الدين / الماركسية، من أجل منظور جديد للعلاقة، نحو أفق بلا إرهاب: الجزء الحادي عشر.
محمد الحنفي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 12:25
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
وما هي سبل تجاوز أدلجة الدين، لمحاربة الماركسية؟
إن أدلجة الدين، أي دين، وخاصة الدين الإسلامي، لا تتم إلا لمحاربة الماركسية، ليس إلا، وخاصة في الكليات، والمعاهد العليا، إلى درجة أن أدلجة الدين، من قبل أحزاب سياسية معينة، تسمي نفسها: أحزابا دينية. وهو أمر، اقتضى منا: أن نفصل بين الدين، أي دين، وبين أدلجة الدين. فالدين: هو الذي يومن به شخص معين، أو مجموعة من الأشخاص، أو جماعة، أو مجموعة من الجماعات، أو شعب، أو مجموعة من الشعوب، وتتخذ لها أماكن للعبادة الجماعية، كما هو الشأن بالنسبة للبيع عند اليهود، وكما هو الشأن بالنسبة للكنائس عند المسيحيين، وكما هو الشأن بالنسبة للمساجد عند المسلمين، على سبيل الحصر. حتى لا نقول أماكن تعبد البوذيين، وحتى لا نقول أماكن تعبد المومنين بعبادة الأوثان، وغير ذلك من الأديان الأخرى، التي آمن بكل منها جزء من البشرية، والتي ارتقت من عبادة الشمس، وعبادة الطبيعة، وعبادة الأشجار، وعبادة الحيوانات، وغيرها من الأديان، التي لا زالت بقاياها هنا، أو هناك.
أما أدلجة الدين، فهي اتخاذ المسيحية، أو اليهودية، أو الإسلام، أيديولوجية معينة، لحزب سياسي معين. وهو أمر يتناقض تناقضا مطلقا، مع طبيعة الدين، أي دين؛ لأن الدين يهدف إلى جعل المتدين، يتحلى بالقيم النبيلة، كما يراها أي دين، التي يسمونها بالقيم الدينية، التي تلعب دورا كبيرا في تطور شخصية الإنسان، في الاتجاه الذي يرشد اليه الدين، أي دين، سواء كان يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا.
وبالنسبة لأدلجة الدين، فإنها تهدف إلى جعل دين معين، أيديولوجية لحزب سياسي معين، حتى يستطيع تضليل المتدينين، الذين ينساقون وراء الحزب المؤدلج للدين، أيا كان هذا الدين، حتى يصير الحزب كبيرا، ومن أجل أن يعمل على ازدياد المنتسبين إليه، حتى ينالوا المقام الأوفى، يوم البعث، والنشور، أو يوم الحساب، أو يوم القيامة. والواقع، أن الدين لا يكون إلا لله، ومن حوله إلى أيديولوجية، إنما يجعل الله منحازا إليه، كحزب سياسي، مؤدلج للدين الإسلامي، أو للدين المسيحي، أو للدين اليهودي، أو للدين الشائع في كل بلد، كالدين البوذي، على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر.
وعندما ينص الدين، على أن الهدف، هو إخلاص العبادة لله، فإن ذلك لا يعني: إلا أن المتدين، يجب أن يتجنب تقديس الأشخاص، حتى لا يجعلهم شركاء لله في العبادة، ويصبح التقرب من زعماء الأحزاب، التي تسمي نفسها أحزابا دينية، والأحزاب الدينية، تصير نائبة عن الله، في تنظيم العبادة، وفي تنظيم شؤون الحياة، وفي تحديد من يدخل إلى الجنة، ومن يدخل إلى جهنم، وهو أمر فيه تطاول الحزب على الله، الذي يعلم السر، وأخفى، كما ورد في النص الديني، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، كما جاء في النص الديني نفسه.
