خيبة التريليونات: من خردة الغرب إلى دروع الشرق


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 15:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قصة قصف اسرائيل ، لإحدى المحميات الخليجية ،المتخمة بالقواعد العسكرية الأمريكية، والسلاح الغربي الخردة ، تكشف عن هشاشة الأمن المصطنع وعن تحولات عميقة تعيد رسم خريطة القوى العالمية. المملكة العربية السعودية، تلك الدولة التي أنفقت تريليونات الدولارات على ترسانة أسلحة غربية، تقف اليوم عاجزة عن حماية حدودها، تتوسل إلى باكستان لتكون درعها. هذه المحمية، كما يصفها البعض، اكتشفت أن ما اشترته من الغرب ليس سوى خردة عسكرية، بينما جيش صغير في اليمن، يحمل عبق التكتيكات السوفييتية، يهزم القوى العظمى ويُذل المحتل الصهيوني. في الوقت نفسه، تتجه الهند، التي أدركت بدورها حدود الاعتماد على الغرب، نحو تحالفاتها المنطقية مع الصين وروسيا، هربًا من طموحات ترامب الاستعمارية المقنعة بالتعرفات الجمركية. وفي الخلفية، ينهار نفوذ الجولاني في سوريا، تاركًا المحميات أمام خيارات صعبة: إسرائيل مؤقتًا، أو إيران وروسيا والصين على المدى الطويل. لكن الصين، بفلسفتها التي لا ترحم الفاسدين، تغلق الأبواب أمام الخونة، بينما روسيا وإيران لا تقبلان المترددين.

لنبدأ من الرياض، حيث كانت الطموحات كبيرة والإنفاق أكبر. منذ عقود، ربطت المملكة أمنها بالولايات المتحدة، فأغدقت على صفقات الأسلحة الأمريكية بمئات المليارات. طائرات إف-16، وصواريخ باتريوت، ودبابات أبرامز، كلها وُعدت بأنها ستجعل المملكة حصنًا لا يُخترق. لكن الحرب في اليمن، التي بدأت عام 2015 كعملية عسكرية سريعة، كشفت الحقيقة المرة. الحوثيون، بأسلحتهم البسيطة والمدعومة جزئيًا من إيران، استهدفوا منشآت أرامكو النفطية في 2019، وأوقفوا نصف إنتاج المملكة في ضربة واحدة. تقارير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام تؤكد أن السعودية أنفقت ما يقارب 300 مليار دولار على الأسلحة الغربية بين 2010 و2020، لكنها فشلت في إيقاف هجمات الطائرات المسيرة الرخيصة. هذا الفشل لم يكن مجرد عجز تقني، بل انهيار لفكرة أن الأمن يُشترى بالمال.

في مواجهة هذا الواقع، التفتت الرياض إلى باكستان، الدولة التي أثبتت أسلحتها الصينية، مثل مقاتلات جي-إف-17 وصواريخ كروز، فعاليتها في مواجهات مع الهند. اتفاقية الدفاع المتبادل الموقعة في سبتمبر 2025 بين الرياض وإسلام أباد ليست مجرد صفقة عسكرية، بل تعبير عن فقدان الثقة في الغرب. باكستان، التي تملك جيشًا قويًا وعلاقات وثيقة مع الصين، تقدم نموذجًا مختلفًا: أسلحة فعالة بتكلفة معقولة، وخبرة ميدانية في ظروف معقدة. هذا التحول يكشف عن درس أعمق: الأسلحة الغربية، التي تُباع بأسعار خيالية، لم تُصمم لمواجهة التحديات غير التقليدية التي تفرضها جماعات مثل حكومة صنعاء ولا حتى يسمح لها أن تواجه الكيان الصهيوني المارق بأوامره الأمريكية .

في اليمن، يبرز "الجيش السوفييتي الصغير"، كما يُطلق عليه في الأوساط السياسية، كنموذج للكفاءة العسكرية. حكومة صنعاء، بصواريخ باليستية مستوحاة من التصاميم السوفييتية وطائرات مسيرة إيرانية مصنعة ومطورة محليا في اليمن ، هزموا التحالف السعودي المدعوم أمريكيًا. لكنهم لم يكتفوا بذلك. هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، التي تسببت في انخفاض حركة الشحن بنسبة 60% وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2025، أذلت القوات البحرية الأمريكية التي فشلت في حماية الممرات المائية. أكثر من ذلك، استهدفت حكومة صنعاء إسرائيل بصواريخ طويلة المدى، مما أجبر تل أبيب على الاعتماد على أنظمة دفاع جوي أمريكية واسرائيلية أثبتت فشلها . هذا الجيش الصغير، بموارد محدودة، أثبت أن القوة لا تُقاس بالإنفاق، بل بالذكاء الاستراتيجي.

