أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وفاء سلطان - الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! (الحلقة الأخيرة)















المزيد.....


الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! (الحلقة الأخيرة)


وفاء سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 1995 - 2007 / 8 / 2 - 11:25
المحور: حقوق الانسان
    


في النصف الثاني من المقال، تحدّثت السيدة الدكتورة موزة المالكي عن زوارها وباقات الزهور التي نثروها في الممر الممتد أمام غرفتها.
في سياق حديثها، عرجت السيدة الدكتورة على منعطف في غاية الخطورة، قالت بالحرف الواحد:
"من على فراش المرض كنت اطالع باقات الزهور التي اصطفت في كلّ مكان وكنت امزح رغما من الاوجاع في نفسي بمقارنة بين معنى باقة من الزهور في الغرب وعندنا. فهم تعوّدوا ان يعلنوا حزنهم على متوفّي بتكديس الزهور على قبره حتى انها بحجم هذه الزهور وكمياتها يكون قدر المتوفي. فتشييع الموتى في الغرب بالزهور هي عادة متأصلة لديهم ولكن لدينا فإنّ الامر مختلف فالزهور للحياة ولانتصار الحياة على الموت"
**********
لقد ارتكبت السيدة الدكتورة خطأين كبيرين كافيين لقتل مصداقية أي كاتب يحترم نفسه وقلمه وقارئه.
لقد مدحت قومها بما ليس فيهم وطعنت غيرهم بما ليس فيهم!
**********
متى يجب على القارئ أن يحترم رأي الكاتب؟!!
والجواب ببساطة عندما يكتب رأيا!
ماكتبته السيدة الدكتورة ليس مجرّد رأي يجب علينا احترامه، إنّه معلومة خاطئة تسيء تربويا وأخلاقيا إلى الجيل الجديد من القراء الذي يفترض أن يصنع مستقبل الأمة!!
عندما يقول كاتب ما: أنا أحبّ القطريين وأكره الفرنسيين!
هذا هو رأيه وعلى الجميع أن يحترموا ذلك الرأي!
وعندما يقول: القطريون أفضل من الفرنسيين. يجب على القارئ أن يهضم، ولو بغصّة، رأي هذا الكاتب!! فلعلّ الكاتب توصل الى ذلك الإستنتاج من خلال قناعاته الشخصيّة ومفهومه "للأفضل"، وهذا حقّه!
ولكن عندما يتجاوز" هذا الكاتب" الحد ليقول: القطريون وصلوا الى المريخ، أمّا الفرنسيّون فشعب متخلف للغاية! لا بدّ لكل قارئ عاقل من أن يطالبه بالبرهان. فالأمر لم يعد مجرد ابداء رأي، بل تجاوزه الى إدّعاءات مُغرضة تستهتر بعقل القارئ كما تضرّ بمصداقيّة الكاتب!
المسلمون يعتبرون الأزهار رمزا للحياة ويحملونها كهدايا لمرضاهم احتفالا بحياتهم؟!!
هذا افتراء!!
الغربيون يتعاملون معها كرمز للموت ولا ينثرونها إلاّ فوق القبور والجنازات؟!! هذا افتراء آخر!!
من أين استقت السيدة المختصة بالإرشاد والعلاج النفسي تلك الحقائق؟!!

كم جنازة شيعت في الغرب؟ أين قرأت عن معنى الموت في قاموس الغربيين؟ هل زارت بلداً غربيّا؟ هل رأت زهوره المتناثرة هنا وهناك؟
لا ينتابي أدنى شكّ بأن تلك السيدة، كسيّدة قطرية، قد زارت الغرب ورأت شوارعه وحدائقه وبساتينه وجباله وغاباته.
لو كتبت هذا الإفتراء امرأة من صعيد مصر، مع احترامي لكل نساء مصر، أو من إحدى القرى النائية في سوريا لغفرت لها ولقلت في نفسي: العالم كلّه ينتهي عند حدود قرية تلك السيدة، فهي كتبت ذلك من وحي خيالها!
