أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - البعث يدافع عن مجتثيه















المزيد.....


البعث يدافع عن مجتثيه


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 - 10:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
عندما سألت "الجزيرة" صلاح المختار القيادي السابق في حزب البعث, سفير العراق السابق في فيتنام والهند والساكن في صنعاء اليوم عن رأيه بالحكم بإعدام صدام حسين وتنفيذه, قال:
"الحكم هو خطوة باتجاه إكمال عملية تدمير العراق، فالولايات المتحدة الأميركية عندما وصلت لقناعة بأن الاحتلال فشل وأن مشروعها في العراق انهار وأنه لا يوجد أمل لإحيائه، قررت أن تدمر ما بقي من العراق "
يبدوا إذن ان "مابقي من العراق" حسب رؤية البعث هو حياة صدام حسين, او ان هذا ليس إلا تهديداً من البعث بتدمير ما بقي من العراق ان تم تنفيذ الحكم الصادر بحق صدام.

لا يثير موقف البعثيين في دفاعهم عن صدام حسين اي استغراب في الشارع العراقي الذي تعود ذلك. وبنفس الطريقة يعتبر موقف "البعث" ومؤيدوه, المقاتل ضد "قانون اجتثاث البعث", امراً طبيعياً متوقعاً. هذا ما توحي به الإسماء, فمن الطبيعي ان يعترض "البعث" على "اجتثاث البعث".
لكن الأسماء قد تخفي خلفها إشكالات هامة. فهل ان البعث الذي وجدته الحكومة الحالية في العراق وتريد اجتثاثه, هو نفس الحزب الذي اسس في منتصف القرن الماضي كحزب قومي اشتراكي؟ لنعود الى التعريفات والتأريخ اولا...

حزب البعث حزب عربي قومي اشتراكي تأسس في دمشق بصورة رسمية عند انعقاد مؤتمره الاول في 7 ابريل 1947، تبني المبدأ العلماني, ويرفع الحزب شعار ورسالة" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" أما أهدافه فهي "وحدة، حرية، اشتراكية".
في سنة 1953، اندمج حزب البعث مع الحزب العربي الإشتراكي الذي كان يرأسه أكرم الحوراني في حزب واحد هو "حزب البعث العربي الإشتراكي" كحزب قومي علماني يسعى لخلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته.

بضعة "نكسات"

ورغم ان حزب البعث العراقي لم يكن له حصة الأسد من العنف السياسي الشديد الذي يميز تأريخ العراق الحديث, ربما لأنه كان غالباً في السلطة الممارسة للعنف, إلا انه تعرض خلال حياته الى بضعة "نكسات" كان اولها فشل مؤامرة الشواف عام 1959 التي يبين المقطع التالي من الكتاب الثاني لحنا بطاطو "ألعراق" انها لم تكن كارثة بالنسبة للحزب وان معظم ضحاياها كانوا من خارجه:
"المتفق عليه الآن أن العدد كان في حدود المئات، وليس الآلاف. ويعد الشيوعيون حوالي 110 قتلى و300 جريح في الموصل نفسها، و30 قتيلاً و20 جريحاً بين أتباع الشواف، أما البقية فمن الجنود و " رجال الشعب ". واستطاع القوميون أن يعدّوا ما لا يقل عن 40 قتيلاً في صفوفهم وصفوف حلفائهم. وجعلوا عدد القتلى كلهم في حدود 200. وكذلك فعل محمد حديد، وزير مالية قاسم والشاهد الذي يستحق الثقة."
ومن الطبيعي ان موقف قاسم من البعث لم يعد كما كان, ولكن لم يكن هناك مجال للحديث عن ضربة قاصمة للحزب.

