ماذا وراء التصريحات الأمريكية المصرية حول حرب السودان؟
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 07:26
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
١
مع تزايد الضغوط والتدخلات الخارجية علي طرفي الحرب في السودان تتصاعد جرائم الحرب وضد الإنسانية. مما يهدد بتمزيق وحدة البلاد مع إطالة أمد الحرب التي لا يوجد حل عسكري لها و يجب وقفها وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد وقيام الحكم المدني الديمقراطي.
فقد تزايدت الضغوط الخارجية كما ورد في تصريح مسعد بولس المستشار الأميركي للشؤون الإفريقية الذي أعلن أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اتفقتا في الرياض على تعزيز التنسيق السياسي والإنساني بهدف إنهاء النزاع الدائر في السودان، مع وضع خطوات عملية تقود إلى هدنة إنسانية واستقرار طويل الأمد.
ويبدو كان للضغوط أثرها بعد اجتماع البرهان مع الأمير محمد بن سليمان الأخير أصدر الفريق البرهان توجيهاً يقضي بعدم حرمان أي مواطن من الحصول على الأوراق الثبوتية، حتى في حال وجود بلاغات قانونية ضده.مما يمهد الطريق لتسوية وإبعاد شبح التقسيم الذي يخيم على البلاد كما وارتفعت المطالبة باستكمال ذلك بإطلاق سراح المعتقلين ووقف كل أشكال المضايقات ضد المعارضين السياسيين.
وفي الوقت نفسه أعلن البرهان من الرياض استعداده للدخول في محادثات ترعاها الولايات المتحدة لوقف حرب السودان .وأنه ملتزم بالتعاون مع واشنطن عبر الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص مسعد بولس لدعم جهود إنهاء القتال. وتبقى العبرة في الأفعال لا الأقوال. جاء ذلك بعد رفض البرهان سابقاً مقترحاً أميركياً وافقت عليه قوات الدعم السريع، فيما استمرت العمليات العسكرية وجرائم الحرب وضد الإنسانية .
كانت واشنطن قدمت نصاً واضحاً لوقف إطلاق النار في السودان، مشددة على أن مسؤولية الموافقة على هدنة إنسانية تقع على الجيش وقوات الدعم السريع دون شروط مسبقة، بحسب ما نقلته قناة سكاي نيوز.كما كشفت مصادر مطلعة لـ “سودان تربيون” أن القيادتين السعودية والأميركية قدّمتا ثلاث نقاط رئيسية إلى الفريق البرهان، تهدف إلى إنهاء الحرب، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية، ونقل السلطة فعلياً إلى حكومة مدنية.
٢
من جانب آخر ازداد الأمر تعقيدا بصدور بيان صحفي من المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠٢٥ الذي أشار إلى دعم مصر لخطة الرئيس ترامب الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وحرصها على العمل في إطار الرباعية لتحقيق هدنة تقود لوقف الحرب وان هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرا بالأمن القومي السوداني.و أن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه الخطوط الحمراء، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان. وتجدد مصر في ذات السياق رفضها القاطع لإنشاء أية كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بهذه المؤسسات هو خط أحمر آخر لمصر، وتؤكد مصر على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.رغم الجدل الدائر حول أن اتفاقية الدفاع المشترك أصبحت غير سارية المفعول بعد انتفاضة مارس - أبريل ١٩٨٥. علما انه في مارس من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976 في عهد حكم الرئيسين السوداني جعفر نميري، والمصري أنور السادات، ونصت المادتان الأولى والثانية على أن أي اعتداء على طرف يعد اعتداء على الآخر، وعلى التشاور الفوري الذي يتضمن استخدام القوة المسلحة لرد العدوان، وعلى التزام الطرفين بتنسيق سياساتهما الدفاعية والعسكرية في المسائل المتعلقة بأمن البلدين القومي. وبعد سقوط نظام جعفر النميري بعد انتفاضة مارس - ابريل في 1985، أبلغ رئيس الوزراء وقتها الصادق المهدي القيادة المصرية رغبته في إلغاء «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، وبدلاً عنها تم توقيع ما عُرف بـ«ميثاق الإخاء» في 1987، لم ينص صراحة على إلغاء اتفاقية 1976، لكن لم يتم الحديث عنها أو تحريك «آلياتها» منذ ذلك الوقت.
مما زاد الطين بلة وأكد تعقيدات التدخل المصري ماجاء في تاكيد الاستعلامات المصرية أن القاهرة لا ترى أي مؤشرات موثوقة أو أدلة ميدانية تثبت صحة الادعاءات المتداولة بشأن تغلغل جماعة الإخوان المسلمين «الكيزان» داخل صفوف الجيش السوداني.
وهو تأكيد يجافي الواقع اختراق الإسلامويين للجيش واضح كضوء الشمس لايمكن انكاره مما يؤكد أن مصر وراء حكم الجيش كما أكدت التجربة ضد الحكم المدني استفادت من الأنظمة العسكرية في إغراق خلفا واتفاقية مياه النيل المجحفة ١٩٥٩ في فترة ديكتاتورية عبود وكانت المخابرات المصرية كما أشار رئيس الوزراء السابق محمد أحمد المحجوب وراء انقلاب ٢٥ مايو الذي أطاح بالحكم المدني. استفادت من حكم العسكر الإسلاموي في احتلال حلايب وشلاتين وابو رماد. ونهب ثروات البلاد. وبالتالي يتناقض تصريحها مع مبادرة الرباعية التي تهدف للهدنة ووقف الحرب والحكم المدني.ولايساعد في استدامة الديمقراطية والسلام في السودان.
