أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - أوراق عمل توحيد الشيوعيين السوريين- الندوة الفكرية المركزية الأولى حول:المرجعية الفكرية - الجزء الاول















المزيد.....



أوراق عمل توحيد الشيوعيين السوريين- الندوة الفكرية المركزية الأولى حول:المرجعية الفكرية - الجزء الاول


قاسيون

الحوار المتمدن-العدد: 610 - 2003 / 10 / 3 - 04:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 

 
«أوراق عمل توحيد الشيوعيين السوريين»
الندوة الفكرية المركزية الأولى حول:

«المرجعية الفكرية»

عقدت «اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين» بتاريخ 5/9/ 2003 ندوة فكرية مركزية حول ورقة «المرجعية الفكرية» التي تعتبر جزءاً من أوراق العمل الأربع المطروحة على النقاش العام في إطار الجهود الجارية لتوحيد الشيوعيين السوريين.
وقد شارك في الندوة عدد كبير من الحضور، قدمت فيها خمس مداخلات رئيسة، ناقشها خمسة عشر مداخلاً.

● نذير جزماتي (ماركس ـ أنجلز ـ لينين):
حاولت جهدي أن لا أنجر الى مناقشة موضوع آخر من الصعب فصله عن هذا الموضوع، وهو موضوع ندوة أخرى بعنوان:“الانهيارأوالإخفاق الكبير"-حسب تعبير زبينغيو بريجنسكي. وأتمنى أن الرفاق الآخرين قد أخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار. وأتمنى أيضاً أن يتم التركيز على الموضوع الأول في هذه الندوة لكي ينال حقه كاملاً، ويصدر في النهاية مايشبه الحكم على الماركسية-اللينينية، أو حتى على الماركسية وحدها، إن كان قد فات أوانها، وطويت صفحتها الى أبد الآبدين، أم أنها مازالت في ريعان شبابها ، وهي ستلعب دورها بصورة أفضل في المستقبل مستفيدة من كل ما جرى.  
واسمحوا لي أن أسجل هنا أن «اللينينية» كمصطلح قد أُلحقت ب”الماركسية” بقوة “السلطة السوفياتية” في حين أن “الإنغلزية “- نسبة الى إنغلز - قد حذفت أو لم تلحق أصلاً، بقوة مبدئية فريدريك انغلز ونكران ذاته، وان كان الجميع يعترف بأن تمثالاً معنوياً أُقيم لإنغلز لقاء قيامه بلملمة وصياغة ومراجعة ماتركه ماركس من المجلدين التاليين لرأسمال المال الذي صدر في حياته المجلد الأول فقط. وبسب هذا الأمر وغيره من الأمور تمنيت أن يستخدم تعبير “الاشتراكية العلمية” أو “الشيوعية “ بدلاً عن استخدام أي اسم شخصي. ولم تمنعني هذه الأمنية من أن أكتب أن لينين، بصرف النظر عن الجرائم التي ارتكبت باسمه، أو باسم أفكاره، لم يكن من نسيج آخر غير نسيج ماركس وأنغلز، ولم يكن غير تلميذ عبقري أمين لأساتذته الكبار وفي طليعتهم ماركس وأنغلز. ومثلما كان فكر ماركس وانغلز عالمياً وليس فكراً ألمانياً فقط، كذلك كان فكر لينين عالمياً، ولم يكن فكراً روسيا فقط، كما يحب البعض أن يفهم. وإضافة الى ذلك فان فكر لينين الروسي”المحرض” يفيض أممية-عالمية...
وبتقديري لايمكن  الوصول  الى الهدف المنشود لهذه الندوة وللندوات الأخرى الكثيرة هنا وهناك من دون السعي الجدي لإلغاء الخطوط المفروضة بقوة “السلطة السوفياتية” أيضاً التي فصلت بين البلاشفة والمناشفة، وإعادة الاعتبار “دراسياً” على الأقل الى روادٍ حقيقيين مثل بليخانوف الذي قال لينين” إنه يبدو لي أن من المناسب تنبيه أعضاء الحزب الشباب الى أنه لايمكن للمرء أن يصبح شيوعيا حقيقياً وواعياً بدون أن يدرس بالذات- كل ما كتبه بليخانوف في الفلسفة، فذلك هو أفضل ماتحويه الأدبيات العالمية للماركسية”. وجاء في كلمة  دار التقدم بموسكو في تقديم أحد كتب بليخانوف أن بليخانوف أحرز في ثمانينات وتسعينات القرن التاسع عشر شهرةً واسعةً ومكانةً بارزةً بين اشتراكيي أوروبا الغربية وأميركا باعتباره نظرياً بارزاً للماركسية (بليخانوف، تطور النظرة الواحدية الى التاريخ، دار التقدم 1981).
ومايقال عن بليخانوف يقال عن الآخرين، وبالدرجة الاولى، تروتسكي، وبوخارين، وحتى زينوفييف وكامنييف..
 ومن المؤسف أن المثقفين في حزبنا الحزب الشيوعي السوري، كانوا الأكثر تقصيراً، إن لم أقل الأكثر إهمالاً لهذا الجانب، أي الجانب الفكري. وقد تم ذلك بقوة "السلطة"أيضاً. ولكن، ليس بقوة السلطة السوفياتية بصورة مباشرةٍ، بل بقوة "السلطة" التي كان يتمتع بها هؤلاء المثقفون في أعلى المراكز الحزبية، وبقوة الطموح الى توسيع هذه "السلطة" لكي ُتفرض على الشعب كله باسم الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما. و"السلطة"، كما قال اللورد اكيتون، مُفْسَدةٌ، والسلطة المطلقة مُفسدة بصورة مطلقة.
ولايجوز هنا تجاهل الدور الذي لعبه، في هذا المجال خصوصاً، الياس مرقص الذي ترجم وكتب في هذا الشأن أكثر من عشرة أحزاب شيوعية .. فتحية احترام وإجلال وإكرام لذكراه العطرة .. وما  من شك أن كتبه ستكون على  رأس قائمة الكتب التي تجب دراستها بعناية فائقة..

وفي المقابل، لم تفعل عوامل الابهار في أقاويل وتصرفات القادة، ولا المحفوظات عن ظهر قلب التي يرددونها بمناسبةٍ وبغير مناسبةٍ للتدليل على علو كعبهم في "الفكر"، أي شيء ايجابي. "وزاد الطين بلةً " استخدام بعض المثقفين اللغة الغامضة والعسيرة الى أبعد الحدود بوصفها اللغة ذات القيمة الفكرية. في حين أن مقياس الغموض "المؤثر"- حسب كارل بوبر - يتصادم فعلاً مع مقاييس الصدق والنقد العقلاني، اللذين يعتمدان على الوضوح. وما لم يكن الأمر معروضاً بوضوحٍ كافٍ، لايستطيع المرء أن يميزالصدق من الكذب، ولايستطيع أن يميز  الحل المناسب من غير المناسب للمشكلة، ولايستطيع أن يميز الأفكار الجيدة من الأفكار السخيفة، ولايستطيع أن يقيّم الأفكار تقييماً نقدياً"(ص97)
ولعل لجنة النشاط في مجال الفكر في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين مطالبةٌ بنفض الغبار عن أهم الكتب الماركسية-اللينينية إن كان في عقد ندوات لمناقشة الأفكار في هذه الكتب، أوفي الكتابة الى المجلة الفكرية..
ومن ناحية أخرى، فان الرجوع الى الماركسية - اللينينية بمعناها الواسع، أو بالحقيقة، إن دراسة  الكتب الاشتراكية العلمية يلعب دوراً أساسياً في دحض آراء كارل بوبر وغيره ممن يدعون الى استعمار الدول المتقدمة صناعياً كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للبلدان المتخلفة مثال أفغانستان والعراق والخ.. ودحض السان سيمونية في حُلتها الجديدة الداعية الى النوم باطمئنان فوق حرير "النظام العلمي العالمي" الذي سيخلص البشرية من كل الشرور، بما في ذلك السلطة في الحياة الاجتماعية التي ستنتهي مع الوقت الى الصفر.
و"منهج العلم، منهج المناقشة النقدية، هو الذي يجعل أن من الممكن لنا أن نعلو، ليس فقط على أطرنا المكتسبة من الثقافة- حسب كارل بوبر-، بل أيضاً على أطرنا الفطرية. وان العالِم غير العادي، العالِم الجريء، العالم النقدي، هو الذي يحطم قضبان ما هو عادي، هو الذي يفتح النوافذ ليدخل الهواء الطلق"(ص 87و91)

