أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مصطفى حقي - الضياع .... قصة قصيرة














المزيد.....

الضياع .... قصة قصيرة


مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 12:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


فجأة وجد نفسه ينزل وحيداً من حافلة عامة في المحطة المركزية للعاصمة حاملاً حقيبة يدوية ، ما أن حطّت قدماه الأرض حتى بدأت ذاكرته تعمل للمستقبل فقط ، لقد نسي كل ماضيه لم يعد يذكر شيئاً عنه، احتار في وضعه الطاريء هذا ، وتواردت أسئلة كثيرة : من هو ؟ : لماذا هو هنا وفي العاصمة بالذات ! لماذا قَدِمَ إليها ؟ في العادة لا يعودها إلاّ لعمل ما ..؟ الجواب بقي مبهماً ومعلقاً بظلمة دامسة ، وذاكرته مغلقة إغلاقاً محكماً ، جال حوله بناظريه عله يجد شخصاً يعرفه ليستأنس به .. الكل غرباء عنه ... حاول أن يتذكر اسم أي صديق أو قريب له هنا ، ولكن بلا جدوى سأل نفسه ان كان في حلم .. تلمس وجهه ، فرك يديه ، ضرب كفاً بكفٍ ، ثمّ صفع نفسه ، أحس بألم وسمع صوت الصفعة ، انه في اليقظة ، ولكنه كان مجرداً من ذكرياته كما ولدته أمه ، ولكن في الحالة الأخيرة كانت هناك أم ترعاه وتساعده ، أما في وضعه الحالي مجردٌ من كل شيء حتى اسمه ...؟ انتابته كآبة سوداوية ، وقف على الرصيف هائماً .. اقترب منه أكثر من سائق تاكسي وعرض عليه أن يقله إلى وجهته .. لكنه اعتذر .. انزوى في مكان قصي .. فتح حقيبته .. كانت تحوي بدلاً داخلياً ورداء نوم ( بيجاما) وبعض الأدوية .. وثمة كتبٍ وأوراق بيضاء وقلم حبر ناشف .. مدّ يديه يبحث في جيوبه ، وجد أوراقاً نقدية كافية أشعرته بقليل من الراحة ، عاد يسأل نفسه ماذا سيفعل في دمشق ، ولماذا لا يدخلها ، حاول أن يتذكر من أي المحافظات جاء إلى هنا ، أسرع عائداً إلى المكان الذي نزل فيه ليستفسر عن جهة قدومه، كانت الراحلة قد غادرت المكان .. شعر بانقباض شديد وهو يسأل
: من أنا ..؟!
فتش جيوبه ثانية عثر على بطاقة شخصية عليها صورة وقف أمام واجهة بلورية عكست صورته تأكد أنها له ، عرف اسمه واسم أبيه وأمه وإلى اسم المدينة مصدرة الهوية الشخصية .. ولكن التصور منعدم لديه هو لم يتذكر شخصية والديه .. الآن هو في ضياع .. لو لم يسمع من معاون الباص الذي أنزله أنهم وصلوا الشام بخير وسلامه وتمنى للركاب طيب الإقامة وأن لا ينسوا شيئاً من أغراضهم ، لما عَرِف أين هو الآن . راح يتجول في محطة الانطلاق على غير هدى كالمخبول .. ماذا عليه أن يفعل ، إلى أين يذهب ، خطر له أن يستنجد بالشرطة ؟ ولكن ماذا سيقول لهم .. : من أنا ؟ : ما الذي جاء بي إلى هنا ؟ : جئت من أين ..؟ أكيد أنهم سيحولونه إلى مصحٍ للأمراض العقلية .. لن يجازف بالذهاب إلى الشرطة .. مرّ به أكثر من شخص يكلّم نفسه .. وانتبه أنه هو أيضاً كان يحدث نفسه .. هناك شيء يجري حوله وفي كيانه لا يفهمه .. سمع نداءات الدلالين وهم ينادون على عدّة محافظات لم يعرف أي منها ، أكيد هو من إحدى تلك المدن ولكنها قد مُحِيًت من ذاكرته وسقط موطنه الأصلي في متاهة ذاكرة عقيمة .. عاد وأخرج بطاقته الشخصية .. انها متوجة بالجمهورية العربية السورية إذا هو سوري الجنسية لقد ذكر اسمه واسم أبيه واسم أمه ومكان الولادة تاريخ إصدار البطاقة اسم المدينة التي صدرت منها .. إذا هو حتماً من تلك المدينة .. هل يعود إليها .. ولكنه لا يتذكر أحداً فيها وان ذاكرته لا تتعدى الكلمات والأرقام .. أحسّ بجوع ، دخل مطعماً بسيطاً طلب ( سندويشة) وكأساً من الشاي ، التهم طعامه بشراهة ، ثم راح يتلذذ برشفات من الشاي ، بحث في جيوبه لم يعثر على علبة تبغ أو قداحة أو علبة كبريت وتأكدّ له أنه لا يدخن ، عاد إلى اقتناص الوجوه التي تجلس حوله أو تمر به ، أيضاً خابت آماله .. لم يتعرف على أحدٍ ، جلس رجل في العقد الرابع من عمره أمامه على الطاولة وبعد أن تناول طعامه راح أيضاً يتلذذ برشفات من الشاي ولكن القلق وعدم الاستقرار كان واضحاً على محياه .. وتشجع وسلم عليه . فرّد السلام ببطء .. ثم سأله
: الأخ من الشام ..؟
: لا أدري ...!
: لا تدري أنك من هنا من دمشق ..
: أقسم لك أني لا أعرف شيئاً سوى ما هو مدون في بطاقتي الشخصية .. أنا مواطن عربي سوري . أما ما قبل وما بعد فأنا غارق في لجة ظلام دامس أعوم فيه بلا هدى ولا تلوح لي منارة أمان ...؟
ساد صمت ثقيل لدقائق ، عندما انضم إليهما شخص ثالث وتناول سندويشة وشرب كأساَ من الشاي وراح يدخن سيكارته بقلق بالغ .. ويطلق الدخان الكثيف عبر منخريه وهو يهز رأسه بين الحين والآخر ، وتجرأ وسأله دون أن يحييه .
: الأخ (منين بلا صغره ...) ..؟
الذي ردّ بتراً
: لا أعرف ...!
اندهش من رده المبتسر ..
: ما بتعرف ، لم أفهم ...؟
وردهذه المرّة حانقاً وأخرج بطاقته الشخصية ورماه على الطاولة ..
: أخي كل الذي أعرفه اني مواطن عربي سوري ...!!!؟؟



