أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة















المزيد.....

أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5192 - 2016 / 6 / 13 - 15:39
المحور: الادب والفن
    


أنجزت المخرجة اليمنية خديجة السلامي 25 فيلمًا وثائقيًا قبل أن تبدأ العمل في فيلمها الروائي الأول الذي انضوى تحت عنوان "أنا نجوم بنت العاشرة ومُطلّقة" وقد حظي بإعجاب النقاد والمُشاهدين ونال العديد من الجوائز نذكر منها جائزة أفضل فيلم روائي في الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي، كما فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان زاكورة الدولي إضافة إلى جائزة الجمهور.
يُصنّف هذا الفيلم بأنه واقعي درامي لكنه يحمل أصداءً من السيرة الذاتية لكاتبة السيناريو والمخرجة خديجة السلامي التي وضعت أصبعها على الجُرح حينما انتقت موضوع زواج القاصرات وجعلت منه الثيمة المركزية لقصة الفيلم الذي عزّزته بثيمات أخر مثل الاغتصاب، والجهل، والعنف الأسري، والأعراف القديمة وما إلى ذلك. ربما لا تكفي الثيمة لوحدها لصناعة فيلم روائي ناجح، فهذا النمط من الأفلام يحتاج إلى سيناريو مُتقن ينطوي على "تمهيد Set up ومجابهة Confrontation وحلّ Resolution" كما يذهب المُنظِّر السينمائي الأميركي سِدْ فيلد. إنّ منْ يدقق في السيناريو الذي كتبتهُ خديجة السلامي سيجد أنه مكتوب على وفق الطريقة التي يدعو إليها فيلد على الرغم من أن مدة هذا الفيلم هي 96 دقيقة، وليس ساعتين كما هو الحال في المدة القياسية للفيلم الروائي الطويل.
في التمهيد نتعرّف على نجوم منذ الولادة حيث يناديها الجميع بهذا الاسم باستثناء الوالد الذي يصرّ على تسميتها بـ "نجود" كي لا يقع لها مكروه مستقبلاً، ومع ذلك فإن تميمة الاسم لم تحمِ العائلة من صروف الزمان، إذ تعرضت شقيقتها الكبرى إلى الاغتصاب وقلَب هذا الحادث المشين حياة العائلة رأسًا على عقب. ولم يعد بمقدورهم البقاء في قرية "البُن" الأمر الذي يدفعهم للرحيل إلى العاصمة حيث يواجهون ظروفًا معاشية قاسية تضطرهم لتزويج ابنتهم القاصرة نجوم وهي في سنتها العاشرة إلى رجل جاهل وعنيف يكبرها بعشرين عامًا ولا يتورع عن ضربها واستباحتها كل يوم. لعل حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها شقيقة نجوم الكبرى هي اللحظة الحاسمة Turning Point الأولى التي تعْلق في الذاكرة مثلما تعْلق في ذاكرة المُشاهد حادثة التزويج القسري لنجوم من رجل أميّ لم ينل حظه من الدراسة والتعليم كما أنه ضحية للعادات والتقاليد البالية التي لم يستطع الخروج من أُسارها فلاغرابة أن يقترن بفتاة صغيرة جدًا لم تغادر طفولتها بعد، بل أنها باعت خاتم الزوجية لتشتري دمية ناطقة تلعب بها، وتضعها إلى جوارها كلما ذهبت إلى النوم.
كانت نجوم تتصور أن الزواج هو فستان أبيض جميل، وحفل بهيج قد لا يتحقق إلاّ في قصص "ألف ليلة وليلة" ولم تكن تتصور أنه قد يتحول يتحول ذات يوم إلى سلسلة من الكوابيس الثقيلة التي تؤرقها كل ليلة وتضطرها للهروب من قساوة الزوج، وفظاظة العمّة لتجد نفسها بين أهلها وذويها الذين يحاولون إرجاعها بشتى الطرق، "فمن حق الزوج أن يفعل ما يشاء بزوجته" حسب التقاليد والأعراف الاجتماعية اليمنية التي تبدو للمُتابع البعيد أنها "مُخالفة للطبيعة البشرية" كما أن المجتمع اليمني يفتقر إلى قانون يحرِّم الزواج المبكر فلاغرابة في أن ترتفع جدًا نسبة زواج القاصرات في اليمن الأمر الذي يحرمهن من الدراسة، ويجبرهن على العمل في ظروف قاسية هي أقرب إلى الأشغال الشاقة التي يقوم بها السجناء ولعل العمل المُرهق الذي كانت تؤديه نجوم هو خير نموذج لمسخ الطفولة، وتحميل الأطفال أكثر من طاقتهم بكثير حيث كانت تنقل الماء في هوّة في واد سحيق إلى المنزل المشيّد فوق مرتفع شاهق، كما كانت تقوم بكل الواجبات المنزلية وهي لم تجتز عامها العاشر بعد!
ذات صباح تذهب لتشتري الخبز لكن زوجها كان يقف لها بالمرصاد فتهرب منه لتجد نفسها في قاعة محكمة يستمع فيها القاضي إلى شكاوى المواطنين المتعددة ومن بينهم نساء مطلقات، ومعنّفات وقاصرات. وحينما رُفعت الجلسة غادر الجميعُ القاعةَ باستثناء نجوم التي روت حكايتها المعقدة للقاضي ووعدها أن ينظر في قضيتها بعد يومين. وبما أنها مشردة ولا بيت لها فقد أخذها القاضي معه إلى المنزل لتكتشف نمطًا آخر من الحياة لم تألفه من قبل. فابنة القاضي متعلمة، وتذهب إلى المدرسة يوميًا، وتعيش في بيت وثير الأمر الذي يزيدها إصرارًا على طلب الطلاق، والعودة إلى حضن الحياة الطبيعية لمن هو في سنها.
