مصر تبحث عن دور لها في حل الأزمة السورية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6463 - 2020 / 1 / 12 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لفترة طويلة من عمر الأزمة السورية كانت تركيا وقطر لاعبين اقليميين رئيسين فيها، الأولى عن طريق المساهمة في تجنيد الجهاديين من جميع دول العالم، وتسليحهم، ودفعهم إلى داخل سورية للمشاركة في قتال القوات الحكومية وحلفائها، في حين تكفلت الثانية بتمويل جميع العمليات المصاحبة لذلك. أضف إلى ذلك عمدت تركيا وبدعم من قطر إلى السيطرة على المعارضة السياسية السورية، ففي اسطنبول تم تأسيس المجلس الوطني السوري كأول كيان سياسي للمعارضة في الخارج، وبعد أن استنفد اغراضه استبدل بالائتلاف الوطني السوري. ولا تزال حتى اليوم تحتفظ بدالة كبيرة وقوية على المعارضة السياسية السورية في الخارج، حتى بعد التدخل الروسي العسكري الحاسم في الأزمة السورية في خريف عام 2015 وتغيير موازين القوى في الميدان لصالح النظام السوري.
بدورهما مصر والسعودية لم يكونا بعيدتين عن الأزمة السورية، ففي السعودية تم عقد مؤتمرين للمعارضة السورية، رياض 1 ورياض2، لتوحيد المعارضة السورية، والمشاركة في المسار السياسي لحلها عبر مسار جنيف، وهي اليوم مقر لجنة التفاوض. مصر التي كان دورها في الأزمة هو الأقل شأنا بالمقارنة مع دور كل من تركيا وقطر والسعودية، مع ذلك ساهمت في عقد مؤتمرين للمعارضة السورية، في الأول، الذي عقد في صيف عام 2013 والذي شاركت فيه جميع فصائل المعارضة السورية المسلح منها والسياسي وصدر عنه وثيقتين مهمتين واحدة تتعلق بمبادئ دستورية، والثانية تتعلق بكيفية حل الأزمة سياسياً، اما المؤتمر الثاني(قاهرة2) الذي عقد في صيف عام 2015 والذي كان من المقرر ان تشارك فيه جميع قوى المعارضة السورية في الداخل والخارج، لكن عمليا اقتصرت المشاركة فيه على هيئة التنسيق، وبعض قوى المعارضة في الخارج، نتيجة لسوء الاعداد للمؤتمر، إضافة إلى عدم موافقة مصر على مشاركة بعض قوى المعارضة السورية مثل الاخوان المسلمين فيه. مع ذلك فقد صدر عن المؤتمر وثيقتين مهمتين الأولى تتعلق بالمبادئ ما فوق الدستورية، والثانية تتعلق بخارطة طريق مفصلة لكيفية تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 . لكن دور مصر في الأزمة السورية سرعان ما تم تهميشه منذ أن ابتكر الروس ما يسمى بمسار استانا، ولا حقا مسار سوتشي، بمشاركة كل من تركيا وايران . ومع أن أمريكا عمدت كنوع من الرد على النهج الروسي الجديد، إلى تشكيل ما يسمى بالمجموعة المصغرة التي تضم إلى جانب أمريكا وفرنسا وبريطانيا كلا من مصر والسعودية والأردن، لكن هذه المجموعة بقيت عمليا بلا فعالية بالمقارنة مع مجموعة مسار أستانا.
بطبيعة الحال ما كان ذلك ليرضي كلا من السعودية ومصر، خصوصا بعد تجاهل دورهما تقريبا في تشكيل اللجنة الدستورية الموسعة والصغيرة. ونظرا لتأزم العلاقات بين الدولتين من جهة وتركيا من جهة ثانية تحاول الدولتان من جديد استعادة دورهما في ملفات الأزمة السورية وتحجيم دور تركيا عبر بوابات المعارضة السورية. في هذا الاتجاه عمدت السعودية إلى دعوة عدد من المعارضين المستقلين لعقد مؤتمر لهم في الرياض منذ نحو شهر تقريبا لتشكيل جسم تنظيمي يكون مسؤولا عن اختيار ومشاركة المستقلين في هيئة التفاوض وفي اللجنة الدستورية. وبالفعل نتج عن المؤتمر "انتخاب" مجموعة جديدة من ممثلي المعارضة المستقلة لاستبدال تلك المجموعة المشاركة حاليا في لجنة التفاوض، والتي تحظى تركيا بنفوذ عليها. وبعد ان تنجز مصر ما هي عازمة عليه سوف تدعو السعودية إلى عقد مؤتمر رياض4 لإعادة تكوين لجنة التفاوض، وكذلك اللجنة الدستورية.