وبالنسبة الى الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته أحب أن أكرر بأنني أرى أن النظام الرأسمالي حلقة أساسية في سلسلة الارتقاء الحضاري والإنتاج المادي والتربية والتنظيم الضروريين للبروليتاريا ولأوسع أوساط الشعب، وهو جنةٌ بالمقارنة مع الأنظمة السابقة على الرأسمالية. وإذا كان بناء الاشتراكية في بلدان العالم الثالث، ومنها بلداننا ، مؤجل الى أمد بعيد نسبياً، وأن هذه المهمة لاتنتصب في الوقت الراهن إلا أمام البلدان الصناعية  الكبرى السبع، وإلخ.. فان كل ذلك لايتناقض مع وجود، ومع إقامة أحزاب شيوعية وعمالية هنا وهناك. وعلى عكس مايظن البعض ويعمل البعض الآخر، فان بإمكان الأحزاب الشيوعية أن تلعب دوراً أساسياً في التخفيف من الآلام التي ترافق النظام الرأسمالي منذ ولادته وحتى وفاته، وتهيئ الظروف، في ظل هذا النظام الديموقراطي/البرجوازي- الرأسمالي، للانتقال الى الاشتراكية وفق سبل خاصة بكل بلد، أو مجموعة بلدان. وأغلب الظن أن الانتقال سيتم سلمياً.
ومع تقدم ماركس وانغلز نحو إقامة حزب شيوعي ماركسي كتبا في" الأيديولوجية الألمانية" مايشبه النبوءة التي تقول:" ان الشرط الأول لنجاح الثورة الشيوعية هو تطور المنظومة الرأسمالية التام الشامل، الذي سيتيح للبروليتاريين أن يتملكوا  جملة قوى الإنتاج الواصلة الى أعلى درجات تطورها وأن يصيروا بتطبيقها رجالاً كليّين، وأن يعطوا الشيوعية طابعاً كلياً-كونياً يستجيب للطابع الذي اتخذته الرأسمالية.
"فطالما لم يتطور الإنتاج الرأسمالي حتى النقطة التي يصير فيها التزاحم نافلاً، سيكون بالنسبة للبروليتاريا، اضطلاعاً  بمهمة مستحيلة أن تريد استبدال المنظومة الرأسمالية بمنظومة اشتراكية. فإذا مانشبت الثورة الشيوعية قبل تمام تطور النظام الرأسمالي، لن يكون لها سوى طابع محلي، محدود، وستنتهي الى فشل محتوم. وبما أن منظومة الإنتاج الرأسمالي ستواصل نموها وتطورها، وبما أن البلدان الرأسمالية ستزاحم البلد الشيوعي مزاحمة منتصرة، فان هذا البلد سيغرق في البؤس، الأمر الذي ستكون عاقبته دمار الشيوعية والرجوع الى وضع الأشياء القديم"(ص 197-200 ، اوغست كورنو، المجلد الرابع، ترجمة الياس مرقص، دار الحقيقة، بيروت 1979
وفي المقابل، لم يكن الشيوعيون السوريون هم الأوائل في الوقوف ضد دخول الرأسمالية الى سورية بصورة شرعية وعلنية، ولن يكونوا الأواخر. فقبلهم اخترع سان سيمون، كما اخترع غيره، أنظمة طوباوية مثل أنظمتنا ومثل النظام في طهران وفي غيرها، بغية منع النظام الرأسمالي من الدخول دخولاً طبيعياً إليها. وعلى سبيل المثال" وقفت ألمانيا في شخص طوبوييها طويلاً وبعناد في وجه "أوربا الغربية". وقال الطوبويون الألمان إن حاملة فكرة التنظيم الجديد للمجتمع في البلدان الغربية هي الطبقة العاملة، أما عندنا (أي عند الألمان) فانها الطبقات المثقفة( أي مانسميه في روسيا- حسب بليخانوف- الانتليجنتسيا). وكانوا يعتقدون أن "رجال الفكر" الألمان بالتحديد هم المدعوون لتخليص ألمانيا من كأس الرأسمالية"(بليخانوف ص 65)  ولاحاجة للقول أن قبلهم وقف ضد هذا التطور التنويريون الفرنسيون كلهم، وبالدرجة الأولى، هولباخ وهيلفيسيوس. وهذا ماحدا بماركس لأن يقول أن ألمانيا لاتعاني من تطور الرأسمالية بقدر ماتعاني من نقص الجرعة الرأسمالية التي تتناولها. وردد لينين في زمانه  القول نفسه بالنسبة الى روسيا. وكتب لينين في كتاب"خطتا الاشتراكية-الديموقراطية في الثورة الديموقراطية " ان الثورة البرجوازية لاتعبر عن مصالح البروليتاريا بقدر ماتعبر عن مصالح البرجوازية. ولكن الفكرة القائلة أنها لاتعبر أبداً عن مصالح البروليتاريا فكرة خرقاء. وبالتالي، بقدر ماتكون الثورة البرجوازية أكمل وأحسم، وبقدر ماتكون أوفى انسجاماً، بقدر ما تتوافر للبروليتاريا إمكانيات النضال في سبيل الاشتراكية ضد البرجوازية".
ويعني ذلك فيما يعنيه أن النشاط المبذول من أجل وحدة الشيوعيين السوريين والخ..ليس ترفاً، وليس طوباوية..، بل ضرورة. وعلى الأحزاب الشيوعية- حسب أرنست مانديل من الأممية الرابعة-"أن تستقي أفكارها من الينابيع غير الملوثة: كتابات ماركس وأنغلز حول كومونة باريس، وكتابات روزا لوكسمبورغ، والدولة والثورة للينين الذي تجرأ على تطوير مشروع دولة سوفياتية.. وبوجه خاص كتابات تروتسكي في السنوات العشر الأخيرة من حياته..
" ولكن يجب عدم النظر الى هذا الغنى النظري كحقيقة مُنزلة نهائية، بل كخاضعة لامتحان تجارب ثورية ومضادة للثورة جديدة. فالكلام الأكثر حكمة الذي تكلم به ثوري يوماً بصدد الثوريين هو كلام ماركس في الموضوعة الثالثة حول فيورباخ:" إن النظرية المادية تقر بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية ، وبالتالي، بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى وتربية متغيرة. هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي نفسه بحاجة الى تربية
" إن مستقبل الشيوعية يتوقف في التحليل الأخير على استيعاب الشيوعيين هذه الحقيقة الأساسية. والشيوعية هي التطلع الى مجتمع أكثر إنسانية وأكثر عدالة بالنسبة للغالبية العظمى من أفراد النوع البشري. إنها التطلع الى مجتمع أرقى نوعياً من المجتمع الرأسمالي".
واعترف زبينغيو بريجنسكي، وهو أكبر عدو للشيوعية في عصرنا:" أن ظاهرة الشيوعية المتولدة من المثالية(ليس المقصود الفلسفة) نافدة الصبر التي رفضت الظلم والأمر الواقع، كانت تسعى الى إقامة مجتمع أفضل وأكثر إنسانية.. وقد عكست بكثير من التفاؤل إيماناً بقوة العمل وقدرته على بناء مجتمع كامل وفاضل، وجندت أقوى عواطف الحب للإنسان والكراهية للظلم باسم الهندسة الاجتماعية المشحونة بالدوافع الأخلاقية. وبهذه الصورة أسرت ظاهرة الشيوعية بعض ألمع العقول وبعض أكثر القلوب ولعاً بالمثالية(النموذجية).. فقد كانت الشيوعية طامحة الى الجمع بين العقلانية السياسية والأخلاقية الاجتماعية عبر العمل المنظم"(ص227)
وأضاف بريجنسكي قائلاً:" أن النظرة الماركسية الى التاريخ جزء من تراث العالم الفكري، وأي زعيم ثوري لابد له من أن يتمثل، متعمداً أو بصورة لاشعورية، بعض الأفكار الماركسية ويعكسها في بيانه الثوري"(ص237)
ويعترف حتى كارل بوبر شبه المعادي للشيوعية بان القيم الاشتراكية بمعية قيم التنوير هي أنبل ما حملته الفلسفة(ص8) وقال أيضاً، أنه يُكِن احتراماً عظيماً الى ماركس كمفكر وكمناضل من أجل عالم أفضل، على الرغم من "أنني اختلف معه في عديد من النقاط ذات الأهمية الحاسمة. وقد نقدت نظرياته بإسهاب وافر. ليس من السهل دائماً أن تفهم تفصيلياته، ولكنه يبذل قصارى مايستطيعه لكي يكون مفهوماً. وذلك لأن لديه مايقوله، ويريد أن يفهمه الناس"(ص106)  
واذا كانت النظرية الماركسية - اللينينية علماً فهي مرتبطة بالعلم كباقي النظريات، كأن تجري عليها تعديلات في ضوء المكتشفات العلمية، وكأن تصاغ نظرية أخرى أكثر استناداً الى العلم المتطور تحل محل هذه النظرية ، أو على الأقل، أن تشكل مساهمات ماركس وانغلز ولينين وغيرهم من أبناء القرن التاسع والقرن والعشرين، نقطة في بحر المساهمات التي ستضاف الى النظرية في القرنين الواحد والعشرين والثاني والعشرين فقط. وسبق لبليخانوف أن قال: إن الفكر الإنساني لن يتوقف عند اكتشافات ماركس..بل إنه سيحقق اكتشافات جديدة تكمل  وتؤكد نظرية ماركس، مثلما كانت الاكتشافات الجديدة في علم الفلك تكمل وتؤكد اكتشاف كوبرنيكوس(  ص206) 
وهكذا، فان مجرد اعتبار النظرية كاملة هو شكل من أشكال الدوغماتية، ومثل ذلك رفضه ماركس وانغلز ولينين. ولم يقل أي منهم أنهم كتبوا كل ماتنبغي كتابته ، بل على العكس، فقد قالوا أنهم كتبوا الصفحات الاولى في سِفر سيزداد عدد صفحاته باستمرار.
و يشير كارل بوبر  الى التناقض الذي يواجه نظرية المعرفة دائماً والمتمثل في أولاً، أن معرفتنا شاسعة ونافذة بحيث اننا نعرف تفاصيل لاحصر لها ذات أهمية علمية. ونعرف أيضاً العديد من النظريات والتفسيرات التي تهبنا استبصاراً عقلياً مدهشاً للأشياء الجامدة والحية ، بما في ذلك نحن أنفسنا، والمجتمعات الإنسانية. وثانياً، ليست هناك حدود لجهلنا ، ففي كل جزئية جديدة من جزئيات المعرفة حين نكتسبها تفتح أعيننا أكثر فأكثر على ترامي أطراف جهلنا.
وعلى مايبدو فان الحياة حسمت أموراً كثيرةً من ضمنها موضوع الثورة الاشتراكية وشروطها وعواملها. فالشعب الروسي ذاق من ويلات الفقر والاستثمار والاستغلال بعد سقوط الحكم السوفياتي، وكان على مستوى ثقافي رفيع جداً، إلا أنه لم يلجأ الى الثورة، كما أن الحزب الشيوعي الروسي لم يَدعُ لها. ولم تقم حتى الآن في أي بلد من البلدان ثورة"اشتراكية"، بل كمنت "الاشتراكية" في أعطاف الثورة الديموقراطية في روسيا عام 1917، وفي أعطاف ثورة تحرر وطني في الصين والفييتنام وكوريا الشمالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وينسحب هذا الموضوع على كوبا أيضاً. أما في دول أوربا الشرقية فقد كان ماجرى نتيجة لانتصار الاتحاد السوفياتي عسكرياً مع الحلفاء على دول المحور عموماً وعلى ألمانيا النازية خصوصاً.
   وإذا لم يكن أمام الشيوعية غير الساحة الفكرية تحقق فيها انتصاراتها قبل أي شكل من أشكال التفكير في الاستيلاء على السلطة، فان الجوانب الأخلاقية في نضال الشيوعيين تلعب دوراً حاسماً، وبالدرجة الأولى الصدق والأمانة والقدرة على نقد الذات علناً وعلى رؤوس الأشهاد، والتراجع عن الخطأ فور وقوعه، والتعلم من أخطائنا، ومحاربة مفهوم الزعامة  العشائرية، وتقليد إمام الجامع  وصاحب "الطريقة"الدينية في جمع الأنصار والأتباع والخ..وإخضاع النفس للتربية الحديثة إن كان في احترام آراء الآخرين  داخل الحزب وفي خارجه ، بصرف النظر عن الاتفاق معها أو معارضتها، أو في ممارسة القيادة الجماعية، أو في الخضوع للديموقراطية خضوعاً تاماً.
