الفريق الوطني الجزائري، ذلك الفشل المبرمج


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7877 - 2024 / 2 / 4 - 17:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أصبح واضحا أن شغف الجزائريين بكرة القدم، وخاصة بمباريات فريقهم الوطني، لم يعد مجرد بحث عن تسلية بل هو ضرب من ضروب البحث عن شفافية مفقودة في حياتهم اليومية، السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد انتبهت السلطة لهذا الخواء الوجودي، فاستغلت فوز الفريق الوطني في أية مباراة كوسيلة لمحاولة صرف الجزائريين عن حاجاتهم الحقيقية وإغراقهم أكثر فأكثر في وهم انتصارات وإنجازات افتراضية.

لقد حاولت السلطات منذ الاستقلال، وقد نجحت في الكثير من المناسبات الكروية، تحويل قطاعات كبيرة من الجزائريين إلى كتلة جماهيرية وخلق الفرد الجماهيري، الراضي بالأمر الواقع، المجرد من ملكة النقد، ذلك الفرد الجزائري الذي يكون ضحية للمغالطات والتضليل الإعلامي الدائم. لقد عملت السلطات عن طريق الاستثمار في فوز الفريق الوطني لكرة القدم على تنويم الناس بزرع الأوهام عن طريق إعلام مدجن مهلل للأرجل الكروية صباح مساء ومتجاهل للقضايا الجوهرية في البلد.

في الحقيقة الفريق الوطني الجزائري هو الشجرة التي غطت غابة الكرة الجزائرية الميتة التي رغم توفر العجينة الكروية الطبيعية في الكثير من الشبان الجزائريين لم تعد تكوّن لاعبين قادرين على حمل الألوان الوطنية بسبب إهمال المسؤولين للتكوين وعجزهم عن تنظيم بطولات محترمة واعتمادهم على ما تجود به المدرسة الفرنسية من أبناء المهاجرين. فمثلما نستورد المواد الاستهلاكية نستورد لاعبي كرة القدم. نعم هو يمثل الجزائر، ولكن من المغالطات الكبرى القول إن الفريق الوطني الجزائري يمثل الكرة الجزائرية. هو ليس منبثقا منها على الإطلاق ومن التضليل اعتبار انتصاراته أو انكساراته تعبيرا عن وضع لعبة كرة القدم في الجزائر.
فلئن كان الفريق الجزائري من أغنى المنتخبات المشاركة في هذه الدورة، الحائز على إمكانيات كبيرة جدا، يتنقل في طائرة خاصة ويقطن في فندق خاص بجنب الملعب، يقوده مدرب يتقاضى 208 آلاف يورو شهريا وهو أحسن راتب في أفريقيا، نجد أغلب النوادي الجزائرية فقيرة غير قادرة على توفير أبسط الأمور للاعبين.

وإلى حدود سنة 2022، لم يكن يوجد ملعب واحد بمواصفات عالمية في الجزائر. وكل الاختصاصيين يجمعون منذ سنوات على أنه لو طبقت القوانين بصرامة لتمّ غلق كل الملاعب الجزائرية بلا استثناء لعدم استجابتها للشروط المنصوص عليها قانونا لأنها ببساطة غير قادرة على توفير أدنى شروط الأمن للاعبين وللحكام وللجمهور. أما عن المستطيل الأخضر، فلقد فقد لونه في الجزائر منذ زمن، وقد هدد المدرب جمال بلماضي في مناسبات عديدة بعدم إجراء التربصات وحتى مقابلات الفريق الوطني في الجزائر بسبب عدم صلاحية أرضية الملاعب في البلد وندرة المرافق الرياضية.

لقد فشلت الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم في تنظيم دوري محلي محترم، إذ وصلت الأمور في السنوات الأخيرة إلى مستوى مخيف من العنف والتلاعب بالنتائج. ولكن أخطر ما يهدد مستقبل الكرة الجزائرية هو الاعتماد على جلب اللاعبين حتى في الفئات الشبابية من الخارج علاوة على النقص الرهيب في مجال التكوين وعدم الاهتمام باللاعبين المحليين، إذ ثبط ذلك عزائمهم بسبب اقتناعهم بألا مكان لهم في الفريق الوطني مهما كانت موهبتهم لأن فريق بلادهم يعتمد على اللاعبين المكونين في الخارج بدعوى أنهم الأفضل تكوينا.

والشيء الذي لم يفهمه المسؤولون عن كرة القدم الجزائرية والإعلام الرياضي وحتى الجمهور الرياضي في أغلبه، هو أن التفوق في المنافسات الأفريقية لا يمكن أن يكون إلا باللاعبين المكونين محليا. ففي 2019 مثلا ورغم الإشادة الإعلامية الكبيرة باللاعبين المكونين في الخارج، فمفتاح النجاح آنذاك كان ممثلا في أربعة لاعبين تكونوا في الجزائر ودافعوا عن الألوان الوطنية بقوة جنونية حيث كان يضع الواحد منهم في المباراة رأسه أين يخاف الآتي من أوروبا وضع حتى رجله. لا نريد القول بهذا إن اللاعبين المغتربين أقل وطنية من المحليين، بل إنهم بعيدون نفسيا عن جو التنافس في أفريقيا في دورات مغلقة ككأس أفريقيا وغير مستعدين لتحمل الضغط البدني والظروف المناخية الصعبة.
ما العمل إذاً لجعل الفريق الوطني الجزائري يمثل الكرة الجزائرية حقيقة؟

أولا، تنظيم البيت الكروي الداخلي بالاهتمام أولا بالتكوين ثم بتنظيم بطولات حقيقية لجميع الفئات وعدم التسرع في حصد النتائج.

ثانيا، التوقف التدريجي عن الاعتماد على اللاعبين المغتربين وتطعيم المنتخب الوطني بلاعبين أو ثلاثة فقط يقدمون إضافة حقيقية للفريق الوطني الجزائري، مثلما كان الأمر في الماضي وغلق الباب أمام كل الذين يريدون الالتحاق بالفريق الجزائري ليصبحوا دوليين بعد يأسهم من طرق باب الفريق الفرنسي.

ثالثا، وجوب عودة تسيير الكرة الجزائرية لأبنائها من اللاعبين والإطارات الرياضية المهمشة في الجزائر أو تلك المشردة في بلدان كثيرة.

فهل ستكون نكسة الخروج للمرة الثانية على التوالي من الدور الأول في كأس أفريقيا فرصة لإعادة التفكير في فلسفة تسيير المنظومة الكروية في الجزائر أم ستبقى دار الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم على حالها؟

PartagerWhatsAppTwitterFacebook