أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعاون معه: 3















المزيد.....

التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعاون معه: 3


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1857 - 2007 / 3 / 17 - 13:08
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ينهل الشاعر كشأنه من مخزون ابن الجنوب العراقي الشيعي المكتظ بالأساطير وحكايات متوارثة لأكثر من ألف سنة عن مذابح الطالبيين التي ورثت من ماضي العراق العنيف أرث المقاومة والشهادة. يعود الشباني في هذه الموجة التي تغور عميقاً ببحر الإنسان مستلهماً من تلك الأساطير والحكايات الروحية، بيوت من قباب الأضرحة الشيعية المقدسة بيوت ذهبه.ومن سدرة المنتهى كما في الحكاية الدينية المعروفة سدرة الجنوب المقدسة المشدودة بعقد كل من له معضلة في حياته والمنتشرة على أطراف البساتين وقرب الفرات وفروعه، والماء في كربلاء بكل ما يحمله من معنى في مذبحة العاشر من عاشوراء. رموز جعلت من البيت الشعري والمقطع بالغ التأمل يوازن موجات الغضب الصارخة والشاتمة والمشيرة بشكلٍ صريح لرموز الظلم زمن صدام:
وأنتَ من تسكت حزن
أنتَ من تكتب شعر.. كل الحمام يهيم
للأنهار
لبيوت الذهب ولسدرة الأسرار
للماي الزلال وحضرة العباس
ومن هذا العمق الميثولوجي تتدفق الموجة التالية لتمجد الشعر الحقيقي، والثقافة وقداسة الكلمة بكل ما تحمله الكلمة من قدرة على الخلق والتغيير، وبكل ما سفح الشهيد دمه من أجل شرفها، وذلك القسم السري مع الضمير في لحظة المواجهة، ولتعانق بحنان تلك الوجوه التي غابت في المنافي، ولهفة الشاعر في زمن الرعب ذاك وهو ينتظر نقطة ماء تخفف من يباس زمن الرعب. ترسم الموجة التالية من موجات القصيدة رموز المقاومة في الزمن المعاصر بعدما ارتكزت على عمقها التاريخي:
من يبدي الشعر بالراس
مناره.. مناره بطول ليلك.. والضوه العالي مناره
ويا وجه الحبببه كتاب ضاوي من الحسن ويطوف
كل جلمه نسر ملهوف
كل قسم ينهض شهيد
كل وجه مهاجر حمامه
تلكط بدمي السنين اليابسه من الخوف ودروب البريد
يتموج صوت الشاعر المخاطب تلك الرموز المعاصرة القوية التي قتلت في السجون، أو هاجرت إلى المنافي. وهذا شأن شبكة علاقات الشباني نفسه الذي بقى محاصراً، لكنه بالمحصلة هو صوت العراقي في ذلك الزمن، وما يختلف به كونه صوت واعي بالمأساة المهزلة وعاجز تماماً عن الفعل بمعناه الواقعي والفعلي، النضالي المباشر، لكنه في السر يسطر ما يؤرق النفس من قسوة الظالم وذل المظلوم الشاعر بالعار وهو يغور عميقاً لا بالروح فحسب وإنما في الجسد واشماً الدم بمعادلة.. القمع ـ الشرطي، و السوق للحرب قسراً ـ القعقاع بما يحمله من رمز للمؤسسة العسكرية العراقية. هذا الكائن المكبوس ما بين هذه القوى المسيطرة التي تبدو وكأنها قدرية.. وشعورٍ بالذنب لذلك الانصياع المهين يعبر عن قدر العراقي الممتلك لعنة الوعي بما كان يجري والعاجز عن فعل شيء وهو الشخصية المعيارية العراقية التي تشكل الغالبية التي بقت حتى سقوط الطاغية فمن غير المعقول أن تقدم على موت جماعي بإشهار معارضتها أو الهجرة إلى المنفى من ناحية. وصوت القصيدة في الموجة التالية ينطلق من ذلك الضمير الجمعي، فتعرض في البدء ذلك الصبر المشهود للعراقي في ذلك الزمن وتستعير رموز الطبيعة العراقية النخل، ثم تدخل في محنة الوعي الحاد بالقهر والنفس العراقية التي سُلِبَتْ حد الاغتصاب من الطاغية ومن دعمه ذاك الزمن من مشايخ الخليج في معادلة ستنقلب لاحقاً ويكون المستثمر الأكبر "ابن تكساس" حسب تعبير القصيدة.
من صبر النخيل.. والطير