و الشيوعي الحقيقي هو الشيوعي المحبوب والموثوق به في داخل بيته، وفي حيه ، وفي مكان عمله، وفي كل  مكان يتواجد فيه، بصرف النظر عن قدراته في النقاش والجدال، أو في فرض احترامه بقوة ما.
● - حمزة منذر(الماركسية اللينينية والنضال ضد الجمود والعدمية):
نحن نعتقد أن الماركسية اللينينية قد تطورت من خلال النضال ضد تيارين عملا لتأخير تطورها وتشويهها وهما العدمية والجمود.
فالتيار الأول ينكر أهميتها بشكل مطلق ولو اعترف لفظاً بها، أما التيار الثاني فيعتبرها كنص مقدس لا يجوز الاجتهاد أو التطوير فيها ويجردها بذلك من أهم أدوات قوتها في التحليل وقراءة الواقع وتغييره.
ونحن نزعم أن هذين التيارين يلتقيان في الهدف الأكبر وهو الإجهاز على الماركسية ـ اللينينية. ويندمجان في الحياة العملية في تيار واحد سياسي ـ طبقي اقتصادي أيديولوجي يقاوم الماركسية ـ اللينينية بأدوات ديماغوجية يقع ضحيتها أحياناً أناس شرفاء.
وهذا التيار الموحد يتغلغل أحياناً في شريحة من المفكرين وبعض منتجي المعرفة عبر شعارات لم تكن الماركسية ـ اللينينية ضدها ولن تكون مثل: القيم الإنسانية العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلخ ولعل الصهيونية كأيديولوجيا البرجوازية اليهودية الكبرى هي أنشط وأخطر اعداء الماركسية ـ اللينينية من حيث محاولات تصويرها تارة بأنها شاخت وتتطلب الإلغاء وتارة بمحاولة إلغاء العنصر الكفاحي فيها وتحويلها إلى وعاء قابل للتسويات مع الخصوم الطبقيين. وهناك دلائل جدية أن أشهر وأهم مراكز إدارة العمليات الفكرية للحركة الصهيونية العالمية هما ناديا «بيلدبيرغ» (1) و «روما» (2) و «ملتقى دافوس» (3).
وللأسف الشديد ليس هناك أي حزب شيوعي يعالج مشكلة الصهيونية ودورها التخريبي كعدو رئيسي ضد الاشتراكية وضد الشعوب وطموحها المشروع نحو التحرر والتقدم  الاجتماعي والاستقلال.
نقول لدعاة التيار العدمي ـ المساوم الذين يقولون بأن لينين ظاهرة روسية للتخلص من عبء الروح الكفاحية: أن لينين في تطويره للنظرية الماركسية، ولاسيما في كتابه «مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية» 1920 أكد على خصوصيات التطور التاريخي لكل بلد حيث قال: «سوف تجري الثورة في إيطاليا على نحو آخر، مغاير لما حدث في روسيا. إنها ستبدأ بطريقة أخرى». (المجلد 44 ص19). وفي تقريره إلى المؤتمر الثاني للتنظيمات الشيوعية لشعوب الشرق خاطب لينين المندوبين قائلاً: «استناداً إلى النظرية وهذه الممارسة في ظروف يشكل فيها الفلاحون أغلبية...، في ظروف يتوجب فيها .... مهمة النضال لاضد الرأسمالية بل ضد مخلفات القرون الوسطى» (م.39 ص329). لكن لينين حذر مراراً من أن تناسب القانونيات العامة لتطور البلدان والمبالغة في تقدير الخصوصيات القومية لبعض البلدان، إنما يعني التخلي عن الأممية ويفتح الطريق أمام انتصار القوى المعادية لتطور الشعوب.
التيار العدمي والتيار النصوصي الجامد، أحدهما بالغ ولايزال يبالغ في الخصوصية القومية والتيار الثاني تجاهل الخصوصيات القومية كلياً وهذا ما جعل الأحزاب الشيوعية ـ بسبب جمود هذا التيار ـ تواجه تناقضات وصعوبات داخلية خصوصاً في العلاقة مع شريحة واسعة من القوى الوطنية في العديد من بلدان العالم الثالث على وجه الخصوص.
لعله من المفيد، بل من الضروري، التأكيد للتيار العدمي أن ظاهرة الأممية بين الشعوب المُضطَهَدَة من قبل العدو الواحد والرأسمال المعولم الواحد الآن هي قانونية تاريخية عامة تتجلى بأشكال متنوعة، من بلد إلى آخر، ومن قارة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، فمن سياتل إلى دافوس إلى بورتو أليغري إلى دوربان إلى فلسطين إلى كوبا إلى فنزويلا تبرز أكثر فأكثر الآن قضية الأممية بين القوى والأحزاب والتيارات الوطنية والطبقية الثورية المختلفة لتؤكد مقولة لينين أن الثورة العالمية تشغل عمراً تاريخياً كاملاً سوف تصل فيه كل الأمم إلى الاشتراكية مع أنها لن تسلك الطريق نفسه، «إذ أن كلاً منها ستعكس خصوصيتها في هذا أو ذاك من أشكال الديمقراطية، في هذه أو تلك من وتائر التحولات الاشتراكية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية» (م.3 ص312).
النموذج الكفاحي
اعتبر ماركس أن الانتقال إلى النضال السياسي خطوة مقنونة في قضية تطوير الفلسفة (ماركس أعطانا النموذج، فضح الحكومة البروسية) التي يجب ألا تحلق بعيداً عن العالم، بل وتتلمس الأرض تحت أقدامها وتكف عن كونها تأملاً بحتاً ( ماركس الفيلسوف كان مدافعاً جسوراً عن مصالح الشعب الكادح الاقتصادية والسياسية ويدافع عن حرية الصحافة والنشر ويطالب بإلغاء الرقابة.
 «الدولة في نظر ماركس لاتجسد الحرية والأخلاق إلا عندما تمثل مصالح الجماهير الشعبية الواسعة لا المصالح الخاصة، مصالح الأقلية الميسورة صد مصالح المحرومين». التيار الجمودي والعدمي يتفقان هنا في الموقف المساوم.
إذا كان ماركس يقف ضد الفهم الغوغائي للنظرية الاجتماعية الفلسفية فلماذا يخاف التيار الجمودي من جرأة الاجتهاد وتطوير الماركسية. فبدلاً من أن يتعلم التيار الجمودي من تجربة الجماهير المناضلة والعمل على اكتشاف القوانين والاتجاهات الواقعية للنضال الجاري يتناوب قادة التيار الجمودي على حراسة النصوص كافة ويفرضون على الحركة التاريخية وصفات مكرورة تجاوزها الزمن ويتهيبون أسلوب ماركس في الدفاع عن مصالح الجماهير ضد مستغليها من قوى رأس المال والاستبداد، ويلوذ قادة التيار الجمودي بالحتمية التاريخية لتغطية قعودهم وتكيفهم المهين مع قوى السلطة باسم الحفاظ على المصلحة الوطنية، متناسين أن أفضل ضمانة للوحدة الوطنية هو تأمين مصالح واحتياجات الكتلة الرئيسية المنتجة للخيرات المادية في المجتمع.
ماركس هو أبعد الفلاسفة عن وضع نظريات لجميع العصور وهو يرفض فكرة أن الفلسفة علم مطلق غريب عن الحياة، بل يطالب بالنقد الذي لا يرحم لكل ما هو قائم، نقد لا يرحم بمعنيين: لا يهاب استنتاجاته الذاتية، ولا يتراجع أمام الاصطدام بالسلطات القائمة.
ونذكِّر التيار الجمودي بأن ماركس شن حرباً شعواء ضد عزل الفلسفة عن النشاط العملي ولاسيما حركة تحرير الكادحين التحررية «لاشيء يمنعنا بالتالي أن نربط ممارستنا السياسية بنقد السياسة، بموقف حزبي معين من السياسة، وإذن، أن نربط ونقرن نقدنا بالنضال الواقعي» (ماركس ـ أنجلز م.ج1 ص379) وبالمقابل نجد عند ماركس ما يفيد الثوريين الحقيقيين في مواجهة تيار العدمية  الإلغائي تحت مسميات الواقعية وتوسيع طيف المرجعيات الفكرية من خلال تأكيده وبرهانه العلمي على أن القوة الاجتماعية، القادرة على إ إلغاء العلاقات الاجتماعية المهترئة وتحقيق التحرر الشامل للإنسان، إنما هي الطبقة العاملة التي هي بحكم وضعها في المجتمع الرأسمالي ـ نتاج لهذا المجتمع، ونفي له في ذات الوقت. ولكي تقوم الطبقة العاملة برسالتها التاريخية لابد من فلسفة جديدة تماماً، .... حتى النهاية تكشف لها الواقع وتفتح لها طريق تغيير ذلك الواقع «فكما أن الفلسفة تجد في الطبقة العاملة سلاحها المادي، كذلك الأمر فإن الطبقة العاملة تجد في الفلسفة سلاحها الروحي» (ماركس ـ أنجلز. م.ج1 ص428).
ونحن نزعم أن تلك الفلسفة المقصودة وتلك المرجعية هي الماركسية ـ اللينينية القادرة على محاكاة الواقع وكشفه وتفسيره وتغييره والتي نتخلص من عبء التيارين العدمي والجمودي.
والسؤال الذي يطرح نفسه منذ أوائل العشرينات:
ماهي مخاطر تياري العدمية والجمود على الماركسية ـ اللينينية نفسها، وتالياً على مستقبل الأحزاب الشيوعية الآن؟ ثمة ثلاثة مخاطر:
1.                      خطر فقدان الأفق الاشتراكي على صعيد بناء بلادنا وخطر النزعة التصفوية المرتبطة بذلك.
2.                      خطر فقدان الأفق الثوري الدولي وخطر النزعة القوموية أي التعصب القومي المرتبطة بذلك.
3.                      خطر فقدان القيادة الحزبية وما يرتبط بذلك من إمكانية تحول الحزب إلى تابع لجهاز الدولة.
ولعل أخطر ما يمثله التياران العدمي والجمودي في الوقت الراهن هو أنهما يفتقدان للمنظور الطبقي وأدوات التحليل في تفسير الواقع الراهن وتغييره في ظل سيادة رأس المال المُعَلوَم الآن.
إن ممثلي التيارين الآن في الحركة الشيوعية السورية ليس بمقدورهما إدراك مدى عمق الأزمة العامة المتفاقمة للإمبريالية العالمية ولا استنباط المهام العملية ـ والسياسية للقوى الشيوعية والوطنية في بلادنا في ظروف دولية وإقليمية وداخلية تحول فيها التنافس إلى سيطرة الاحتكارات العملاقة المتمركزة في بضعة بلدان على مصير المليارات من سكان القارات كافة وخصوصاً بلدان الجنوب هذا أولاً.
وثانياً: تعجز قيادة التيارين  ـ العدمي وا لجمودي ـ عن فهم لجوء الإمبريالية الأمريكية إلى خيار الحرب الشاملة (تحت مسميات الحرب على الإرهاب) ضد الشعوب هو دليل على بداية انسداد الأفق أمامها، وبالمقابل بداية انفتاح الأفق أمام الشعوب مع كل ما يترتب على ذلك من تعميق ثقافة المقاومة التي لا خيار سواها في الظروف الحالية.
إن مرجعيتنا الفكرية هي الماركسية ـ اللينينية التي تُلزمنا بأن لا نكون في المؤخرة، بل تسمح لنا هذه المرجعية بالتفاعل مع الآخرين والتحالف حيث يمكن التحالف مع جميع الذين يقاومون العولمة المتوحشة، تلك المرجعية تزيد ثقتنا بالتاريخ وتسمح لنا بالنضال والطموح المشروع بالانتصار في مهامنا المترابطة الوطنية والاجتماعية والطبقية والديمقراطية.
 
