كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1996 - 2007 / 8 / 3 - 10:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الغالبية العظمى من العقلاء والمهمومين من سكان العراق ومن القاطنين في الخارج يطرحون اليوم على أنفسهم أو على غيرهم من البشر أسئلة كثيرة, منها مثلاً : ما الذي يجري في العراق ؟ هل ما يجري في العراق يمارس من أناس عقلاء يحملون في رؤوسهم وقلوبهم حباً لهذا الشعب العراقي أو حناناً عليه ,أم يحمل البعض الكثير من السياسيين روح الكراهية والحقد إزاء الآخر ويتمنون الخلاص منه؟ هل تعي الأحزاب السياسية الإسلامية بالخصوص ما تمارسه من سياسة بائسة ومريعة في العراق؟ أم أنها غير قادرة على رفض ما يملى عليها من وراء الحدود من جيران العراق من فرس وعرب وترك وغيرهم ؟ وإلى أين يتجه هذا البلد المستباح في ظل تلك السياسات والتصريحات والبيانات والمؤتمرات الصحفية؟ هل فقد هؤلاء الساسة عقولهم وهل يسعون إلى تحويل العراق إلى دار للمجانين؟
المجتمع العراقي يقف حائراً أمام حالة غريبة ليست اعتيادية لم يعرفها العراق قبل ذاك ووفق كل المعايير الإنسانية. المجتمع يقف أمام صراع سياسي طائفي مقيت تمارسه قوى الإسلام السياسي , الإرهابية منها وتلك التي يطلق عليها بـ"المعتدلة!" , على السلطة السياسية , وعلى المال والنفوذ. وفي هذا المعمعان اختلطت الأوراق وتشابكت القوى بحيث فسح في المجال لمزيد من البعثيين الصداميين والظلاميين والتكفيريين والقاعديين المتعطشين للدم على إشاعة الفوضى والخراب والموت في البلاد.
إليكم ما يواجه المجتمع في هذه الأيام:
جبهة التوافق التي تريد الحديث باسم السنة , كل السنة !, هيمن على بعض قواها البعثيون الصداميون والقوميون الشوفينيون , وعلى بعضهم الآخر وعلى قراراتهم وتصرفاتهم سيطر القاعديون , وقد عبر عن ذلك بوضوح كبير لا لبس فيه رئيس هيئة علماء المسلمين السنة الشيخ حارث الضاري , وبعضهم المعتدل عاجز عن اتخاذ موقف مستقل إزاء ما يجري في العراق. فهي جبهة ليست للتوافق بل لخوض الصراع وفق أسس غير عقلانية , رغم ما في بعض مطالبهم من عقلانية وصواب.
وقوى الإسلام السياسي الشيعية المسيطرة على الأكثرية الحكومية التي تريد التحدث باسم الشيعة , كل الشيعة!, لا تريد النزول عن بغلتها وتبذل المستحيل لتبقى راكبة السلطة ومتمسكة بعزمها القاتل في كونها المنتصرة, وبالتالي تواصل ممارسة السلوك الطائفي السياسي المشين, وتلعب دورها في التأثير على رئيس حكومة يترأس هو الآخر حزباً مبتلى بنهج طائفي أيضاً , إضافة إلى الدور الإرهابي الذي تمارسه المجموعة الكبيرة من التيار الصدري التي تقود ميليشيا جيش المهدي والتي تمارس إرهاباً واسعاً في العراق لتشارك مع بقية القوى الإرهابية في دفع البلاد إلى حرب أهلية. وهو ما ينتظره كل أعداء الشعب ويتمنون وقوعه اليوم قبل الغد.
كم كان ضرورياً أن يعي هؤلاء جميعاً بأن لا أحد يستطيع إنهاء وجود الآخر أو إبعاده عن الحكم , لا أحد يستطيع أن ينهي وجود الشيعة العرب أو الكُرد الفيلية أو التركمان الشيعة في العراق كمواطنات ومواطنين غير طائفيين , ولا أحد يستطيع إنهاء وجود السنة العرب في العراق, كمواطنات ومواطنين غير طائفيين, , وكذا الحال بالنسبة لبقية أتباع الديانات والمذاهب الأخرى. فالعراق بلد هؤلاء جميعاً, وعلى الجميع المساهمة في حكم العراق , ولكن لا على اساس ديني , بل على اساس فصل الدين عن الدولة , فـ"الدين لله والوطن للجميع".
إن قوى الإسلام السياسي الشيعية تعتقد بأنها قد مسكت الحكم وستبقى إلى الأبد. إلا أنها متوهمة تماماً , فالشعب العراقي الموزع على أديان ومذاهب واتجاهات فكرية وسياسية يجب في المحصلة النهائية أن يمارس الحكم بعيداً عن الدين والطائفة , وبعيداً عن السلوك والسياسة الطائفية التي تميز بين البشر على أساس الدين والمذهب والفكر. ولهذا من الخطأ أن نقول بأن السنة لن يحكموا العراق أبداً , وأن الشيعة والكُرد سيبقون في الحكم أبداً , بل ينبغي أن نقول بوضوح بأن المستبدين , سواء أكانوا من السنة أم الشيعة أم من غيرهم من الأديان والمذاهب يفترض أن ينتهي دورهم وإلى الأبد , ولكن شعب العراق ما زال مبتلى بالمستبدين ويعاني من ذهنية الاستبداد والتحكم الفردي وما زال الكثير من هؤلاء يمارس سياسة الاستبداد والنهب والسلب بطرق فجة وعبر صراعات طائفية.
