أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - تعلموا من هذا البنغالي الفقير!















المزيد.....

تعلموا من هذا البنغالي الفقير!


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1957 - 2007 / 6 / 25 - 11:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على العكس من آسيا، تبدو القارة الإفريقية متخلفة عن الأخيرة بسنوات ضوئية في شتى الحقول والمجالات، بحيث يندر فيها وجود نموذج يعتد به إذا ما استثنينا نموذج جنوب إفريقيا. فتاريخها الاستقلالي ليس سوى مزيج من الحروب الأهلية و الانقلابات العسكرية و المذابح العرقية والأنظمة القمعية وخطط التنمية المتخبطة التي تظللها مظاهر الفساد و التسيب و الانفلات الأمني ناهيك عن مظاهر الجوع و الأمية و الفقر و المرض. و لعل هذا ما دفع مفكر إفريقي بارز مثل الكيني "علي مزروعي" ذات مرة إلى المطالبة علنا بإعادة استعمار القارة السمراء، متسائلا في الوقت نفسه عما إذا كان المستعمر القديم على استعداد لقبول الفكرة و تحمل تبعاتها المرهقة.

ومن بين الملفات التي يختفي خلفها المسئولون الأفارقة لدفع المسئولية عن أنفسهم، ملف التصحر الذي كثيرا ما يشار إليه كسبب لتخلف أجزاء من إفريقيا و وقوعها فريسة للجوع والمرض و التخلف. غير أن ظاهرة التصحر لا تقتصر على إفريقيا وحدها، فنسبة 45 بالمئة من أراضي آسيا تشكو من هذه الظاهرة مقابل 33 بالمئة في إفريقيا، و رغم ذلك فان الأحوال في آسيا أفضل بكثير كنتيجة للجهود الذاتية و استثمار المساعدات الدولية بصورة مثلى و وجود الخطط المسنودة بالإرادة و العزيمة والإدارة النزيهة و التوعية الجماهيرية. ثم أن التصحر ، خلافا لما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، ليس مشكلة طبيعية ناجمة عن الجفاف و نقص الأمطار بقدر ما هو نتاج عمليات متصلة من تدهور الأرض و البيئة التي يلعب الإنسان دورا أساسيا فيها من خلال الإفراط في الزراعة والرعي الجائر و قطع الأشجار و سؤ استغلال الموارد المائية و غيرها من الأنشطة غير المدروسة الناجمة عن قلة الوعي و الثقافة البيئية.

و المؤمل الآن أن تحقق الجهود التي سيقودها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان من اجل ثورة خضراء في إفريقيا شيئا يمكن للقارة السمراء أن تتباهى به مستقبلا. فالرجل الذي ترك منصبه قبل ستة اشهر من بعد ولايتين كاملتين، و لم يعد إلى وطنه للمزاحمة على المناصب الرسمية أو الاشتغال بالسياسة كما فعل معظم أسلافه، أعلن من مدينة كيب تاون الجنوب افريقية هذا الشهر قبوله لقيادة "التحالف من اجل ثورة خضراء" و الذي تأسس العام الماضي بمنحة أولية بمبلغ 150 مليون دولار من مؤسسة "بيل جيتس" الخيرية و صندوق روكفلر، بهدف محاربة الجوع وتآكل التربة و نقص المياه و تحسين نظم الزراعة و التشجير و الري و النقل وتخزين المحاصيل و إدارة الأراضي الزراعية في إفريقيا.

وفي اعتقادنا أن أنان هو الشخص المناسب لإدارة هذا التحالف لأكثر من سبب، لعل أبرزه اهتمامه الشخصي بهذا الملف و الذي تجلى في خطة قدمها إلى قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا قبل ثلاث سنوات بهدف زيادة معدلات الإنتاج الزراعي في القارة بنسبة 6 بالمئة كل سنة حتى عام2015 ، ومقترحات أخرى جديرة بالاهتمام أوردها في كلمة ألقاها في عام 2005 بمناسبة يوم البيئة العالمي، ناهيك عن مبادرته إلى تخصيص قيمة جائزة الشيخ زايد الدولية للبيئة التي فاز بها في عام 2003 للإنفاق على مشاريع الزراعة و التشجير و التثقيف البيئي في إفريقيا من منطلق أن "الشعوب الإفريقية في حاجة إلى ثورة خضراء لأنه لا توجد لديها وسائل أخرى أكثر فعالية للتنمية" بحسب تعبيره.