● د. نايف سلوم  ـ ديالكتيك إعادة إنتاج الهوية في الفكر الماركسي (نقد المرجعية الفكرية):
«هكذا كنت تعرف أنك لم يسبق لك أن عشت كما كنت تفكر فالأفكار التي نعيشها هي وحدها التي لها قيمة»
هرمان هيسه (دميان)
 
كتب المفكر الماركسي هربرت ماركوز في الفصل الأول من كتابه "الماركسية السوفياتية" : "إن البنية الديالكتيكية للنظرية الماركسية تستلزم أن تتغير مفاهيمها كلما تغيرت العلاقات الطبقية الأساسية التي تريد هذه المفاهيم أن تعبر عنها . لكن بصورة يمكن معها الحصول على المضمون الجديد عن طريق تطوير العناصر الملتحمة بالمفهوم الأصلي. وبذلك يحافظ المفهوم على انسجامه النظري بل على هويته " [الماركسية السوفياتية ص 11 ]
هذا التصريح الغامض قليلاً لـ ماركوز يجعلنا نجهد في تقديم إسهام في ديالكتيك تحديد الفكر الماركسي لهويته الاجتماعية ، وهو إسهام في حقل ما زال بكرا من حقول البحث الماركسي.  وهي مناسبة لمناقشة الورقة التي قدمها الحزب الشيوعي السوري – " قاسيون" تحت عنوان "حول المرجعية الفكرية " .
ما من شك في أنه يتوجب على كل فكر – حتى يكون فعالاً في الصراع الاجتماعي – أن يعيد إنتاج هويته الاجتماعية- الطبقية عبر اعتماد أشكال من التفسير محددة ، وعبر اعتماد خيارات منهجية لإنجاز تفسير واقع تاريخي واجتماعي – قومي محدد . وباعتبار أن الماركسية تعتمد المنهج الديالكتيكي كمنهج ماكروي (إجمالي) في التحليل التاريخي والاجتماعي- القومي ، وفي قراءة نتائج العلوم الطبيعية ، أي تعتمد التفسير التاريخي المادي للظواهر الاجتماعية والطبيعية والتاريخية . فإنها معرف أولي وفق هذا المنهج ، أي موسومة بالديالكتيكية . ولكن لا يكفي الادعاء والتبجح هنا ، فلا بد من أن يثبت المنهج الإجمالي الذي جرى تعلمه جدارة  في قراءة الظاهرات الجديدة . وهذا ليس انزلاقاً تجريبياً للتفكير بالمعنى الفلسفي وإنما هو إعادة إنتاج الفكر الماركسي لهويته عبر إنتاج العلم التاريخي بالواقع الجديد وقراءة الظواهر الجديدة ، أي إعادة إنتاج موسعة للطبيعة الاجتماعية الطبقية لهذا الفكر عبر توسط قراءة الظواهر الجديدة وإنتاج علم بالخصوصية. بمعنى آخر ، إعادة إنتاج النظرية التاريخية والاجتماعية وفق الشروط الجديدة بالاعتماد على الديالكتيك المادي ، أي اعتماد التفسير التاريخي المادي لإعادة إنتاج النظرية الاجتماعية هنا ، أي عندنا نحن العرب . وقد يظهر من هذا الديالكتيك أن الفكر الماركسي هنا نرجسي وغاية ذاته وهو يعرض بنظره عن الواقع الاجتماعي والصراعات الطبقية . أو قد يظهر وكأنه نكوص نحو الفكرة المطلقة الهيغلية التي ليست الطبيعة والوقائع سوى اغتراب أو انسلاخ عنها . المسألة التي نعالجها ليست كذلك، على أرضية أن الهدف من هذه العملية المعقدة والمتناقضة هو أولا إنتاج علم تاريخي بالواقع الاجتماعي والقومي والعالمي (إعادة إنتاج النظرية الماركسية عربياً،  وثانياً إعادة إنتاج أداة التحليل أي المنهج بشكل متطور وموسع وثالثاً إعادة إنتاج الفكر لهويته الاجتماعية هنا (عربياً) كي يلعب دوراً أيديولوجيا وتعبوياً في الصراع الاجتماعي والطبقي والقومي الديمقراطي العربي) . عربياً يعاد إنتاج مقولة التناقض وصراع الطبقات وحركة التحرر القومي وقيادة الماركسية كنظرية اجتماعية هنا، والبروليتاريا كطبقة في وجودها السياسي، للنضال الديمقراطي القومي ، كما يعاد إنتاج مقولة وحدة النضال الديمقراطي القومي والاشتراكي الماركسي تحت هيمنة الأخير.
إن اعتماد فكرة "المرجعية الفكرية" في تحديد هوية الفكر أو النظرية يعيدنا إلى مسألة خاطئة في تحديد الهوية وهي الأصول النصية لفكر ، أي أن نعرّف المحتوى الجديد للواقع بأشكال فكرية قديمة مع أن العملية ليست خطية هكذا بل هي معقدة ومتناقضة حيث تواجه الأشكال القديمة والسابقة للفكر بمعطيات جديدة ومحتوى جديد . وعبر هذه المواجهة سوف يتم إنتاج علم جديد تاريخي بالواقع الخاص مع إعادة إنتاج الفكر لهويته الاجتماعية والطبقية .
لا يعاني الفكر الديني والعقل النقلي والمثالي من مشكلة في هذا السياق كونه يفسر الوقائع الجديدة على أرضية تأويل النص السابق ، ذلك أن النص ذاك يحوي الحقيقة إلى يوم الدين وبالتالي كل ما يأتي متضمن سلفاً في معاني النص السابق . النص "الأصلي" مقدس وعلى الوقائع التالية  أن تجد لها مكاناً بين سطوره . الحقيقة أنتجها السلف الصالح مرة واحدة وما على الأجيال اللاحقة سوى أمانة النقل للأفكار والمعاني . وتكون معادلة إنتاج الفكر المثالي لهويته هي التالية عقل- نقل – عقل منقول . فعربة هذا الفكر لا تتقدم لأن أعنة خيولها مربوطة إلى جذع شجرة السلف الصالح . وهذا منسجم في الفكر المثالي والديني لأن الفكرة خالق الواقع فلا شيء في الواقع الجديد خارج الفكرة التي خلقته .
الماركسية تواجه صعوبة أكبر ومهمة أعقد في إنتاجها لهويتها الاجتماعية والمعرفية كونها تعتمد منهجاً تاريخياً مادياً جبره (من علم الجبر) المنهج الديالكتيكي المادي كمنهج ماكروي إجمالي في التفسير التاريخي والاجتماعي- الاقتصادي  القومي . مطلوب منه أن ينتج في الخصوصية علماً تاريخياً بها، وأن ينتج هويته الطبقية كنظرية ثورية للبروليتاريا العالمية والقومية ، وبرنامجاً ديمقراطياً للطبقات الهامشية المتظلمة، وأن ينتج هذا المنهج تصوره الجديد في قضايا التنظيم والحزب السياسي والتحالفات وغيرها .. كما أنه مطلوب منه أن يطور أدواته وفق المحتوى العلمي التاريخي الجديد ، وأن يطور صياغات جديدة وفق المعطيات الجديدة . فالتناقض على سبيل المثال تناقض عام ، لكن تناقض ماو في الثورة الصينية يختلف عن تناقض ماركس أوربا القرن التاسع عشر . كأشكال عامة هما واحد لكن لكل منهما خصوصيته وهذا ما سماه ماو بخصوصية  التناقض يكتب ماو "يوجد التناقض في عملية تطور جميع الأشياء ، وهو يتخلل عملية تطور كل شيء من البداية حتى النهاية :  هما عمومية التناقض وصفته المطلقة. [لكن] للتناقض في كل شكل من أشكال حركة المادة صفته الخاصة ... ما له أهمية أعظم هو وجوب ملاحظة السمة الخاصة للشكل المعين من أشكال حركة المادة ، وملاحظة هذه السمة الخاصة هي التي تشكل أساس معرفتنا بالأشياء .. إن كل شكل من أشكال الحركة يحتوي في ذاته على تناقضه الخاص" [مؤلفات  ماو المختارة المجلد الأول ص 465 من مقالتة "في التناقض"]
بهذا المعنى، الماركسية معنية بثلاث لحظات في ديالكتيك إنتاج الهوية الاجتماعية الطبقية . اللحظة الأولى هي التعلم والتربية في استخدام المنهج الديالكتيكي المادي في التفسير التاريخي والاجتماعي وهي تشمل قراءة التراث الماركسي الكلاسيكي قراءة متبصرة ونافذة ، واللحظة الثانية هي إنتاج العلم التاريخي والاجتماعي بالخصوصية بواسطة العمليات الفكرية التي تم تعلمها سابقاً ، أي إعادة إنتاج النظرية الاجتماعية والتاريخية هنا عندنا نحن العرب . واللحظة الثالثة هي إعادة إنتاج الفكر الماركسي لهويته الطبقية وأشكاله وأدواته وفق نتائج العلم الجديدة أي وفق مقتضيات المحتوى العلمي الجديد ووفق نجاحات المناهج الميكروية الجديدة [مناهج متخصصة في حقول معينة من العلوم الإنسانية والطبيعية ] . وفي هذه اللحظة تنشغل النظرية  بمسألة قضايا التنظيم وبناء الحزب السياسي وفق أشكال مناسبة وفعالة بما تتضمنه من بناء تصورات وأيديولوجيا للتغيير الاجتماعي التاريخي . اللحظات الثلاث متداخلة ومترابطة ، أي لايتم وعيها كلحظات منفصلة ميكانيكياً .
إن حديث الورقة (حول المرجعية الفكرية) عن الثابت والمتغير (المتحول) في الماركسية – اللينينية يوقعنا في معضلة ما زالت تتفاعل في الفكر الديني الموروث على مستوى التأويل والتفسير للنصوص التراثية خاصة النص القرآني . وهذه المعضلة هي مسألة المحكم والمتشابه من الآيات القرآنية وما ولده من خلافات فقهية كانت في حقيقتها انعكاســـا لصرا عات اجتماعية وأيديولوجية وحزبية إسلامية في العصر الوسيط . لهذا نرى أن استخدام فكرة الثابت والمتغير في إعادة إنتاج الفكر الماركسي لهويته الاجتماعية والطبقية هو صدى الفكر الديني وآلياته في الفكر الماركسي ، وهي مربكة في التحليل وتخلق مما حكات فكرية عقيمة ودائرية . وكان الشاعر العربي السوري أدونيس قد استخدم هذه الآلية في قراءة التاريخ العربي في كتابه ذو العنوان العام "الثابت والمتحول" .
"المرجعية" الوحيدة هي في اختيار المنهج الإجمالي الماكروي  في التفسير التاريخي والاجتماعي . والماركسية بهذا المعنى شكل من أشكال التفسير الاجتماعي والتاريخي . أي أنها تتسلح بـ الديالكتيك المادي لتواجه واقعاً فعلياً جديداً . وهكذا تكون معادلتها التالية : تعلم عبر أشكال قديمة – إنتاج علم جديد بالخصوصية مع إنتاج أشكال جديدة على أساس المحتوى الجديد  – إعادة الإنتاج العربي للنظرية التاريخية والاجتماعية ، أي إعادة إنتاج الهوية الاجتماعية والطبقية الموسع ، ديالكتيك بين الشكل والمحتوى ؛ شكل قديم –  محتوى جديد –  شكل جديد . وهذا ما ندعـــوه بـ ديالكتيك إعادة إنتاج الفكر الماركسي لهويته الاجتماعية بواسطة إنتاج العلم التاريخي والاجتماعي/ القومي . الهوية الجديدة ، هي تصور جديد ، بل إعادة إنتاج للتصور الماركسي للإنسان البور جوازي ولمستقبل هذا الإنسان ، بالتالي الماركسية وحتى تكون مستقلة عن الفلسفات الأخرى المثالية عليها تطوير تصورها للوجود الاجتماعي [الوجود العام كوجود اجتماعي هنا في هذا المكان [المنطقة العربية] وهذا الزمان، العصر الإمبريالي المعولم]. مطلوب منها توسيع فهمها الوجودي الأنطولوجي العام باستمرار بناء على طبيعة المحتوى العلمي التاريخي الجديد ، أي على نتائج التفسير الجديد .
