ستون سنة بعد الاستقلال: ماذا حقّق الجزائريون؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 18:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من البديهي أن تحقيق الاستقلال بعد حرب ضروس وتضحيات جسام هو في حد ذاته إنجاز عظيم يفتخر به كل جزائري حر. ولكن بعد مرور 60 سنة عن ذلك الانتصار التاريخي على الاستعمار الفرنسي وبغض النظر عن تلك الصراعات الدامية بين قيادات الثورة في صائفة 1962 من أجل الاستفراد بالحكم، فمن الضروري القيام بجرد عام وتثمين ما تحقق والتساؤل عما لم يتحقق وتحديد المسؤوليات. لقد آن الأوان لنجيب عن سؤال: الجزائر إلى أين؟ الذي طرحه سنة 1963 السيد محمد بوضياف أحد مفجري ورموز الثورة الجزائرية وقادتها والذي اغتيل سنة 1992 وهو على رأس الدولة. فإلى أين وصلت الجزائر المستقلة اليوم؟

لا أحد يستطيع ان ينكر المجهودات الكبيرة التي بُذلت في مجال محو الأمية في الجزائر، فلئن كانت نسبة الأمية منتشرة بشكل رهيب مع بداية الاستقلال إذ كان 85 بالمئة من الجزائريين والجزائريات لا يحسنون لا الكتابة ولا القراءة، ففي سنة 2020 لم تعد نسبة الأمية تتعدى بينهم 9 بالمئة فقط. أما نسبة التمدرس بين الأطفال الجزائريين فقد وصلت إلى 98 بالمئة. وهي نجاحات كبيرة جدا مقارنة مع محيط الجزائرالافريقي والعربي. وبغض النظر عن المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم في الجزائر المستقلة تنظيميا وبيداغوجيا، فالمدرسة والثانوية والجامعة هي في متناول الجميع، في القرى والصحاري والجبال والمدن.

وعلى الرغم من الحالة المزرية التي وصلت اليها المنظومة الصحية في السنوات الأخيرة، فمتوسط العمر في الجزائر قد قفز قفزة معتبرة فبينما كان لا يتعدى 47 سنة 1962 هو اليوم في حدود 78 سنة. وعلى تذبذب الخدمة في فصل الصيف على وجه الخصوص، فإن 98 بالمئة من التراب الوطني قد وصلته الكهرباء. كما يتوفر الغاز الطبيعي في 65 بالمئة من منازل الجزائريين. ولئن لم يتمكن قطاع البناء من مسايرة تزايد السكان الرهيب في الجزائر، فقد تم إسكان الملايين من الجزائريين وتتحدث بعض المصادر عن بناء حوالي 7 ملايين سكن منذ 1962. ولو أن الجودة في البناء واختيار الأماكن لم تكن موفقة في غالب الأحيان. ولو أن الاسمنت أكل الكثير من الأراضي الفلاحية. وليس هذا فحسب بل كونت الجزائر ألوف الأطباء والمهندسين والموسيقيين والرياضيين والفنانين عموما، من النساء والرجال على حد سواء. وفي الجزائر اليوم نخبة كبيرة من الكتاب والمفكرين ينال بعضهم الجوائز الأدبية، عربية ودولية.

في الحقيقة لم يستغل الجزائريون، لأسباب كثيرة معقدة، كل إمكانيات بلدهم الطبيعية والبشرية ولكن لا يمكن القول بأن السبورة كلها سوداء وأن لا شيء تحقق. ولكن ما يثير غضب الجزائريين ومما يزيد من حسرتهم هو اعتقادهم الراسخ بأن بلدهم، بما يملك من موارد طبيعية وتقنية معتبرة، كان قادرا على إنجاز أضعاف ما أنجز.

أما ما لم يحققه الجزائريون فهو قابل للتحقيق بناءً واعتمادا على ما تحقق لحد الآن بشرط أن تتجنب نخبتهم السياسية والإدارية كل العادات السلبية والخيارات الاستراتيجية الخاطئة. وعلى رأسها ذلك المنهج القديم في الحكم الذي لا يعير كبير اهتمام لمسألة أساسية هي التداول على السلطة واختيار الجزائري والجزائرية الأحسن لقيادة دواليب الدولة واقتصادها. ولا يكون ذلك سوى بطريقة واحدة وحيدة هي صناديق الاقتراع الشفافة.

ومن البديهي أن الذي عاق انتقال الجزائر من مرحلة الانجازات الكمية الى مرحلة الإنجاز النوعي هو غياب الحكم الراشد.. بكلمة واحدة لا تنمية مستدامة ولا تقدم حقيقي بدون انتهاج الديمقراطية كأسلوب حكم وحياة. ويشعر كل جزائري اليوم بأن بلده قد ضيع الكثير من فرص التقدم. ولكن ما ينبغي اليوم هو ليس البكاء عن الفرص الضائعة بل العمل على عدم تضييع الفرص في المستقبل. وأول الفرص التي لا يجب إهدارها بمناسبة ستينية الاستقلال هي: فتح الفضاء السياسي والإعلامي، إطلاق سجناء الرأي، استبعاد نهائي للمعالجة الأمنية للمشاكل، البدء في العمل على تكوين اقتصاد حقيقي بعيدا عن ريع المحروقات. بكلمة واحدة: تحرير الانسان بعد تحرير الأرض، تحرير الجزائري بعد تحرير الجزائر.