وحتى نتجنب أدلجة الدين، كباطل، علينا أن نعمل على أن تكون لنا معرفة كاملة بالدين، وبالنص الديني، الذي يحتكم إليه دين معين، حتى نمتلك القدرة على مواجهة مؤدلجي دين معين، سواء كان يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا، من أجل دحض الأفكار الدينية، المؤدلجة للدين، أيا كان هذا الدين، حتى لا نحمل المسؤولية لأدلجة الدين، للنص الديني. وفي أفق ذلك، علينا أن نحدد ما يجب عمله، لوضع حد لأدلجة الدين، باعتبارها شكلا من أشكال التحريف الديني، الذي يشبه ما قاله اليهود، كما جاء في القرءان:
(وقالت اليهود عزير ابن الله).
أو يشبه ما قاله المسيحيون، كما جاء في القرءان:
(وقالت النصارى المسيح ابن الله).
فأدلجة الدين، لا تؤدي إلا إلى تحريف الدين. ولأجل ذلك، نرى:
1) ضرورة تجريم توظيف الدين، في السياسة، وفي العمل الجماهيري: الحقوقي، والثقافي، وغير ذلك، مما يعرف بتوظيف الدين في السياسة، أو في العمل الجماهيري.
2) اعتبار أن أدلجة الدين، تؤدي إلى عبادة الزعيم، أيا كان هذا الزعيم، مادام زعيما للحزب الديني. فهذا الزعيم، يعبد إلى جانب عبادة الله، أي أنه شريك لله في العبادة، ودون إيلاء الاعتبار، لما ورد في القرءان:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
خاصة، وأن القرءان، هو الرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله، خلال الدعوة في مكة، وبعد هجرته إلى المدينة المنورة، التي كانت تسمى يثرب.
3) تجريم الشرك بالله، في حد ذاته، خاصة، وأن جميع من ينتمون إلى الحزب الديني، مشركون بالله، أي أنه يستحق أن يعاقب على الشرك بالله، حتى يدرك أن اعتبار أدلجة الدين، هي الدين، ليصير مستبدلا للدين، بأدلجة الدين، حتى يمكنه توظيف الدين: أيديولوجيا، وسياسيا.
4) تجريم عدم احترام الدين، الذي يتمثل في أدلجة الدين، الذي يصير أيديولوجية لحزب معين، لأنه لوكان الحزب يحترم الدين، أي دين، ما اتخذه أيديولوجية له.
5) تجريم استغلال الدين، في الأمور السياسية؛ لأن أدلجة هذا الدين، هي في حد ذاتها، جريمة، ذات بعد اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي. أي أن الدين: يصير وسيلة لاكتساب الشأن الاقتصادي، والشأن الاجتماعي، والشأن الثقافي، والشأن السياسي. وهو ما ينتجه استغلال الدين، في الأمور التي لا علاقة لها بالدين، أي دين.
6) أن التسلق الطبقي، باسم الدين، يسيء إلى الدين، مما يجعل المنتمين إلى حزب سياسي معين، يؤدلجون الدين، أي دين يدعمه، حتى يرتقي طبقيا، ليصبح من الأثرياء الكبار. ولكن باسم الدين، الذي استغله، واستطاع الحصول على مكاسب مادية، حولته إلى بورجوازي، أو إقطاعي.
7) قيام الدولة، والمثقفون المتنورون، بالتوعية الدينية، التي تفرق بين الدين، وأدلجة الدين، حتى يصير الدين، كدين، يجب احترامه، وبين السياسة، التي لا علاقة لها، إلا بأدلجة الدين، الأمر الذي يقتضي منا، أن ننتبه إليه، حتى لا نصير مؤدلجين للدين، أي دين، خاصة، وأن أدلجة الدين، تعتبر جريمة في حق الدين، الذي يجب أن يبقى بعيدا عن الأدلجة، التي لا علاقة لها بالدين، أي دين، بقدر ما لها علاقة باستغلال الدين: أيديولوجيا، وسياسيا.