أما سيّدة قطرية، سمحت لها آبار النفط التي حفرتها الأيدي الغربية الساحرة في صحرائها، بأن تتغدّى في باريس وتتعشّى في كوبنهاكن، يحقّ لنا أن نشكّ بمصداقيتها!
تذكّرت عبارتها، وأنا احلّق في سماء مدينة كانساس ستي في ولاية ميزوري الأمريكيّة. نظرت من العلياء الى تلك الجنة، التي يصعب على الانسان أن يتخيّلها قبل أن يراها، وتساءلت: هل يعقل بأن هؤلاء المصممين المبدعين يعترفون بالموت؟!!
الإنسان الذي يخلف ورائه هذا الإبداع لا يموت ولا يعترف بالموت!
في شوارع كانساس ستي طاردتني عبارتها، وراحت تضرب على أعصابي بإلحاح!
تقول الإحصائيات بأن كنساس ستي هي ثاني مدينة في العالم، بعد روما، بعدد نوافيرها. لكنّني لا أستطيع أن اتصوّر إلاّ إنّها أول مدينة في العالم بجمال نوافيرها!!
لقد أبدع الانسان، كما إبدعت الطبيعة، في رسم ذلك الثوب القشيب!
الأزهار المحيطة بالنافورة ورقص المياه حولها يسحر لبّ الناظر، الذي يصعب عليه التمييز بين ما أبدعه الانسان وما أبدعته الطبيعة فيتساءل: هل النافورة من صنع الطبيعة أم تلك الأزهار من صنع الإنسان؟
إنّه تنافس بين الخالق والمخلوق!! لا يعرف الناظر الى لوحتهما من فيهما الأبدع!!
**********
كُتِبَ عليّ، وخلال تواجدي الطويل الأمد، في امريكا أن أحضر جنازات كثيرة. جرت العادة هنا أن يتحدث أحد افراد عائلة الميت مرحبا بالحضور ومعددا بمناقبه.
في كلّ مرة، ويبدو أنّها عادة مستأصلة، يقول المتحدث: نحن هنا لا لنعلن موته، بل لنحتفل بحياته!
لطالما شدّتني تلك العبارة وأثارت دهشتي!
هم لا يعترفون بالموت، وعندما يموت أحد يتذكّرون حياته لا موته!
**********
من المناسبات التي تباع فيها الأزهار في أمريكا، على سبيل المثال لا الحصر:
عيد الهالويين، عيد الجد والجدة، عيد الشكر، عيد الميلاد، أعياد الميلاد، عيد الحبّ، عيد الأب، عيد الفصح، اسبوع السكرتاريا، عيد القديس باتريك، عيد الأم، عيد الرابع من تموز، عيد الشهداء، الأعراس، ولادة طفل، احتفالات التخرج، الذكرى السنويّة، استقبال مسافر، شكر على معروف، تهنئة بانجاز.. .. وللمرضى كي تحمل لهم أملا بالشفاء، وفي الجنازات كي تذكّرهم بحياة الميت ومناقبه!!
لم يعد يفصلنا عن عيد الحبّ سوى بضعة أيام، واليكم، على سبيل المتعة والمنفعة، بعض الإحصائيّات بخصوص تلك المناسبة:
يتوقع الخبراء في شركة UPS ، أكبر شركة للنقل في أمريكا، بأن يقوموا خلال تلك الفترة بنقل حوالي 7 مليون باوند من الأزهار وبقيمة 49 مليون دولار من دولتي الإكوادور وكولومبيا ـ ناهيك عن الأزهار المنتجة محليّا أو المستوردة من دول اخرى ـ وسيتم النقل بطائرات مزوّدة بدرجة حرارة ثابتة ومناسبة ومضبوطة. وعند وصول تلك الأزهار المستوردة يتمّ تصنيفها حسب البلد المنتج.
