( انظر د. مجيد عبد جعفر ، 1999)

الموازنة العامة وعملية الدمج الاقتصادي-الاجتماعي :

ان عملية الدمج الاقتصادي والاجتماعي للموازنة تفرض ضرورة البحث في مشكلة اساسية هي البحث عن التقسيم الفعال اي البحث في التقسيمات المناسبة التي تجعل موازنة الدولة جزء من السياسة ومن ثم بيان دورها في تحقيق التوازن المالي والاقتصادي والاجتماعي .
واذا ما علمنا بأن الاعباء المالية العامة قد تجاوزت ثلث الدخل القومي في كثير من الدول ، فان ذلك لا يمكن ان يمر دون ان يؤثر في المجتمع ، فلقد اصبحت الدولة متدخلة في كثير من الدول ، تراقب وتوجه من خلال الأدوات المالية والتنظيمية فيها ، مما ادى الى ظهور اتجاه جديد في دراسة عناصر مالية الدولة التي تحتل الموازنة العامة مكان الصدارة فيها ، وافرز ان توضع هذه العناصر الموازنة والكميات المالية المختلفة اللازمة لتمويل النشاط المالي بشقيه الايرادي والانفاقي في اطار الاوضاع العامة للاقتصاد القومي ، وتحلل في ضوء تأثيرها وتأثرها بهذه الاوضاع ، كما ان الموازنة لاتعنى بتوازن النفقات والايرادات فحسب وانما صار ينظر الى الاقتصاد على المال ، اي وضع موازنة الدولة في خدمة الاقتصاد . كما ان اثر الموازنة لايقل شأنا في المجال الاجتماعي عنه في المجال الاقتصادي ، من خلال اسهامه الفاعل في تحقيق التوازن الاجتماعي وتقويم الاوضاع الاجتماعية الناشئة عن التفاوت في توزيع الدخول في اقل تقدير .
( انظر محمد حامد ابراهيم ، 1982)
دمج التوازن المالي في التوازن الاقتصادي :
ان التوازن المالي في ظل الموازنةالمتوازنة تتم ترجمته بالتوازن الاقتصادي للمالية العامة ، ويتحقق اذا ما تساوت المنافع التي تم اقتطاعها من الدخل القومي ، اي ان عدم التوازن المالي مرده تجاوز العناصر السالبة في مالية الدولة لعناصرها الايجابية . فاذا كان الاقتصاد القومي في حالة توازن يصبح الاستثمار العام ذا انتاجية اعلى من مثيله الخاص ويحصل بالتالي التوازن الاقتصادي للمالية العامة الذي يؤدي بدوره الى حدوث توازن عام مع كمية الناتج القومي في مستوى اعلى من الاول ويترتب على ذلك نتيجة مباشرة ذات صلة بكل من الادخار والاستهلاك في المجتمع ، ان الدولة هي التي تقدر تقسيم الدخل القومي بين اهداف الادخار والاستهلاك .
كذلك من الضروري العمل على دمج التوازن المالي والاقتصادي بالتوازن الاجتماعي العام ، ويقصد بالتوازن الاجتماعي تحقيق العدالة في توزيع الثروات والدخول بين المواطنين بحيث ينحسر التفاوت في مستويات المعيشة ، فلا تستأثر مجموعة بجميع الخيرات الاقتصادية او بأكثرها ويحرم منها او يكاد فريق آخر ، اي ان يتضاءل التفاوت الاجتماعي بين الطبقات بحيث تتقارب امكاناتها وتطلعاتها لما لهذا من اهمية في تطويق مظاهر الصراع والتناحر الطبقي ، وتهيئة الظروف المناسبة للاستقرار الاجتماعي اذ يؤمن الاستمرار في عملية التنمية والتقدم الاقتصادي في المجتمع .
( انظر د. فؤاد مرسي ، 1990 ، )
دمج التوازن الاجتماعي في التوازن العام للاقتصاد القومي من خلال الموازنة :
ان معظم دول العالم لاتقوم بعملية التطابق بين الاهداف الاقتصادية والاهداف الاجتماعية فيها ، لاختلاف ظروف كل دولة ، وبالتالي تتعدد وتتأثر اشكال التوازن الاقتصادي والاجتماعي المستهدفة بما تقرره من سياسات اقتصادية وماليةووسائل لتحقيقه ، ومن تطبيقات هذه النظرية ان عدم المساواة في توزيع الدخول قد تدفع اصحاب الدخول المرتفعة الى اكتنازها الامر الذي يقلص فرص الاستثمار وبالتالي التقدم الاقتصادي ، وبالعكس فان هذا التقارب في توزيع الدخول يزيد من نفقات الاستهلاك وبالتالي يزداد الطلب الاستهلاكي الامر الذي يؤدي الى زيادة الانتاج .
ومن اشهر النظريات في اساليب الموازنة في تحقيق التوازن الاجتماعي ، نظرية تعادل الدخول من خلال معرفة معدل دخل الفرد في المتوسط وفرض الدولة للمعدل القائم للضرائب على المواطنين الذين يتمتعون بثروات كبيرة من شأنها امتصاص اجزاء الدخل التي تزيد عن المتوسط كذلك في تحويل المبالغ المجمدة من هذه الزيادة في خزانتها العامة الى المواكنين الذين تقل دخولهم عن المعدل السابق من خلال قنوات خدمية وتنموية مختلفة .
والنظرية الاخرى هي تكافؤ الفرص ولايقصد بها تأمين دخول متساوية لجميع المواطنين بل يسلمون بمبدأ التفاوت الاجتماعي بشرط ان يكون لهذا التفاوت مبررات معقولة ومقبولة . ومن اهمها اختلاف انتاجية العمل الانساني ، واختلاف بعض العناصر الخارجية التي يمكن التأثير فيها كالمحيط الاجتماعي ومدى توفر الثروات فيه ، ولما كانت روح العصر تتطلب ان تكون المكانة الاجتماعية مستمدة من كفاءة المواطن الذاتية ، لا من الظروف الاجتماعية الخارجية وعلى وجه التحديد في التكوينات الاجتماعية المتخلفة ، فأن المفكرين الاقتصاديين عملوا على علاج ذلك من خلال طرح حلول تبلورت في صورة سياسات معينة تتجلى في سياسة التقريب الطبقي من خلال البرامج الاصلاحية المطبقة في الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة ، وسياسة تذويب الفوارق الطبقية في الدول المتخلفة ، من خلال عدة وسائل منها اعادة توزيع الدخل القومي لمصلحة بعض الطبقات العاملة ، وكذلك العمل على تصفية الطبقات التي تملك ولا تعمل وتعيش على دخل بلا عمل ولا تسهم باي دور في الانتاج وعندئذ يصبح العمل اساسا هو القيمة الاجتماعية للفرد والمصدر الاساس للدخل ، ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة واقار مبدأ تكافؤ الفرص وبخاصة في مجالي العمل والخدمات الاساسية اللازمة لحياة الانسان وتنمية قدراته والمحافظة عليها من خلال التعليم والصحة ، وبذلك تحل ظاهرة الفئات الاجتماعية المفتوحة محل ظاهرة الطبقات المغلقة .
( انظر التقرير الذي اعده قسم السياسة الاقتصادية في وزارة المالية في العراق 2005 )