8) أن نعتبر أن القداسة، ليست إلا لله وحده، دون سواه، حتى لا يترتب عن تقديس غير الله، ممارسة للشرك بالله. والشرك بالله، لا يغتفر كما جاء في القرءان:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك، لمن يشاء).
وإذا كان الشرك بالله، لا يغتفر يوم البعث، والنشور، فإن تقديس غير الله، يجر إلى الشرك بالله. ولذلك، فتقديس غير الله، سواء كان إنسانا، أو حيوانا، أو جمادا، معناه: الشرك بالله. فما يجمع بين الإنسان، والإنسان، هو الاحترام التام، المتبادل بينهما. فقد تكون الكراهية، أو العداء. أما القداسة، فتجر إلى الشرك بالله، والشرك بالله، الذي ورد في القرءان:
(ما نعبدهم، إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
(إن الله لا يغفر أن يشرك به).
ولذلك، فالتخلص من أدلجة الدين، معناها: التخلص مما يؤدي إلى الشرك بالله، وإذا كان اليهود المحرفون للتوراة، فإنهم صاروا مشركين بالله، نظرا لاعتقادهم: أن الله ثالث ثلاثة: الله وزوجة الله وابن الله:
(وقالت اليهود عزير ابن الله).
وإذا كان المسيحيون محرفون للإنجيل، فقد صاروا، كذلك، مشركين بالله، لاعتقادهم، كذلك: أن الله ثالث ثلاثة: الله، وزوجة الله، وابن الله:
(وقالت النصارى المسيح ابن الله).
وهو أمر يقتضي منا: أن نعمل على تجنب، أن يصير الدين الإسلامي، كذلك، حتى لا نصير بدون دين، يحرر الإنسان، من التقديس، غير المشروع: الذي هو تقديس غير الله، ومعناه: الدخول في خانة الشرك بالله. وحتى الرسول الذي يستحق التقدير، والاحترام، ورد فيه في القرءان:
(وما محمد، إلا رسول قد خلت من قبله الرسل).
أي أنه، إذا أزلنا كونه رسولا، مبلغا رسالة الله إلى الناس جميعا، يبقى إنسانا عاديا، وبعد تبليغه قول الله:
اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا).
فإنه يؤكد ما ذهبنا إليه.
والدين الإسلامي، الذي صمد في الوجود، بدون تحريف، صمد منذ بداية القرن السابع الميلادي، حتى يومنا هذا، رغم المذاهب، ورغم ادعاء الوصاية على الدين الإسلامي، لم يستطع، أي كان، أن يغير، أو يحرف النص القرءاني، ليعتبر شاهدا، على صحة الدين الإسلامي. وحتى الذين ادعوا وصايتهم على الدين الإسلامي، أو ادعوا الكلام باسم الدين الإسلامي، لن يعيرهم الدين الإسلامي أي اعتبار؛ لأنهم يجدون سندا فيما يدعون، في الحديث، الذي روي عن طريق العنعنة، ولم يرو تواترا، كما هو الشأن بالنسبة للقرءان. وما روي بالتواتر، أقوى عن ما روي بالعنعنة، خاصة، وأن كل حديث، من الأحاديث المروية: إما مشهور، أو صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو منكر. ولذلك، فصحة الدين الإسلامي، لا تكون إلا بالقرءان، وليس بالحديث، خاصة، وأن الرسول كان يأمر بكتابة القرءان، وينهى عن كتابة الحديث، وأن رواية الحديث، لم تبدأ إلا في بدابة القرن الثاني الهجري، وأن البخاري، لم يشتغل على رواية الحديث، إلا بعد مرور ما يزيد عن مائة وخمسين سنة هجرية، وأن البخاري نفسه، عندما جمع أزيد من سبعمائة ألف حديث، لم يختر منها إلا ما ورد في صحيحه. ومع ذلك، فمن هذه الأحاديث: المشهور، والصحيح، والحسن، والمقبول، والضعيف، والمنكر. الأمر الذي يقتضي أن لا نعتمد إلا الأحاديث، التي تؤيد، وتوضح، وتدعم، وتتناسب مع ما جاء في القرءان.