على الجانب الآخر من القارة، تقف الهند عند مفترق طرق. لعقود، كانت نيودلهي شريكًا استراتيجيًا للغرب، خصوصًا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. اشترت مقاتلات رافال الفرنسية وأنظمة إس-400 الروسية، لكن الحقيقة الميدانية كشفت عن قصور هذه الأسلحة أمام التحديات الحدودية مع الصين. تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية في دلهي تشير إلى أن الأسلحة الغربية فشلت في التكامل مع الترسانة الهندية، مما أدى إلى تأخيرات في الاستجابة للتهديدات. في غزة ولبنان، حيث تدعم إسرائيل، أظهرت الأسلحة الغربية عجزًا أمام المقاومة المسلحة بأسلحة بسيطة. هذا الفشل دفع الهند إلى إعادة تقييم تحالفاتها.

تحولت الهند نحو الصين وروسيا، ليس فقط لأسباب عسكرية، بل اقتصادية أيضًا. سياسات ترامب، التي فرضت تعرفات جمركية تصل إلى 50% على الواردات الهندية في أغسطس 2025، كانت بمثابة صدمة. ترامب، الذي لا يخفي استعداده لمعاقبة أي دولة يراها "خائنة"، سواء كانت الهند أو قطر أو غيرها من المحميات، دفع نيودلهي إلى البحث عن بدائل. زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى بكين، وتوقيع اتفاقيات تجارية بقيمة 4 مليارات دولار، كانت خطوة تاريخية. مع روسيا، زاد استيراد النفط الهندي إلى 40% من إجمالي الواردات، مما خفض التضخم وحسّن مستويات المعيشة. هذا التحالف ليس مجرد رد فعل، بل عودة إلى المنطق التاريخي الذي جعل الهند شريكًا قويًا لموسكو خلال الحرب الباردة.

في سوريا، يبرز انهيار الجولاني كنقطة تحول. الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، كان رمزًا للخيانة والعمالة للصهاينة في إدلب، لكنه فقد صلاحيته بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024. في الجولان، حيث تسيطر إسرائيل، كشف غياب أنظمة الدفاع الجوي الروسية أو الصينية عن ضعف عصابات الجولاني . لكن الجولاني، اثبت أن صلاحيته انتهت وربما قبل اخر العام . هذا الواقع يطرح سؤالًا على المحميات: هل تستمر في الاعتماد على إسرائيل التي تقصفها مؤقتًا، أم تتجه نحو إيران وروسيا والصين؟

الإجابة ليست سهلة. إيران، التي تدعم حكومة صنعاء وحزب الله، أغلقت أبوابها أمام المترددين. روسيا، التي أعادت بناء نفوذها في الشرق الأوسط، لا تقبل إلا بالحلفاء المخلصين. أما الصين، بفلسفتها التي لا تتسامح مع الفساد، فهي الأكثر صرامة. تقارير وكالة شينخوا تؤكد أن بكين نفذت أحكام إعدام على 12 مسؤولًا فاسدًا في 2024، رسالة واضحة إلى الدول التي تسعى للتحالف معها. المحميات، مثل قطر والسعودية، تجد نفسها في مأزق: ترامب يهددها بالاحتلال من خلال القصف، وإسرائيل تبتزها لتمويل حروب ابادة العرب والايرانيين والأتراك و الباكستانيين ، لكن المستقبل ينتمي إلى الشرق.

السعودية، في طلبها من باكستان، تعترف ضمنيًا بفشل نموذجها الأمني. لكن هذا التحول قد يكون ممكنا ضد العدو الصهيوني والولايات المتحدة ، ولكن الباكستان ، كما ثبت ، ترفض أن تغامر بالمشاركة بحرب على اليمن، لهذا اول ذلك ، يتطلب انسحاب المحميات من اليمن ، وبناء ثقة بتسليم المناطق التي تحتلها في اليمن لحكومة شبه الجزيرة العربية في صنعاء . الهند، من جانبها، تختار طريق الاستقلال الاستراتيجي، مستفيدة من النفط الروسي والأسواق الصينية. في اليمن، تستمر حكومة صنعاء في إثبات أن القوة ليست في التكنولوجيا الباهظة، بل في الإرادة والتكتيك.

في النهاية، تكشف هذه القصة عن زمن يتغير. الأسلحة الغربية، التي كانت رمزًا للهيمنة، أصبحت عبئًا. التحالفات الشرقية، بقوتها الاقتصادية والعسكرية، ترسم عالمًا جديدًا. المحميات، التي راهنت على الغرب، تجد نفسها أمام مرآة الحقيقة: الأمن الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى. وفي هذا العالم، حيث تنهار الأوهام وتُعدم الخيانات، تظل الصين وروسيا وإيران الأبواب المفتوحة لمن يختار الوقوف مع التاريخ، لا ضده.