المطلب الثالث
الاستنتاجات والتوصيات :
يتجلى مما تقدم صحة فرضية البحث من ان الموازنة العامة والادوات المالية تتحكم بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية وتحقق عملية الدمج فيهما ، من خلال زج اجهزة الدولة المعاصرة ، الاقتصادية والمالية والأدارية بشكل منظم بهدف احداث عملية الدمج والتوازن والتنمية المستدامة وفق عملية مخططة غالبا ، بما تملكه من امكانات هائلة لايجاريها اي قطاع آخر او مؤسسة ، لذلك فأن هذا الدور الستراتيجي يعول عليه كثيرا في تحقيق الاهداف الاجتماعية المرجوة وامتصاص البطالة وتحسين المستوى المعيشي والقدرات الشرائية للمواطنين بمختلف طبقاتهم ، ودفع الخدمات الاساسية في البلد خطوات نوعية ملموسة ، اضافة الى تنشيط الاستثمارات ونقل الصناعة الوطنية الى مستويات مرموقة تتناسب والامكانات والعوائد المالية الوطنية الضخمة .
التوصيات :
1. من اجل دعم عملية الدمج التي اصبحت سمة مميزة للدولة العصرية التي تنشد الرفاهية والتنمية الاجتماعية يستوجب وضع ستراتيجة واضحة المعالم واهداف تنموية اجتماعية اقتصادية تكون ملازمة لوثيقة الموازنة سنويا .
2. يتطلب وجود تنسيق عال بين الدوائر المعنية في وزارة التخطيط والتعاون الانمائي وبين دائرة الموازنة العامة في وزارة المالية ، وان يرتفع هذا التنسيق الى مستوى التفاعل التكاملي والشراكة الايجابية لدفع عملية تحضير الموازنة بشكل مستمر خلال دورة اعدادها وصولا الى انجازها وبما يحقق الدمج والتوازن .
3. من المهم جدا بناء جسور الثقة وانسيابية المعلومة مع اوسع قطاعات الجمهور المعني بهذا النوع من الموازنات ، من خلال قنوات الاعلام واجهزة الصحافة والندوات الجماهيرية والاختصاصية للتثقيف بالاسس والتوجهات التنموية لها ، واستطلاع توجهات الرأي العام حول ذلك مع اجراء التغذية العكسية و التعديلات الضرورية بمسؤولية وطنية عالية قبل المصادقة النهائية عليها ، وهو ما يحقق التكيف والفاعلية والحيوية للموازنة ويجعلها قريبة من الجمهور محققة لدرجة عالية من التعاون والمشاركة والتفهم المتبادل .



#اكرم_سالم (هاشتاغ)       Akram_Salim_Hasan_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اهمية التآزرية في المدخل النظمي
- تحولات البلدان الصناعية في بدايات القرن الماضي ونشأة المدرسة ...
- عملية اتخاذ القرار بين سيمون ولندبلوم
- النظرية البيروقراطية بين الجذور الكلاسيكية ورؤى المعدلين
- فلسفة التحول الى ادارة الموارد البشرية
- دورة حياة المنظمة والمعايير البيروقراطية
- الموارد البشرية وادوارها الستراتيجية
- ادارة الازمات وسبل التعامل معها و مواجهتها


المزيد.....




- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...
- المركزي الياباني يثبت الفائدة.. والين يواصل الهبوط


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - اكرم سالم - الموازنة العامة للدولة وعملية الدمج الاقتصادي الاجتماعي