في استحالة النصر العسكري اليوم
حميد زناز
الحوار المتمدن
-
العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 02:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما معنى أن تنتصر في حرب؟ هل انتصرت الولايات المتحدة في حربها على عراق صدام حسين؟ وعلى دولة طالبان؟ وهل انتصرت طالبان على الولايات المتحدة؟ وهل هناك تعريف جامع مانع للنصر العسكري؟ وهل يوجد نصر عسكري أصلا؟ في كتابه ”دروب النصر. هل يمكن الانتصار في حرب؟” يعيد الباحث غايت ميناسيون النظر في الكثير من المسلمات المتعلقة بمسألة النصر والهزيمة، الحرب والسلم وغيرها من الأفكار التي باتت متداولة كثيرا في وسائل الإعلام دون تمحيص. فما معنى أن ينتصر طرف على طرف آخر في حرب ما؟
يطرح الصحافي والباحث والأستاذ في معهد العلوم السياسية الشهير في باريس أسئلة قد تبدو ساذجة لأول وهلة: متى كان تاريخ آخر انتصار عسكري؟ هل هو انتصار الفيتناميين على فرنسا والولايات المتحدة بين عامي 1946 و1975؟ هل هو حرب الحلف الأطلسي ضد كوسوفو عام 1999 أم تدخل فرنسا في مالي عام 2013؟
على عكس الكتابات الفرنسية التي غالبا ما تكتفي بتوجيه أصابع الاتهام إلى الأخطاء الإستراتيجية والسياسية التي قادت الغرب إلى حروب لا نهاية لها ولم يعد يعرف كيف يخرج منها منتصرا، يقدم غايت ميناسيون مقاربة أصيلة ودقيقة لتجاوز الغموض الذي يحيط اليوم بمفهوم “النصر” في التفكير الإستراتيجي. من أجل تفكيك مفهوم “النصر” في العلاقات الدولية وتتبّع تطور هذا المفهوم عبر العصور، تخيّل الكاتب حوارا عميقا في أربع لوحات افتراضية مقترحا عبره بديلا لجدلية القوة والدهاء انطلاقا من حكاية هوميروس التي جمعت بين أخيل وأوديسيوس وهكتور. والهدف الوصول إلى رسم طريق جديد ثالث للخروج من الأزمة.
في اللوحة الأولى نلتقي بأبطال الأسطورة اليونانية أخيل الذي يرمز إلى القوة والجبروت وأوديسيوس رمز الدهاء والحيلة وهكتور أمير طروادة ممثل التواضع الذي حضر يراقبهما وهما يختلفان في معنى النصر من العصر الحجري الأول حتى يومنا هذا. وفي اللوحة الثانية نجد هكتور وأخيل ينصتان إلى الإستراتيجي أوديسيوس يحدد لهما موقع مفهوم النصر على مسطرة الحرب والسلم والمفاوضات والصراعات. وفي اللوحة الثالثة يتوجه هكتور وأوديسيوس نحو المحارب أخيل الذي ينتقل للحديث عن غطرسة العشريات الثلاث الماضية في الغرب ويشرح الانتصارات المستحيلة في حروب الأمم المتحدة أو التدخلات الفاشلة دوما تحت لافتة الدفاع عن الإنسانية. وفي آخر اللوحات يتوجه هكتور لأول مرة إلى أخيل وأوديسيوس ليبرهن لهما أن الطريقة الأكثر صلاحية والفعالة في الانتصار في حروب اليوم تكمن أولا في العدول عن استعمال القوة والحيلة والتحلي بأخلاق التواضع.
حاول المؤلف إظهار كل التناقض الذي حمله مفهوم النصر عبر مراحل تاريخية مختلفة لإبراز تناقضاته الحالية بشكل أفضل وليشير إلى استحالة ووهم ذلك النصر الحاسم الذي تخيله الجنرال ومنظّر الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتز في منتصف القرن التاسع عشر. وهو ما يتعارض مع تزايد الصراعات في الفضاء العالمي اليوم الذي غدا مسرحا لحروب لا نهائية ونزاعات لا تحصى. ومن هنا يصل إلى نتيجة مفادها أن “النصر أصبح شيئا غريبا في القرن الحادي والعشرين.” إذ أصبح حتى التساؤل مشروعا عما إذا كان ممكنا اليوم تحقيق نصر عسكري ما!
يرى الكاتب أنه بسبب تطور قواعد الصراع على وجه التحديد، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تحديد مفهوم النصر بدقة، من أجل التحرر منه على أحسن وجه. ويدعو إلى علم اجتماع جديد أو رؤية نظرية جديدة لمفهوم النصر. ودون هذا سيواصل العسكريون والسياسيون اجترار الأوهام ويستمرون في الكتابة بشكل أعمى سيناريو انتصاراتهم الافتراضية، في انقطاع تام عن الواقع. والسؤال الذي ينبغي طرحه في ضوء الصراعات المعاصرة هو ذلك المتعلق بعناد هؤلاء القادة العسكريين والمدنيين وتورطهم في نظريات النصر غير الفعالة بدل أن تكون إستراتيجيتهم هي كسب السلام أولا وقبل كل شيء.
كتاب يجب أن يطلع عليه الذين يدقون طبول الحرب في منطقتنا علّهم يرجعون إلى جادة صوابهم قبل فوات الأوان. قبل أن يهزموا جميعا ويدركون نادمين أن الحرب افتقار فادح للخيال كما يقول كافكا.