المأساة السورية في عامها العاشر


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المأساة السورية في مطلع عامها العاشر
في مثل هذا اليوم تكون المأساة السورية قد عاشت السنة التاسعة من عمرها لتبدأ عيش السنة العاشرة، وسورية وشعبها لا يزالان بلا مستقبل واضح المعالم، كما كان حالهما في السنة السابقة. مع ذلك فقد تغيرت أمور كثيرة خلال العام المنصرم سوف يكون لها تأثيرها على هذا المستقبل. وكما ذكرنا في مقالتنا السابقة بمناسبة انقضاء السنة الثامنة من عمر المأساة السورية نقول اليوم أنه من غير المجدي البحث في الأسباب بل التركيز على وضع نهاية لها، ليس تهربا من تحمل المسؤولية السياسية والفكرية كمعارض، بل من اجل تجنب تكرار كثير من الكلام الذي صار ممجوجا من قبيل: النظام هو المسؤول أولا وآخرا عن المأساة السورية منظورا إليها من زاوية المعارضة، او ان البلد تعرض لمؤامرة وحرب كونية منظورا إليها من زاوية النظام وموالاته. مع ذلك لا بد من التذكير بالقول المكرر ان قسما مهما من الشعب السوري انتفض نيابة عن أغلبه في سبيل مطالب محقة وعادلة فواجهته أجهزة النظام الأمنية بالقمع مما حول الانتفاضة من احتمال ان تصير ثورة إلى ازمة بنيوية مركبة شاركت أطراف عديدة محلية واقليمية ودولية في ازكاء النار تحتها، حتى كادت ان تذهب بالبلد والشعب إلى مهاوي التاريخ.
المجدي اليوم هو التركيز على المستقبل، وحتى هذا المستقبل لم يعد بيد السوريين بكامله للأسف، لقد خرج القرار الحاسم بشأنه من يدهم، وصار بيد القوى الأجنبية المتدخلة في الأزمة السورية، التي لم تعد ازمة داخلية بين معارضة ونظام، بل ازمة اقليمية ودولية، مما سوف يكون له تأثيره الأكيد على عملية الانتقال السياسي، وتحديد ملامح المستقبل. لقد تحولت قوى الانقسام الداخلي قوى النظام والمعارضات له إلى مجرد أدوات في لعبة الأمم، فهي لا تستطيع تقرير أي شيء بخصوص الأزمة عداك عن تقرير مستقبل الخروج منها، وشكل هذا المستقبل. وهي في حالة الأدوات فلا يزال كل طرف منها يحسب نفسه الأفضل لسورية وشعبها. فالنظام السوري المنتشي بانتصاراته الأخيرة بمساعدة حلفائه لا يزال يحسب نفسه يجسد مستقبل سورية الأفضل، وهو يتصرف على هذا الأساس فلا يقدم على أي تغيير جدي في بنيته، او في سياساته، أو في مواقفه من خصومه السياسيين.
من جهتها المعارضات السورية مختلفة، ومتباينة في رؤاها السياسية ومواقفها، وإن اغلب قواها بنى كل سياساته على أساس كره النظام ومؤيديه، ولذلك استسهل كثيرا لجوئه إلى العنف، وإلى الخيارات الاستبدادية تحت الراية الدينية المذهبية، التي لا تقل عداء للشعب عن النظام، بل أكثر عداءً خصوصا لجهة وحدة سورية وسيادة الدولة على كامل التراب السوري. بعض قوى المعارضة ليس لديها مشكلة حقيقية في اقتطاع أجزاء من سورية وضمها إلى تركيا، ولا ترى حرجا في زيارة الكيان الصهيوني وتلقي الدعم والمساندة منه.
كما ذكرنا حصلت متغيرات في مشهد الأزمة السورية خلال العام المنصرم من عمرها سوف يكون لها بلا شك دور وتأثير على مستقبل سورية. في العام الفائت استكمل النظام السوري إعادة سيطرته على مساحات كبيرة من سورية وكان آخرها في محافظة ادلب، كما انه انتشر على امتداد الحدود الشمالية لمحافظة الحسكة وعلى جزء من حدود محافظة الرقة مع تركيا. بدورها تركيا حافظت على تواجدها المؤثر في محافظة إدلب إضافة إلى تواجدها المهم في ريف الرقة الشمالي. وإذا كان دور كل من أمريكا وإيران قد تراجع بعض الشيء في العام المنصرم بسبب ازماتهما المستجدة فإن الدور الروسي تقدم ورسخ وجوده في المعادلة السورية كعامل حاسم ومقرر. مع ذلك لا تزال سورية مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ رئيسة منطقة النفوذ الروسي والإيراني ومنطقة النفوذ التركية ومنطقة النفوذ الأمريكية. المستجد في وضع مناطق النفوذ هذه ان التوازن القائم فيها اليوم مع مطلع العام العاشر من عمر الأزمة السورية لم يعد يسمح بنشوب معارك كبيرة، مما يفتح الباب على مصراعيه للحل السياسي، وهذا ما سوف يحصل في الغالب الأعم خلال العام الجاري. وإذا كان ذلك هو الاحتمال الأكبر فلا بد من طرح السؤال الآتي وهو: ما هي المطالب المتوقعة لكل طرف من الحل السياسي؟ فيما يخص النظام سوف يظل يعيق الحل السياسي حتى تجديد انتخاب الرئيس في عام 2021، واغلب الظن ان روسيا وإيران لا تعرضان ذلك. بعد انتخاب الرئيس وفق الأنظمة المرعية في البلد، قد يوافق على بعض التغييرات غير الجوهرية في بنيته، مع السماح بحياة سياسية محسوبة ذات هامش أوسع لحرية العمل السياسي. إيران بدورها سوف تؤيد النظام بقوة في خياراته، اما روسيا فهي المشكلة بالنسبة له. روسيا التي صار لها مصالح استراتيجية في البلد، فهي تبحث عن حوامل سياسية واجتماعية لهذه المصالح على المدى البعيد. وإذ تدرك جيداً ان النظام هو الأقدر على حماية هذه المصالح في المدى المنظور، لكنها في الوقت ذاته تعي حجم الإشكالية الداخلية والخارجية والأعباء السياسية التي يسببها لها، خصوصا في مرحلة إعادة الاعمار. من جهة أخرى فهي تتوجس خيفة من احتمال تهديد مصالحها في حال جاءت إلى السلطة قوى معارضة لها، لذلك هي تبحث عن مخارج دستورية لحماية هذه المصالح على المدى البعيد. المخرج الأكثر احتمالا هو دعم بقاء الأسد في الحكم حتى عام 2028، مع اجراء تعديلات دستورية تحول النظام السياسي إلى نظام خليط رئاسي برلماني يحوز على قبول الأطراف الإقليمية والدولية. في إطار هذا النظام سوف يكون محبذا من قبلها بقاء الرئيس في السلطة بعد عام 2028 في حال تم انتخابه وفق القواعد الجديدة المحتملة، او بديل من داخل النظام. من أجل دعم هكذا خيار تنشط روسيا لإعادة تعويم النظام عربيا كخطوة أولى مهمة، على طريق إعادة تعويمه دوليا.
فيما يخص تركيا لم يعد يشغل بالها اسقاط النظام، بل الوضع الكردي المستجد الذي يطالب ببعض حقوقه، فهي متوجسة من احتمال عقد صفقة بين الكرد والنظام يتم الاعتراف بموجبها بهذه الحقوق وفي مقدمتها القبول بشكل من اشكال الإدارة الذاتية (المحلية) مع احتفاظ قوات قسد في قوام الجيش السوري على خصوصيتها. ومع أن النظام حاول تطمين الجانب التركي بنكران وجود هكذا قضية، إلا أن الجانب التركي وكنوع من التحوط فهو يطالب بمنطقة أمنة بعمق 30 كم على طول حدوده مع سورية وهذا ما يتم التفاوض بشأنه مع الأتراك على المستوى الأمني بوساطة روسية. على الأرجح سوف يتم التفاهم على عمق هذه المنطقة الأمنة في إطار اتفاق أضنة بحيث يصل إلى ما بين عشرة إلى خمسة عشرة كم. من تعقيدات القضية الكردية انها ليست قضية سورية خالصة بل قضية إقليمية، وبالأخص قضية تركية، وهذا ما يعقد حلها كثيراً. يحاول الروس التعامل مع هذه القضية على مدى أطول نسبيا، تحت عنوان " حق تقرير المصير الثقافي "، بما يعني عمليا الاستجابة لحقوق الكرد ومن في حكمهم كهويات خاصة، في إطار قانون جديد للإدارة المحلية أقل من مستوى الإدارة الذاتية، واعلى مما يسمح به القانون 107.لقد أخطأ الكرد في تركيزهم على ما هو محلي خاص بهم، بدلا من التركيز على ما هو وطني والعمل على جذب القوى الوطنية الديمقراطية لتشكيل قطب معارض. إن التغيير الوطني الديمقراطي على مستوى المركز هو الشرط الضروري لحل القضية الكردية وغيرها من قضايا شبيهة في إطار وحدة سورية أرضا شعبا وسيادة الدولة على كامل الجغرافيا السورية.
فيما يتعلق بالوجود الأمريكي شرق الفرات من الخطأ الاعتقاد بأنه باق من أجل دعم حقوق الكرد، بل من أجل تأمين أمن إسرائيل، وذلك بخروج القوات الإيرانية من سورية. امريكا لا يمكن ان تخسر تركيا من أجل الاحتفاظ بعلاقات طويلة الأمد مع الكرد السورين، خصوصا وأنها تدرك مدى حساسية هذه المسألة بالنسبة لتركيا. أضف إلى ذلك فإن خلافها مع النظام السوري ليس دائما، بل كل الدلائل تفيد بأنها لن تمانع تعويمه عربيا ودوليا في سياق الحل السياسي الذي بات السلم الوحيد المتاح لتسهيل نزول اللاعبين في الشأن السوري من اعلى السلم الذي صعدوه خلال مراحل الأزمة السورية المختلفة، وإن نقطة ارتكاز هذا السلم هي اللجنة الدستورية.
خلال تسع السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية كانت النتائج كارثية على جميع السوريين، نظاما ومعارضات، وشعب وبلد، حتى بات السوريون يكفرون بالسياسة والسياسيين. وإذ تحسن المعارضات السورية بإعادة تقويم مواقفها السياسية على قاعدة الاعتراف بالهزيمة الشاملة لجميع السوريين وان تتحمل بكل جرأة قسطها من المسؤولية، وأن تركز خلال المرحلة القادمة على إنهاء حالة الحرب، والبدء بإعمار البلد، وعلى عودة اللاجئين السوريين، وعلى تأسيس المطالب السياسية على قاعدة ممكنات الواقع الراهن باعتبارها معارضة.