أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نادر قريط - حكاية مع الماغوط














المزيد.....

حكاية مع الماغوط


نادر قريط

الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 06:28
المحور: سيرة ذاتية
    


قبيل انعطاف الألفية، وبينما كانت طائرات الناتو (تنشر الديمقراطية) في بلاد الصرب، التقيته في مدينة (ليالي الأنس)... الماغوط بلحمه وشحمه وعينيه الزرقاوين، وصوته الأجش، ووشم الغزال(البدائي) علي يده، ومحفظته الجلدية التي تأبطها كتلميذ...ومثل باقي النكرات في هذا العالم، عرفته بنفسي، فلمحت في وجهه انزعاجا وتململا..مما اضطرني إلي تقديم شهادة خلوّ من الأمراض السارية (الإخوان) وكذلك براءة من إفك (جماعات حقوق الإنسان المشاغبة) كي أهدئ من روعه !! لا أنكر أنها طريق وعرة، تلك التي بدأت..فما هكذا يكون رثاء الشعراء؟ لكن ما العمل إذا كنت مملوكا بإرادة الفوضي واللا أدرية...وقول كل مالا تحمد عقباه؟ ما العمل إذا كانت الذكري قد حفرت في مخيّلتي، كالحروف المسمارية....هذه هي الحقيقة العارية التي رأيت.... فالشاعر بدا لي مسكونا بالريبة والتوجس..لكنه كأي شاميّ حاذق (لا يرمي كل الجمرات بل يحتفظ بإحداها بين ملابسه، أملا في صفقة ما مع إبليس) وكانت الصفقة، وأصبحت ضمن ثلة ضيقة أحاطت به، ورافقته كعكازه الذي يتكيء عليه.
خلال تلك الأيام المعدودات، كنت أذهب يوميا لاصطحابه هنا وهناك.. قال لي: لا أحب الطبيعة والغابات ولا الجبال، لأنها غبية بكماء.. أفضّل الأرصفة المكتظة بالناس... وقال أمام الجمهور: أدونيس... هو عديلي علي مضض..لكنه أضاف (فيما بعد) أحب فيه روحه الكريمة وثابته ومتحوله (حتي وإن كان مدعوما من الفاتيكان!!)
في إحدي الأماسي، لبي دعوة أقامها علي شرفه بعض السفراء العرب، بحضور الكاتب المنفي نصر حامد أبو زيد، ويبدو أن السهرة لم ترق له..فعاد إلي عش (الصعاليك) حيث أكمل السهرة بالتندر علي أحد السفراء (كان للصدفة شاعرا لوذعيا، دوّخه بما فاضت قريحته من قصائد عصماء)....وكما أسلفت، كان الماغوط متوترا مرتابا ومتوجساً، كقروي يدخل مدينة لأوّل مرة..وما أثار دهشتي نفوره من المعارضة...لماذا لا تعودون إلي الوطن؟يهمس أحيانا: هل هؤلاء من الإخوان؟ في الحقيقة لم أكن أتخيّل أن شاعرا بقامته، يخشي عاقبة الأمور، واحمرار عيون الدولة وغضبها عليه.. وكأنه يقول إن بلادنا المحكومة بطارئ القوانين قد لا ترحم شيخوختي !!! فهمت ذلك، لكن الذي أثار حزني فيما بعد نصّه الذي تعرض لذكر مدينة فيينا، وكيف أن المظاهرة الوحيدة التي شارك فيها (سهوا)، ورقص، ولوّح بعصاه، كانت مؤيّدة لأمريكا، مما اضطره في اليوم التالي لمغادرة تلك المدينة؟؟؟؟في هذا النص تحوّل الماغوط إلي(أبو سيّاف الزهور)...لأن المظاهرة التي شاركته فيها (مع صديق كردي) حدثت بالفعل أمام الهوفبورغ (المقر الإمبراطوري السابق لعائلة الهابسبورغ الشهيرة) وبالفعل لوّح الماغوط بعصاه، وسط حشد من الصرب..الذين رفعوا أعلام بلادهم، احتجاجا علي قصف الناتو...بعد هذا الرثاء (المفعم بقلة الوفاء والحياء) أعود لألملم الموضوع !! فالماغوط ليس بحاجة لشهادتي، لأنه كقمم الجبال التي لا يمكن أن تحجبها أصابع اليد...