وبالعودة إلى مصر فها هي بدورها تعد لعقد مؤتمر جديد لبعض قوى المعارضة السورية، خصوصا تلك النشطة في الداخل السوري، وفي مقدمتها، وبصورة رئيسة، القوى المنضوية فيما يسمى الإدارة الذاتية، ومجلس سورية الديمقراطي. وإذ تنجح مصر في عقد هذا المؤتمر خلال الأيام القادمة، فهي تحقق من ذلك عدة اهداف. بداية تشكل خلفية واسعة لما بات يسمى بمنصة القاهرة بعد ان تخلى عنها أغلب من ساهم في مؤتمر "القاهرة 2" الذي انبثقت عنه المنصة. وتاليا فهي من خلال اشراك الكرد في المؤتمر وتقديمهم إلى واجهة المنصة تحجز لنفسها دورا مهما يمكنها ان تؤديه في مسار المفاوضات اللاحقة لحل الأزمة السورية. غير ان هذا المسعى المصري المدعوم سعوديا سوف يصطدم بمجموعة مسار استانا وسوتشي وخصوصا روسا وتركيا. من الصعوبة بمكان ان تتخلى روسيا عن دور تركيا، وهي تعلم مدى تأثيرها ونفوذها في اوساط ما تبقى من المعارضة المسلحة، إضافة إلى وجودها الفعلي المباشر على الأرض في منطقة عفرين وفي ريف الرقة الشمالي. ربما سوف تحاول روسيا استيعاب وتوظيف الدور المصري والسعودي من خلال مسار المفاوضات المرجحة بين القوى الكردية والحكومة السورية، والذي تعارضه تركيا بقوة، في حين تحتفظ روسيا لتركيا بدورها في مسار جنيف التفاوضي. بهذا المعنى يرتسم في الأفق مساران للعمل على حل الأزمة السورية وإذ تفعل روسيا ذلك فهي تستطيع المناورة والضغط على جميع الأطراف الاقليمية من خلال الميل إلى احد المسارين حينا وإلى المسار الثاني حينا آخر. لم يعد من الممكن تجاهل دور الكرد والقوى السياسية الأخرى المتحالفة معهم في إطاري مسد وقسد من قبل الأطراف الدولية الراعية سواء لمساري استانا وسوتشي او لمسار جنيف لحل الأزمة السورية بعد أن نجحو في القضاء على داعش في مناطق شرق الفرات، وبعد أن صار لديهم قوة تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية. في هذا السياق يأتي دور مصر المستجد لملاقاة طموح الكرد لأداء دور فاعل في حل الأزمة السورية والاستثمار فيه، من جهة ضد تركيا لإضعاف نفوذها في سورية، ومن جهة ثانية للعمل مع بقية الأطراف وخصوصا روسيا وأمريكا لوضع نهاية غير بعيدة للأزمة السورية . من المستبعد أن يقبل الكرد بوضع كل بيضهم في سلة مسار جنيف، او مسار أستانا وسوتشي، بعد أن ابعدتهم تركيا حتى الآن عنهما، ولذلك سوف يظلون يصرون على مسار المفاوضات الثنائية مع النظام. وبحسب بعض المعلومات فان مصر وربما السعودية تؤيدان الكرد في هذا المسعى الذي قد يشتغلان عليه بقوة لكي يصير المسار الوحيد المتاح في المستقبل غير البعيد، خصوصا وأنه يلاقي يعض القبول من قبل النظام وايران. لن يكون مفاجئا بالنسبة لنا إذا تقدم مسار دمشق على بقية المسارات من خلال عقد مؤتمر وطني لأغلب قوى المعارضة السورية الديمقراطية، وابعاد الاخوان المسلمين والقوى الجهادية المتطرفة عنه. يتوقف تقدم هذا المسار على اعادة العلاقات العربية مع دمشق وبصورة خاصة علاقات السعودية معها، وعلى استعادة سيطرة الجيش على محافظة ادلب بالكامل. وفي مجمل الأحوال والظروف لا تقدم في مسار الحل السياسي عبر مسار اللجنة الدستورية او غيرها من المسارات إلا بعد اعادة انتخاب الرئيس السوري لولايته الثانية في منتصف عام2021.