الدين / الماركسية، من أجل منظور جديد للعلاقة، نحو أفق بلا إرهاب... محمد الحنفي


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 00:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

وما هي العلاقة الموضوعية، التي يجب أن تقوم بين الدين والماركسية؟

إن المقارنة بين الدين، مهما كان هذا الدين، والماركسية، هي مقارنة في عقلية المتدينين، بين شيئين متناقضين، خاصة، فئة الأحزاب المؤدلجة لليهودية، أو للمسيحية، أو للدين الإسلامي، التي تدعي أنها تحافظ على الدين، ضد الماركسية (الملحدة)، اللا دينية. وهو عمل لا يتناسب مع الاقتناع بدين معين، الذي هو اقتناع فردي، بينما نجد أن الماركسية، التي ليست دينا، تعمل على أن يكون الاقتناع بها جماعيا. وما تسعى إلى تحقيقه الماركسية، له علاقة بمجموع أفراد المجتمع، وأن علاقته بالعمل الجماعي، في إطار الدولة الواحدة، أو في إطار مجموعة من الدول، التي تسعى إلى تحقيق الأهداف الماركسية، التي تتوخى التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية.

وما يسعى إليه الدين، الذي هو شأن فردي، هو أن يكون المتدين مقبولا عند الله، وما تسعى إليه الماركسية، هو تحقيق التحرير: تحرير الإنسان، والأرض، أو ما تبقى منها، والاقتصاد، من العبودية، ومن الاحتلال الأجنبي، أو ما تبقى منه، ومن التبعية للرأسمال العالمي، ومن خدمة الدين الخارجي. والفرق واضح بين الشأن الفردي، والشأن الجماعي. ومشكلة مؤدلجي الدين، أنهم يسعون إلى جعل الدين شأنا جماعيا. وهو أمر يتناقض مع طبيعة الدين نفسه؛ لأنه، لو كان الدين شأنا جماعيا، لتم الإيمان به بشكل جماعي؛ ولأنه لو كانت الماركسية شأنا فرديا، ما كان هذا الصراع الذي تثيره الماركسية، عندما يقتنع بها أفراد معينون، في دولة معينة. وعلينا، نحن، أن نعرف أن هناك ماركسيون متدينون، وأن هناك متدينون ماركسيون، مادام الدين شأنا فرديا، يخدم مصالح الأفراد، في علاقتهم بما يومنون به، وأن هذا الدين، الذي يقتنع أفرده بالماركسية، قد يكون يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا، ولا يخدم مصالح الجماعة، أبدا؛ لأنه، لو كان كذلك، لعمل على تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، خاصة، وأن الإيمان بدين معين، لا يكون إلا فرديا، وأن الحساب يوم القيامة، لا يكون إلا فرديا، كما نص على ذلك القرءان:

(فأما من أوتي كتابه بيمينه، فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه، وأما من أوتي كتابه بسماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه).

أما الماركسية، فهي شأن جماعي، لذلك كانت أهدافها جماعية، ولا وجود لشيء اسمه: الصراع بين الدين والماركسية، الذي يعتبر إبداعا لمؤدلجي الدين بصفة عامة، ولمؤدلجي الدين الإسلامي بصفة خاصة، حتى يحل الصراع بين الدين، والماركسية، محل الصراع الطبقي، كما يقر، بذلك، نيتانياهو: رئيس حكومة الصهاينة، الذي يعتبر الصراع بين صهاينة التيه، وبين الشعب الفلسطيني، صراعا بين اليهودية كدين، وبين الإسلام كدين، وليس صراعا بين الطبقات؛ لأنه لا تستفيد منه إلا بورجوازية الصهاينة، على مستوى فلسطين، وعلى المستوى العالمي؛ لأن الصهاينة، يستحوذون على ثروات العالم، وهم مالكو الثروات في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وفي البلاد العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، الذي يرغب في الاستحواذ على المزيد من الثروات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. الأمر الذي يقتضي من الشعوب المقهورة، أن لا تتعامل مع السلع، والبضائع، التي ينتجها الصهاينة، أو البورجوازية الصهيونية، سواء كانت صناعية، أو زراعية.