يباع عادة وبمناسبة عيد الحبّ حوالي 150 مليون وردة، ناهيك عن الأزهار الأخرى!
ولا ينتهي الأمر هنا، فالأمريكييون يصرفون ملايين الدولارات على الأبحاث والدرسات التي تجري في مخابر الطبّ النفسي لدراسة تأثير الأزهار على الوضع النفسي والسلوك البشري.
نُشر حديثا مقال في صحيفة:The Journal of Evolutionary Psychology بعنوان:
An environmental approach to positive emotions: Flowers.
"الأزهار: وسيلة بيئيّة لخلق مشاعر ايجابيّة".
تناول المقال البحوث الثلاثة التي قامت بها الدكتورة جانييت جونس في جامعة Rutgers حول تأثير الأزهار. ذكر في أحد جوانبه:
للأزهار تأثير سريع وطويل الأمد على الإرتكاسات العاطفيّة والمزاج والسلوك الاجتماعي وقوّة الذاكرة، وذلك في الرجال والنساء على حدّ سواء. ونقلا عن السيدة العالمة جونس قال المقال:
تقوم الأزهار بتخفيف حدّة الكآبة وتنشّط الذاكرة وتحفّز على النشاطات الاجتماعية.
كما وتؤكد دراسة عمرها ثمانية أشهر، قام بها العالم الأمريكي Roger Ulrich مستعينا بجهود فريقه في جامعة A&M في ولاية تكساس، على أنّ البيئة المحاطة بالأزهار والنباتات تلعب دورا كبيرا في نجاح الأعمال التي تنجز في تلك البيئة. فالعمل بالقرب من الأزهار يرفع لدى العامل مستوى الإبداع ومستوى القدرة على حلّ المعضلات والمشاكل التي تعترض سير العمل.
**********
هذا مايؤكّد عليه علماء الغرب، الذين وعلى ذمّة السيّدة الدكتورة موزة المالكي، لا يعرفون الأزهار إلاّ في الجنازات. تعالوا نطّلع على مايؤكده سماحة "العلماء" في بلدان السيّدة الدكتورة!
اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء الممثّلة بأعضائها الثلاثة:
العالم بكر بن عبد الله ابو زيد، والعالم صالح بن فوزان الفوزان، والعالم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، من المملة العربيّة السعوديّة على ماورد الى سماحة المفتي العام من المستفتي/محمد بن عبد الرحمن العمر والمحال الى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبّار العلماء برقم (1339) وتاريخ 3/3/1421هـ ولقد سأل المستفتي سؤالا هذا نصّه:
انتشرت في بعض المستشفيات محلات بيع الزهور واصبحنا نرى بعض الزوار يصطحبون باقات الورود للمزورين فما حكم ذلك؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
ليس من هدى المسلمين على مرّ القرون اهداء الزهور الطبيعيّة او المصنوعة للمرضى في المستشفيات او غيرها، وانّما هذه عادة وافدة من بلاد الكفر نقلها بعض المتأثرين بهم من ضعاف الإيمان. والحقيقة ان هذه الزهور لاتنفع المزور بل هي محض تقليد وتشبّه بالكفّار لاغيره. وفيها ايضا انفاق للمال في غير مستحقّه، وخشية من تجر اليه من الاعتقاد الفاسد بتلك الزهور من انها من اسباب الشفاء، وبناء على ذلك فلا يجوز التعامل بالزهور.

Open Larger Verson of this Image in a New Window
Download the image by right clicking on the link above...then choose Save Target As
*********
لماذا أجازت السيّدة الدكتورة لزوّارها أن يحملوا لها باقات الزهور، التي تناثرت بجنون حول غرفتها، ولماذا لم تلتزم بشريعتها وفتاوى علمائها؟!!
أليس هو الغرب الكافر الذي علّمها التعامل بالأزهار؟!!
كم نوعا من الأزهار عرفت قطر قبل أن تمتدّ اليها الأيدي الغربيّة الساحرة؟!!