والمؤدلجون للدين الإسلامي، يعتمدون الأحاديث المنكرة، أو الضعيفة، أو يختلقون الأحاديث، التي تثبت أدلجتهم للدين الإسلامي، فيصيرون دينيين، يحددون للدين الإسلامي مسارا آخر، لا يعتبر القرءان مصدرا له، بقدر ما يعتبر الحديث المكذوب على رسول الله، سواء كان مشهورا، أو صحيحا، أو حسنا، أو مقبولا، أو ضعيفا، أو منكرا. فالحديث عند الأحزاب الدينية، أولى من القرءان، بينما نجد أن الإسلام الصحيح، هو الذي يعتمد القرءان، بالدرجة الأولى، ثم الحديث الذي يتم التعامل معه، على أنه مفسر، أو موضح، لما جاء في القرءان، ومتناسب معه، في الدرجة التي يكون عليها. وما على إسلام مؤدلجي الدين الإسلامي، إلا تحريضنا على أن ننتظر رسولا آخر، يتلقى رسالة من الله، تتناسب مع هذا العصر، الذي نعيشه، لولا التمسك: بأن الدين الإسلامي، الذي جاء به محمد بن عبد الله، هو آخر الأديان، ومحمد بن عبد الله. هو آخر الرسل. ورسالته التي أوحيت إليه، خلال اثنين وعشرين سنة، والتي تحمل اسم (القرءان)، هي آخر الرسالات. وهذا ما يجعلنا، لا ننتظر إلا المدعين. غير أن ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي، انطلاقا من المدرسة، إلى الجامعة، يمكن اعتباره أدلجة للدين الإسلامي في المدرسة، في مستوياتها المختلفة، وفي الجامعة، في مختلف المدن، وفي المعاهد العليا، على جميع المستويات، وفي مختلف التخصصات، مما يجعل مؤدلجي الدين الإسلامي، يلتقطونهم، بعد تخرجهم مباشرة، إن لم يكونوا منتمين إليهم، أصلا. وإذا كان مؤدلجو الدين الإسلامي، على اختلاف أحزابهم، وتوجهاتهم، يلتقطون الخريجين من الشوارع، أو الذين ينتمون إليهم، وإذا كان المؤدلجون يجعلون من الخريجين أطرا فاعلة، على المستوى الوطني، فإن برامج الدولة، تم إعدادها على هذا الأساس، حتى تؤدي دورها، لصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين لا قيمة لهم، إلا بأدلجتهم للدين الإسلامي. والذين يخدمون مصالح الاستبداد القائم، أو يسعون إلى إقامة استبداد بديل، لا علاقة لهم، لا بالتحرير: تحرير الإنسان، والأرض، والاقتصاد، من العبودية، ومن الاحتلال الأجنبي، أو ما تبقى منه، ومن التبعية للرأسمال العالمي، ولا بالديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولا بمحاربة الديمقراطية المخزنية، أو ديمقراطية الواجهة، التي شرعنت كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. ولا بالعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية؛ لأنها لا تريد التأبيد، ولا تسعى إليه؛ لأنها إذا وصلت إلى الحكم، سوف تأخذ كل ما في الجيوب، لصالح الدولة، التي يوظفونها لخدمة مصالح الحزب المؤداج للدين الإسلامي، الذي ينتمون إليه.