والماركسية، عندما يحاصرها الصهاينة، أو المطبعون، الذين يعتبرون حلفاء للصهاينة، تزداد قيمتها، وأن على الشعوب، أن تعي: أن الصهاينة، عندما يكونون جزءا لا يتجزأ من الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يتعرض له شعب فلسطين، وتتعرض له الشعوب العربية، التي تعتبر أنظمتها مطبعة، مع صهاينة التيه، لأن تلك الأنظمة، تعتبر عميلة لصهاينة التيه، ولدولتهم، ولحكومتهم، ولا يهمها ما تفعله بالشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، التي أبيد فيها جزء مهم من الشعب الفلسطيني، وأبيدت أغلب السكنيات، التي يسكنونها، ليبقوا بدون سكنيات، وهي خطة نيتانياهو، التي تدعمها أمريكا، لولا المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني، الذي يفقد كل شيء، إلى درجة الاستشهاد، من أجل الأرض، التي ينتمي إليها الشعب الفلسطيني. وهو ما يعني: أن الماركسية، يمكن أن تلعب دورها، في توعية الطبقة العاملة، وبدون الأجراء، وسائر الكادحين، وفي أفق توعية الجماهير الشعبية الكادحة، والشعب المغربي الكادح. وبقيت الشعوب العربية، ومن يقتدي بالعدو الصهيوني، في اعتماد الدين وسيلة لتأسيس الدولة الدينية، ولبنائها، ولاستمرارها في السيطرة على الشعوب العربية، وحتى الشعوب الإسلامية العميلة للصهيونية، والتي لا علاقة لها، لا بتحرير الإنسان، ولا بتحرير الأرض، ولا بتحرير الاقتصاد، كما لا علاقة لها، لا بتحقيق الديمقراطية في البلدان العربية الإسلامية، ولا علاقة لها بتحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية. وما لها علاقة به، هو الاستغلال المادي، والمعنوي للشعوب العربية الإسلامية، ودعم البورجوازية، والإ قطاع، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، سواء من الذكور، أو من الإناث، حتى تطمئن على استمرارها في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، التي يجب أن نستثني منها: إيران ومن في حكم إيران.

ولذلك، نجد أن العلاقة الموضوعية، بين الدين، والماركسية هي علاقة، تقتضي منا أن نعتبر أن:

الدين يأتي من خارج الإنسان المتدين، يرغبه، ويرهبه بالذي يأتي، ولا يأتي، من الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بقدر ما يأتي من الغريب، الذي هو الله، الذي لا يعرف إلا بالصفات، وبالعلامات، الذي:

(لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد).

(لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الابصار، وهو اللطيف الخبير).

(ليس كمثله شيء).

كما جاء في نص القرءان.

الماركسية تأتي نتيجة لتطور الواقع: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، انطلاقا من الواقع، وارتباطا به. وخاصة، بعد أن تطورت الآلة البخارية، وظهرت الطبقة العاملة، التي تستغل في مختلف المصانع، المتطورة عن المانيفاكتورة، من أجل قيام الماركسية، بضرورة دراسة وضعيتها، التي أفضت إلى ظهور الفلسفة الماركسية، والعلم الماركسي، والمنهج الماركسي. ولكل من هذا الثلاثي الماركسي، مهمته.

والدين يختص بإعداد الإنسان، إلى يوم القيامة، الذي يعتبر تزويده بمجموعة من القيم، التي إذا التزم بها، يكون مرضيا عند الله. وإذا لم يلتزم بها، يكون ممن يستحقون العقاب، كما جاء في القرءان:

وأصحاب اليمين، ما أصحاب اليمين، في سدر مخضوض، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة، ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة. إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا، عربا، أترابا لأصحاب اليمين. وأصحاب الشمال، ما لأصحاب الشمال، في سموم، وحميم، وظل من يحموم، لا بارد، ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين، وكانوا يصرون على الحنث العظيم).

أما الماركسية، فتختص بإعداد الإنسان، للعمل على تحقيق السعادة في الحياة الدنيا، قبل الآخرة، وعن طريق النضال، من أجل التمتع بالحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، وتعمل على تحرير الإنسان، والأرض، والاقتصاد، من العبودية، ومن الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، ومن خدمة الدين الخارجي، والنضال من أجل من أجل الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومحاربة الديمقراطية المخزنية، أو ديمقراطية الواجهة، وما شرعنته من كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والانتخابي، والجماعي، ومن فساد الإدارة الجماعية، ومن فساد الإدارة المخزنية، ومن فساد الريع المخزني، ومن فساد الاتجار في الممنوعات، وفساد النهب، والإرشاء، والارتشاء، وفساد التهريب، من، وإلى المغرب. والنضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل، للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية.