ثم هناك إنقلاب عبد السلام عارف بحركتة التي دعاها بالتصحيحية في 18 تشرين 1963 حيث احيل العديد من البعثيين الى التحقيق بمجازر 8 شباط,.وأدى الى عزل الوزراء البعثيين الـ «12» من الحكومة
لكن اي من الحدثين لم يصيبا الحزب بأي عطب حقيقي, واستطاع البعث في الحالتين العودة الى الساحة السياسية (بالإنقلابات العسكرية) محتفضاً باهدافه القومية والإشتراكية وبهيكله الحزبي, بل وجاء متطوراً بشكل واضح عن الشكل الغوغائي الذي كان عليه عام 1963, ورغم انه لم يكن ديمقراطياً بأي شكل بل مؤمناً بنظرية الحزب الواحد او الحزب القائد إلا ان نسبة من الجدل والنقاش والإختلاف كانت مقبولة داخل الحزب. لذا نستطيع ان نقول ان اي من هاتين النكستين لم تشكل ضربة قاصمة للحزب الذي استطاع النهوض ليستلم الحكم حتى جاء الإحتلال الأمريكي.
رغم ذلك يمكننا بسهولة ان " نكتشف ان حزب البعث الذي اسقط في مارس 2003 لايشبه كثيراً الحزب الذي تأسس عام 1947 كما عرفّه مؤسسوه. ونكتشف ان الفارق ليس فارقاً بسيطاً سطحياً او فارق تكتيكي فرضه الزمن على هذا الكائن الحي ليتلائم مع ضرورات الحياة كما يحدث بشكل طبيعي, بل فارق جوهري واساسي, لانعود معه قادرين على استعمال اسمه الذي نعرفه به دون ان تتسبب تلك التسمية في تضليلنا عن ما نتحدث عنه.

حزب تحول الى مافيا

فالبعث الذي عرّف نفسه يوماً كـ " حزب شعبي قومي يهدف الى الوحدة والحرية والإشتراكية" وصل في نهاية الأمر, حين جاء الإحتلال, الى ان يكون عصابة مافيا بكل ما في الكلمة من معنى. فصار الدور الوحيد الذي يقوم به هو حماية الرئيس وعائلته من غضب شعبه الذي ذاق الأمرّين في عهده الطويل. يستعمل الحزب لذلك بنفس الطرق التي طالما استعملتها المافية من عنف مفرط وتجسس يطال جميع ابناء الشعب وفساد مالي بلا حدود.

هكذا اكتسبت هذه المؤسسة اهدافاً جديدة, فصار هدف "الحرية" في الجهة المعاكسة تماما, اذ اصبح الحزب مع مؤسسات الدولة للشرطة السرية التي يختلط بها تماماً, العائق الرئيسي امام حرية الإنسان في العراق, حيث صار التفوه بنكتة او كلمة غير مناسبة سبباً لإغتيال قائلها, بل وعائلته معه. لكن, قد.يجادل البعض بحق ربما, ان حرية الفرد لم تكن يوما موضع احترام في العراق, وانما كان المقصود بالحرية, حرية البلاد من الإستعمار فقط. وأما الإشتراكية, التي يفترض ان تكون خطوة الى الأمام بعد الرأسمالية, فقد تم الإبتعاد عنها خطوات تأريخية طويلة, بتحويل العراق الى الإقتصاد الإقطاعي, بل اللصوصي السابق لعهد القانون الذي وضعته الإنسانية يوماً قبل الاف السنين في هذا البلد قبل غيره. فلم يعد هذا القانون سوى "جرة قلم" على حد تعبير "الرئيس".
أما "الوحدة", جوهرة تاج الحزب القومي, فلم يتم التخلي عنها فقط, بل وجهت لها ضربة في صميم القلب مقابل مغامرة أمل منها "الرئيس" نهب نفط اخوانه الذين كان يريد الوحدة معهم, فمزق كل ما كان قد بقي لدى البعض من حلم واهم بها, وشق العرب الذين اراد توحيدهم وحولهم الى اعداء, ولم يترك امامهم سوى قبول حماية الجيوش الإجنبية من جنونه ووحشيته. وهكذا إذن اعاد البعث بقيادة صدام بلدين (على الأقل) بشكل مباشر الى العيش تحت ضلال الجيوش الأجنبية, وكانت قبله خالية منها. هكذا إذن صار وجود البعث وبالاً على الحرية بتعريفها القطري المضاد للإستعمار ايضاً.
إضافة الى ذلك فقد اختلف "حزب البعث" اليوم عن الأمس بأمور اخرى مثل موقفه من الدين. حيث ورد الدين في الكثير من ادبياته كمسألة سلبية يجب محاربتها بين الرفاق (مثلما في المؤتمر القطري التاسع في 1982), وهذا عكس موقف الحزب الحالي تماماً حسبما عبر عنه المختار في نفس المقابلة اعلاه حين سؤل عن الموضوع فأجاب: " عقيدتنا دينية لم تتغير".

