هل أصبح الجهاد الافتراضي بديلا عن ساحات المعارك؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7212 - 2022 / 4 / 6 - 13:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

منذ مقتل استاذ التاريخ والجغرافيا صامويل باتي يوم 16 اكتوبر2020، تم فتح عشرات التحقيقات في فرنسا متعلقة بتمجيد الارهاب والتهديد بالقتل، معظمها كانت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي حسب الاذاعة الفرنسية فرانس انفو.

يتجمع أفراد متطرفون في منصات ومواقع كثيرة يدعون فيها الى الجهاد المسلح ضد ما يعتقدون أنهم "أعداء الاسلام" وهو ما أصبح يسمى بــــ" فضاء الجهاد" وهي مساحات رقمية متعددة الاشكال بحدود مبهمة. هي ليست عوالم مغلقة، بل يتجاور فيها ناشطون متعددو المشارب. نجد من بينهم مناصرين للمنظمات الارهابية، مجرد واضعي لايكات لمحتويات تدعو الى العنف، عناصر يروجون خطابا غامضا يصعب تصنيفه وحتى بعض رافضي الفكر الجهادي الذين يريدون إسماع صوتهم بين هؤلاء الموالين في أغلبهم للأعمال الارهابية ذات الصبغة الدينية الاسلامية.

وعلى الرغم من إدراك الفرنكوفونيين منهم أنهم مراقبون من طرف الاجهزة الامنية والاستخباراتية الفرنسية، فهم دائما في الموعد الجهادي الافتراضي مع تكييف لمنشوراتهم واعادة ترتيب العلاقات بينهم.

"حارب بصبر على ساحة المعركة الرقمية، ولا تمنح الكفار فترة راحة واحدة : إذا ما حذفوا حسابًا واحدًا، قم ببناء 3، وإذا قاموا بحذف 3، فقم ببناء 30». لا تزال هذه الوصية الموزعة على فيديو من طرف داعش تلهم الاتباع منذ سنة 2018. ففي كل مرة يتم حذف حساب موال أو مروّج للإرهاب الاسلاموي على تويتر او فيسبوك أو انستغرام او على اليوتيوب يتم استرجاعه تحت اسم آخر. وكثيرا ما يكوّن نفس الشخص حسابات كثيرة على عدة شبكات مختلفة، كما يقوم العديد من الأفراد أيضا بتغذية نفس الحساب، ويختبئ الرجل وراء حساب امرأة والعكس صحيح.

ويلجأ ارهابيو الفضاء الازرق الى اساليب كثيرة للتمويه عن هوياتهم لتفادي حذف حساباتهم وما ينشرون، فيستخدمون الصور النصية ومقاطع الفيديو لأنهم يعرفون أن التعرف الأتوماتيكي على محتوى النص والرموز التعبيرية التي تحمل رسائل مشفرة يكون أكثر صعوبة بالنسبة للمراقبة الخوارزمية. ويتم اللجوء أيضا الى المرور عبر البث المباشر لعلمهم أن الخوارزميات تجد صعوبة في اكتشاف العنف حينما يكون متدفقا بشكل مباشر. كما يستعمل هؤلاء الجهاديون صورا متحركة لنشر رسائل عنيفة من خلال منظور الدعابة. و كثيرا ما يكثفون نشاطهم الدعائي على تواريخ معينة تشير الى أعمال ارهابية يمجدونها.

يهدف مجاهدو الشبكة العنكبوتية الى شن حرب اعلامية الكترونية للدفاع عن الايديولوجية الجهادية التي انهارت على ارض الواقع بغية نشرها من جديد والادعاء بأنهم البديل عن وسائل الاعلام الكلاسيكية "الساكتة عن اضطهاد الامة الإسلامية" ويضفون الشرعية على استعمال العنف من طرف المنظمات الارهابية الجهادية ويقدمونها على انها تنتقم للمسلمين من ظلم الغربيين.

وينشر هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من فيديوهات تظهر حسب زعمهم مجازر ضد السوريين والفلسطينيين والروهينغا والإيغور الخ. هي كلها من تركيب ما تبقى من فلول الدولة الاسلامية داعش وفيها الكثير من التلاعب والمبالغات لتهييج الشبان المنحدرين من أصول إسلامية في الغرب على وجه الخصوص.

ومن الاحداث التي خفّفت من ذلك الجهاد الافتراضي، القضاء على البغدادي وانسحاب القوات الامريكية من سوريا والعمليات العسكرية التي ارتكبتها تركيا اردوغان ضد الاكراد وفرار جهاديين كثيرين من الميليشيات الداعشية. لقد ساعدت هزيمة داعش في سوريا المنصات والسلطات للوصول الى مكافحة فعالة ضد الدعاية الارهابية في الاشهر الاخيرة.

ولكن سرعان ما التهبت المواقع من جديد ولو بحذر واحتياطات كبيرة مع ظهور كوفيد 19 الذي اعتبر من طرف أصوليي الفضاء الازرق كــ "جندي من جنود الله" جاء ليقضي على الكفار. وهو" حليف رباني لنا" يقول خطيب حماس في خطبة جمعة بمسجد في غزة. وقد انتهز هؤلاء الفرصة وبدأت دعوات العنف تُصوّب نحو كل من يقف ضد مشروع الأصوليين التدميري.

وقد هجموا على تطبيق "تيك توك" الصيني تحت غطاء شرح المبادئ الإسلامية لمسلمي الغرب وهم في الحقيقة ينشرون إسلاما متطرفا انعزاليا يتناقض مع قيم المجتمعات التي يعيشون فيها وذلك عبر فيديوهات قصيرة تُذكّر بما هو مسموح وغير مسموح في الشريعة الإسلامية. ويبقى الهدف الرئيسي من تلك التوجيهات السريعة هو عزل الشبان عن مجتمعهم وعائلاتهم بغية تحضيرهم للانضمام الى الحركة الجهادية. يحذّر دعاة التيك توك الشبان من ارتداء قميص فريق برشلونة الذي يحمل صورة صليب وبعدم حلق اللحية وتقبيل قريباتهم والاحتفال برأس السنة الميلادية .

وبغض النظر عن محاولة كسب الانصار وضمهم الى صفوف الجهاد، تستعمل المواقع والمنصات لتدريس "العلوم الدينية" على الطريقة الجهادية ولتقديم الاصولي المتشدد على انه هو المسلم الحقيقي. وتبقى نشاطات الجهاديين في تلك الفضاءات الرقمية أماكن نشاط في تغيّر مستمر، ميادين عمليات حربية. فكأن ما خسرته داعش على الارض تحاول استرجاعه افتراضيا على الشبكة العنكبوتية الاجتماعية وربما كبديل لساحات المعارك.