والماركسية، عندما تكون كذلك، تشد الأنظار إليها، في الشرق، وفي الغرب، وفي الشمال، وفي الجنوب، من هذا العالم، وبجميع اللغات. وهذا ما يجعل الاهتمام بها عالميا، ويجعل جميع الكادحين، يسعون إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، ليصبح التغيير هما يوميا للكادحين، وفي جميع أرجاء الأرض، لتصبح الدولة كالصين، أو كالاتحاد السوفياتي السابق، أو ككوبا، أو كمنغوليا، أو ككوريا الشمالية. وهذا الاهتمام بالماركسية، له مكانته في البلاد الواعية: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

وما يجمع بين الدين، والماركسية، هو:

1) الاحترام المتبادل بين الدين، الذي له مجاله، الذي هو إعداد الناس لنيل رضا الله، وبين الماركسية، التي تهتم بإعداد الناس، لتحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

2) أن يعمل الدين، على جعل الإنسان، يهتم بأن يكون من الذين رضي الله عنهم يوم البعث، والنشور، فيستحقون الدخول إلى الجنة، أو يستحقون الدخول إلى جهنم.

3) أن تعمل الماركسية على إعداد الناس، للاهتمام بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يكونوا على بينة مما يجري فيه، وعلى معرفة تامة، بما يقوم به المستغلون، تجاه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتجاه الجماهير الشعبية الكادحة، وتجاه الشعب المغربي الكادح، وبما يجب عمله من أجل مواجهة الأعداء الطبقيين، الذين يستبدون بالخيرات: المادية، والمعنوية، على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى حساب الجماهير الشعبية الكادحة، وعلى حساب الشعب المغربي الكادح.

4) أن يعمل الدين على توجيه سلوك الأفراد المتدينين، حتى لا يشتغلوا على الأمور التافهة، والتي لا علاقة لها بحسن سلوك المتدين؛ لأن اهتمام الدين بتربية الأفراد المتدينين، على حسن الخلق، فإن دينه خالص، سواء كان هذا الدين يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا، من منطلق: أن هذه الأديان الثلاثة، مؤصلة من ديانة إبراهيم، الذي يدعونه أبا الأنبياء، الذي جاء في حقه في القرءان:

(ملة أبيكم إبراهيم، هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا، ليكون الرسول شهيدا عليكم، وتكونوا شهداء على الناس).

5) أن تعمل الماركسية على تطوير نفسها: في الفكر، وفي الممارسةـ على جميع المستويات: الفلسفية، والعلمية، والمنهجية، حتى تتناسب مع جميع المجتمعات، وفي مختلف العصور، التي لا نشك في أن أجيالها، لا بد أن تعشق الماركسية، وأن تهتم بها، وأن تعمل على تطويرها، وأن تتصدى لأي تحريف يلحقها، حتى يؤدون دورهم، لصالح الماركسية، وأن تؤدي الماركسية دورها، لصالح الأجيال القادمة، التي لا نشك، بأن الماركسية، ستعم الكرة الأرضية، وبجميع اللغات.

6) أن يعمل المتدينون على التصدي لمؤدلجي الدين، أي دين/ حتى يصير الدين، أي دين، لله، والوطن للجميع، وأن يعتبروا أدلجة الدين، تحريفا له. والتحريف، لا يمكن أن يعتبر دينا، خاصة، وأن المحرفين، يعتبرون أي دين، دينا، ودنيا، وأن الدين، أي دين، لا يهم إلا الأفراد، ولا يهم المجتمع أبدا؛ لأن المجتمع، يتحول باستمرار، بينما نجد أن الدين ثابت. لذلك، كان الدين موجها لسلوك الأفراد، ولا يهتم، أبدا، بمسؤولية الحماية، إلا إذا كانت الغاية شيئا آخر، لا علاقة له بالدين، كما هو الشأن بالنسبة لصلاة الجماعة، التي جاء فيها قول الرسول:

(صلاة الجماعة، تفضل صلاة الفذ، بسبع وعشرين درجة).

عندما كان المسجد خاصا بإعطاء الدروس، وعندما كان مجلس القضاء ينعقد فيه، وعندما كانت الجماعة، أي جماعة، تعقد مجالسها في المسجد، لمناقشة الشؤون المشتركة، بين أفراد الجماعة، التي تسكن الحي في المدينة، أو تسكن الدوار، وهكذا... أما الآن، فإن المساجد، لا تقوم بأي دور، لتصير المساجد، لا تفتح في وجه السكان، إلا في أوقات الصلاة. وهي، بذلك، لا تقتدي إلا بالبيعة، أو الكنيسة. وإذا قال الحكام، إن الأحزاب التي تسمى: دينية، أو المؤدلجة للدين الإسلامي، تستغل المساجد، في الأمور السياسية، فإننا نقول للحكام: إنكم، أنتم من أعطى المشروعية لاستغلال الدين. فإما عليكم أن تعتبروا تأسيس أحزاب، أو جمعيات على أساس أدلجة الدين، عمل مجرم. وأدلجة الدين يحب أن تعتبر جريمة.

وهل يمكن أن نعتبر بأنه لا صراع بين الدين، والماركسية؟

إن ما يشاع بين المتدينين جميعا، وفي كل دولة، وفي أي قارة، هو أن الدين يصارع الماركسية، وأن الماركسية تصارع الدين. والصراع بين الدين والماركسية، هو صراع مفتعل في الهواء، لا أصل له، ولا فصل. وإذا قال ماركس:

(الدين أفيون الشعوب).

لم يقله لا عن اليهود، ولا عن الإسلام؛ لأن ماركس، لم يكن يعرف الكثير عن اليهود، ولم يكن يعرف شيئا عن الدين الإسلامي، بينما كان يعرف الكثير عن الدين المسيحي، بحكم تواجده في أوروبا، التي مان سكانها، يهتمون بكل ما تقوم به الكنيسة، التي كانت تتحمل مسؤولية السياسة، حيث كانت تعين من يحكم، في أي دولة أوروبية. ومن تعينه الكنيسة، يفعل ما يشاء، في الشعوب الأوروبية، ويسلط عليها من شاء من المقربين. والناس جميعا يعتقدون: أن من يحكم، يجب أن ينتخب.

ونظرا لأن الشعوب الأوروبية، صارت تعي خطورة تدخل الكنيسة، في شؤون الحكم؛ لأن الشعوب كانت ترفض ذلك، وتحرص على انتخاب من يحكمها، أو من يتحمل مسؤولية حكومتها، بإرادة الشعب، لا بإرادة الكنيسة. الأمر الذي دفع ماركس، الذي كان يرفض تدخل الدين، في أمور السياسة، حيث قال:

(الدين أفيون الشعوب).

ومؤدلجو الدين الإسلامي، الذين كانوا، ولا زالوا، يهاجمون ماركس، ويعتبرون قولته المذكورة، تخص الدين الإسلامي، مع أن ماركس، لم يتعرف على الدين الإسلامي، إلا في أواخر حياته، ولم يدرس الإسلام، بما فيه الكفاية، حتى يصدر حكمه عليه، كما أصدره على الكنيسة، كدين مؤدلج، التي استمرت في إنتاج نفس الممارسة.

والذين يؤدلجون الدين، حسب هواهم، إنما يؤدلجونه لمصلحتهم الخاصة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويدعون أنهم يحافظون على الدين، سواء كان هذ الدين يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا، وأدلجة الدين، تحريفه. والدين المحرف، يحتاج إلى مراجعة، لإزالة التحريف منه، حتى يصير إخلاصا لعبادة الله وحده، دون سواه؛ لأن من يعبد غير الله، فهو مشرك بالله، وفي القرءان:

(إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

نظرا لعظمة الشرك بالله، الذي لا يغفره الله أبدا، سواء كان هذا الدين يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا، خاصة وأن اليهودية، تقول: كما جاء في القرءان:

(وقالت اليهود عزير ابن الله).

وأن المسيحية تقول: كما جاء في القرءان أيضا:

(وقالت النصارى المسيح ابن الله).

والإسلام الذي لم يحرف، حرفه مؤدلجو الدين الإسلامي، بأدلجتهم له، حتى يعبر عن مصالحهم الخاصة، وحتى يخدم تلك المصالح، ذات الطابع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. الأمر الذي يقتضي منا: أن نعرف حقيقة أدلجة الدين، والغاية منها، مما يترتب عنه: وجودها بالنسبة للمؤدلجين، وبالنسبة لعامة الناس، حتى نتأكد من أن الأدلجة، تغير الكثير في حياة الناس: العامة، والخاصة، الذين يصفون الحزب المؤدلج للدين الإسلامي، بالحزب الإسلامي، والحزب غير المؤدلج للدين الإسلامي، بالحزب غير الإسلامي، وأن الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، تقدم نفسها للجماهير الشعبية الكادحة، على أنها أحزاب إسلامية، وتنعت باقي الأحزاب، على أنها غير إسلامية. والسلطات القائمة، تقبل ذلك، وتسكت عنه، لأنها هي نفسها، تؤدلج الدين الإسلامي، وتجعله في خدمة مصالحها؛ لأنه يعطيها الضوء الأخضر، بأن تفعل بها ما تشاء، باسم الدين الإسلامي؛ لأنها تفرض وصايتها على الدين الإسلامي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، كما جاء في القرءان.