وكيف كان القطريون يروون "حدائقهم المعلّقة" قبل أن يقوم الغربيون بتحلية مياه البحر وحفر آبار لمياه الشرب في بلادهم؟!!
ألم يكن تاريخهم مليئا بالغزو والصراع على الكلأ والملأ التي افتقرت اليهما صحرائهم؟!!
متى كانوا يقيمون وزنا للحياة، طالما اشترى الله منهم حياتهم مقابل جنة مليئة بالأزهار؟!!
هل تعرف أمّ، تزغرد عندما يفجّر ابنها نفسه في حافلة للركاب، معنى الحياة؟!!
هل يعرف شيخ، يفتي بالإنتحار انفجارا وسط رهط من الأطفال، معنى الحياة!!
هل يفهم عالم، استنتج من خلال "دراساته وأبحاثه" بأنّ حمل الأزهار للمرضى تشبّه بالكفار، معنى الحياة؟!!
هل يقدّر كاتب، يخلط الحقائق ويقلبها رأسا على عقب، قيمة الحياة؟!!
لا فرق، ياسيّدتي، بين كاتب يقول: القطريون وصلوا الى القمر أمّا الفرنسيّون فهم شعب متخلف للغاية، وبين آخر يقول: الأزهار عند المسلمين ترمز الى الحياة وعند الغربيين ترمز الى الموت.
كلاهما مفتريان!!!!
**********
لماذا يكذب الانسان؟
يكذب الانسان عندما يخاف! والخوف هو السبب الرئيسي، ان لم يكن الوحيد، الذي يكمن وراء الكذب.
يتراءى للانسان الضعيف بأن الكذب أسهل من الصدق. فهو يجنّبه مواجهة حقائق يخاف من أن تؤلمه.
قد يكون هذا صحيحا في البداية! ولكن مع الوقت يتحول الكذب الى سلسلة تقود كل حلقة فيها الى حلقة اخرى، وتصبح عندها مهمّة الكذاب عندما سيقول شيئا ان يغطي ماقاله سابقا!
يؤكّد تلك الحقيقة المثل الافريقي الذي يقول: على الكذّاب أن يتمتع بذاكرة قويّة!
على العكس من ذلك، يبدو الصدق في البداية صعبا للغاية اذ يواجه صاحبه جملة من الحقائق التي قد يؤلمه قولها. ولكن مع مرور الوقت تسهل المهمة ويبقى قوله للحق تلقائيا إذ لم يعد لديه شيء يخاف منه كي يخفيه.
ليست الدكتورة المالكي الوحيدة بين الكتّاب العرب التي لجأت الى الكذب كي تتجنب مخاوفها!
فلقد جرت العادة ان يختم الكثيرون من الكتّاب العرب مقالاتهم بعبارة يطعنون بها بالغرب بشكل أو بآخر، حتى ولو كانوا في سياق حديثهم عن شعراء الجاهلية!!
والسؤال لماذا يلجأون الى هذا الاسلوب؟!
يطلقون على تلك الظاهرة في علم النفس الاجتماعي Social conformity أي خاصيّة الانصياع.
يميل الإنسان الى الانصياع لما يؤمن به المجتمع ككلّ، حتى ولو لم يكن مقتنعا به، خوفا من يرفضه هذا المجتمع. وتزداد تلك الخاصية أو تخف حسب درجة الحريّة المتاحة للانسان في ذلك المجتمع وحسب قوة شخصيّة ذلك الانسان وثقته بنفسه.
هذه الخاصيّة سيف ذو حدّين. فهي في الوقت الذي تحافظ فيه على كيان المجتمع من الإنحلال، تقتل، إن زادت عن حدّها، قدرة الفرد على الإبداع.
فالإبداع، باختصار، خروج عن الانصياع للتيار!
الحديث عن قمع الحريات الشخصية، وبالتالي عدم تأهيل الانسان ليثق بنفسه ويبدع، في البلاد الاسلاميّة لا يحتاج الى برهان! فالسيل قد بلغ الزبى!!
