أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علاء الزيدي - ماذا لو بقيت مالطا مسلمة !















المزيد.....

ماذا لو بقيت مالطا مسلمة !


علاء الزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 10:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تكاد جمهورية مالطا لاتـُرى بالعين المجردة على خارطة العالم ، ولكنها كبيرة بأهميتها التاريخية وتأثيرها الملموس على الكثير من المصائر والأحداث ماضيا ً وحاضرا ً وربما مستقبلا ً أيضا ً ، فضلا ً عن طيبة أهلها ودماثة أخلاقهم .
وتقع هذه الدولة الصغيرة المؤلفة من ثلاث جزر رئيسية هي مالطا وغوزو وكومينو وثلاث جزر أخرى غير مأهولة أبرزها فلفلة ( محمية طبيعية ) في قلب البحر الأبيض المتوسط ، وتبلغ مساحتها 316 كيلومترا ً مربعا ً ( 122 ميلا ً مربعا ً ) فقط ( تعادل المساحة الكلية لمدينة لندن الكبرى ) وقد كانت وماتزال بؤرة اهتمام كل من له اهتمام بالبحر الأبيض المتوسط ، من النواحي الجغرا-السياسية والعسكرية والثقافية .
ويقطن الجزيرة الرئيسية ( مالطا ) 350,000 نسمة ، بينما يسكن في غوزو ( التي تسمى محليا ً آودش أو غاودش ) 70,000 نسمة ، أما كومينو ففيها عدد قليل جدا ً من البيوت والمباني وتمنع الدولة سير المركبات فيها ، أما جزيرتا خليج القديس بولس فيزورهما السياح في النهار فقط ، في حين تتمتع الطيور والحيوانات البرية بعيشة هانئة وراضية في جزيرة فلفلة ، بعيدا عن عيون وأيدي البشر .
وتعتبر مالطا أقصى بلد أوروبي في الجنوب ، وتحدها من الشمال جزيرة صقلية الإيطالية ، ومن الجنوب ليبيا وتونس ، وهي تقع في نقطة متماثلة تقريبا ًفي البعد عن الاتجاهات الأربعة .
ويعود تاريخ الاستيطان البشري في مالطا إلى العام 5300 ق.م . وقد زارها أو استوطنها الفينيقيون واليونانيون والرومان والعرب ( الأغالبة والفاطميون ) . وفي القرن السادس عشر " وهبها " الإمبراطور شارل الخامس لبقايا الصليبيين المتقهقرين من المشرق ، أو من يعرفون بفرسان القديس جون أو الفرسان الهوسبتاليين ، الذين بنوا عاصمتها الحالية " فاليتـّا " متخلـّين بذلك عن عاصمتها القديمة " مدينة " أو " مدينا " الحالية ، التي كان العرب المسلمون قد استوطنوها واتخذوها عاصمة للبلاد أثناء الوجود العربي .
إنتهى وجود هؤلاء " الفرسان " المتعصبين الذين يكادون يشبهون في تطرفهم ووحشيتهم إرهابيي القاعدة ، على أيدي نابليون بونابرت ، الذي طردهم من مالطا شر طردة أثناء حملته على مصر العام 1798 ، لكن أثرهم على مالطا لم ينته حتى اليوم ، بل لعلهم يشكلون كل " مفاخر " مالطا ورموزها وتاريخها بتركيز غريب من سلطاتها السياسية والثقافية والدعائية ، رغم انضمام الجمهورية إلى الإتحاد الأوروبي العام 2004 ، وافتراض اندماجها التدريجي في النظام الأوروبي العلماني وفق معاييره المعروفة التي تفصل كل مظاهر الدعاية الدينية عن السياسة اليومية والدولة .
في مالطا الحالية تشكل الدعاية لـ" فرسان القديس جون " مجمل الهيكلية العامة للتاريخ المالطي . بل إنك لاتجد هدية أو " صوغة " أو تذكارا ً سياحيا ً بسيطا ً خاليا ً من أثر لرمزهم ( الصليب المؤلف من رؤوس أسهم أربعة ملتقية عند نقطة واحدة والذي يعتبر اليوم شعارا ً لتنظيم فرسان مالطا الغامض ومقره روما ) . ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هؤلاء " الفرسان " هم الذين أنهوا الوجود العربي الإسلامي في الجزيرة ، وأعادوا سكانها إلى المسيحية بعد أن أسلموا كلهم تقريبا ً .
والزائر لمالطا اليوم ، يلاحظ التركيز الغريب للدولة الصغيرة ومؤسساتها الثقافية والإعلامية على تجاهل الحقبة العربية الإسلامية التي امتدت طوال ثلاثة قرون ، وتركت العديد من الآثار والمفاخر الوطنية التي تم تحويرها لتأخذ الطابع المسيحي فقط رغم شكلها وطرازها الإسلامي الواضح والصارخ أحيانا ً .
