كيف كانت تجربة الانتقال الديمقراطي في اتفاقية ١٩٥٣؟


تاج السر عثمان
الحوار المتمدن - العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 07:46
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

١
نتابع بمناسبة الذكرى ال ٧٠ للاستقلال والذكرى السابعة لثورة ديسمبر ضرورة وقف الحرب واستعادة مسار الثورة والانتقال للحكم المدني الديمقراطي ووضع حد للحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية التي أخذت حوالي ٦٠ عاما من عمر الاستقلال البالغ ٧٠ عاما. وأهمية التركيز على العامل الداخلي باعتبار ان العامل الخارجي مساعد في تحقيق الهدنة لتوصيل المساعدات الإنسانية ووقف الحرب والانتقال للحكم المدني الديمقراطي لكن العامل الداخلي هو الحاسم في التحول للحكم المدني الديمقراطي فدول الرباعية وبقية المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد ليس لها مصلحة في قيام نظام ديمقراطي يكون منارة في المنطقة ويلعب دورا أساسيا في حماية السيادة الوطنية والتحول الديمقراطي.
كما أوضحنا وكررنا كثيرا ان لشعب السودان تجربة كبيرة في الإجماع الوطني كما في الاستقلال ١٩٥٦ وأكتوبر ١٩٦٤ وانتفاضة مارس أبريل ١٩٨٥ وثورة ديسمبر ٢٠١٨ مهم الاستفادة من تلك التجارب حتي لاتتكرر الانقلابات العسكرية التي قطعت التطور الديمقراطي في البلاد.
٢
جاءت اتفاقية الحكم الذاتي ١٩٥٣ نتاجا لتراكم نضالي طويل خاضه شعب السودان منذ اتبلاج فجر الحركة الوطنية بالمقاومة القبلية والدينية للاستعمار وقيام ثورة ١٩٢٤ وقيام مؤتمر الخريجين وقيام الأحزاب السياسية ونهوض الحركة الوطنية والنقابية بعد الحرب العالمية الثانية ومقاومة الجمعية التشريعية التي كان هدفها اجهاض الحركة الوطنية وكان من نتاج تلك المقاومة أن تراجع الاستعمار وجاءت تجربة التحول الديمقراطي في
اتفاقية الحكم الذاتي ١٩٥٣ التي تم فيها الاتي :
– أعطت الشعب السوداني حق ممارسة تقرير المصير في جو محايد، وفترة انتقالية لانهاء الادارة الثنائية ، والاحتفاظ بسيادة السودان للسودانيين حتى يتم تقرير المصير، وبوحدة السودان بوصفه اقليما واحدا، وتقرير مصير السودان بواسطة الجمعية التأسيسية المنتخبة، إما بالارتباط مع مصر أو الاستقلال التام.
– اتخذت الاتفاقية ترتيبات انتقالية مثل : تعيين لجنة انتخابات محايدة مكونة من سبعة أشخاص ، ولجنة للسودنة مكونة من ستة أشخاص ، ومشروع لقانون لانتخاب جمعية تأسيسية، وضمان حيدة الانتخابات ، وجلاء القوات العسكرية المصرية والبريطانية من السودان فور اصدار قرار من البرلمان.
– حددت مهام الجمعية التأسيسية في : تقرير مصير السودان كوحدة لا تتجزأ ، وإعداد دستور للسودان يتواءم مع القرار الذي تتخذه في هذا الصدد، ووضع قانون لانتخاب برلمان دائم ، وتقرير مصير السودان اما بالارتباط مع مصر أو الاستقلال التام ، وتتعهد الحكومتان المصرية والبريطانية باحترام قرار الجمعية التأسيسية.
من عيوب الاتفاقية التي انتقدها الحزب الشيوعي أنها أعطت الحاكم العام سلطات مطلقة عندما أشارت إلي أن الحاكم العام إبان فترة الانتقال السلطة الدستورية العليا داخل السودان ، ويمارس سلطاته وفقا لقانون الحكم الذاتي بمعاونة لجنة خماسية تسمى لجنة الحاكم العام تتكون من اثنين من السودانيين ترشحهما الحكومتان ، وعضو مصري ، وعضو بريطاني، وعضو باكستاني. إضافة إلى أنها أخرت الاستقلال لمدة ثلاث سنوات هي فترة الانتقال.
رغم تلك العيوب والقنابل الموقوتة التي تركها الاستعمار مثل : مشكلة الجنوب ، وتكريس الانقسام الطائفي والقبلي في المجتمع السوداني نتيجة لسياسة ” فرق تسد ” التي مارسها طيلة حكمه ، وسيطرة شركاته وبنوكه علي مفاتيح الاقتصاد الوطني ، وجعل السودان دائرا في فلك النظام الرأسمالي في تبادل غير متكافئ مصدرا للمواد الخام ” قطن ، صمغ عربي ، جلود..الخ” ، ومستوردا للسلع الرأسمالية .
رغم كل ذلك استطاعت الحركة الجماهيرية بأحزابها ونقاباتها واتحاداتها أن تتوحد في أوسع تحالف ” الجبهة المتحدة لاستقلال السودان”، وتمّ إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النشاط الهدام ، وتتوحد حول الجلاء وتقرير المصير للشعب السوداني ، ذلك الشعار الذي طرحته “الحركة السودانية للتحرر الوطني- حستو – الحزب الشيوعي فيما بعد” ، كبديل للشعارين : وحدة وادي النيل تحت التاج المصري ، والسودان للسودانيين تحت التاج البريطاني، كما استطاعت تكوين جمعية تأسيسية بانتخابات كانت حرة نزيهة نسبيا ، قادتها لجنة الانتخابات المستقلة ، وتم تكوين الجمعية التاسيسية التي الغت القوانين المقيدة للحريات ، وجلاء القوات المصرية والبريطانية ، ودستور انتقالي ديمقراطي كفل الحقوق والحريات الأساسية ” حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات ، والتجمع والتظاهر السلمي…الخ. وواصلت حتى تم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955 ، وإعلان الاستقلال رسميا في أول يناير 1956.
جاء استقلال السودان نظيفا بدون ارتباط بالاحلاف العسكرية التي كان يعج بها العالم يومئذ مثل : حلف الاطلنطي وحلف وارسو ، وحلف بغداد..الخ ، وكان استقلالا حقيقيا عكس هيبة السودان ، وقال فيه الرئيس الراحل إ سماعيل الأزهري ” جئنا باستقلال نظيف ..لا فيه شق .. ولا طق”.
٣
في الذكرى ال ٧٠ للاستقلال والسابعة لثورة ديسمبر المجيدة فلنعمل من أجل قيام اوسع تحالف جماهيري قاعدي لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة وقيام الحكم المدني الديمقراطي وعدم الإفلات من العقاب وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية ومواصلة الثورة والتراكم النضالي لشعب السودان حتي الوصول الي الديمقراطية والسلام وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والحل الشامل والعادل علي أساس الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع ، والتنمية المتوزانة ، والسيادة الوطنية ووحدة البلاد شعبا وارضا ، وعودة أراضي البلاد المحتلة وقيام علاقات خارجية تقوم علي الاحترام والمنفعة المتبادلة.قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يفضي لانتخابات حرة نزيهة.