أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التشكيلي سعدي داود. . . ثيمات عراقية بتقنيات واقعية تعبيرية















المزيد.....

التشكيلي سعدي داود. . . ثيمات عراقية بتقنيات واقعية تعبيرية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5185 - 2016 / 6 / 6 - 10:49
المحور: الادب والفن
    


نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن معرضًا شخصيًا للفنان التشكيلي العراقي سعدي داود، وقد ضمّ المعرض 29 لوحة مختلفة الأحجام، ومنفذّة بالزيت على الكانفاس وبعض السطوح الخشبية. وقد خلت اللوحات جميعها من التسميات مثلما ظل المعرض نفسه مُجردًا من العنوان. وحينما تستفسر من الفنان عن السبب يجيبك بأنه كان يفكر بتسمية هذا المعرض بـ "عكَد الهوى"، وهو أحد الأحياء المعروفة بمدينة الناصرية ولكنه كان يخشى من سوء التأويل لذلك آثر تجريد المعرض ولوحاته من العنونة والتسميات.
يُعيدنا سعدي داود، في كل معرض شخصي أو جماعي، إلى سؤال قديم جديد مفاده: هل يمتلك الفن التشكيلي في العراق هُوية عراقية أم أنه ينتمي إلى الغرب جملة وتفصيلا؟ ومع أن شريحة واسعة من النقّاد والفنانين التشكيليين العراقيين أنفسهم يقرّون بأن مرجعية الفن التشكيلي في العراق غربية وحجتهم في ذلك أن غالبية الفنانين التشكيليين العراقيين يتبِّعون التيارات والمدارس والتقنيات الأوروبية والعالمية، وليس هناك ما يعزّز الخصوصية العراقية لهذا الفن القادم من وراء البحار.
وعلى الرغم من هيمنة المذاهب والاتجاهات الأوروبية على حيّزٍ كبير من المنجز التشكيلي العراقي إلا أن هناك العديد من الفنانين الذين يصرّون على طبع منجزهم التشكيلي بطابع عراقي خالص على صعيد الثيمات في الأقل أمثال فيصل لعيبي، سعدي داود، شاكر الآلوسي، مصطفى كريم علوان وسواهم من التشكيليين العراقيين الذين يسعون لخلق هوية عراقية لهذا الفن البَصَري الذي يبدو عصيًا على الترويض وميًالاً للتلاقح مع المدارس الفنية العالمية.
يبدو أن موهبة الرسم لدى سعدي فطرية وقد ساعد في تحفيزها ونمّوها أول الأمر شقيقه الأكبر الرسّام هادي داود لكن دور أساتذته في معهد الفنون الجميلة ببغداد كان حاسمًا وَوَضَعَهُ في المسار الحِرفي الصحيح الذي يؤهله لأن يُنجز عمله الفني بتقنيات مُرهَفة تغري المتلقي وتجذبه إلى ثيماتها البسيطة المتواضعة التي تراهن على البناء المعماري للعمل الفني، وتعوّل كثيرًا على عنصر الإدهاش الكامن في قوّة الألوان وتناسقها من جهة، وفي تضادها وتضاربها من جهة أخرى.
أقام سعدي داود العديد من المعارض الشخصية وهو يتنقل بين بغداد وعمّان وباريس وأمستردام قبل أن يستقر بلندن نهائيًا. وكانت كل هذه المعارض تنصبّ في إطار مشروعه الخاص الذي يتعلق بالموروث الشعبي في جنوب العراق، وربما أخذت الأهوار حصة الأسد من اهتمامه التشكيلي حيث تعيّن في تلك المضارب وعايشها من كثب لسنواتٍ طوالا. فهو يرسم عن خبرة، وتجربة، ومشاهدة يومية لطبيعة الحياة الآسرة والمفعمة بالهدوء والسكينة.
لقد أضاف سعدي داود معطيات جديدة إلى ذاكرته وعقله الباطن على حدٍ سواء فأصبحت صور الأهوار ومَشاهدها امتدادًا طبيعيًا لذاكرة الطفولة ومخزون الصبا والشباب ولا يجد حرجًا الآن في أن يستدعي هذه الصور ليشتغل عليها من جديد في عمله الفني الذي يتسيّد فيه الشكل على المضمون.
تعتمد البنية المعمارية للوحة على خطوطها، وألوانها، وشبكة علاقاتها الداخلية التي تُقدِّم في خاتمة المطاف وحداتٍ بصريةً متوازنة تعكس ثيمة العمل مهما كانت بسيطة ومتواضعة فهي ليست موضعًا للرهان وإنما هي عنصر مؤازر للخط واللون والبناء المعماري الفني. وبما أن سعدي داود ينتمي إلى تيار الواقعية التعبيرية التي تجمع بين تصوير الموضوعات كما هي عليه على أرض الواقع، والتعبير عن مشاعره وأحاسيسه في ذروة توتره في أثناء عملية الخلق الفني فلابد من الانتباه إلى ذات الفنان المنفعلة التي تحاول أن تغيّر في بعض