|
هل الإرهاب له دين ، حقاً .. ؟
فارس الطويل
الحوار المتمدن-العدد: 1955 - 2007 / 6 / 23 - 06:12
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
للأسف الشديد ، يفاجئنا ، في هذه الأيام ، بعض من يفترض أنهم فقهاء وعلماء دين ، بآراء شاذة ، وسلوكيات مريضة ، وفتاوى مغموسة بالغباء ، أو بالشر ، وخطابات مسعورة ، تنثر الكره ، والحقد ، والعتمة ، والفوضى ، تدعم موقف ، أُولئك الذين يعتقدون بإنّ الإرهاب له دين ، وأنّ جذوره الحقيقية تمتصُّ بغض الآخر ، والرغبة في قتله ، وتدميره ، من تربة الدين الإسلامي ذاته ، ويسوقون الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والروايات ، التي تؤكد صواب وجهة نظرهم ، فمن يسفك دماء الأبرياء ، متوهماً بأنـّهم كفاراً أو مارقين ، إنما يفعل ذلك عن يقين يرتكز على مفاهيم ، وتصورات ، وأحكام دينية ثابتة ، ومن يفجـّر نفسه ، عن طيب خاطر ، وتصميم ، في سوق شعبية ، أو مسجد ، حالماً بأن يستقبله النبي على أبواب الجنة ، وأن يكافئه الله بالنعيم ، وحور العين ، والدمقس والحرير ، إنّما ينطلق في إرتكاب تلك الجريمة ، عن قناعة دينية راسخة ، تسندها النصوص القرآنية أو النبوية ، والفتاوى الشرعية الصريحة ، وإيمان عميق ، بأنّ مايُقدم عليه هو عمل ( إستشهادي ) عظيم ، سيغمره بالنور ، والسعادة ، والخلود . إنّ خطاب شيوخ التخلف ، والتطرف ، وأفعال مريديهم ، تقدّم دليلاً إضافياً ، حياً ، وجاهزاً ، للبعض ، ممن يتخذ موقفاً متشدداً من الدين ، ويعتقد بأنّ أصل المشكلة ، هي في الإسلام ، كديـن ومنهـج ، وليس في وعاظ الشيطان ، وأتباعه ، الذين يسمِّمون عقولنا ، ومشاعرنا ، يومياً ، وينشرون الخوف ، والرعب ، والخراب ، في حياتنا ، ، ويصنعون صورة مرعبة ، ومقززة للإسلام والمسلمين في أذهان الآخرين ، رغم أنّ هذا البعض ، يعي جيداً ، أنـّه لو كان القرآن والإسلام هما أساس المشكلة ، فلماذا يُشهر هذا الإرهابي سيف التكفير ، والتفسيق ، والوعيد في وجه المسلمين أيضاً ، ولماذا يستهدف بأعماله الوحشية ، أبناء ملّته ، ( حتى الذين من نفس مذهبه ! ) ، ولماذا يقف غالبية المسلمين ، اليوم ، علماء وعوام ، ضد هؤلاء القتلة ، والمجرمين ، ومنهجهم الدموي ، وغير الإنساني ، وغير الإسلامي . المشكلة ، إذن ، ليست في الإسلام ، ولكن في من يزعم أنّه يمثله ، ويتحدّث باسمه ، و يقرأ الآيات ، والأحاديث ، والتاريخ ، بعينين مريضتين ، وعقل مترع باليأس والحقـد . والمشكلة ليست في القرآن الكريم ، بل في من يتلفع بعباءة الدين ، ويتوهم بأنـّه يجهر بصوت الحق ، والفضيلة ، بينما رائحة الشر ، والباطل ، والرذيلة ، تفوح من تفكيره ، وأفعاله المشينة . لماذا لايتحدّث هؤلاء الناقمين على الدين ، عن دور البيئة الإجتماعية ، والتربية المغلوطة ، والأنظمة السياسية المهترئة ، وفقدان الحريات ، والإستبداد ، في إنتشار وباء الإرهاب ، فضلاً عن ثقافة العنف ، والكراهية ، والموت ، والتلقين الأسود المفخخ لشيوخ الظلام ، ووعاظ القتل ، الذي يجعل من الإنسان وحشاً آدمياً مسعوراً ، يتفجّر حقداً ، وبغضاً على العالم ، وعلى إخوته في الإنسانية ، والقومية ، والدين ، وحتى الطائفة .. ؟. وهل من الصواب ، والحكمة ، والموضوعية ، أن نحاكم ديناً كبيراً ، كالإسلام ، ونطوّقه بأحكامنا المطلقة ، والمتشنجة ، ونتهمه بأنـّه مصدر الإرهاب ، أم ينبغي أن نحاكم فكراً متطرفاً ، وثقافة متطرفة ، وخطاباً متطرفاً ، ونهجاً متطرفاً ، وشاذاً ، ومنحرفاً ، تسهر على رعايته ، ودعمه ، في السر والعلن ، مؤسسات ، وهيئات ، وجامعات ، ومساجد ، ورجال دين ، وأحزاب ، ودور نشر ، وفضائيات ، ودول ، لدوافع سياسية ، وطائفية ، ونفسية ، ومادية .. ؟ . فالإسـلام ، كمنظومة فلسفية ، وأخلاقية ، شأنه شأن أي دين آخر ، هو ، بالتأكيد ، أكبر من أن يسطو عليه شيخ بليد ، أو فقيه متزمت ، أو إرهابي معتوه ، أو تيار سياسي ( إسلاموي ) أهوج ، يريد أن يمتطي صهوة السلطة ، ورقاب العباد ، فينحرف بالدين عن رسالته الإنسانية ، التي تدعو للرحمة ، والمحبة ، والتسامح ، والتعاون بين الناس ، ويقود الوطن ، وأبنائه إلى مهاوي الرعب والخراب . ولاأدري لماذا يتغافل البعض عن حقيقة أنّ الإسلام ، كدين ، هو عنوان عريض ، وواسع ، لعدد كبير من المذاهب ، والإتجاهات ، والتيارات الفقهية ، والسياسية المختلفة ، والمدارس الفلسفية المتنوعة ، التي تتباين فيما بينها ، وقد يصل الإختلاف في وجهات النظر ، أحياناً ، إلى درجة الإحتراب ، كون أنّ الإسلام ، قد تعرّض ، خلال تاريخه الطويل ، إلى سلسلة معقدة من التغيرات ، والهزات ، والصراعات الدموية ، والثورات الإجتماعية ، والفكرية الكبيرة ، التي كان لها أثرها في ظهور أساليب ، وأنماط حديثة ، ومتطورة ، في التفكير ، والتفسير ، شجعت على إعادة قراءة التاريخ والتراث الإسلامي ، والإنفتاح على الفكر الآخر ، ونقد وتجديد الخطاب الديني ، وتحريره من الغلو ، والتزوير ، والكذب ، والتسويف ، والتحريف ، والتهويل ، الذي تسلل إليه عبر التاريخ ، بسب السياسة ، والطغيان ، والتعصب ، والجهل ، والصراع على السلطة ، ولوثة الحروب ، ولعنة القمع . الحقيقة الأكيـدة ، هي أنّ الإرهاب له ثقافة ، ومثقفون ، ومنظـّرون ، ورجال دين ، وجنود ، ولكن ليس له ديـن ، ولاعلاقة له بالله ، أو الإنسان .
#فارس_الطويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي الشهيد حسن مطلك بين الحلم الكبير ، ورأس الطاغية
-
هل تريدونه وطناً ، أم مَسلخاً ؟
-
أقلامٌ ملوَّ ثة
-
لماذا يحب الأبناء وطناً ، يقتلُ فرحهم ؟
-
الغربة بين الوطن والمنفى
-
الشيعة يقتلون أهل السنة في العراق
المزيد.....
-
اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر
...
-
البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
-
نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد
...
-
تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب
...
-
بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
-
الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ
...
-
الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
-
روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو
...
-
ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
-
-صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف
...
المزيد.....
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
-
عالم داعش خفايا واسرار
/ ياسر جاسم قاسم
المزيد.....
|