ومن المفارقات أنني بحثت طوال وجودي على أرض مالطا ( عشرة أيام تقريبا ً ) عن أي كتاب يتحدث بالتفصيل عن الوجود العربي الإسلامي في الجزيرة ، فلم أجد إلا بضع صفحات بالإنكليزية عن " الإحتلال العربي " . ويتكرر هذا الوصف حتى في الرحلات السياحية البحرية التي تضع لها السلطات الحكومية نصوصا تعريفية مكتوبة يحفظها الأدلة السياحيون عن ظهر قلب ، أما الإحتلالان الفرنسي والبريطاني فينظر إليهما باحترام ، بل أكثر من ذلك فليست هنالك إشارات كثيرة لما فعله الجنود الفرنسيون المتغطرسون بالمالطيين من إهانة للمقدسات وانتهاك للحرمات ، حتى اضطر هؤلاء الأخيرون إلى المقاومة المسلحة والاستعانة فيما بعد بالأسطول البريطاني في المتوسط للخلاص من شر الفرنسيين .
تجدر الإشارة إلى أن الوجود البريطاني كان أخف وطأة . فقد منحت سلطات الاحتلال البريطاني المالطيين إدارة محلية محتفظة في يدها بالمفاصل الأساسية للحكم ، حتى العام 1964 ، عندما منحت الجزيرة استقلالها . وفي العام 1974 تبنت البلاد النظام الجمهوري ، ثم التحقت بالإتحاد الأوروبي – كما أسلفت – في العام 2004 .
الزائر لمالطا يلاحظ للوهلة الأولى أن شعبها الطيب ودمث الأخلاق يتحدث بلهجة عربية تم تحويرها عمدا ً أو سهوا ً لتتحول إلى لغة مستقلة . فالأرقام ومئات الكلمات وعشرات الجمل تلفظ كما هي أو بتحويرات بسيطة أو إمالة تتناسب مع لهجات شمال أفريقيا . وإليكم أمثلة على ذلك :
· يقول المالطيون : فلان " آل " ويعنون " قال " وهم بهذا يشبهون المصريين واللبنانيين والسوريين في قلب القاف همزة . ويقولون " فوء " أي " فوق " و " تشتاؤون " أي " تشتاقون " بمعنى " ترغبون " ويقولون " أبل " أي " قبل " و " نوصللكم " أي " نقدم لكم " و " نسلـّملك " أي " السلام عليكم " ويلفظون الأرقام على الشكل التالي : ويحد ، إتنين ، تليته ، إيربا ، همسه ( وفي غوزو خمسه ) سته ، سبآ ، تمينيه ، دسآ ، آشرا ، اهداش ، اتناش إلخ ... والألوان عندهم نفس الألوان العربية ويلفظون كلمة " لون " برشاقة تشبه اللفظ اللبناني " لـَوْن " وكذلك " هـَوْن " أي هنا !
· وهذا نموذج آخر لعبارات مالطية لاتختلف كثيرا ً عن مثيلاتها العربية وتكاد تملأ اللغة المالطية : " يسطيع يمشي " : يستطيع أن يمشي أو يقدر أن يمشي ، " نـدّ ف ورا الكلب تيئك " : نظـّف فضلات كلبك أو الكلب بتاعك ( في الشارع وما أكثر الكلاب مع الناس في الشارع وما أشد ّ غربة وندرة القطط الجميلة ، وهذه من بركات فرسان القديس جون ! ) ، " شيسمك سنيور أو شيسمك سنيوره " مااسمك ياسيد أو ياسيدة ، " شيتريد ؟ " ماذا تريد ، " شي البروبليما ئيندك " : ماهي المشكلة عندك ، " تفتهم ؟ " : هل فهمت ، " تفهم أليـّا " : هل فهمت ماقلته أو بالنص : تفهم علي ّ ! " بيش نيجي وبيش نروح " أي مثل " باش " التونسية ، " بيب البلت " أي باب البلد " داك الزمين " أي ذلك الزمان ...وهكذا ...
· وباختصار ، يمكن للإنسان العربي أن يتعلم اللغة المالطية في غضون شهر أو شهرين !
والسياحة في مالطا ليست مناسبة للعراقي أو العربي القادم من بلاده ، لكنها مناسبة تماما ً لمن يقيم أو يستوطن من العراقيين والعرب في أوروبا والغرب عموما ً وإن كانت البلاد غالية بشكل لايطاق . فدرجة الحرارة هناك تتجاوز الأربعين أحيانا ً ، والبلاد يكاد يقتلها العطش ، فلا أنهار فيها ، وهي تعتمد في تغطية حاجتها إلى مياه الشرب والغسل على تحلية مياه البحر ، حيث أقام الإتحاد الأوروبي محطة تحلية يتيمة ورغم ذلك لايشاد في الإعلام المالطي الفقير بأوروبا بل بفرسان القديس جون فقط !