ونضرب مثلا على فكر يدعي أنه ماركسي فشل في إعادة إنتاج هويته الاجتماعية . وهي مقالة صادق جلال العظم "ما هي العولمة ؟" والتي يخرج منها بـ استنتاج مفاده أن العولمة مرحلة صاعدة في الرأسمالية . لقد قرئت الرأسمالية من قبل ماركس بشكل إجمالي وتفصيلي حيث لاحظ ماركس أن إعادة الإنتاج الموسع لرأس المال هو إعادة إنتاج موسعة للاستغلال الطبقي ، وقد لاحظ ماركس أيضاً أنه وعلى أثر فشل ثورة 1848 في فرنسا دشنت البورجوازية انتصارها السياسي النهائي وفشلها الفكري والأيديولوجي النهائي ،. وجاءت قراءة لينين للمرحلة الإمبريالية الجديدة ليلاحظ أن الإمبريالية الرأسمالية باتت رجعية في السياسة على طول الخط وفي ظل جميع النظم سواء أكانت فاشية أم "ديمقراطية" جمهورية أم ملكية الخ.. لهذا نسمي اللينينية بـ ماركسية عصر الإمبريالية الرأسمالية  حسب عبارة الياس مرقص ، أي العلم التاريخي بالإمبريالية وما يستتبع ذلك من استراتيجية ثورية وتكتيكات ، وما ينتج عن ذلك من تصورات حول قضايا التنظيم ومسألة بناء الحزب السياسي وشكله ومسألة التحالفات وشكلها . يكتب هربرت ماركوز : "إن ظهور اللينينية كشكل جديد للماركسية ، قد حدده عاملان أساسيان : 1- العمل على إدخال الطبقة الفلاحية في مدار النظرية والاستراتيجية الماركسيتين  2- العمل على إعادة تحديد آفاق التطور الرأسمالي والثوري في العصر الإمبريالي   إن التيارين [العاملين] الرئيسيين في الفكر اللينيني وثيقا الارتباط " [الماركسية السوفياتية مرجع مذكور ص 21 ] وهما قائمان على انتقال مركز النظرية نحو "التيارات المضادة" التي راحت تطورها الرأسمالية وتنميها ضد تناقضاتها الأساسية، وإلى "العامل المهمل" الذي يتمثل بطبقة الفلاحين . وقد يسأل سائل: ما مدى حيوية استنتاجات لينين وتحديداته في فهم "العولمة" . أقول لا يزال التحديد الأساسي اللينيني في رصد الإمبريالية قائماً حيث يلاحظ لينين أن الاحتكار هو الجوهر الاقتصادي للإمبريالية ، وكذلك الميل للسيطرة . بالفعل لا يزال الاحتكار مسيطراً وكذلك الميل للسيطرة والرجعية في السياسة ، ولكن يتوجب علينا درس الأشكال الجديدة لعمل الشركة الاحتكارية ونشاط استثمارها في الخارج وميل الدولة الأمير كية للسيطرة والتحكم بمجمل مصادر المواد الأولية الاستراتيجية وعلى رأسها النفط يكتب هاري ماجدو ف : "من النقاط الأساسية في نظرية لينين عن الإمبريالية تحديد وضع الإمبريالية باعتبارها مرحلة خاصة في نمو الرأسمالية ظهرت قرابة نهاية القرن التاسع عشر... ومن بين السمات المميزة الكثيرة لهذه المرحلة الجديدة اثنتان لهما أهمية حاسمة : الأولى أن إنكلترا لم تعد القوة الصناعية الرائدة بلا منازع . فقد ظـــهر على المسرح خصوم صنا عيون أقوياء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان . والثانية أن القوة الاقتصادية داخل كل من الدول الصناعية انتقلت إلى عدد أقل نسبياً من المشروعات المتكاملة الكبيرة الصناعية- المالية "[ص33] ويضيف ماجد وف : "وباختصار إن تدويل رأس المال بين البيوت العملاقة بلغ اليوم مستوى أكثر ارتفاعاً بكثير مما كان عليه منذ خمسين عاماً عندما كتب لينين مؤلفه عن الإمبريالية "[ص88] [هاري ماجد وف "عصر الإمبريالية"]  إن فشل مقالة العظم في إنتاج هوية ماركسية ناجمة عن عيب ذاتي سببه الوقوع فيما ما يسمى بالاقتصاد السياسي السطحي الذي لا يرى في علاقات الإنتاج الرأسمالية سوى جانبها الاقتصادي عند السطح [التبادل والتداول والبيع والشراء ] أي أنه لا يرى الملكية الرأسمالية الخاصة وعلاقاتها في أساس علاقات السوق الرأسمالية . كما أنه لا يرى في قوى الإنتاج الرأسمالية سوى التقنية والماكينات والأرض دون أن يرى قوة العمل الحية أي العمال . وهو لا يرى سوى إعادة إنتاج التقنية ورأس المال الموسع دون أن يرى إعادة إنتاج الاستغلال لقوة العمل الحية والظلم القومي للشعوب الهامشية.
مـراجع:
1-         هربرت ماركوز "الماركسية السوفياتية" ترجمة جورج طرابيشي دار الطليعة بيروت 1965
2-         لينين "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية – وصف مبسط" طبعة دار التقدم ، من دون تاريخ
3-         كارل ماركس "الصراعات الطبقية في فرنسا، 1848-1850 " ترجمة الدكتور فؤاد أيوب دار دمشق 1964
4-         الأممية الشيوعية والثورة العربية – الكفاح ضد الإمبريالية ، الوحدة ، فلسطين وثائق 1931 ترجمها وقدم لها الياس مرقص دار الحقيقة بيروت 1970
5-         موريس غودلييه "العقلانية واللاعقلانية في الاقتصاد" ترجمة عصام الخفاجي منشورات وزارة الثقافة دمشق 1995
6-         مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة المجلد الأول الطبعة الأولى 1968 الطبعة الثانية 1977دار النشر باللغات الأجنبية بكين
7-         هاري ماجدوف "عصر الإمبريالية " ترجمة عبد الكريم أحمد منشورات وزارة الثقافة دمشق 1971
8-     صادق جلال العظم "ما هي العولمة؟" مجلة "الطريق" العدد الرابع السنة 56 1997 . وأيضاً العظم "ثقافة وعولمة" مجلة "النهج" العدد 19 1999 السنة 15 العدد 55 تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي
9-         حول المرجعية الفكرية ، ورقة صادرة عن الحزب الشيوعي السوري " قاسـيون "
10-     
● - أكرم فرحة (الماركسية علم ـ العلاقة الجدلية بين النظرية والمنهج ):
المنهج بمعناه الفلسفي وسيلة للمعرفة، والمعرفة عملية لا متناهية من تقريب التفكير من جوهر الشيء الذي يجب معرفته، تحويل الشيء في ذاته إلى شيء بالنسبة لنا هذه هي حركة الفكر من اللامعرفة إلى المعرفة، وعبر تدقيق وتصويب النظريات والموضوعات القديمة تسير المعرفة إلى الأمام كاشفة الجديد من جوانب الواقع. فالمعرفة حركة دائمة ولكي نمسك بهذه الحركة لتطوير معرفتنا بالظواهر الاجتماعية ينبغي امتلاك منهج علمي يعين على دراسة الواقع الموضوعي بكل تشعباته، فالمنهج هو مجمل الأساليب والطرق المؤدية إلى لاستيعاب وتفهم الواقع نظريا ًوعملياً. ولا يمكن إنتاج معرفة منتظمة إذا لم يتم الاستناد إلى أساس نظري يُركن إليه. فأي منهج يرتبط ارتباطا ًوثيقاً بنظرية معينة لأن المعرفة تعني منهاجياً معرفة القوانين الناظمة لجملة العمليات المدروسة باعتبارها جملاً حية ولابد من صياغة هذه القوانين نظرياً من أجل فهم تلك الظواهر وتفسيرها على الشكل الأكمل،  وعندما نقول إن المنهج يستند إلى نظرية هو جزء منها فإن هذا يعني أن هناك علاقة عضوية قائمة بين النظرية والمنهج على المستوى المعرفي وتفاعل النظرية والمنهج مع الحقيقة الموضوعية هو الذي يطور المنهج والنظرية معاً لأن مجمل العملية المعرفية تغتني من التأثير المتبادل بين النظرية والمنهج من جهة والحقيقة الموضوعية من جهة أخرى فالأفضلية في عملية البحث عن الحقيقة لمن يظهر اهتمامه وإحساسه ومرونته في استيعاب الواقع بدرجة كافية وعلى أساس النظرية والمنهج اللتين يمتلكهما كما يقول عن  حق البروفسور الألماني هارالد نويبرت النظرية هي نظام من الأفكار الأساسية التي تنصب على هذا الفرع أو ذاك من فروع المعرفة وهي منظمة في صور مثالية تعكس جوهر الظاهرة ـ هوية الموضوع ـ  العلاقات الداخلية الضرورية.
فالنظري يعكس السنن والظواهر الأكثر عمومية في الواقع الملموس. ولهذا تشرح النظرية القوانين الداخلية لحركة الظاهرة المدروسة وآفاق تطورها فهي تؤدي بهذا وظيفة تفسيرية أي تبين ما يتمثل في الظرف الراهن من قوانين الطبيعة والمجتمع يفترض معرفة هذه القوانين لحل المهمات والإشكالات التي يطرحها مسير الواقع في حركته الدائمة لأن تغيير الواقع ليس مهمة ملقاة على عاتق النظرية وبقانون تجريد نظري للثابت في الظواهر يعبر عن علامة محددة تنتج عن الطبيعة الداخلية لجوهر هذه الظواهر. ويبقى القانون صادقاً علمياً طيلة وجود الواقعات الاجتماعية التي توجه إليها هذا القانون.وعندما يؤدي التراكم الكمي في الظواهر التي توجه إليها هذا القانون إلى تبدل كيفي في جوهرها. تتبدل بالضرورة القوانين التي توجهت إلى هذه الظاهرات ويستدعي هذا التبدل تغيراً في النظرية بوصفها محصلة تركيب هذه القوانين. فأين موضع النظرية الماركسية ومنهجها من كل هذا؟
المنهج الماركسي هو أسلوب فعل البشر العملي والنظري لاكتشاف ومعرفة حقائق الكون لامتلاك ناصية الموضوع والتوصل إلى معرفته عبر الإحاطة الشاملة بجميع جوانبه بغية إحداث التغيرات المطلوبة فيه. وتستند هذه الطريقة إلى معرفة القوانين العامة للتطور سواء كان ذلك في الطبيعة أو الفكر أو المجتمع. ولكي تخدم الطريقة كوسيلة للحصول على معارف صحيحة يجب أن تقود فكر الإنسان بشكل مواز لتلك الطريق التي يسير فيها تطور الواقع المدروس نفسه، ومن هنا يعتبر الديالكتيك أهم شكل من أشكال التفكير بالنسبة لعلم الطبيعة المعاصر.
لأنه هو وحده المماثل لعمليات التطور الجارية في الطبيعة وللروابط الشاملة فيها. ولأن المنهج الماركسي يشكل سلاحاً فعالاً يعتمد عليه قراءة الواقع والأحداث والتاريخ فهو يحدد هوية الماركسية فغيابه يؤدي إلى تحويل النظرية الماركسية إلى نصوص إيمانية تتساوى بالكون. ومع هذا الغياب تنتزع  الماركسية من سياقها التاريخي وتعزل عن المجرى الحضاري للإنسان وتتحول المبادئ  النظرية الماركسية إلى بديهيات مطلقة. مما يؤدي إلى كبح الإبداع والبحث العلمي بالتناقض مع الجوهر الثوري والعلمي للماركسية.