لذلك في تلك البلاد تزداد خاصية الانصياع عند الإنسان حدّة. فالقمع يشلّ كل قواه ويحوّله إلى مجرّد سمكة ميتة يجرفها التيّار!!
السيّدة الدكتورة المالكي، وعلى خطى معظم الكتّاب في عالمنا الإسلامي، كتبت عن الإرهاب ونددت به.
في عقلها الباطني، كما في عقولهم، تكمن الفكرة التي تقول التنديد بالارهاب مطلب غربي. وهي، خوفا من أن تفقد قدرتها على الانصياع، تسعى الى شجب الغرب بشكل أو بآخر لكي تثبت لقارئها بأنها لم تكن تقصد عندما نددت بالارهاب أنّها مع الغرب!!
حاولت أن ترضي التيّار العام ولكنّها وقعت بما خافت منه!
ادعت بأن الأزهار رمز للحياة حسب أعراف بلادها، وبأنها رمز للموت في بلاد الغرب. لم تكن غايتها من جرّاء هذا الادعاء سوى أن تثبت للتيار العام بأنها معه في كره للغرب حتّى ولو نددت بالارهاب!!
حاولت أن ترضي التيار العام فخرج عليها "علماء" هذا التيار ليكفرونها ويتهمونها بالتشبه بالكفار!!
**********
ذكّرني الحديث عن خاصيّة الإنصياع بمناسبة اجتماعيّة حدثت مؤخرا، التقيت خلالها برجل دين درزي. بدا هذا الرجل هادئا رزينا، مثقفا وواسع الاطلاع.
تطرّق أثناء الحديث معي الى مقالاتي، أثنى عليها ولكن بتحفّظ واحتراس!
لم أُفاجَأ، فأنا افهم موقفه وأقدّر صعوبات ذلك الموقف.
في سياق الحديث قلت له: لديّ سؤال أودّ أن أطرحه عليك، وآمل أن لا تمانع في طرحه وأن تكون صريحا في الإجابة!
رحب بالسؤال مبتسما، ولكن بحذر، وكأنه يخشى أن أنصب له مصيدة، هو في غنى عن الوقوع بها.
قلت: يصنّف التيار العام دائما الدروز في خانة المسلمين، هل هم حقيقة طائفة إسلاميّة؟!!
ردّ على الفور وبثبات: لا..لا.. على الإطلاق! فالدروز لا علاقة لهم بالإسلام من بعيد أو من قريب!
قلت: ولكن لماذا تحشرون أنفسكم في حظيرتهم!
فابتسم وتابع: إنّها سياسة المألوف ياسيدتي!!
سياسة المألوف؟!!
أعجبتني تلك التسمية أكثر من "خاصيّة الإنصياع"!
لقد وصل هذا الشيخ الى ماتوصل اليه علماء الغرب حول "خاصية الغنصياع" دون دراسات أو بحوث أو مخابر أو علماء.
توصّل اليها من خلال خبرته بالحياة، ومن خلال قسوة الحياة في مجتمع لا يعترف بحقّك بأن تكون من تريد ان تكون، وبأن تعبد من تريد أن تعبد حتى ولو كان الشيطان!
هل ألوم الدروز عندما يحشرون أنفسهم في خانة المسلمين رغم أنّهم أبعد مايكونون عن الإسلام؟!!
لست متأكدة من ذلك! فالسمكة لا تستطيع، في معظم الأحيان، أن تعاند التيّار! وخصوصا عندما تكون ضعيفة ويكون هذا التيار جارفا بلا رحمة!
هل أستطيع أن ألوم السيّدة المالكي لأنها تلعب دور السمكة الميّتة؟!! طبعا أستطيع، فالأمر هنا يختلف؟
الشيخ الدرزي يعرف طبيعة تعاليمهم، ولا يخشى على أتباعه من ان يذوبوا في التيار العام، حتّى ولو تظاهروا تحت سياط هذا التيار بأنهم جزء منه!