عندما تزايد العنف والإرهاب المصاحب للإحتلال صار المزيد من الناس يتردد في الخيار بين الإحتلال والبعث رغم ان الجميع فضل الإحتلال في البداية ورحب به, وشمل ذلك حتى الفلوجة والرمادي (الأنبار) وعنه وهيت على حد علمي الشخصي مباشرة من بعض سكان من هذه المدن, وهذا مؤشر خطير لموقف الشعب من البعث الذي كان حاكماً. لقد تغير الحال اليوم وصار الناس يقارنون بين الأثنين فيختلفون. وعلى اية حال, ليس امر يفتخر به لحزب وطني ان يقارن الشعب بتردد بينه وبين الإحتلال. لم تكن تلك بالتأكيد اهداف وطموحات واحلام ووعود الحزب الذي تأسس عام 47 لجماهيره. فما الذي تغير, ومتى, وما الذي جرى لذلك الحزب؟

المذبحة

في 17 تموز 1979 اصابت حزب البعث مذبحة قضت تركت قيادته موزعة بين قتيل ومرعوب. فاطاحت بربع أعضاء مجلس قيادة الثورة وثلث القيادة القطرية وعشرات الكوادر المتقدمة, واصابت الباقين بالذهول. كذلك تم تصوير المذبحة على شريط فيديو وزع على منظمات الحزب لنشر الرعب في الكوادر الدنيا وهي ترى قياداتها تساق كالخراف الى المذبحة. هكذا صار الحزب فريسة للشلل التام!
يكتب زهير الجزائري(*)
http://althakafaaljadeda.com/317/20.htm

الرواية الحقيقية وردت في شريط فيديو وُزِّع على المنظمات الحزبية يتضمن وقائع اجتماع استثنائي للكادر المتقدم يعترف فيه عضو مجلس قيادة الثورة محيي عبد الحسين أمام الجميع بمؤامرة شارك فيها خمسة أعضاء من مجلس قيادة الثورة، هم: محمد عايش، وغانم عبد الجليل، ومحمد محجوب، وعدنان الحمداني، وصاحب الاعترافات نفسه، ومعهم العضو السابق المسجون منذ 1973 عبد الخالق السامرائي. وحسب الاعترافات التي سُجلت قبل ذلك أمام لجنة تحقيق يرأسها برزان التكريتي شقيق صدام، كان المتآمرون ينسّقون مع السفير السوري للإطاحة بالحكم عبر محمد عايش.

: "ففي الاجتماع الاستثنائي للكادر القيادي في الحزب في قاعة الخلد في تموز 1979 ظهر صدام قاضيا وحيدا وسط المنصة، في طرفها الأيمن متهم وشاهد، هو عضو القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة محيي عبد الحسين، يعترف على شركاء في مؤامرة. لم يكن المتهمون خمسة فقط، إنما كل من في القاعة متهم قد يرد اسمه في أية لحظة من الاعترافات، وقد يدخل الحرس الخاص ليأخذوه إلى جدار الإعدام خارج القاعة . ولكن عليه قبل ذلك أن يردد أمام الجميع قسَم الحزب."