النسب والمقاسات التي اعتدنا عليها في الأشكال البشرية والحيوانية، ولعلنا نشير هنا إلى العيون السومرية الواسعة لمعظم شخصياته إن لم نقل كلها، فقد بدت أكبر من النِسب الطبيعية للعيون البشرية المتعارف عليها. كما ينبغي التركيز على الرموز التي خلقها الفنان اعتمادًا على ثقافته الخاصة، ورؤيته الفنية، ويستطيع المتلقي العادي أن يحدِّد على وجه السرعة بضعة رموز فالرأس يمثل الإنسان، وطائر السنونو يرمز إلى الضمير، والهلال يحيل إلى الغجري عازف الربابة، أما القط والديك فكلاهما يمثل العنصر الذكوري الذي يحضر بقوة في غياب الرجل الذي تتلقفه الجبهات والحروب أو تغيّبه السجون والمعتقلات. وربما تكون اللوحة المخطوط على جانبها الأعلى الأيمن عبارة "نوم العوافي" هي خير مثال لما نذهب إليه في غياب الرجل لأي سبب من الأسباب وحضور الديك بوصفه عنصرًا ذكوريًا قد لا يعوِّض عن الغياب ولكنه يخفف من وطأته في الأقل.
يستحضر رجل الجنوب عبر خياله السمعي صورًا عديدة للمرأة العراقية التي تُطل في ذاكرته بقوامها المغري، وأناقتها المفرطة سواء أكان جالسًا في المقهى، أم متوحدًا في بيته القصبي، أم مُسترجِعًا لذكريات التي تلاشت في الماضي البعيد. ثمة لوحات تفوح منها رائحة الحنّاء والطين والقصب والبردي، وثمة لوحات أخرى تكاد تشمّ منها رائحة الدخان المتصاعد من تنّور مثبّت على "جباشة" عائمة في قلب الهور.
لا يبتعد سعدي داود من عالم الأهوار كثيرًا، وإذا انتقل مصادفة إلى الناصرية أو البلدات الصغيرة التابعة لها فإنه لا يغادر الموروث الشعبي الذي تشرّب في ذاكرته واستقرّ في مخيلته البصرية فلا عجب في أن يرسم البساط، والسجّادة، والكرسي، والأريكة، وخزانة الملابس، وكوز الماء، وما إلى ذلك من "فيكَرات" مألوفة ترتبط بالماضي الذي ينأى يومًا بعد يوم لكنه يبقى الفضاء الأمثل لسعدي داود وفردوسه الضائع الذي يعود إليه كلما شدّه الحنين وأوجعته المنافي البعيدة.
نخلص إلى القول إن الأعمال الفنية لسعدي داود هي عراقية صرف من حيث الثيمة والزمان والمكان والحدث والشخصيات لكن التقنيات المستعملة في تنفيذها هي أوروبية بإمتياز الأمر الذي يبقيها في إطارها العراقي الخالص من حيث الرؤية الفنية، والموضوع وإن اشتطّت المقاربة الأسلوبية لتلوذ بالواقعية التعبيرية التي يُحبِّذها الفنان سعدي داود ويستطيع بواسطتها أن يُنجز مشروعه الفني الأصيل الذي ينتمي إلى الجنوب العراقي تحديدًا ويحيل إليه مُستغنيًا عن كل الفضاءات الفنية الأخر التي تكتظ بها أرجاء المعمورة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا يكمن الفراغ. . . ترجمة سلسة لا تخلو من بعض الهَنَوات
- العثور على أبي في بلاد ما بين النهرين
- في مرآة الحرف . . . نصوص عضوية في أحسن تقويم
- كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح
- سبي النساء الإيزيديات بصيغة وثائقية
- وجوه بصرية مألوفة رسخت في ذاكرة الناس (3-3)
- وجوه بصرية: سيرة مدينة بين التقريض والنقد اللاذع (2-3)
- وجوه بصرية: الذات والموضوع في رباعيات الشاعر حسن البياتي (1- ...
- رسائل ثقافية متبادلة بين الشاعر حسن البياني وبين أدباء آخرين
- العيون السود ومتلازمة الخوف والانكسار
- قراءة في رواية التيه والزيتون
- التيه الفلسطيني ومأزق البحث عن الهوية
- قراءات نقدية في شعر حسن البياتي ومؤلفاته وتراجمه على مدى ستة ...
- 50 كاتبًا عراقيًا وعربيًا يشيدون بأشعار حسن البياتي وتراجمه
- تحطيم الحدود الفاصلة بين الروائي والوثائقي في فيلم (صدمة)
- نظرة أدبية ونهج جديد في فهم النص القرآني
- دور المنظورية في تفسير سورتي (عمّ والتكوير) لصلاح نيازي
- من تقنيات التأليف والترجمة لصلاح نيازي
- شتاءٌ مُلتهب: معركة أوكرانيا من أجل الحرية
- عُطارد وحكاية الخلود في الجحيم الأبدي


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التشكيلي سعدي داود. . . ثيمات عراقية بتقنيات واقعية تعبيرية