يكفيه أنه روّض النثر العربي وصيّره شعرا..يكفيه أنه حوّل الحياة المنقوعة بالحزن والجوع إلي صور مدهشة..وسالت لغته كصمغ الأشجار الاستوائية...الشاعر الذي خان وطنه (في مجموعته سأخون وطني) فقلده الناس أرفع الأوسمة..إنه تلك الروح المشاكسة، التي تبحث في ركام البؤس والهزيمة، عن صدمة شعرية فذة...وترسم علي الورق دخان البيوت، والارصفة والشوارع، والسعال والبصاق، كوطن هائم يتسع للخبز والكرامة والحرية....وفي أتعس نوباته الشعرية، تراه يقود جموع البؤساء في عالمنا العربي، ويضع قدمه علي قبر بلفور، شاكيا من المحرقة العربية، ومطالبا بوطن قومي (وإن كان علي مزبلة)....هذا هو الماغوط كما في حياته وأدبه، رجل يكره المنطق والجدل، فتراه يغرف صوره وأحلامه من هارفرد (الرصيف) وسوربون (السجن)، هناك صقل موهبته في إبداع الصورة (التي كانت دوما سر أصالته)....هو الذي وصف العجز بخنفساء مقلوبة علي ظهرها..وشبه الهزيمة بجيش يجلس القرفصاء...هو من طالب الغيوم بالرحيل، فأرصفتنا ليست جديرة (حتي بالوحل).........كان يرتدي البيجاما، ويدور في تلك الشقة الصغيرة..علي الطاولة وضع صحنا، فيه بعض قطع الطماطم، وفي يده كأس مترعة دائما وأبدا، وبين أصابعه سيكارة تكاد لا تنطفئ.. وقبيل الخروج، تعّود أن يقف أمام المرآة، وينظر مليا في هيئته، ويوازن قبعته... قال له مضيفه: هذه جاكيت من الحرير الخالص (قدمت له هدية).. أجابه: أنا أفضّل الجنفيص الخالص..صديقي التونسي لم يفهم ما قصده، فتطوعت مترجما (الجنفيص، من خيوط القنب، تصنع منه الأكياس)........ومما لا ينسي أبدا، علاقته الغريبة برجال الدين، فهو لا يخفي مقته للحكم الديني (مع العسكر يمكنك أن تشرب كأساً وتتفاهم، مع رجال الدين لا كأس ولا تفاهم). وأضاف: في إحدي المرات، دعيت لحضور مهرجان انتخابي (حضره لفيف من الوجهاء) وكان من سوء طالعي أن أجلس بجانب مفتي الجمهورية، الذي لم يخف تبرمه وتأففه...باغتني بعد برهة قائلا: سمعت أن شاعرنا أصبح يثقل في الشراب...أجبته: أجل...حتي استطيع انتخاب هذه الوجوه المقيتة... ولن أنسي القصة التي ذكرها أكثر من مرة، ومفادها أن إحدي المحطات (لا أدري إذاعية أم تلفزية) اتصلت به مهنئة إياه بحلول شهر رمضان.... وعندما سألته المذيعة، عما يفعله الشاعر الكبير في هذا الشهر الفضيل. اجابها: (عم بسكر) أي أشرب الخمرة، مما سبب قطع المقابلة... أضاف: قطعوا الخط، ولم يعتذروا...عمي بقلبهم...هل يريدون أن أكذب عليهم؟؟ ولا أدري إن كنت قد كذبت عليكم؟؟؟



#نادر_قريط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة نادر قريط في مؤتمر الأغلبيات في الشرق الأوسط !!
- حول تطبيق الشريعة الإسلامية في ألمانيا
- من قتل رفيق الحريري؟
- لمن لا يهمه الأمر
- ياصابرين ...للصبر حدود
- ظاهرة اللسان الداشر
- ( أمة إقرأ ) عليها السلام
- العراق وكوميديا اللغة
- اللغة واللغو
- وفاء سلطان..مطرقة من خشب
- الصورة وإعدام الكلمات
- المطأطئون وذهب رغد
- رسالة إلى حسن نصرالله..إعدام صدام مصيدة
- وداعا صدام!!
- هرطقات أبو سفيان 2
- هرطقات أبو سفيان
- أسئلة في لوح بابلي؟


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نادر قريط - حكاية مع الماغوط