ولضمان نشر الرعب والمشاركة في مسؤولية الجريمة نحو الأسفل بشكل مؤثر, اجبر الجميع على المشاركة في المذبحة. عن هذا يكتب اسماعيل القادري (http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/01-17/a99569.htm )
" أمر صدام منظمات الحزب الحاكم ارسال مندوبين من مستوي فرقة حزبية وأعلي ليشاركوا في عملية إعدام رفاقهم من قيادة حزبه، وقيل أيضا بأن برزان ابراهيم الحسن (الأخ غير الشقيق لصدام) وكان آنذاك قد تسلم مسؤولية جهاز المخابرات العراقي قد تحمس للحد الذي أخذ معه ابنه محمد وكان صغيرا وقتها ليشارك في عمليات الرمي والقتل"

نعود الى الجزائري: "
في مطبخ الرعب هذا لم يسأل أحد : كيف تحولت سوريا، التي كانت مرشحة قبل يومين لوحدة اندماجية مع العراق، إلى (جهة أجنبية) متآمرة؟ وكيف تحول قياديون مرموقون، بعضهم رشحه صدام بنفسه، إلى خونه ومتآمرين؟ وكيف تمكن رشوة وزراء، تحت أيديهم ميزانيات بعشرات الملايين، بمبالغ لا تساوي مرتبات مرافقيهم؟ وكيف يمكن لعبد الخالق السامرائي، السجين منذ سبع سنوات، أن يقود كل هذه المؤامرات من زنزانة محروسة جيدا؟ ولمَ يحدث كل هذا بعد يومين فقط من تسلم صدام للسلطة؟ الخوف المهيمن على القاعة حوّل كل هذه الأسئلة إلى صرخات مزايدة تطالب (القاضي) بمزيد من الحسم مع المتهمين. وقد كان بين المزايدين نائب الضابط علي حسين المجيد، الذي صرخ بصوت مولول محذرا القاضي من أن دابر التآمر لن يقطع ما دام عبد الخالق السامرائي حيا يرزق." (علي حسين المجيد هذا سيصبح فيما بعد "علي الكيمياوي" إثر ضربه الأكراد بالأسلحة الكيمياوية)

" كان الخوف هو الخميرة اللازمة لتحويل الخائفين إلى جلادين. ففي نهاية (المحاكمة)، وقف الشهود صفا واحدا وراء صدام حسين مع رشاشاتهم، وبدأ القاضي بإطلاق الرصاصات الأولى (وهو يبكي)، وبعده بدأ بقية القادة ورؤساء الفروع والشُّعَب،.. من كل واحد خمس رصاصات على جثث الرفاق، الذين ماتوا قبل ذلك بالتعذيب.

كانت هذه الممارسة هي الفرصة الوحيدة للمساواة بين الجميع: أن يشاركوا معا في إعدام رفاقهم، ولا يبقى بعد ذلك فاصل بين مذنب وبريء و سيّء أو أسوأ. وكانت هذه المشاركة بداية لإلغاء تدريجي للفاصل بين البعثي والجلاد."

"في هذا الجو الذي تحول الخوف فيه إلى حماسة، ثبّت صدام المسافة بين (الرمز) وبقية القيادة: "ما ذنبي إذا كانت السفوح تريد موازاة القمة".

لم تقتصر هذه الاستعارات الرمزية عن (الجبل والسفوح) على انفعالات المحاكمة فقط، إنما ستتكرس هذه المسافة، لاحقا، في لغة التخاطب الرسمية والحزبية بين القائد الرمز ورفاقه، بمن فيهم أقرب نوابه إليه، فحلّت كلمة (سيدي) محل (رفيق)، وحل الإذعان المبرمج محل الاحترام الرفاقي" - انتهى الإقتباس.

إذن هكذا بدأ تحول "البعثي" الى "جلاد" والنتيجة الحتمية لذلك تحول "الحزب" الى عصابة ارهابية.
بعد مذبحة الحزب وحتى الإحتلال

لم يصدق الكثيرين قصة المؤامرة السورية غير المحبوكة (من روايتها مثلاً ان السوريين سلموا المتآمرين حقيبة بها اربعة او خمسة الاف دولار(فقط!) ) وعلى اية حال, فبعد ثلاث سنوات من المجزرة، تبين ان السبب الحقيقي لها لم يكن مؤامرة سورية بل هو, كما ورد في كلمات تقرير المؤتمر القطري التاسع "وجود من يريد تعطيل تسلّم الرفيق صدام حسين مسؤولياته الشرعية في القيادة الأمامية للحزب والثورة "!!