قد لا أرضى عن ذلك الموقف، لكنني أستطيع أن أتفهّمه!
لكنّ السيّدة المالكي تستطيع أن تلعب، ككاتبة ومختصة في علم الإرشاد والعلاج النفسي لها وزنها ومصداقيتها، دورا كبيرا في إعادة بلورة المجتمع وتحديثه.
وتستطيع، من خلال إنتمائها الى الأكثريّة المسيطرة، أن تلعب دورا في رفع مستوى الوعي عند تلك الأكثرية وبالتالي عند كل الأقليّات التي تنضم تحت لوائها!
وبرفعها لمستوى ذلك الوعي تخفّف من ظلم الأكثرية وتزيد من حريات الأقليات المقموعة.
لكنها، وللأسف، اختارت أن تلعب دورا السمكة الميتة، التي لم يجرفها التيار وحسب، بل شوّه معالمها وخرّب جمالها!
لقد فقدت تلك السيّدة، على الأقل بالنسبة لي، قدرتها على أن تكون أمّا ومربيّة عندما اختارت أن تكذب على أبنائها!
العبارات التي كتبتها السيّدة المالكي تتسلل خلسة الى اللاوعي عند الجيل الشاب من القراء وتستقر هناك لتشكل بمرور الزمن، وبالانضمام الى مثيلاتها ممّا تزخر به كتبنا وإعلامنا المقروء والمسموع والمرئي، لتشكّل حاجزا يحول دون إقامة علاقات سليمة وطبيعية مع الغرب الذي أصبح مسؤولا حتّى عن الهواء الذي نتنفسه في عالمنا الاسلامي.
هذا النمط من الكتابات، لا يصدر إلاّ عن لسان داشر، لسان يرفض أن يتحمل أدنى حدّ من المسؤولية!
ساهم ذلك اللسان الداشر، ولم يزل يساهم، في خلق هؤلاء الإرهابيين الذين روّعوا العالم كما روّعوها!
*********
النمط التربوي المتبع في بلادنا يقيّم الفرد من خلال درجة انصياعه للتيار العام.
يصنّفه في خانتين إمّا وطني وإما صهيوني غربي متأمرك، ومستوى الإنصياع يتراوح بين تلك الحالتين.
أي كلمة يتفوه بها انسان لا توافق الذوق العام تكفي لتصنيفه في خانة "عميل"!
وراح الناس يزاودون على بعضهم بمقدار "وطنيّتهم"!
هذا الاسلوب قولب الناس وجعلهم كالآلات المبرمجة التي لا تعي ماتقول ولكنها تلتزم بما بُرمجت عليه.
اذا سألت مسؤولاً سورياً في وزارة الكهرباء عن أسباب انقطاع التيار الكهربائي، يجيب: علينا ان نقطع دابر الإستعمار والصهيونية!
واذا سألت مسؤولا في وزارة سدّ الفرات عن رأيه بالأراضي الزراعيّة التي حوّلها الطمي الى أراضي مالحة لا تصلح للزراعة، يجيب: سدّ الفرات من منجزات الحركة التصحيحة التي قام بها سيادة الرئيس حافظ الأسد أدامه الله! وهلمّ جرى..!
********
عندما كنت طالبة في السنة الثالثة بكليّة الطب جامعة حلب. قمت بتدريس مادة العلوم الطبيعية في إحدى اعداديّات المدينة.
نظرا لنقص في الكادر التدريسي لتلك المادة كانت المديريّة تسمح لطلاب الطب بتدريسها. كنت يومها شابة مفعمة بالحماسة الوطنية والرغبة في العطاء.
في إحدى المرات تفاجأت بمفتش تلك المادة يزور المدرسة موفدا من مديريّة التربية والتعليم.
قرر السيّد المفتش ان يزور صفيّ ويقيّمني كمدرسة!