٣
من جهة أخرى يتابع الرأي العام المحلى والعالمي بقلق تصاعد الحرب في السودان واتساع جرائمها كما في حملة الاعتقالات الواسعة التي يقوم بها طرفا الحرب ضد السياسيين والناشطين والتعذيب الوحشي حتى الموت كما حدث لمعلمين في الدلنج والهجوم الممنهج ضد الصحفيين والهجوم على ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية بفوض نقابة المنشأة والنقابات التابعة للمؤتمر الوطني.
وكما في تحذير منظمة الصحة العالمية من تزايد الهجمات التي تستهدف منشآت الرعاية الصحية في السودان، وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس في تصريح نُشر على منصة إكس إن المنظمة وثّقت منذ يناير 2025 ما مجموعه 65 هجومًا على مرافق صحية في السودان، تسببت في مقتل أكثر من 1600 شخص وإصابة 276 آخرين.مما يفاقم معاناة السكان ويحرمهم من الخدمات الطبية الأساسية والأدوية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز قدرات القطاع الصحي بدلًا من إضعافه، خاصة مع استمرار النزاع واتساع الاحتياجات الإنسانية.
إضافة لارتفاع عدد القتلى كما جاء في تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الخميس، أن أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» خلال أبريل (نيسان) الماضي، في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور (غرب)، نحو ثلثهم تعرضوا لعمليات إعدام خارج نطاق القانون.
وأشارت المفوضية في تقرير إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل.
وأكدت المفوضية «مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً».
ووصفت المفوضية هذه الأعمال بأنها «انتهاكات خطرة ومنهجية للقانون الدولي الإنساني، وانتهاكات صارخة للقانون الدولي لحقوق الإنسان».
إضافة لاستهداف المدارس ومحطات الكهرباء كما في شن «قوات الدعم السريع»، الخميس، هجوماً واسعاً بعشرات الطائرات المسيّرة، طالت عدداً من المدن في ولاية نهر النيل بشمال السودان، مستهدفة محطة رئيسية لتوليد الكهرباء، مما أدى إلى مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي في المدن السودانية الكبرى بعد استهداف محطة المقرن بعطبرة.
كما استمر العنف الجنسي كما جاء في تقرير حقوقي جديد، صدر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بالشراكة مع المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، يوثّق كيف تحوّل العنف الجنسي في دارفور، لا سيما مدينة الجنينة، إلى أداة منهجية لاستهداف النساء والفتيات من المساليت على أساس عرقي، ودفعهن إلى نزوح جديد نحو مخيمات اللجوء في شرق تشاد، حيث لا يزال الأمان بعيد المنال.
وأوضح أن الشهادات التي جُمعت تعكس حملة منسقة استهدفت مجتمع المساليت في مختلف مراحل التهجير، بدءًا من الهجمات داخل دارفور، مرورًا بمرحلة الفرار، ووصولًا إلى مخيمات اللجوء في تشاد، مع تركيز خاص على تجارب النساء والفتيات اللواتي واجهن أنماطًا محددة من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.وروت ناجيات تعرضهن لاقتحامات مسلحة للمنازل، وضرب باستخدام الأسلحة البيضاء والنارية، واغتصاب جماعي، وتهديد بقتل أفراد الأسرة لإجبار النساء على الامتثال، إضافة إلى حالات اختطاف واعتداء جنسي وتدمير للممتلكات، مع إفادات تشير إلى مشاركة مقاتلين أجانب في بعض الانتهاكات.
وخلص التقرير إلى أن هذه الانتهاكات تعكس أزمة عميقة ومستمرة يواجهها مجتمع المساليت، مؤكدًا أن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في السودان واسع النطاق ومنهجي، وقد يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ودعا إلى استجابة إنسانية شاملة تركز على الناجيات، وتحسين ظروف المعيشة في المخيمات، وضمان المساءلة ومنع الإفلات من العقاب عبر الآليات الوطنية والإقليمية والدولية، بما في ذلك العدالة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص.
٤
مع تصاعد الضغوط الخارجية للهدنة ووقف الحرب والحكم المدني الديمقراطي وتزايد جرائم الحرب يبقى من المهم مواصلة تصعيد المقاومة الجماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة وعدم الإفلات من العقاب العامل الخارجي كما اشرنا سابقا مساعد لكن العامل الداخلي هو الحاسم في التغيير مع التقييم الناقد للتجربة الماضية بسلبياتها وايجابياتها حتى لا تتكرر خاصة وأننا نمر في هذه الأيام بالذكرى السابعة لثورة ديسمبر التي لازالت جذوتها متقدة كما في المواكب التي خرجت في ذكراها في بعض المدن السودانية رغم انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ الذي اعاد التمكين للإسلاميين والأموال المستردة للفاسدين وقاد للحرب الجارية بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات وأراضي البلاد لمصلحة المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب. وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم بعيدا عن التبعية وحماية الثروات من النهب ووضعها في خدمة وازدهار وتطور شعبنا وحتما سوف تنتصر إرادة شعبنا وان طال السفر.