استمر صدام بعد ذلك في تشديد قبضته على قيادة الحزب بتغييرات في قوانين الحزب لتصبح جميع خيوط الترشيح للقيادات في يده ويد من يختارهم, ليكون معظمهم من اقاربه من الدرجة الأولى او العاملين تحت امرته في جهاز حنين و مكتب العلاقات العامة. وهكذا كان صدام يستغل كل تراجع في الحزب امام سلطته لفرض المزيد من تلك السلطة عليه وإحكام قبضته على كل شؤون الدولة الهامة. لقد بدا ذلك مبالغاً به احياناً واكثر مما يمكن ان يحتاجه, لكن الأيام اثبتت حكمة الدكتاتور, فتلك الإضافات والمبالغات التي ابعدت اي شخصية لها اي اثر للقيم الإنسانية والحضارية عن اية سلطة, ستلعب بلا شك دوراً في نجاة حكمه من إنتفاضة الشعب في عام 1991 (إضافة الى تعاون الجيش الأمريكي معه) وتمكينه من قمع المنتفضين الذين كانوا قد تمكنوا من الإستيلاء على السلطة في 14 من محافظات العراق الـ 18.

بعد استقرار السلطة في يده حرص صدام على الإحتفاظ منفرداً بسلطة الرقابة على رفاقه وثبتها في المؤتمر القطري التاسع حيث اشار " وهكذا تكون الرقابة التقليدية ضرورية للمستويات الحزبية التي تلي القيادة العليا وليس أعضاء القيادة العليا" كما يشير زهير الجزائري الذي يضيف ان صدام طبق مبدأ "(أهل الخبرة تحت رقابة أهل الثقة). ونفذ هذا المبدأ عمليا ب إلزام قيادات الدولة والحزب بمستوى وزراء وأعضاء قيادة قطرية وقادة الفيالق بالإقامة في مناطق محددة من الدولة وعدم الإقامة في منازلهم الخاصة. وتقوم القيادة الأمنية المكونة من أقارب الدرجة الأولى باختيار سكرتير ومرافق وسائق ومأمور بدالة أي عنصر قيادي بعد صدام. وهناك قرار يمنع تزاور الوزراء وأعضاء القيادة القطرية لبعضهم إلا بعد أخذ موافقة المكتب الخاص للرئيس.. وهكذا تحولت حماية القيادة الحزبية إلى رقابة عليها من قبل العائلة."
--http://althakafaaljadeda.com/317/20.htm

"الغرف المغلقة"

يكتب حسن العلوي عن ستراتيجية حكم صدام ما يلي: "حكمه كان قائما على نظرية الغرف المغلقة التي تقضي أن هذه الغرفة لا تعلم بما يجري في الغرفة الثانية ولهذا غرفة الاعلام لا تعرف شيئا عن غرفة الأمن، والشخص في غرفة التربية لا يعرف شيئا عن غرفة الاقتصاد. وكان صدام يعتبر أن كل غرفة مسؤولة عن نفسها ولا يجوز لها أن تعرف شيئا عن الغرفة الأخرى وإذا احترقت الغرفة المجاورة عليك أن تعمل وتتصرف وكأنه لا يوجد حريق بجانبك حتى لا يتأثر عملك إذا انهارت وحدة من الوحدات الإدارية.

وكان صدام دائما يقتل رؤوساء الغرف هذه. مثلا غرفة النفط شكلوها وفق نظام دولة المنظمة السرية، وزارة النفط لم تكن مسؤولة عن النفط وإنما هيئة أخرى اسمها هيئة اتفاقيات النفط رئيسها صدام حسين وسكرتيرها العام عدنان الحمداني، وهي التي تعرف المبيعات والأسعار وأين تذهب الواردات فأعدمه وبقيت الأسرار مع صدام حسين. وأعطى بعض المعلومات عنها لأخيه برزان التكريتي.