الماركسية هي نظرية متكاملة ومنسجمة بين أجزائها ومكوناتها الثلاث: الفلسفة والاقتصاد السياسي والشيوعية العلمية. وهي الأيديولوجيا العلمية للطبقة العاملة وتشكل المادية الجدلية والمادية التاريخية الأساس المنهاجي للمعرفة العلمية. والماركسية منظومة علمية من الآراء الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتطور باستمرار وتؤلف بمجموعها رؤية الطبقة العاملة للعالم. واستيعاب هذه النظرية يؤلف المقدمة اللازمة لعمل المنهج الماركسي الذي يعتبر أخطر جوانبها وزبدتها.
فهو الذي يجعل الحياة تدب فيها لأنه يشكل جوهرها ونبضها الدائم لأنه يخترق الظاهرة الاجتماعية ويحللها ويحدد اتجاه حركتها.
وإذا كانت علمية الماركسية تنطلق بالدرجة الأولى من قول ماركس بأولوية الواقع الموضوعي على وعينا بهذا الواقع فإن هذه العملية تتبدى في طبقيتها. أي أن طبقيتها هي التي تضفي عليها هذه العملية. من الصحيح تماماً أن تقول أن الماركسية ليست حكراً على أحد لكن علينا أن نقر بأنه فكر الطبقة العاملة تحديداً، ولا يجوز إخفاء أن الماركسية هي أيديولوجية الطبقة العاملة فهذه هي الحقيقة لأن الطبقة العاملة هي التي وجدت في الماركسية سلاحها النظري ضد مستغليها ومضطهديها.
وبهذه النظرية وقفت الطبقة العاملة ولاتزال تقف صامدة أمام النظريات البرجوازية وغيرها. وفي الحقيقة فإن الماركسية زهرة تنمو وتتفتح في أحضان الطبقة العاملة. وتستمد النظرية الماركسية علميتها من كونها فكر الطبقة العاملة كما كانت عليه أيام ماركس وما آلت إليه في الوقت الحاضر من تغييرات بنيوية وسوف تبقى النظرية الماركسية سلاحاً ماضياً في يد الطبقة العاملة ما بقيت الطبقات المستغلة موجودة وما بقي الصراع الطبقي محركاً للتطور الاجتماعي.
الماركسية بمفهومها الشامل، هي منهج افكار ماركس ومذهبه، ولا شك في أن مذهب ماركس محدود في الزمان والمكان وكذلك أفكاره، ولكن ما يعطي لمذهب ماركس وأفكاره قيمتها الحقيقية هو التسلح بالمنهج الماركسي بغية اكتشاف ديالكتيك الواقع وميول تطوره. وليس لنا أن نأخذ جزءاً دون آخر فهذه انتقائية غير مبررة تخفي دوافع غير شريفة لأن الأخذ بالمنهج دون المذهب يعني الاعتراف بالماركسية قولاً والقطيعة معها فعلاً، وتتبدى القطيعة مع النظرية عن طريق اختزالها إلى المنهج فقط. إذ يشير هذا الموقف إلى أن المنهج الماركسي مازال صحيحاً ويمكن استخدامه كأداة معرفية لفهم الواقع ولهذا نرى أن هذا الاجتزاء اللاعلمي قد أوقع اصحابه في الخطأ البالغ الذي يقول بأن الخلط بين النظرية والمنهج هو الأساس في الجمود العقائدي ليس الخلط بين النظرية والمنهج هو الأساس بل البقاء في حدود النص وقسر الواقع المتحرك على سكون الكلمة هو ما يوقع في الجمود العقائدي. الاعتماد على النظرية الماركسية نصوصاً مكتوبة دون استخدام المنهج الماركسي في استقراء الواقع وقراءته بشكل صحيح بغية اكتشاف خصوصياته هو الذي يحنط الفكر داخل جدران الجمود. لكن استخدام المنهج الماركسي دون الاعتماد على النظرية الماركسية بما تحمل من معرفة صحيحة وموضوعية هو الذي يقود الفكر إلى مجال التحريف.
الاعتماد على النظرية الماركسية كنصوص مكتوبة دون استخدام المنهج الماركسي يمنعنا من إعادة صياغة الماركسية وطنياً. والأخذ بالمنهج الماركسي مع إهمال النظرية الماركسية يفقدنا هدف التوجه والحركة. إن الواقع يفرض علينا الاعتماد على نظرية شاملة تسمح لنا بالنظر إلى العالم بشكل مترابط الحلقات وتجعلنا نفهم العالم ونفسره بشكل صحيح بغية تغييره. والماركسية هي ـ حتى الآن ـ  هذه النظرية التي وجدت استناداً إلى ثوابت الواقع نفسه مع وصول العلوم الاجتماعية والتطبيقية إلى مراحل متقدمة بالتوافق مع وصول الوعي العمالي إلى مستوى متطور ونضج النظام الرأسمالي وسيادته على الصعيد العالمي.
النظرية الماركسية تعرفنا على القنونات العامة لحركة سير التاريخ المتوجه نحو الاشتراكية بينما يتيح المنهج الماركسي التقاط ما هو جوهري وخاص في الحركة التاريخية ولهذا نرى أن الجامد الذي يستند إلى النظرية ويهمل المنهج يتوافق مع المحرف الذي يختزل النظرية إلى منهج فقط ويبتعد كلاهما عن الحقيقة التي تكمن في الترابط بين العام والخاص والوحيد. يشطب الجامد عقائدياً المستقبل بركونه إلى الماضي و الاعتماد على ماتم إنجازه. وبينما يشطب المحرف الماضي بتوجهه إلى المستقبل وإهمال ما تم إنجازه وبهذا يتفق الجامد عقائدياً والتحريفي على قضية واحدة هي تجاهل الحاضر باعتباره الصلة الحية بين الماضي والمستقبل.
الدوغمائي يعترف بالجانب المطلق من الحقيقة ويتجاهل جانبها النسبي متخلياً بهذا عن ديمومة التغير والتحول ويلغي بذلك النقاش والحوار ويصادر الرأي الآخر ولا يعترف بتعدد الآراء بينما يعترف النسبوي بالجانب النسبي من الحقيقة ويتجاهل جانبها المطلق داعياً إلى النقاش والحوار وتعدد الآراء وطرح المشاكل ووجهات النظر المتعارضة دون تحديد الهدف من ذلك. الأخذ بالنظرية الماركسية كنصوص مكتوبة مع تجاهل منهجها هو إطلاق للحقيقة المطلقة وهذا يجعل النظرية تتوقف عن التطور ويصيبها الوهن والعجز وتفقد حيويتها والأخذ بالمنهج المادي الجدلي مع تغييب النظرية الماركسية هو إطلاق للحقيقة النسبية وهذا يمهد للوقوع في اللاأدرية وكلا الموقفين يؤديان في شبكة التفكير الميتافيزيقي.
فالنسبويون ينظرون إلى النظريات العلمية باعتبارها نسبية مع تجاهل جوانبها المطلقة فإنهم يستنتجون أن هذه النظريات تستبدل إحداها بالأخرى ويقولون إن النظرية مؤهلة فقط لأن تسقط حين تبطلها (تنفيها) نظرية أكثر حداثة (صحة) منها. لكن هذا ليس صحيحاً لأن الحقائق العلمية ليست نتيجة لاتفاق الناس عليها بل هي عكس للواقع الموضوعي. فالنظرية الجديدة لا تنفي القديمة بل تتغلب على محدوديتها متضمنة كل ما هو صحيح في النظرية السابقة، فما أثبت العلم صحته يبقى صحيحاً رغم معارضة أو موافقة الآخرين له. فجميع  فروع المعرفة العلمية تحتوي على نظريات صحيحة بشكل مطلق لا يمكن ن تدحض خلال التطور اللاحق. والنظرية غير مرنة ولا تحتمل المساومة لأنها تمثل قوانين علمية وضعت تحت الاختبار وثبتت صحتها فهي ليست نسبية، ونسبية الماركسية تتأتى من كونها نتاجاً للمرحلة التي وصل إليها العلم في مرحلة من مراحل تطور المجتمع لأن الماركسية تتغذى برحيق العلم المتطور دائماً فإنها تخترق نسبيتها بشكل دائم وتوسع حدودها إلى الحد الذي تقف العلوم على تخومه وعندما تنتهي المجتمعات الاستغلالية فسوف تستنفد الماركسية أكثر أغراضها فاسحة المجال لنظريات أخرى أن تحل محلها لكن ثوابت هذه النظرية لن تحذف بل تصبح بنيانات نظرية ـ مع احتفاظها بكل مضمونها العلمي ـ  متمكنة في فضاء النظرية الجديدة حاملة إياها إلى مجالات أرحب في سماء الفكر النظري. وسوف يتم تجاوز النظرية الماركسية عندما لايغدو الفهم المادي للتاريخ مؤسساً على المادة التي يفصح عنها المجتمع الرأسمالي عندما ينتفي استغلال الإنسان للإنسان عندما تزول المجتمعات الطبقية لأن هذه النظرية توجهت بمفاهيمها عبر دلالتها المعرفية إلى هذه المجتمعات التاريخية وتناولتها بالنقد والتحليل.
ليس التعامل مع الماركسية كمنهج مادي جدلي هو نقطة الانطلاق في التجديد النظري المطلوب بل نقطة الانطلاق تكمن في التعامل مع ما أنجزته النظرية الماركسية في حقول السياسة والاقتصاد والفلسفة. بعد أن أثبتت التجربة صحته بشكل موضوعي مع استخدام المنهج الماركسي في استقراء الواقع وتحليل حركته الداخلية لإدراك ميول و اتجاه حركة الواقع المقنونة لخلق الواقع من جديد بشكل صحيح، بهذه الطريقة نكون قادرين على إيجاد الحلول للمشاكل التي يطرحها سير الواقع في صيرورته وذلك بأن نضع أمامنا مهمة البحث عن خصوصية الماركسية ومحليتها ضمن كونيتها ضمن شموليتها  العامة. والتجديد عملية إبداعية تنطلق من الواقع وتعود إليه وعلى الشيوعيين أن يكونوا في الصفوف الأولى لإحياء المحتوى الحقيقي للنظرية الماركسية ومنهجها.
إن تغييب نظرية  الاغتراب والصراع الطبقي وغيرها يعيد المنهج الماركسي إلى الحدود التي كان يقف عندها منهج هيغل وهذا العمل يضحي بكل المنجزات الماركسية التي أغنت المنهج وشحذت قدراته، فماركس منح البشرية آفاقاً لايمكن إغلاقها، لم يكن الموقف من الماركسية باعتبارها نظرية هو العامل الحاسم في جمودها كما لم تكن النصوص الماركسية بحد ذاتها هي التي ساهمت في تجميد عقول الماركسيين عشرات السنين بل الصنمية تجاه النصوص وتغييب المنهج هو السبب الرئيسي لذلك. والنظرية الماركسية تحمل منهجها بداخلها دون أن تطلقه وحيداً في الفراغ لأن منهجها مادي جدلي منذ أن وجه ماركس نقده الفلسفي الفكري والأيديولوجي إلى جدل هيغل ومادية فورباخ.
أما اختزال النظرية الماركسية إلى منهج مادي جدلي فقط فإنه يقدم وإن بشكل خفي تبريراً للتعايش مع الهيمنة والإمبريالية واستعباد الشعوب وامتهان كرامة الإنسان.
ففي الوقت الذي تحاول فيه الإمبريالية اغتنام الفرصة السياسية لإعلان موت الماركسية وتأكيد خطئها من الأساس نرى بعض الماركسيين يحاولون تفريغ الماركسية من مضمونها الطبقي بحجة تصحيح مذهب ماركس وإعادة النظر فيه.
وأعتقد أن هذه الآراء ترمي إلى هدف واحد هو طمس الجوهر الحقيقي للرأسمالية وهذا ما يدفع للقول بأن الفصل بن النظرية الماركسية والمنهج المادي الجدلي يشكل تجسيداً نظرياً للأقاويل التي ترى أن الرأسمالية نهاية التاريخ وهو تعبير عن الليبرالية الجديدة (العولمة المتوحشة) التي تكمن في أساس سياسة القطب الواحد التي تسعى إليها الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

