و تغرق الجزائر في شعبوية دينية شمولية


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 6755 - 2020 / 12 / 8 - 00:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في تسجيل فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نستمع إلى شخص في مدينة عنابة، شرق الجزائر، يسجل نفسه في سيارته وهو يهتف إلى مصلحة الأمن الحضري ليخبر رجل الشرطة أن في شارع من شوارع المدينة مجموعة من الشبان يفطرون نهارا في رمضان. ونلاحظ استجابة صوت الشرطي بطريقة عفوية جدا، وكأن في الأمر جريمة ويشكر المخبر المتطوع شكرا جزيلا ويمدحه. ويصور “المُخبر الغيور على دينه” قدوم رجال الشرطة معبّرا عن فرحته وهم يقبضون على الشبان كأنهم ارتكبوا جرما عظيما. وليس هذا فحسب بل نشاهد الشرطي يركل أحد الشبان وهو يدفعه داخل السيارة.

اعتبر العشرات من المعلقين على الفيديو أن عمل صاحب الفيديو يندرج تحت ما يسمى بــ”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. وكلهم مبتهجون بسلوك الشرطة تجاه هؤلاء الشبان، ويطالبون بالمزيد من الصرامة وتشديد العقوبات ومنهم من راح يدعو إلى قتلهم صراحة.

يكتب روني جيرار في كتابه “كبش الفداء”، “حينما يصل مجتمع إلى أوْج أزمته وتنحل الروابط الإنسانية، يتجه الأفراد حتما إما إلى إدانة المجتمع بأسره وهو أمر لا يلزمهم بشيء، وإما إدانة أفراد آخرين يبدون لهم جدّ ضارّين، ويُتهم هؤلاء المشبوهون بتهم من نوع خاص”.

في كل عام تُطرحُ مسألة حرية الإفطار في رمضان ويشتد الجدل بين المؤيدين وغير المؤيدين لتجريم من يفطر علنا في الفضاء العمومي. وفي كل شهر صيام يتم توقيف بعض الشبان والشابات وجرهم إلى المحاكم وإصدار أحكام بالسجن النافذ في حقهم، ثم ينتهي الأمر في انتظار رمضان الذي يلي وهكذا دواليك.
من العجيب أن نشاهد هذا البؤس بعد الانتفاضة التي عاشتها الجزائر طيلة أكثر من عام والأمل الذي ترك ذلك الانفتاح الكبير الذي بدأ بعد 22 فبراير 2019.

وحتى وإن وُجد نص قانوني صريح يجرّم الإفطار في رمضان فهو قانون ينبغي إلغاؤه لأن الصوم طقس ديني وليس قانونا يجب أن يلتزم به جميع الناس ويظهرون ذلك الالتزام في الفضاء العمومي حتى وإن كانوا غير صائمين. هو خاص بالمواطنين المؤمنين الذين يريدون الصوم فقط لا بكل بالمواطنين، فضلا عن كون الفضاء العمومي ليس ملكية المؤمنين بل ملكية المواطنين جميعا. ومن ثمة فليس من الاستفزاز في شيء أن يمارس الفرد حريته في الفضاء العام كأن يفطر نهارا في رمضان أو يبدي امتناعه عن الأكل أو يصلي في حديقة عامة.

وحتى وإن تعلق الأمر بدول ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام، فهل من العدل أن يُعاملَ مواطنون مختلفون مع الجماعة بتهمة ثقافية مصاغة في مفهوم فضفاض غير محدد قابل لتأويلات كثيرة؟ ما معنى “الإخلال بالآداب العامة”؟ وما معنى “الاستفزاز”؟ هل احترام ما يسمى بـ”الآداب العامة” هو وجوب خضوع الفرد للجماعة كخضوع النعجة في القطيع؟ ألا تتخفى الأصولية تحت غطاء هذا المفهوم الفضفاض الذي يمكن أن نضع فيه كل ما نريد لتكبيل الأفراد وتكميم الأفواه وفرض ما يسمى شريعة؟

ولئن لاحظنا إرادة واضحة في تديين الخطاب السياسي لدى الرئيس عبدالمجيد تبون وكل الوزراء عن طريق استعمال العبارات الدينية التي يستحسنها العوام والإسلاميون من أجل استمالتهم وإبعادهم عن الحراك، فإن وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي يذهب إلى أبعد من ذلك إذ لا يكتفي باستعمال للغة الخشبية الدينية كزملائه، بل يريد فرض المضمون الديني القديم على الحاضر الجزائري حينما يصرح للإذاعة الجزائرية في لهجة تهديدية لا دبلوماسية فيها في موضوع زكاة عيد الفطر بالقول “إن لجنة الفتوى هي التي أقرت إجازة إخراج زكاة عيد الفطر مع بداية شهر رمضان، بناء على ما جاء في المذاهب الحنبلي والشافعي والحنفي، وأن الذي لديه رأي مخالف عليه أن يحتفظ به لنفسه ولا يخرج للحديث به في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي”.

وعلاوة على ضربه بحرية التعبير والبحث عرض الحائط، فقد أضاف قائلا، غير مكترث بمقتضيات مواكبة العصر، وناكرا لقيم الثورة الجزائرية والجمهورية وثورة الابتسامة متوجها للمخالف طالبا منه وعبره من كل الجزائريين الانصياع إلى ولي الأمر بحكم الشرع “هذا لا يجوز لك، ألا تعلم أن الفقه الإسلامي يحرم عليك أن تختلف مع ولي الأمر. ولجنة الفتوى هي وصاية من ولي الأمر، وضعتها الدولة لتجمع رأي الناس”.