والدين المؤدلج، دين محرف، يوحي بأزمة تحمل معنى: ظهور دين جديد. إننا نعرف أن الدين الإسلامي، هو آخر الأديان، وأن رسالة القرءان، إلى محمد بن عبد الله، هي آخر الرسالات، وأن نبي الله، محمد بن عبد الله، هو أخر الأنبياء، نظرا للتطور الذي عرفته البشرية، التي ارتفع علمها، وارتفعت معرفتها، بكل شيء، إلى درجة أنه يصعب تصديقهم، لمن يدعي أنه رسول الله، خاصة، وأن المعرفة العلمية، بلغت، ما بلغت من عمق، على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، وعلى مستوى الشغل، وحقوق الإنسان، التي هي المقياس، الذي يفرض احترام الإنسان، سواء كان يتمتع بحقوقه الإنسانية: العامة، والخاصة، والشغلية.

أما الماركسية، فلا تعرف إلا الواقع المادي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الأمر الذي يقتضي: العمل على التعريف بالفلسفة الماركسية، وبالعلم الماركسي، وبالمنهج الماركسي، باعتبار الفلسفة الماركسية، فلسفة، والعلم الماركسي، علم، والمنهج الماركسي، منهج، على أساس أن الماركسية، تتصدى للتحريف. والتحريف الذي يستهدف الماركسية، يستهدف في نفس الوقت، تأبيد الاستبداد، أو العمل على إقامة استبداد بديل، يهدف إلى تأبيد الاستغلال المادي، والمعنوي، للشعوب، التي يتم الاستبداد بها: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، خاصة، وأن الشعوب تعتبر ضحية حكامها، الذين لا يسعون إلا إلى تكديس الثروات، التي يمكن أن تنمو باستمرار، مما يمكن من الحرص عليها، والعمل على تحرير الإنسان، مهما كان، وكيفما كان، لأن تحريره، شرط تقدم الشعوب، وتطورها، في جميع المجالات، وفي جميع القطاعات، حتى يطمئن الجميع على مستقبله، الذي يصير فيه متمتعا بكافة حقوقه الإنسانية، وعن طريق القوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، مهما كان هذا الإنسان، وكيفما كان هذا الإنسان.

والعلاقة التي يفترض فيها أن تقوم بين الدين، والماركسية، والتي أريد لها أن تكون متناقضة، في نظر مؤدلجي الدين، أي دين، سواء كان يهوديا، أو مسيحيا، أو إسلاميا؛ لأن أدلجة الدين، تجعله في خدمة من يؤدلجه، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وهو أمر ترفضه الماركسية، التي تحرص على ضرورة احترام الإنسان، وخاصة، إذا كان هذا الإنسان عاملا، أو جيرا، أو كادحا، خاصة، وأنهم هم الذين يستفيدون من المشروع الماركسي، لذلك كانت الماركسية، وكان الماركسيون، ضد ما يقوم به مؤدلجو الدين، أيا كان هذا الدين، خاصة، وأن هذه الأديان، ظهرت في عهود مختلفة، وقد كان المفروض: أن جميع الأديان السماوية، تحترم الماركسية، كما حصل في أوائل القرن العشرين، إلا أن أدلجة الدين الإسلامي، بالخصوص، عملت على جعل الماركسية، وما يجري على أدلجة الدين الإسلامي يجري على أدلجة الدين المسيحي، ويجري كذلك أدلجة الدين اليهودي، أيضا.

وإذا كان هناك خلاف، بين الدين، والماركسية، فعلى مستوى الأسس، وعلى مستوى المنطلقات، التي عالجناها في مكان آخر من موضوع:

الدين / الماركسية، من أجل منظور جديد للعلاقة، نحو أفق بلا إرهاب...

الذي يمكن الرجوع إليه، لإدراك الفرق بين الدين، والماركسية، حتى تتأكد من حقيقة الدين، ومن حقيقة الماركسية.