● - د. قدري جميل (حول الثابت والمتغير):
الثابت والمتغير في الماركسية كمفهوم فلسفي موجود قبل أدونيس وسيبقى بعده، لأنه عملياً تعبير عن المطلق والنسبي، ومشكلة الثابت والمتغير أن العلاقة بين شقيه متغيرة وغير ثابتة الحدود الفاصلة، مرنة ومتحركة مع تغير الواقع (لايوجد ثابت مطلق ولا متغير مطلق) مشكلة الماركسيين إلى اليوم أن بعضهم وهم الجامدون يعتبرون أن كل الماركسية ثابت بينما العدميون يعتبرون كل الماركسية متغيرة، وهناك صنف آخر وهو أخطر وهم الجهلة ومدعّو ا لماركسية حيث يخلطون بين الثابت والمتغير. الثابت يصبح متغيراً والمتغير يصبح ثابتاً وهذا ما يفضي بالبعض إلى أن ماركس انتهى، لأن فكرته حول أن تنتصر الثورة البروليتارية في الغرب لم تثبت بينما هذه فكرة تدخل في إطار المتغير وانتهت بحلول الرأسمالية الاحتكارية عندما أتى لينين في أوائل القرن العشرين واقترح متغير آخر هو انتصار الثورة في بلد واحد وهذا المتغير الذي أطلقه لينين هو افتراض انتقل بحكم  التجربة و الواقع إلى الثابت في حينه حيث تحول إلى نظرية «التفاوت» و«إمكانية الثورة في بلد واحد» لذلك فالعلاقة بين الثابت والمتغير معقدة جداً لأنه يجب أن نحدد بشكل عام بإطار النظري ماهو الثابت وماهو المتغير. ولكي نستطيع أن نحدد الثابت والمتغير يجب أن نتعامل مع الماركسية كأي علم آخر وأي علم حتى يحق له أن يسمى علماً يجب أن يتكوّن من مكونات محددة هي المنهج والقوانين والفرضيات أي علم لديه طريقته ومنهجه وأدواته وباستخدام طريقته ومنهجه وأدواته باكتشاف القوانين الداخلية للظاهرة التي يتعامل معها، هذه القوانين الداخلية هي قوانين موضوعية لا تخترع بل تكتشف، والقوانين بتراكمها بالإضافة إلى المنهج تسمح للباحث في هذا المجال أن يتنبأ (يفترض) حيث أن الافتراض  هو احتمال قانون واحتمال القانون بعد أن يدخل إلى المخبر فإما أن يهمل أو يصبح قانوناً  ويضاف  إلى الرصيد النظري وتغني النظرية نفسها.
المشكلة أن الماركسية تملك منهجاً ثابتاً نسبياً وفرضياتها هي متغيرة نسبياً، أما القوانين فتدخل في إطار الإثنين (المنهج والفرضية) فبعض القوانين من حيث الشكل والمضمون تبقى ثابتة وهناك قوانين تغير شكلها وتحافظ على مضمونها كما حلل لينين قانون القيمة الزائدة، حيث اكتشفه ماركس وأطلق عليه هذا الاسم، أما لينين فقال عنه: «إنه في الرأسمالية الاحتكارية القيمة الزائدة هي الربح الاحتكاري، الجوهر ثابت هنا وهو الاستيلاء على كميات عمل الآخرين».
اليوم نحن مدعوون كماركسيين أن نكتشف ما هو شكل القيمة الزائدة في ظروفنا الجديدة حيث الاستغلال الجائر للطبيعة وللعالم الثالث وللعمل الذهني. أعتقد أن هناك شكلاً جديداً على علماء الماركسية وحركات الماركسية اكتشاف الشكل الجديد، لكن الجوهر ثابت الاستيلاء على كمية العمل الحالية في عهد ماركس، اليوم يقول أحدهم: إن القيمة الزائدة اليوم ليست استيلاء على كميات عمل حالية فقط بل واللاحقة أيضاً للأجيال المقبلة من خلال الاستغلال الجائر للطبيعة. وهناك قوانين جديدة يجب أن نكتشفها لذلك فإن الثابت والمتغير في إطار القوانين هي مشكلة كبيرة فالفرضية التي هي متغيرة قد تصبح بالثابت وتغني النظرية أو تهمل إلى الأبد، والمنهج نفسه من حيث الجوهر ثابت ومحافظ على نفسه ولكنه باغتناء المعارف العلمية أدواتنا وطرقنا تتغير أيضاً (ماركسياً تتطور)، لذلك فإن مهمة المفكرين ليست سهلة أبداً حيث تتطلب أن نستند إلى أفضل ما أنجزه العلم، ولكي نعرف كم نحن مقصرون يحضرني المثال التالي: (لينين يقول إن ماركس أطلق نظريته في عهد ظهور ثلاث اكتشافات علمية:
-     نظرية الخلية – نظرية الحفاظ على الطاقة – نظرية داروين)
هذه النظريات الثلاثة تدرس لأطفالنا في الإبتدائي.
واليوم العلم قد خطا  خطوات كبيرة وأكبر الاكتشافات الثلاثة اليوم هي:
-     الخريطة الجينية والتحكم الوراثي.
-      الكومبيوتر والمعلوماتية.
-     غزو الفضاء الكوني.
وأقصد أن أقول، ماهي المسافة التي قطعها العلم منذ تلك الاكتشافات حتى الآن.
هل الماركسيون قطعوا بالماركسية المسافة نفسها.
أعتقد لا، نحن مقصرون والذنب ليس ذنب الماركسية بل ذنب العاملين فيها.
لذلك ليس صدفة في بداية الألفية الثالثة إجماع علماء بمناسبة  الذكرى (150) لوفاة كارل ماركس أجمعوا على أنه أهم مفكر الآن في الألفية الثالثة.
لذلك علينا أن نبذل جهوداً كبيرة كي نكون ماركسيين حقيقيين.
                  1.                       حول لينين واللينينية:
 هل قوة اللينينية تنبع من أن لينين قام بثورة أكتوبر فقط حسب التعريف الذي ذكره (د. نايف) اللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية استناداً إلى (إلياس مرقص) ولكن هذا التعريف لـ (ستالين) حيث أن ماركس حلل الرأسمالية في عصر المنافسة الحرة، وعندما نقول أن اللينينية هي ماركسية الإمبريالية نعني أن لينين أضاف نظرياً إلى المنهج والقوانين و الافتراضات. لينين اكتشف (قانون التطور المتفاوت) يجب أن نعمل عليه الآن. دعونا نَعُد إلى الخلف قليلاً، عندما قال ماركس أن الثورة ستحدث في كل أوروبا لم يكن ذلك عبثاً فقد درس من خلال قانون  القيمة C + V +M = W علاقة الرأسمال المتحرك بالرأسمال الثابت. استنتج أن التركيب العضوي للرأسمال في أوروبا الغربية نفسه ومستوى التناقض واحد وهذا سيؤدي إلى انفجار واحد. ثم أتى لينين واستخدم المنهج نفسه ودرس التركيب العضوي لرأس المال في عصر الإمبريالية واستنتج أن الوضع قد تغير فقد ظهر التفاوت في التركيب العضوي لرأس المال وهذا ينفي افتراض ماركس واقترح الافتراض الجديد قانون الحلقة الأضعف من خلال قانون التطور المتفاوت وطبقه عملياً في مخبر التاريخ. وعلينا أن ندرس كيف يعمل قانون التطور المتفاوت وأنا أعتقد أنه يعمل اليوم بالطريقتين معاً (ماركس ـ لينين) حسب نفي النفي.
واليوم فإن التطور المتفاوت لم يعد بين بلد وبلد آخر بل بين مجموعة بلدان وأخرى، ولكن السؤال أي الحلقة الأضعف، التي تحتاج إلى دراسة.
من الحلقة الأضعف ـ / بلدان الشمال لانستطيع أن نقول أن فيها تطوراً متفاوتاً و بلدان الجنوب لا نستطيع أن نقول أن فيها تطوراً متفاوتاً لكن بين الشمال والجنوب لم تعد كلمة (متفاوت) تفي بالغرض / ـ لذلك يجب أن نكتشف الحلقة الأضعف لكي نعرف أين ستقوم الثورة الاشتراكية اللاحقة وهذا يحتاج إلى دراسة. ولينين اكتشف أشياء كثيرة ففي مجال الاقتصاد السياسي اكتشف قوانين اقتصادية حيث أنه طور قانون معادلة إعادة الإنتاج الإجتماعي لماركس ـ كان ماركس يقول العلم لا يكون علماً إلا عندما نتكلم عنه بلغة الرياضيات وضع أول معادلة وهي معادلة إعادة الإنتاج الموسع والتي يستغربون حتى الآن، ومع الكمبيوتر كيف صنعها وأخرج هذه الأرقام حيث أنه لايمكن لأية أرقام أن تكون مكانها (معادلة نموذجية).
ولينين في عصر الإمبريالية اكتشف إضافات جديدة لهذا القانون وهي ليست مجال بحثنا الآن.
لذلك إذا كان ماركس قد اكتشف حوالي (70) قانوناً في الرأسمال مازالت تفعل فعلها حتى الآن والتي سمحت للماركسيين أن يتنبوؤا بانهيار النمور الأسيوية وتحولها إلى قطط في الوقت الذي كان كثيرون يمدحونها وقد أتى تنبؤهم لأنهم كانوا يعرفون قانوناً كانوا يدرسونه في الصف الأول في الاقتصاد السياسي «قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي لرأس المال» والذي يعرف هذا القانون يعلم أن هذه النمور سوف تنتهي حيث أن القانون يفعل فعله حتى آخر القرن العشرين وكل القوانين أيضاً يمكن أن تغير أشكالها فقط.
لذلك كان لينين له الحق كاملاً في أن يكون إلى جانب ماركس بغض النظر ماذا  نطلق على نظريته ومن حقه أن نطلق عليها اسم اللينينية لأن نظرية إينشتاين نطلق عليها اسم (نظرية إينشتاين) ونظرية نيوتن نطلق عليها اسم (نظرية نيوتن) وكذلك نظرية ابن خلدون. الأمانة العلمية تفرض علينا أن نطلق عليها اسم اللينينية.
هنا أريد أن أنبه إلى مسألة: (إذا كان أعداؤنا يسعون إلى تكوين رموز لهم في الوعي الاجتماعي عبر أشخاص في كل المجالات من الفن والموسيقا والرقص إلى السينما والسياسة والفكر كل يوم يكونون رموزاً جديدة حتى يكسبوا  الشباب ونحن مع الأسف في السنوات الـ 50 الماضية كنا كل يوم نحطم رموزنا التي تكونت تاريخياً ونفتخر بهذا) عندما أتى الصينيون ليعالجوا مسألة (ماو) بعد موته اقترح البعض  إخراجه من ضريحه كما فعل (خروتشوف مع ستالين)، وهنا انتصرت الحكمة الصينية في النهاية حيث قرروا أن 70 % مما جاء به ماو صح و 30 % خطأ لأن (ماو) بغض النظر عن كل شيء هو بذهن الفلاح الصيني البسيط رمز للثورة في الصين ورمز للبناء الاشتراكي و(ماو) عندما يلقى من ضريحه لن يتضرر هو بل سوف يتضرر كل الوعي الاجتماعي الذي تكون خلال  30 سنة من انتصار الثورة الاشتراكية في الصين. وهذه المسألة نحن مقصرون فيها مسألة الوعي الاجتماعي ورموزه وإشاراته.
                  2.                        حول الرأسمالية وتقدميتها  ورجعيتها:
الكلام الذي قيل عن تقدمية الرأسمالية في مرحلة معينة صحيح. وهناك مثالان:
-  أنجلز في عام 1895 قال: «في كل خطوة تخطوها الرأسمالية إلى الأمام في إطار تطوير القوى المنتجة هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان والطبيعة». هذا الكلام دعا لينين في كتابه: «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية» للاستنتاج بأن الرأسمالية أصبحت رجعية على طول الخط.
تلك الرأسمالية التقدمية في عام 1789 حين حطمت الإقطاع وكانت خطوة تقدمية تاريخياً أصبحت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رجعية على طول الخط حيث فقدت كل الطاقة التقدمية التي حملتها، بل وكأي ظاهرة تاريخية انتقلت إلى نقيضها. هذا هو موقف الكلاسيكيين في هذا المجال. أنا أعرف أن الذي يؤخذ على الحزب الشيوعي السوري تاريخياً من خلال النقاشات الجارية أنه منذ المؤتمر الثاني بالغ في موضوع دعمه لتطور الرأسمالية في سورية، وهناك كتابات حول هذا الموضوع كثيرة وجرت نقاشات كثيرة حولها. لا أعتقد أنه يمكن أن يؤخذ على الشيوعيين السوريين أنهم كانوا ضد دخول الرأسمالية بشكل طبيعي إلى سورية، في مرحلة كان يمكن دخولها بشكل طبيعي، أعتقد أنهم حاولوا أن يسهلوا ذلك مع أن الكثير من الرفاق والحركات أخذت عليهم ذلك فيما بعد.
ولكن منذ أوائل السبعينات حينما أصبح التطور الرأسمالي سائداً في سورية ويغلب عليه الطابع الطفيلي لا يمكن للشيوعيين إلا أن يعلنوا الحرب  التي لاهوادة فيها على علاقات الإنتاج هذه لأنه لا مبر لوجودها، حتى اليوم يطرح علنيا سؤال كنا نفترض أننا قد جاوبنا عليه في السنوات العشر الماضية، أن تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي ممكن، واليوم هل  (يمكن تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية في ظل العولمة المتوحشة من طابعها الطفيلي دون إزالة الرأسمالية نفسها)؟ هذا سؤال يحتاج إلى بحث.
وأنا من حيث المبدأ أشكك اليوم في ظروف التوازنات والوقائع الموجودة أن حل هذه المهمة ممكن (تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي بدون إزالة علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها لأنه في ظل العولمة المتوحشة هناك تقسيم عمل معين).
من هنا أعتقد أن الشيوعيين السوريين يمكن أن يؤخذ عليهم أنهم لم يعملوا بالشكل الكافي في الظروف التاريخية الملموسة التي كانت تسمح بتثبيت علاقات الإنتاج الرأسمالية. لكنهم لم يكونوا ضد دخول الرأسمالية إلى سورية وإذا بحثنا في التاريخ نجد أن الذي قطع التطور الطبيعي في سورية في هذا المجال هو الوحدة السورية مع مصر، حيث شوهت التطور حيث تكون لدينا قطاع عام مشوه وعلاقات إنتاج رأسمالية مشوهة وإلا لو كان التطور الطبيعي في الخمسينات بقي كما هو في خط مستقيم لأصبحنا بلداً كاليونان أو إسبانيا من حيث تطور القوى المنتجة ومن حيث وضعنا في المنظومة الرأسمالية العالمية ولكن هذا الأمر محسوم لأنه كان هناك تقسيم عمل وتقسيم جغرافي مبتوت فيه.
أعتقد أنه في روسيا اليوم رغم قلة الحديث عنها بقدر ما هي حبلى بالمفاجآت أكثر مما نتوقع، روسيا حسمت مصير القرن العشرين ثلاث مرات (ثورة أكتوبر ـ الحرب العالمي الثانية ـ انهيار الاتحاد السوفييتي) هي مركز موضوعي للتطور العالمي بحجمها ودورها، هذا المركز مازال قائماً وسوف يلعب دوراً وهذا الدور مفتوح على الاحتمالين، إذا عملية النهب الجارية فيها استمرت واستطاعت الرأسمالية الكومبرادورية اليهودية تحديداً أن تخصخص الكهرباء وسكك الحديد والنفط والغاز آخر ما تبقى من خطوط تربط أشلاء من روسيا فإن روسيا سوف تنقسم إلى مئة قسم من خلال الخصخصة فقط، وليس من خلال شيء آخر، حتى نعرف أن الخصخصة ليست مسألة  اقتصادية بحتة. أما إذا استطاعت روسيا أن تمنع ذلك وتنطلق وتستعيد سيادتها فإن سيادتها لن تقوم إلا على أساس اشتراكي بظروفها الروسية. لذلك فإن الخيارين مفتوحان الحياة أو الموت بالنسبة لروسيا.