أن المواطنات والمواطنين في العراق من عرب وكرد وتركمان وكلدان وآشوريين , بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم أو اتجاهاتهم الفكرية والسياسية غير الفاشية وغير الطائفية , يفترض أن يحكموا العراق. ومهما فعل الطائفيون فلن يبقى العراق في أيديهم , إذ أن وجودهم في السلطة سيقود البلاد إلى المزيد من الموت للبشر وإلى مزيد من الخراب والدمار للاقتصاد والحياة في العراق وإلى مزيد من التمزق لا في المجتمع حسب , بل في الحزب الواحد والكتلة الواحدة والعائلة الواحدة أيضاً.
إن غالبية المحتمين بالمنطقة الخضراء أو بجيش من الحمايات المسلحة يبدو أنهم لا يستطيعون رؤية الموت اليومي الذي يختطف حياة المزيد من الناس البسطاء والطيبين في شوارع وأسواق العراق ومن مختلف القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية , لا يستطيعون أو لا يريدون رؤية الدماء وهي تسيل في شوارع العراق وتُغسل يومياً بدموع الثكالى من العائلات العراقية الشعبية الطيبة, فهم مشغولون بمكاسب ومصالح آنية ضيقة , أو أن بعضهم ينفذ أجندة أجنبية لا دخل لها بمصالح المجتمع العراقي ومستقبل بنات وأبناء هذا العراق المستباح بل على حساب حياتهم وعملهم ومستقبلهم.
إن السياسة التي تمارس في العراق في هذه الأيام مجنونة والقوى السياسية الفاعلة عاجزة عن الدخول في حوار جاد بهدف الوصول إلى وحدة الموقف أو إلى قواسم وطنية وديمقراطية مشتركة لأنها ليست ديمقراطية , فالبعض الكثير منهم يوجه التهديد تلو التهديد والوعيد تلو الوعيد ويحذر من كبائر الأمور والويل والثبور إلى حد إعلان الحرب ما لم تتحقق أهدافه , والبعض الآخر يرد التهديد والوعيد بالمثل أو يزيد , وكأن لم تبق في العراق لغة تسمى لغة الحوار السياسي باعتباره أسلوباً يفترض أن يبقى وحيداً لحل المشكلات القائمة. وطرف ثالث ينادي بأعلى صوته محذراً بأن خروج كتلة التوافق من الحكومة والمجلس النيابي يعني خروج أحد مكونات المجتمع العراقي. أما الطرف الأمريكي المحتل فاعتبر أن ما يجري في العراق ليس سوى مناورة سياسية داخلية وعليهم أن يحلوها بأنفسهم , إذ أن الرئيس الأمريكي , الغارق حتى قمة رأسه في صراعاته الداخلية وبؤس طالعه ونهجه السيئ وغباء سياساته , كان وما يزال على استعداد لقبول ما يريد أن يسمعه سلفاً.
إنها المحنة الكبرى أيها السادة الحكام في بغداد تلك التي تواجه الشعب العراقي. والعقلاء القلة العاملون في الحقل السياسي ما زالوا عاجزين عن التأثير في سياسة الحكومة أو في إقناع الأطراف الأخرى على الحوار والتحري عن مساومات مقبولة للوضع في العراق لكي يتفرغوا لقوى الإرهاب السادرة في غيها ومعالجة مشكلات الناس المتفاقمة.
لن تمر فرحة الشعب بانتصاره طويلاً حتى فجر الإرهابيون سيارات مفخخة مقترنة بإعلان انسحاب جبهة التوافق العراقية من الحكومة والمجلس النيابي , فهل بين الحدثين رباط فعلي متين يجسد سلوك تلك الفئة الضالة منهم أم أنه أتى من قوى أخرى لتستثمر الفرصة لإنزال المزيد من الضربات بالشعب الجريح. لقد نزف دمر كثير وسالت دموع غزيرة في العراق, فهل سيرعوي هؤلاء الطائفيون؟ وهل سيعود إليهم صوابهم ؟ وهل ستتحرك ضمائرهم الجامدة وهم يرون ما يصيب هذا الشعب الذي ابتلى بالمستبدين والمجانين والمهووسيين من كل نوع وصنف؟
لقد نفد صبر الشعب أيها السادة و ايها المتجبرون في الأرض , أيها الطائفيون المقيتون , أيها الموغلون بدماء الشعب ... اذهبوا إلى صحراء ما وتصارعوا وتعاركوا هناك كما تشاءون , ولكن اتقوا الله في الناس ما دمتم تتحدثون باسم الله والدين والمذهب! إنكم بذلك تساعدون القوى الإرهابية الأخرى من قاعديين وصداميين وشوفينيين متعصبين وظلاميين بقتل المزيد من الناس وتحويل المزيد منهم إلى مهاجرين قسراً والعيش في الشتات العراقي , بحيث ارتفع عددهم إلى أكثر من 5 ملايين عراقية وعراقي , بعضهم ينتقل من ميناء إلى ميناء ومن محطة قطار إلى أخرى , ومنهم من يفترش الأرض والرصيف لينام بعيداً عن هوسكم بالهيمنة والقتل والنهب والسلب وعن كل ما فعلتم وتفعلونه بهذا العراق الذي سمي يوماً بأحد أهم وابرز مهود الحضارة البشرية , فهل أبقيتم له شيئاً من هذا الاسم الجميل , أم إنكم ستأتون على هذا أيضاً ؟
2/8/2007 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