لا يتردد القاضي في إصدار مذكرة القبض على زوجها وأبيها لتبدأ اللحظة الحاسمة الثانية في القصة السينمائية التي تكشف أن الأب والزوج ليسا متوحشَين وإنما جاهلَين لا يعرفان من الحياة شيئًا. فالأب أميّ ولا يعرف عمر ابنته. ويستمد معرفته من الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي لا تجد ضيرًا في تزويج الفتيات القاصرات دون سن الثامنة عشرة، بل أن هناك أطفال يمنيات تزوجنَ في سن الثامنة بحجة "زوّجوهن في الثمان وعليّ الضمان" وقد سبق لبعض الفتيات الصغيرات أن مُتنَ في ليلة الزواج لأنهن لسنَ مؤهلات للزواج بدنيًا أو نفسيًا. ومثلما انتقد الفيلم في ثيمة فرعية فعل الاغتصاب، تعود كاتبة السيناريو لتنتقد في ثيمة فرعية أخرى فكرة هيمنة العقلية العشائرية التي تتدخل في كل شيئ تقريبًا وقد رأينا في هذا الفيلم كيف جاء شيخ القبيلة ومعه بضعة رجال مدججين بالسلاح اقتحموا صالة المحكمة وتركوا شيخهم يتهدد ويتوعد بينما كان القاضي يمتصّ انفعاله وغضبه حتى هدأ هذا الأخير وبدأ ينصت لحديث القاضي والمحامية التي تبنت الدفاع عن قضية موكلتها القاصرة نجوم. وحينما يشرح القاضي أبعاد الجريمة التي ارتكبها المتهم بزواجه من قاصر واستباحتها وهي لم تبلغ سن الرشد بعد يقتنع الشيخ ويأمر الزوج بتطليقها في الحال لتنتهي القصة نهاية إيجابية أثلجت قلوب المشاهدين وكأن الجميع قد انتصر في هذه القضية الشخصية التي تحولت إلى قضية رأي عام لا يخص نجوم وزوجها الجاهل الذي لم تَدُنْهُ مؤلفة النص ومخرجتهُ، كما لم تَدُن الأب ولم تصفهم بالوحوش الشرسة وإنما بالجهلاء، الأميين، الذين يحتاجون إلى علم، ومعرفة، وسلوك إنساني متحضر.
ربما يكون المشهد الختامي هو من أجمل مشاهد الفيلم برمتها ونحن نرى نجوم في طريقها إلى المدرسة حيث تلتقي بابنة القاضي بعد أن تخلصت من سجن الزوجية لتعود حرة، طليقة، تستمتع بطفولتها، وتنهل العلم والمعرفة مثل بقية أقرانها، وقد شكلّ طلاقها سابقة لم يعرفها اليمن من قبل.
لقد تُوِّجت النهاية السعيدة بأغنية "لا للزواج المبكر" ذات الإيقاع الجميل الذي منح الفيلم أبعادًا دلالية مُعبِّرة لا تُغادر ذاكرة المتلقي بسهولة. لابد من الإشادة بدور نجوم الذي أدّته الطفلة رهام محمد وكان مُقنعًا إلى حدٍ كبير، كما نجح بقية الممثلين في تجسيد الأدوار التي أسندت إليهم.
لا يمكن إغفال روعة التصوير الذي تبناه فكتور كريدي، وسلاسة مونتاج أليكس لأرديو، وجمالية موسيقيى تيري ديفيد. أما السيناريو فهو العصب النابض في هذا الفيلم الذي استوحت الكاتبة فكرته من قصة نجود علي الأهدل وهي أصغر مطلّقة في اليمن، كما أفادت من تجربتها الشخصية في الزواج المبكر الذي تخلصت من أساره وتداعياته النفسية والجسدية على حدٍ سواء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مائة سنة على الحملة البريطانية على بلاد ما بين النهرين (2-2)
- مائة سنة على الحملة البريطانية على بلاد ما بين النهرين (1-2)
- التشكيلي سعدي داود. . . ثيمات عراقية بتقنيات واقعية تعبيرية
- هنا يكمن الفراغ. . . ترجمة سلسة لا تخلو من بعض الهَنَوات
- العثور على أبي في بلاد ما بين النهرين
- في مرآة الحرف . . . نصوص عضوية في أحسن تقويم
- كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح
- سبي النساء الإيزيديات بصيغة وثائقية
- وجوه بصرية مألوفة رسخت في ذاكرة الناس (3-3)
- وجوه بصرية: سيرة مدينة بين التقريض والنقد اللاذع (2-3)
- وجوه بصرية: الذات والموضوع في رباعيات الشاعر حسن البياتي (1- ...
- رسائل ثقافية متبادلة بين الشاعر حسن البياني وبين أدباء آخرين
- العيون السود ومتلازمة الخوف والانكسار
- قراءة في رواية التيه والزيتون
- التيه الفلسطيني ومأزق البحث عن الهوية
- قراءات نقدية في شعر حسن البياتي ومؤلفاته وتراجمه على مدى ستة ...
- 50 كاتبًا عراقيًا وعربيًا يشيدون بأشعار حسن البياتي وتراجمه
- تحطيم الحدود الفاصلة بين الروائي والوثائقي في فيلم (صدمة)
- نظرة أدبية ونهج جديد في فهم النص القرآني
- دور المنظورية في تفسير سورتي (عمّ والتكوير) لصلاح نيازي


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة