أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - عجائب ثقافية














المزيد.....

عجائب ثقافية


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 1910 - 2007 / 5 / 9 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


قال الشاعر أبو محمد بن عبد الله البكري ، وهو شاعر أندلسي:
أما الوَراقَةُ فهي أنكدُ حِرفــــةٍ أوراقها وثمارهُا الحرمـــانُ
شبهتُ صاحبَها بصاحبِ إبـــرةٍ تكسو العراةَ وجسمهـا عريانُ
إن تشبيه الشاعر للكتاب والمثقفين بالإبرة التي تظل عارية على الرغم من أنها تمضي حياتها في صنع الكساء، يُعتبر أروعَ التشبيهات .
إن حرفة الكتابة أو صناعة الكساء التي امتهنها المثقفون والكتاب منذ فجر التاريخ حرفةٌ مقدسة ، وقد ظلت هذه المهنة على مرّ التاريخ مهنة تجلب [ الحظوة] أكثر مما تجلب [ الثروة] واستمرّ كثيرٌ من الكتاب والمثقفين يفخرون بفقرهم ويعتبرونه دافعا من دوافع الإبداع ، وكانوا يقنعون ويلتذون وهم يشاهدون آثار نسيجهم الثقافي على مجتمعهم ، وكانت سعادتهم تلك لا تعادلها سعادة .
غير أن كثيرا منهم قد تعرض للاضطهاد والحرمان حتى من لقمة الخبز ،كما تعرض أبو حيان التوحيدي الذي شكا من أنه لا ينال كفايته من الطعام على الرغم من نسخه وحسن تجويده ، وقد أوصله فقره إلى وأد كتبه وإحراقها قائلا : " والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك " وأسمى حرفة الكتابة [ حرفة الشؤم] !
كانت بداية تحول الأمم من الجهالة إلى النور والحضارة تمرّ عبر [ إبرة] كتابها ومثقفيها ، وأدركت كثير من الدول بأنها إذا نجحت في استخراج الزبدة الثقافية ، فإنها تضع قدمها على سلم الرقي والتطور
ومن يقرأ تاريخ الدول المتقدمة حديثا يدرك مدى استفادتها من المسيرة الثقافية خلال تاريخها الطويل ، فكتاب تاريخ الحضارة لول ديورانت يلخص مسيرة الحضارة ، وكيف أوصلت عربة الثقافة المجتمع الأوروبي إلى محطات التطور .
فالكتاب يسرد قصة المغامرات الثقافية التي أشرف عليها أربعةٌ من كبار المثقفين (بكسر القاف وفتحها ) وهم المفكر والفيلسوف ..دلامبير.. وفولتير.. وديدرو.. وروسو يصف الكتاب كيف توفقوا على إصدار [ الموسوعة الثقافية] باللغة الفرنسية في بدايات القرن الثامن عشر ، وكيف تعرضوا وهم يكتبون عن الفلسفة والثقافة والعلوم الزراعية والصناعية في الموسوعة إلى اضطهاد الظلاميين .
لدرجة أن دلامبير اعتزل الكتابة في الموسوعة بعد أن اتهم كتابها بالخروج عن تعاليم الدين المسيحي ، مما جعل فرنسا تصدرعام 1759م أمرا بحظر الموسوعة ، وسُجن بطلُها الأول (ديدرو) فقرر روسو أن يشاركه سجنه .يومها قال ديدرو لدلامبير : آه كم فرح الظلاميون باعتزالك الكتابة في الموسوعة !
وظهر في الفترة نفسها بعض من يمتهنون مهنة [ التنقيب] عن مدلولات الألفاظ بدون أن يفهموا الغاية الكبرى ، فظهر الظلامي [ جان مارتن] وكتب مقالا بعد ظهور الجزء الثاني من الموسوعة يقول :
الموسوعة هجومٌ [ ماكرٌ] على العقيدة ، فحظر بيعها ، وطالب كثيرون بإعدام كل المفكرين الذين شاركوا في إعدادها !
يحفظ التاريخ أن العرب لم يحظروا نشر الكتب ، ولم تكن ظاهرة [ تفتيش] مدلولات الألفاظ شائعة عندهم ، على الرغم من ظهور حالات معينة أشار إليها الأستاذ [فيليب حتي] في كتابه تاريخ العرب حين قال :
اعترض بعض الكتاب العرب على ترجمة التراث الفلسفي اليوناني ، واعتبر بعض الظلاميين أن ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية مؤامرة على الإسلام والمسلمين ، قادها الزنادقة الفرس من آل برمك فأورد قول السيوطي نقلا عن الشيخ نصر الدين المقدسي في كتابه الحجة في تاريخ المحجة قوله :
"" قامت دولة بني العباس على الفرس ممن كانوا يضمرون الكفر ، فقاموا بترجمة الكتب اليونانية إلى العربية ، وشاعت في أيدي المسلمين ، وكان يحيى البرمكي وراء تلك المؤامرة بالاتفاق مع إمبراطور الروم فأراد إمبراطور الروم إفساد المسلمين فقال : ابعثوا بالكتب إليهم ، واسألوهم ألا يردوها ، فيبتلون بها ، ونسلم نحن من شرها "
ودحض الكاتب ذلك مؤكدا بأن خلفاء المسلمين كالرشيد والأمين والمأمون كانوا يشترطون على المهزومين في المعارك أن يسلموا ما لديهم من مخطوطات لم تترجم إلى العربية ، وهذا يشير إلى مصدر قوة الأمة العربية وعظمتها الحضارية في ذلك الزمن !
غرائب ثقافية
بمناسبة اليوم العالمي لحفظ حقوق التأليف يوم 23 إبريل من كل عام ، وهو يوم وفاة شكسبير ، يشهد العالم العربي حركة مضادة هدفها إزاحة المفكرين المثقفين بحجة أنهم ( مهرطقون) وذلك باقتطاع الألفاظ ومحاكمتهم وفق مدلولاتها اللغوية ووفق النيات . وقد ظهرت في العالم العربي فئةٌ ممن يرتزقون على مطاردة مدلولات الألفاظ في الكتب والمؤلفات ، هدفهم النهائي إعادة أمة العرب إلى جهالتهم الأولى .
ومن الغرائب أيضا أن العالم العربي ما يزال مشغولا [ بمطاردة] آخر المفكرين العرب وقتلهم بطرق شتى ، إما بإفقارهم وعدم تطبيق حقوق المؤلف ، وإما بطردهم وتطبيق [ حد الردة] عليهم ليلجؤوا إلى العالم المتحضر ، وإما بتهديدهم بالقتل والتصفية ! ومن الأمثلة على مطاردة بعضهم للمفردات والألفاظ:
احذر أن ترد لمن يشكرك الشكر بالشكر ، بل قل له: أعوذ بالله " الشكر فقط لله!"
واحذر أن تقول: ما أجمل الوردة ! "فالجمال فقط لله وحده"
على الرغم من أن الشكر والإحساس بالجمال لا يتعارض مع الإيمان ، بل إنه يعزز الإيمان.
وعرضتُ في مقال سابق قول الكاتب والمفكر أحمد أمين في كتاب حياتي : أن الأزهريين احتجوا على تسمية [ علم الطبيعة] واستبدلوا التسمية بتسمية أخرى وهى : " العلم الذي يعرف به خواص الأشياء" والسبب في تغيير علم الطبيعة أنهم كانوا يحفظون بيتا من الشعر (طبعا لا علاقة له باسم علم الطبيعة ) يقول البيت:
من قال بالطبع أو بالعلةِ ... فذاك كفرٌ عند أهل الملةِ !
وعلى الرغم من أن ألفيتنا الثالثة جعلت العالم كله متلاصقا ومتقاربا ومتحدا في أنماط السلوك والعادات وحتى في مجال اللغات فقد تقاربت اللغات وتشابهت في كثير من المصطلحات وازدهرت البعثات التعليمية والشهادات الأكاديمية من كل لغات العالم ، إلا أن حركة الترجمة ترقد في غرفة الإنعاش والعناية المركزة في العالم العربي فهل هذه مصادفة أم مؤامرة ؟!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد الفرز ... والحراسات
- ابتسم .. أنت في غزة
- وجادلهم ..... بالمتفجرات
- علاقة الأحزاب الفلسطينية بمنظمات المجتمع المدني
- هل الإحباط مرض عربيٌ ؟
- هل أنظمة الاختبارات التقليدية إرهاب ؟
- المرأة بين الحقيقة والخيال
- المبدعون قرون استشعار
- إحراق الكتب في فلسطين


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - عجائب ثقافية