#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكر جمال البنا يبيح الخلوة بين الرجل والمرأة والاختلاط وز ...
- (3) ثمانية ألاف امرأة يوافقن على زواج المسيار في السعودية فق ...
- (2) ثمانية آلاف امرأة يوافقن على زواج المسيار في السعودية فق ...
- (1) ..؟ سبعة الاف أنثى يوافقن على زواج المسيار في السعودية ف ...
- المرأة الكويتية أيضاً .. ومزيد من التقدم والنجاح ..؟
- ..يمنع على المسلمات النوم في غرف مبنية ، لأن الجدار مذكّر وك ...
- انه مجتمع وريث سلسلة صراعات تاريخية .. هل من حل ...؟
- إسلام السياسي في لعبة الحجاب .. إلى أين ..؟
- في نهاية دولة يثرب ببصائره الرأسية والأفقية ..سخط وحنق ...؟
- بلدوزر العولمة قادم ليكتسح الغيبيات ويزيل الطبقة الوسطى ..؟
- كثيراً ما تسعفنا الثرثرة ... أيضاً شكراً لثرثرات حسين عجيب . ...
- تفاقم ظاهرة العنوسة في العالم العربي ..هل من حل ...؟
- خطاب رائد ينصف المرأة ويدين ما يسمى بجرائم الشرف في سورية .. ...
- حجاب الرأس كان وليد بيئة صحراوية وليس دينياً ..؟
- كيف يمكن ضبط شيوخ الفتاوى ...؟
- شكراً د . وفاء سلطان .. وإلى مزيد من الحب ...
- الديمقراطية .... العقلية العربية ... كل في واد ...!؟
- أين العدالة يامصر..؟ لقد ظُلِم الشاب كريم عامر ..؟
- تاريخ مسلسل عبودية المرأة لم ينقطع ونضالها ما زال مستمراً .. ...
- (3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية -المعجزات


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مصطفى حقي - الضياع .... قصة قصيرة