ومما نأسف له، أن الحكومات التي تسمي نفسها دينية، تسعى إلى إغراق الشعب في الديون الخارجية، كيفما كان هذا الشعب. فهي تقف على البورجوازية، والإقطاع، والتحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف. لقد أغرقوا الشعب في خدمة الدين الخارجي، إلى درجة أن ما اقترضوه، أصبح، في وقتهم، يغطي أزيد من 92 في المائة، من الدخل الوطني؛ لأنهم يقترضون الديون، لينهبوها، ويجعلوها في خدمتهم: اقتصاديا، واجتماعيا/ وثقافيا، وسياسيا، الأمر الذي يقتضي: أن نجعل محاسبة مؤدلجي الدين الإسلامي، واجبة، منذ دخولهم إلى الحكومة، حتى يطرحوا منها، وحتى يخرجوا منها، بعد أداء الحساب إلى الدولة، التي نصيتهم، وانطلاقا من واجب المراقبة، نرى: أن تكون المراقبة دقيقة، ويكلف بها أناس، تشترط فيهم النزاهة، والدقة، حتى نتجنب ملء السجون بالناهبين، والمرتشين، والمحتالين، والخونة للدولة. إلا إذا تم ملء جميع جيوبهم، وتنمية حساباتهم الخاصة في الأبناك، مما يعتبر مبالغة في الاستهتار، في تحمل المسؤوليات، سواء تعلق الأمر بالدولة، أو بمسؤوليها المختلفين، أو بالجماعات الترابية، أو بالإدارة الجماعية، أو بالإدارة المخزنية، أو بالبرلمان، حتى إذا عمل أحدهم، عملا شنيعا، يكشف بسرعة، بناء على تقارير المراقبين، الذين يرفعون تقاريرهم أسبوعيا. الأمر الذي يقتضي من الجهات المختصة: أن تعطي أهمية لتقارير اللجن، التي تسعى إلى قول حقيقة ما يقوم به المسؤولون. وهذه اللجن: قد يكون عندها طابع وطني، وجهوي، وإقليمي، ومحلي، على مستوى كل جماعة حضرية، وعلى مستوى كل مقاطعة في المدينة، وعلى مستوى كل جماعة قروية، أو إقليمية، أو جهوية.
ونحن عندما نقترح اللجن، فإننا نرى: ضرورة اشتراط شروط معينة، وأهم هذه الشروط:
التزام عضو اللجنة بأداء المراقبة، التي يفترض فيها: أن تكون محبوكة، ودقيقة، وعلى معرفة تامة بالحركة، التي كلف بمراقبتها، على أساس: أن تعتبر تقاريرها الأسبوعية، بمثابة محاضر الضابطة القضائية، التي تقدم إلى المحكمة الابتدائية: المحلية، أو الاستئنافية، أو محكمة النقض، التي تقرر فيها ما يجب، على مستوى البحث المعمق، فيما ورد في التقارير، وعلى مستوى الإجراءات الضرورية، التي تقتضيها القوانين المتعلقة بالموضوع، حتى يشعر جميع المسؤولين، بضرورة تجنب مخالفة القانون، والتعامل مع المواطنين، ومع الشركات، ومع المشاريع، التي تتخذ في الميدان، على أساس القوانين المعمول بها، في الميادين التنموية الخاصة.
ومعلوم، أن ما يتلقاه أعضاء اللجن، من تعويضات، لا يصل إلى مستوى ما ينهب، من خلال ممارسة المسؤوليات، أو مستوى ما يتلقاه المسؤولون، والموظفون، من رشاوى. ولذلك، كان يجب أن تدرس مظاهر الفساد: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهو ما يقتضي من الدولة، أن تعطي أهمية، لتدرس مختلف مظاهر الفساد، سعيا إلى وعي الأجيال بها، وعلى إدراك الأجيال المقبلة، وعلى تعويل أفرادها، على تطور التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولكن في الاتجاه السلبي، لأن المحاكم القائمة في البلاد، ليست مهمتها محاكمة المعتقلين السياسيين، وليست مهمتها المحاكمات العادية فقط. بل إن مهمتها: هي محاكمة الفاسدات، والفاسدين، الذين لا يعرفون إلا نهب الثروات، والارتشاء، وتكوين الثروات غير المشروعة، وشراء ضمائر الناخبين، والبحث عن امتيازات الريع المخزني، والانخراط في الاتجار في الممنوعات، والعمل على ممارسة التهريب: من، وإلى المغرب، أو أي وطن آخر.
