كيف تسير الدولة السودانية نحو التفكك؟


تاج السر عثمان
الحوار المتمدن - العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 08:46
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

١
نتابع بمناسبة الذكرى ال ٧٠ للاستقلال والذكرى السابعة لثورة ديسمبر أهمية وحدة السودان شعبا وارضا التي أصبحت في مهب الريح بعد الحرب الجارية حاليا التي تهدد بتمزيق وحدة البلاد بإصرار الإسلامويين على استمرار الحرب واطالة أمدها مما يعيد إنتاج انفصال دار فور بعد فصلهم للجنوب. وتكرار تجربة انفصال إقليم "أرض الصومال" الذي
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاعتراف به كدولة مستقلة وذات سيادة، لتصبح بذلك أول دولة ‌تعترف به ووجد استنكارا من دول عديدة و أعلنت حكومة الصومال في بيان لها عن رفضها لما وصفته بالهجوم المتعمد على سيادتها والخطوة التي قامت بها إسرائيل بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة.
مما يستوجب تكثيف النضال من أجل وحدة البلاد واستكمال الاستقلال بانجاز مهام ثورة ديسمبر فكيف تشكلت الدولة السودانية وبدأ تدهورها؟.
٢
نشا الشكل الحديث للدولة السودانية في فترة الحكم التركي – المصري ( 1821 – 1885 ) ، الذي شهد مولد السودان الحديث بشكله الحالي تقريبا بعد ضم دار فور وسواكن وإقليم التاكا والمديريات الجنوبية الثلاثة ( الاستوائية ، بحر الغزال ، أعالي النيل ) .
وكان جهاز الدولة منذ أن تشكل وتخلق في السودان الحديث جهازا للقمع ، وكان الإنسان السوداني خلال الحقب التاريخية المختلفة للسودان الحديث يصارع ضد القهر والظلم ومن أجل الحرية ويتجلي ذلك في الثورة المهدية ضد الحكم التركي ، وثورة الاستقلال ضد الحكم الإنجليزي ، وبعد الاستقلال كانت ثورة اكتوبر 1964 ضد ديكتاتورية الفريق عبود ، وانتفاضة مارس – إبريل 1985 ضد حكم الرئيس نميري ، ومقاومة الشعب السوداني لنظام الإنقاذ وضغط المجتمع الدولي حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا في 9 / 1 / 2005 ، ، ولكن نظام الانقاذ أجهض الاتفاقية ، وكانت النتيجة انفصال الجنوب تواصل نضال شعب السودان حتى اندلاع ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الانقاذ ورغم مجزرة فض الاعتصام والقمع الوحشي للمواكب السلمية وانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ والحرب الجارية الا ان جذوة الثورة مازالت مستمرة.
٣
بعد الاستقلال واجهت الدولة الوطنية السودانية التحديات الآتية : – عدم استقرار واستمرارية التجربة الديمقراطية من جراء الانقلابات العسكرية ، ودخل السودان في الحلقة المفرغة : ديمقراطية – ديكتاتورية – ديمقراطية – … الخ ، وتأثر جهاز الدولة بتلك الانقلابات ، وفقدت الدولة في ظل نظام الانقاذ أغلب كادرها المؤهل بسبب التشريد ، وانهارت الخدمة المدنية ، والفشل في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المنوط بها إحداث النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات النيابية والدستورية ، رغم إمكانيات البلاد في القطاعين الزراعي والحيواني ، وبعد اكتشاف المعادن البترول الذي لم يتم تحويل جزء من عائداته للصناعة والزراعة والخدمات ( التعليم، الصحة، واقامة مشاريع الطاقة والبنية التحتية …)، لإحداث نهضة وطنية ديمقراطية عميقة تنتشل البلاد من الظلمات إلى النور ، وإلى آفاق التنمية والوحدة والسلام والتقدم الاجتماعي .
وبعد انقلاب الإنقاذ رفعت الدولة يدها عن خدمات أساسية مثل التعليم والصحة الذين دخلا دائرة الاستثمار الخاص ، وأصبحت الدولة السودانية بعد انفصال الجنوب مهددة بالمزيد من التمزق والتشرذم وفقدان السيادة الوطنية ، فإما أن تصبح الدولة السودانية مدنية ديمقراطية تستوعب التنوع الديني والثقافي واللغوي والعرقي أو تتعرض للمزيد من التشرذم ، كما فشلت تجربة الدولة الدينية في فترة قوانين سبتمبر 1983 ، وفترة الإنقاذ والتي أفرزت حكاما طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد ، استغلوا الدين في السياسة ، وقهروا الناس باسم الإسلام، وسيكون مصيرها الفشل مرة أخري في محاولة اعادة انتاجها عن طريق الحرب كما في الفساد والقمع والنهب لثروات البلاد من الرأسمالية الطفيلية لطرفي الحرب وللمحاور الخارجية التي تسلح طرفي الحرب بهدف إيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر ونهب ثروات وأراضي البلاد.
على أن الدولة المدنية الديمقراطية ليست وحدها الحل السحري والضمان لوحدة ما تبقي من الوطن ، فلا بد من استكمال ذلك بالتنمية المتوازنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل أقاليم السودان وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية في مستوى المعيشة اللائق والتعليم والصحة.مما يشكل سدا منيعا أمام خطر تمزيق وحدة البلاد