وفي هذا السياق، من المهم للتحالف الناشيء أن يدير وجهه صوب آسيا للاستفادة من دروسها الكثيرة في هذا المجال. هذه الدروس التي لا تقتصر على ما قامت به الحكومات المركزية أو المحلية – مثل الثورة الخضراء في الهند، التي أطلقتها نيودلهي في السبعينات، فنجحت بحلول التسعينات في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام بل و وضع البلاد في المراكز الأولى على مستوى العالم لجهة تصدير الأرز و الخضروات و الألبان ، و مثل خطط الحكومة المحلية لإقليم تانغقو الصيني التي نجحت بالعلوم و التقنيات الحديثة و الأموال في تحويل ملايين الأمتار المربعة من الأراضي المالحة والقلوية التي لم تعرف اللون الأخضر منذ أوائل القرن الماضي إلى غابات وحدائق و مساحات خضراء مليئة بشتى أنواع الأشجار و الزهور والنباتات – و إنما تشمل أيضا مبادرات فردية كثيرة قامت بها مؤسسات خاصة مهمومة بالبيئة و الزراعة، بل و أفراد من البسطاء المعدومين مثل المواطن البنغلاديشي "كارتيك برامانيك" الذي تستحق قصته أن تروى لأنها تقدم نموذجا لما يمكن تحقيقه من نجاحات بإمكانيات فردية جد متواضعة.

و برامانيك ليس سوى حلاق فقير من بين آلاف الفقراء الذين تعج بهم مقاطعة " تشاباي نواب غني" البنغلاديشية، لكنه يتميز عنهم بعشقه الشديد للخضرة و التشجير، و ذلك من منطلق إيمانه القوي بأن زراعة الأشجار في بلد فقير مثل بنغلاديش عملية حيوية و حاسمة و يمكن أن تخدم مواطنيه بطرق مختلفة في سعيهم لتخفيف أعباء الفقر و الحاجة و تامين البقاء على قيد الحياة.

فمنذ أن كان طفلا صغيرا غرست فيه أمه مبدأ أن الأشجار هي رمز الحياة و العطاء و الخصوبة، وان زراعتها هو ضرب من ضروب العبادة و التقوى و الورع. و هكذا دأب برامانيك منذ أن كان في سن العاشرة على استغلال أية فرصة لزراعة الشتلات الخضراء في أي فضاء تقع عليه عيناه، الأمر الذي تحولت معه المنطقة التي يسكنها بمرور الزمن من منطقة قاحلة جرداء إلى جنة خضراء مليئة بشتى أنواع الأشجار، و من بينها الشجرة الأولى التي زرعها و التي يبلغ عمرها اليوم 55 عاما.

وبسبب جهوده الفردية هذه، ذاع صيته و صار قدوة للكثيرين من مواطنيه، بل حاز هذا العام على جائزة قناة "آي" التلفزيونية المالية التي تقدم سنويا لأفضل شخصية محلية ذات إسهامات بيئية مشهودة، و هو ما أغرى إحدى شركات الأدوية في بنغلاديش بمنحه ضعفي قيمة الجائزة، ليصل مجموع ما استلمه إلى 150 ألف تكا. و تعليقا على الاحتفاء به، قال براماتيك انه لم يقم بما قام به من اجل الجوائز و المكافآت، و لم يكن ينتظر تكريما، و إنما فعل ذلك لقناعته الشديدة بأنه لو حاول أي فرد أن يزرع في مشوار حياته خمس شجيرات على الأقل لانتشرت الخضرة و الغابات ولتغيرت صورة البيئة و لخفت معاناة الكثيرين. و لهذا فانه قرر فور استلامه لمكافأته المالية أن ينفقها في شراء المزيد من الشتلات الزراعية لغرسها في الأراضي الفضاء، رغم فقره و عوزه.

إن "التحالف من اجل ثورة خضراء" لو تمكن فقط من خلق مثل هذا الوعي البيئي الغريزي الذي يحمله برامانيك و ينطلق منه في جهوده التطوعية المشهودة نحو زيادة رقعة الغابات و المساحات الخضراء، لربما تغيرت صورة إفريقيا و لخفت معاناة شعوبها كثيرا. و لا حاجة لنا هنا للتذكير بأن غياب الوعي البيئي هو الشريك الأهم للتصحر و الجفاف و الجهل و التخلف المسبب للكوارث في القارة السمراء.




#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زكية زكي: اغتيال امرأة شجاعة
- خليجيون في فييتنام
- الخليج و كوريا : عطفا على بدأ في السبعينات
- -صفقة العصر- تعزز الحضور الياباني في الهند
- ماذا بعد مقتل -زرقاوي أفغانستان- ؟
- الهند تدخل نادي الدول التريليونية
- شيء ما في الصين باتجاه الإصلاح السياسي
- الديمقراطية إذ تصبح عبئا: بنغلاديش مثالا
- .. لكن ماذا عن صناعة الكتاب في الصين؟
- حكاية المسجد الأحمر .. الباكستاني
- نحو باكستان علمانية على النمط التركي
- جدلية المفاضلة بين الملكية و الجمهورية في نيبال
- لكم ثقافتكم و لنا ثقافتنا
- الجنرال خاتون
- درس جديد من ماليزيا: لا للتجسس الاجتماعي
- ماذا يجري في بلوشستان الإيرانية؟
- ميلاد دولة نفطية جديدة!!
- أبو الفقراء لم يكافح الفقر فقط !
- غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!
- تركمانستان بعد رحيل ديكتاتورها


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - تعلموا من هذا البنغالي الفقير!