في مالطا قناة تليفزيونية واحدة تبث فضائيا ً أيضا على القمر سكاي فقط ، وفيها جريدتان أو ثلاث بالمالطية منها " اللوم " أي اليوم و " النازيون " أي النيشن أو الأمة ، وهناك التايمز والإندبندت بالإنكليزية وليس في مالطا مجلات !
الشعب المالطي كما يبدو لي من أطيب الشعوب في العالم . ورغم فقره الواضح وغلاء الحياة في بلاده ( الليرة المالطية تعادل أكثر من جنيه إسترليني ونصف لكنها لاتساوي شيئا ً في الداخل ) لكنه عزيز التفس ، فلا أحد يطلب منك بقشيشا ً أو شيئا ً ، وليس هناك شحاذون أو صبـّاغو أحذية ، ولن يقبل منك أحد بقشيشا ً إلا أولئك الذين أتاح لهم العرف ذلك مثل سائق سيارة الأجرة أو عامل المطعم أو عاملات النظافة في الفنادق ( وهاتيك يأخذنه بعد رفض متكرر ) .
والمالطيون شرقيو الطباع وكاثوليكيون محافظون وإن اتسع نطاق العري لديهم كما يحصل في بلدان عربية وإسلامية كثيرة ، لكن الدعارة تبدو معدومة .
والتسلية الوحيدة للشعب المالطي هي الكرنفلات والأعياد الكثيرة التي يقيمون لها مراسم منوعة وبهيجة ( لكل حي وشارع وزقاق عيده ومراسمه الخاصة بمناسبة وبغير مناسبة وبالمناسبة فالشارع بالمالطي : اطريء /طريق/ والزقاق : ازئاء ! ) وكذلك خروج العوائل من البيوت إلى الستراند أو الكورنيش الممتد على ساحل منطقة سليما السياحية وصولا ً إلى ساحل منطقة القديس جوليانز وجلوسهم على الأرائك والمصاطب التي وفرتها الدولة وبقاؤهم هناك يتجاذبون أطراف الحديث ويتطلـّعون إلى المارة بحب ومودة وليس بحقد وكراهية مقرونتين باغتياب ونميمة وقرض ، باقين هناك حتى بعد منتصف الليل ! والطريف أنني لم ألمح مالطيا ً أو مالطية يقرآن هناك كتابا ً أو جريدة أو مجلة وعندما ذكرت ذلك لصديق قال : أحسن لهم ، فماذا حصلنا نحن من القراءة غير وجع الراس وطياح الحظ !
في مالطا يهب الناس إلى مساعدتك إذا ما أحسوا بحاجتك إلى المساعدة حتى قبل أن تطلب منهم ذلك ، وهذا مايغمرك بدفء الشرق في أقصى نقطة من ثغور الغرب !
ولما كانت هذه السطور ليست بروشورا ً سياحيا ً فسأتوقف هنا ، دون أن أنسى الإشارة إلى أن السلطات المالطية تمنع الأذان العلني ( كسلطات لندن تماما ً ) في مسجد مالطا الوحيد ، وهي مفارقة ملفتة للنظر ، فقرع الأجراس في الكنائس يثير ضوضاء أيضا ً ، والمفروض في العلمانية أن تكون عادلة ، لكنني لاأخفي التساؤل الذي ثار في نفسي هناك : ترى ، لو كانت مالطا قد بقيت مسلمة إلى اليوم ، فكم ستكون حصتها من الإنتحاريين الحريصين على الغداء مع رسول الله على أشلاء العراقيين شأنها شأن تونس وليبيا والمغرب ومصر والجزائر والسودان والسعودية واليمن وسورية وغيرها من بلاد العـُربِ أوطاني !
حقا ً .. رُبَّ ضارة نافعة . ففي مالطا ذهب الإسلام وبقيت أخلاقه ، وفي عالمنا العربي انعكست الآية !



#علاء_الزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم بالية لن تتقدموا قبل كنسها
- تاريخنا المجيد ليس تاريخنا !
- الزعيم مداحا
- لطم وحدوي
- صدى السنين – إعترافات متطرف
- القتل الوردي .. ماركة بعثية مسجلة
- جمجمة وعظمتان !
- طائف ميت
- هل سيعي رئيس الوزراء الدرس الأردني ؟
- التاريخ الاسود يخرج لسانه لعباس الأبيض !
- عظام فخذ بطول عود الثقاب !
- طالبان في الشطرة
- الرجاء عدم التعرض للإخوة الإرهابيين !
- مات صدام غدا !
- دكتور إياد .. كيف تسمعني أجب !
- العراقي .. منفعل ..عصبي .. هائج
- البوابة الشرقية - بلا حارس أجير
- هل هي خاتمة أحزان العراقيين ؟
- ماذا جرى في المجر الكبير ؟ -- التليفزيون البريطاني .. شاهد ...
- حزب البعث العربي الإسراطيني !


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علاء الزيدي - ماذا لو بقيت مالطا مسلمة !