منك وأنت تطفي العار
لك يا عار
العار البدمي الما تغسله النار
يا نار التكفي.. ويا رماد يعود
هامه.. وداسها البوليس حد الكاع
وأجاها بآخر الأزمان.. ياخذ حيفها القعقاع
تركض حافية.. تحيض بزوايا الليل..
تفتح حوضها الخابط للمعرسين..
وشيوخ الجزيرة تشيل
تغسل عارها بماي الخليج يشف..
والدم ع الرمل يسيل
يا نار النفط جم ترف
بعد وبيارنا المهجورة تختمها لابن تكساس
خليفتنا (فهيم!) وريحه غربية
( وبالظلمه يشيل الراس)
ومن خضم الموجة الصاخبة للذات العراقية المعذبة التي قادت صوت المخاطب في القصيدة ـ الشاعر باعتباره صوت جمعي ـ إلى تقريع الذات وشتم من أفضى بها إلى ذلك الوضع البشري البائس. تتولد موجة هادئة، متأملة تستقرئ المستقبل من منظور يبدو في لحظة قراءتي ومحاورتي للقصيدة تأمل تنبئي وهو يمحو صورة الطاغية من الذات العراقية التي محت عدداً مشهودا من الطغاة الكبار ناهيك عن الطغاة الصغار على مد تاريخها. يمحوها صوت المخاطب في القصيدة مستلهماً كشأن القصيدة عمق ذلك الموروث الديني الأرسخ في روح الإنسان، لنسمعه وهو يخاطب الطاغية:
"آني أقرالك اللوح.. المثل عين الشمس مرفوع
أنتَ تنمسح من وجه المراية العراقية
ونشوف الصافي يصفه بكثر الماي"
وهذا ما جري للطاغية لكن ليس كما كانت تتمناه القصيدة المنشغلة بصوفية وضعها، بل بطريقة شديدة الأمانة لطبيعة الصراع الدولي، لكنها في الوقت نفسه تنبأت بأن الطاغية العراقي ختم أبار النفط للأمريكان في شطح موج غضب إيقاع القصيدة. المخاطب وهو يرى في رؤاه وجه الطاغية يتوارى من المشهد يخاطب البعيد الحاضر في شطح مقطع صوفي يتغنى بالمعنى والطبيعة وكأنه يعود إلى زمن لا شرور فيه، يوتيبيا يحلم بها الشاعر والمثقف والإنسان المسحوق تحت وطأة ظلم وفقر يشبه القدر. فعندما ينمحي الطاغية يظن الصوت أن القادم من عمقها هو المخلص الحلم، صاحب الزمان، أو النجم البعيد الذي طالما خاطبه بمرارة في كل قصائده:
وأكلك مثل كل الناس حبني
بكثر هَمْ الماي
لكن مخلص الشباني أعمق من ذلك المخلص الذي بظهوره كل شيء يتغير. المخلص هنا معقد يحث على المعنى والتأمل في معادلة تجعلنا نحذر من ذلك التفسير السطحي لتيمة القصيدة، ففي وضع المرايا التي محا في كونها الشاعر الطاغية تظهر معادلات جديدة تلبس روح عراف متيقن من رسوخ عذاب العراقي الذي يبدو من خلال المنظور التاريخي والمعاصر قدرياً أقرب إلى منحى الأساطير والحكايات منه إلى الواقع عند مقارنته مثلاً ببلدان الجوار تاريخياً وحاضراً:
مهموم وتعنيتك.. حبيبي لا تصيح وياي
أحن من تبزغ بروحي.. أنا الصبير وأنت الماي
ما رديت إلك، لو عطش معناك
علمني المعاني وَرَدْني للصحراء
وفي البيت التالي يصرح الصوت العارف بأن محنة المعرفة محنة:
منذور لبعيد الشوف،..
عمري ومحنة أصحابه
يا عمري بحر ما يغسل المكتوب
بدروبي شفت كل المرايا.. ألوان
ومن عمق هذا العارف الذي رأى كل الألوان وكأنه صوت جلجامش الذي رأى كل شيء في مدار بحثه عن سر الحياة بعد موت صديقه أنكيدو. جلجامش الأسطورة كان قادراً على الفعل وتنفيذ الحكمة في النص فبنى سور أوروك في محاولة مستحيلة للخلود، يفعلها الناس الطيبين في كل الأزمنة بالمعنى المجازي، لكن من خلد جلجامش النص الكلمة المنقوشة في الطين وفي ذات البقعة التي يصرخ من قلبها الشباني في قصائده الرائية وهو يصل إلى حافة الرؤيا في زمنه المعاصر، في زمنٍ لا قيمة للبعد الأسطوري إلا بمقدار ما يرمز فيه إلى هموم إنسان الحاضر. نجد قصيدة الشباني "كونها منشدة بلهجة الناس في عصرها" تقرأ الواقع العراقي كما هو فعلاً زمن التدوين. مضاف إلى هوى الصوت الشعري في القصيدة الحالم بعدالة أبدية واكبت القصيدة الشبيانية منذُ "خسارة" الستينات إلى فداحة "التتر" في أوسط الثمانينات، رؤيا الشباني تقول بالحلم المستحيل:
بس اللون المعّدل، صفه بوجه العساكر
صاح بالبارود والنيران
فتح بالليل مسره للحلم.. ولمحنة الإنسان
رصاص الغدر معبر
مما يميز العمق الفكري لقصيدة الشباني كونها مشغولة بالوضع البشري العام للعراقي وهي تستبطن المحكي بالكلمات. إذ أنها لا تبقى كما أعرضت لمقاطع من بنيتها المشغولة في أسئلة الوجود البشري وصراعه الجوهري بين الشر والخير، بل تعود إلى محاورة ما يجري في بحر اليوم العراقي زمن كتابة القصيدة….. العراقي وقد تحول إلى مجرد كائن حزين مسكين رغم كل الثروات التي تكتنزها أرضه.
والجسد دولة فقيرة.. إنذبحت
وردت لصيف النخل والناس
يا حزن العراقيين
غركت المناير بالدمع.. سال الحجر..
وافترت الأنهار
سؤال يحير الأفكار
يا حزن العراقيين
نهر مسحور بالدم.. والسفن مسبيّه
والموتى شعوب تحد شعوب بغابة التاريخ
يبدي الخوف، بأول خطوه طفله.. بوحشة الوديان
يتعلم حروف الجوع.. بالسيد السوط ولعبة الميزان
والدولة زنت من كعدت بنص الريح
كرسي ومحكمة وشرطة وكتاتيب
والدولة زهت من كثرة الأرباح
والأحزان.. والثورات والتعذيب
تلهب بالسلالات الحزينة سنين
يا حزن العراقيين
ما تكفيك دوله.. ولا يلمك دين
وتستدير القصة لتشير إلى زمنها وتلك القوى المقاومة التي تقاتل في الجبال والأهوار، المقاومة بكل ألوانها، بنغم يختلف تماماً عن قصيدة النواب التي انشغلت بالشيوعي العراقي تحديداً ورمزه الريفي:
حبني بكثر معنى الماي
عدنه بكل شبر خيّال مذبوح.. وقضيه.. وناي
وتغني.. يا ماي الجبل يمته تفيض الهور
يا هور الشعب يمته الكصب يزعل
وهنا تشير القصيدة إلى هول القتل والذبح اليومي في أواسط الثمانينات، وتفصح عن تلك المقابر الجماعية السرية التي ضمت الكثير من الأصدقاء الذين غابوا في المعتقلات إلى الأبد:
مو دم الشرف ساح وهدم الأسوار
مو وسع المقابر جزّع الأسوار
مو ساحت نذالتهم على الأفكار..
.. .. على بنيه فراتيه.. النده بكل خطوه يتلون
بأصابعها الطويله يسيل حد النوم.. والحنه
بوجهها الضاوي سجادة
بقداستها يصلي الشعب
لأحلامه البعيدة وفرحة الجنة



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- السفارة العراقية ومجلس الجالية في الدنمارك: ظروف مريبة في أن ...
- فلم جلجامش 21 للمخرج العراقي طارق هاشم حكاية العراقي التائ ...
- رؤيا اليقين
- بائع خردوات في سوق هرج ومنفي عاجز في غرفة بأسكندنافيا
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات2
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 3
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 4
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات 5
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات-1
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات6
- في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الثاني
- رواية في أروقة الذاكرة لهيفاء زنكنه رواية تؤرخ لتجربة الق ...
- المنفى يضرب أعمق العلاقات الإنسانية-خريف المدن- مجموعة حسين ...
- حافة القيامة- رواية -زهير الجزائري بحث فني في طبيعة الديكتات ...
- وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتم ...
- في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الأول
- عن مقتل صديقي الزنجي عادل تركي
- ليل البلاد رواية جنان جاسم حلاوي نص يرسم جحيم العراق بالكلم ...


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعاون معه: 3