#قاسيون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق عمل توحيد الشيوعيين السوريين- الندوة الفكرية المركزية ...
- ماذا فعلت القيادة الحالية بالحزب؟.. ولماذا تطالب القواعد بمؤ ...
- اذا فعلت القيادةة الحالية بالحزب؟.. ولماذا تطالب القواعد بمؤ ...
- أوراق ميثاق شرف الشيوعيين السوريين - الجزء الاول
- أوراق ميثاق شرف الشيوعيين السوريين - الجزء الثاني
- أوراق عمل الاجتماع الوطني الثاني لوحدة الشيوعيين السوريين
- وثائق الاجتماع الوطني الأول لوحدة الشيوعيين السوريين
- بعد عامين من التقاعد.. ماركوس يستعيد القضية الزاباتية
- إطلاق الحوار العام من أجل وحدة الشيوعيين السوريين
- الليبرالية الاقتصادية لن تجلب الديمقراطية
- مؤسسة نوبل، قلعة النفاق « بوش وبلير يُرشَّحان لنيل جائزة نوب ...
- قمة ثمانية.. لأجل لاشيء
- إطلاق أوراق عمل الاجتماع الوطني الثاني لوحدة الشيوعيين السور ...
- بيان من الشيوعيين السوريين لاعيد ولامكاسب عمالية بدون نضال و ...
- الاجتماع الوطني الثاني لوحدة الشيوعيين السوريين
- بيان من الشيوعيين السوريين كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبا ...


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - قاسيون - أوراق عمل توحيد الشيوعيين السوريين- الندوة الفكرية المركزية الأولى حول:المرجعية الفكرية - الجزء الاول