كان الدرس عن الجهاز الهضمي عند الانسان. وكنت، كالعادة، قد جلبت معي كل الرسوم التوضيحية التي تلزم للشرح، وبدأت بصوت جهوري تدعمه ثقة عالية بالنفس وبالقدرة على العطاء.
خلال الدقائق الأولى هبّت عاصفة في الخارج ودفعت نافذة الصف فتسببت في فتحها وكسر زجاجها. نجم عن الحادث صوت قويّ، فقفزت الطالبات على الفور وهممن بالهروب.
وفي محاولة لضبط الوضع، صحت بهن: عدن الى مقاعدكنّ! الأمر لا يحتاج الى تلك الفوضى! ماذا ستفعلن لو تتطلب الأمر أن تكنّ على الجبهة الأولى في مواجهة عدونا الصهيوني الشرس؟!
ثم تابعت شرح الدرس بعد ان استغليّت الموقف لازاود بقليل من "وطنيّتي أمام المفتش!
في نهاية الدوام اجتمعت بنا مديرة المدرسة لتطلعنا على نتائج تقييم السيّد المفتش.
كانت خيبتي كبيرة عندما كتب في حقل تقييمه لي: لابأس! معلوماتها غزيرة وتستطيع ايصالها بوضوح، ولكنّها ضعيفة في التوجيه القومي والوطني!
ضعيفة بالتوجيه القومي والوطني؟!!
وما علاقة التوجيه القومي والوطني بالجهاز الهضمي عند الإنسان؟!!
ربّما اعتقد السيّد المفتش أنه جزء مهم يكمن بين الفم والشرج!
لقد حاولت ان اُزاود عليه فتفوّق عليّ بالمزاودة!
*********
كان مقال السيّدة الدكتور موزة المالكي آخر قشّة قطريّة ساهمت في قصم ظهري!
حملت حقائبي وتوجهت الى المطار. لم يكن فرحي عندما غادرت ذلك البلد الصغير والجميل أقلّ من فرحي عندما دخلته!
غادرته دون أن أُعانق "برتقالا" احتراما للاصول العربية في التعامل مع الخدم!
لم أحمل في حقائبي من ذكريات سوى حفنة البن الاثيوبي التي كنت قد سرقتها من وجهها الافريقي الجميل!
كانت السيّدة غارسيّا قد سبقتني الى بيتي حيث أعيش. قبّلتها ثم قبلت عتبة البيت، وأنا ادندن:
سقف بيتي حديد..
ركن بيتي حجر..
فاعصفي يارياح..
وانتحب يا شجر..
لست أخشى المطر... لست أخشى المطر
البيت ليس حيث ولدت وحيث لي ذكريات.. البيت حيث أعيش بأمان عيشة تليق بالانسان!
*********








#وفاء_سلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! (10)
- المقابلة التي أجراها موقع اللقاء الديمقراطي السوري مع وفاء س ...
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! 9
- قسم التخرّج: .....سأكون محمّديّا حتى النخاع!
- الوطن ليس أرضا وذكريات...بل هو الإنسان! (8)
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! 7
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! 6
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! 5
- الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! 4
- الوطن ليس أرض وذكريات.. بل إنّه الإنسان!! 3
- الوطن ليس أرض وذكريات... بل إنّه الإنسان!! 2
- الوطن ليس أرض وذكريات... بل إنّه الإنسان!! 1
- متى يكون الغرب آمناً؟!!
- على ذقن من يضحك الإخوان المسلمون؟!!
- آن لكم أن تروا مَلِكَكم عارياً أيها المهللون!!
- هل من ثقافة تنقذ تلك الأمّة..؟!!
- بشار الأسد: هذا الشبل من ذاك الأسد!!
- د. رجاء بن سلامة: جهل.... أم غيرة؟!!
- المقابلة التي أجراها موقع -تقرير واشنطن- مع وفاء سلطان
- متى يخلع شيوخ السعودية سراويلهم الغربية؟!!


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وفاء سلطان - الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! (الحلقة الأخيرة)