وما قلناه على المستوى العام، يجب أن ينطبق على مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يتطاولون على الدين الإسلامي، ويوظفونه أيديولوجيا، وسياسيا، لخدمة مصالحهم، التي لا تتم إلا باستغلال الدين، بصفة عامة، واستغلال الدين الإسلامي بصفة خاصة؛ لأن مؤدلجي الدين، بصفة عامة، ومؤدلجي الدين الإسلامي، بصفة خاصة، يعتبرون أنفسهم، أوصياء على الدين، لا يهتمون إلا بمعرفة كل ما يتعلق به، كما يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن المتدينين، وعن المؤسسات الدينية، مما يجعلهم يبالغون في استغلال الدين، وفي استغلال المتدينين: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وكأن الأمر يتعلق بهم، كأوصياء على الدين، كأن المشكل عندنا في المغرب، وفي البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، لا يفرقون بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، كما لا يمتلكون الوعي بخطورة أدلجة الدين الإسلامي، وبخطورة مؤدلجيه، الذين يفرضون وصايتهم على الدين الإسلامي، الذي كما جاء في القرءان:
(لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه).
ولا يحتاجون إلى فرض وصايتهم، على شعوب المسلمين، يسلمون أمرهم للدولة، التي تؤدلج الدين الإسلامي، أو إلى الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، أو إلى مؤدلجي الدين الإسلامي، القيمين على المساجد، التي يتولون وظيفة الإمامة فيها، بالصلوات الخمس، فيدخلون إلى الجنة من يشاؤون، ويدخلون إلى النار من يشاؤون، ويكفرون، ويلحدون، من يشاؤون، ويحكمون على فلان، أو علان، بأنه من المومنين الصادقين، حتى وإن كان خادما لدى فلان، أو علان، من (الكافرين)، أو (الملحدين)، حتى وإن كان (الكافرون)، أو (الملحدون)، مومنين صادقين، ويخوضون في عالم الغيب، الذي لا يعلمه إلا الله، غير مدركين: أن عالم الغيب، من أمر الله، وليس من خصائص الأوصياء على الدين، وعليهم أن لا يعترفوا بما جاء في القرءان، وأن يحترموا مختلف الشعائر الدينية، وأن تكون علاقتهم بالمسلمين، علاقة احترام متبادل، مما يجعلهم يستحقون احترام المسلمين، الذين يتوافدون على المسجد، الذي يؤدون فيه الصلوات الخمس. وإذا كان هناك تدخل منهم، فإن هذا التدخل، يجب أن ينصب على تقويم السلوك المنحرف، وعلى ضرورة تجنب الخوض في الأمور التافهة، وعلى ضرورة الحرص على أن تكون العلاقات محترمة، بين الناس جميعا، سواء كانوا مسلمين، أو غير مسلمين، حتى يتجنبوا الإساءة إلى الغير.
ولذلك، وجب تحول الدول، التي لها كامل السلطات على الأرض، وعلى الشعوب، التي تعيش على الأرض، من أجل وضع حد لأدلجة الدين، بصفة عامة، ولمؤدلجي الدين الإسلامي، بصفة خاصة، وللأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، بصفة أخص، حتى نتجنب الأثر السلبي في المجتمع، الذي نعيش فيه، ومن أجل أن نضع حدا للوصاية على الدين، بصفة عامة، وللوصاية على الدين الإسلامي بصفة خاصة، لضمان توديع الوساطة بين الله، وبين المتدينين، وبين المتدينين بالدين الإسلامي، الذين يعبدون الله، بدون واسطة؛ لأن ذلك الاعتقاد بالله، في الدين الإسلامي، معناه التحرر من عبادة غير الله، وأن التوجه إلى الحياة، يقرب من التحرير، ومن الديمقراطية، ومن العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، التي هي أمل الكادحين.