غرفة الأمن، وفيها أهم أسرار الدولة، تتألف من مدير الأمن وصدام، وكان ناظم كزار مديرها أعدم 1973 وجاء بعده فاضل البراك وأصبح مدير أمن ومدير مخابرات وأعدم، وصارت كل الأسرارعند صدام حسين. وايضا في المكاتب العسكرية دائما كان يقتل الموجودين في المكتب العسكري المسؤول وأعضائه يتم إعدامهم" .
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/11/07/28880.htm

النتيجة

بهذه الطريقة تخلص صدام حسين من "رفاقه" فلم يبقِ منهم على قيد الحياة ممن شاركوه انقلاب 1968 سوى عزت إبراهيم ، وطه ياسين رمضان ، وطارق حنا عزيز! في السنوات التالية ادام صدام حسين حكم عصابة "العائلة" بطرق ارهابية عبقرية وفي منتهى القسوة وانعدام اي اثر لأي وازع اخلاقي. النتيجة تحول "حزب" البعث الى "مافيا" البعث. فإضافة الى التشابه الشديد بين الأساليب المتبعة لدى الطرفين, فأن البعض قد نقل يوماً عن صدام حسين ان من بين الأفلام التي يفضلها وقد شاهدها مرات عديدة, افلام ال كابوني التي تمثل تأريخ تلك العصابة في الولايات المتحدة. وللحقيقة فأن المشاهد لتلك الأفلام يلاحظ الشبه الشديد بين حركات قادة المافيا وبين صدام حسين, مع فارق ملحوظ في التوجيه والإقتصاد في العنف ومحاولات الإبتعاد عنه مؤخراً وإستثمار محصولاته بمشاريع قانونية, لصالح المافيا الإيطالية الاصل, التي لم تكن لها السيطرة التامة على محيطها كما كان كان لمافيا البعث في العراق, حيث كان خط العنف المريض يتصاعد بلا عائق.

كانت خسارة العراقيين هائلة, لكن خسارة البعثيين المؤمنين بحزبهم ومبادئه كانت اكبر, فإضافة الى خسارة الجميع للوطن, خسر هؤلاء حزبهم وسمعته وسمعتهم, فالجرائم كانت ترتكب باسمهم على اية حال.

واليوم, عندما جاءت الفرصة ليتخلص هذا الحزب ممن يجثم على انفاسه, نراه يهب للدفاع عنه! انهم يفعلون ذلك ايضاً بنفس الطرق الإرهابية المحقّرة التي استعملها صدام للتعامل مع شعبهم, فيغتالون بعض عائلة القاضي لأنه طرد "الرئيس" من القاعة, وثم يهددون بـ "حرق بغداد" ليس فقط ان تم تنفيذ الحكم بـ "الرئيس" بل ايضاً ان تم تنفيذ استدعاء احد الشيوخ من فريقهم للتحقيق, تماماً مثل "الرئيس" الذي قال انه لن يترك البلاد إلا كأرض بلا شعب!
هذه هي المجموعة التي تدعوا العراقيين ليقبلوا قيادتها من جديد. هذه هي المجموعة التي ينتفض العالم مغتاضاً لنقص الدقة في ظروف محاكمة اعضائها.هذه هي قيمة الشعب العراقي الذي يريدون تحريره, عندهم, وهذه هي قيمة بغداد التي طالما احتظنتهم حاراتها بالنسبة اليهم. الأول ارخص ثمناً من السلطة, والثانية ادنى شأناً من ازعاج شيخ بسؤال عما تفوه به.

هذه المافيا هي لا غيرها من "اجتث" حزب البعث, ليس اليوم وانما منذ عام 1979 وما تلاه, وبقسوة بالغة فلم تبق منه شيئاً له اية ملامح حزب سياسي. لذا لم يكن هناك حزب "بعث" لتجتثه هذه الحكومة اليوم, وما اسم هيئة "إجتثاث البعث" إلا تسمية غير موفقة. أن من يدافع عنه البعثيون اليوم هو بالضبط وحش فرانكنشتاين الذي اجتث حزبهم فقتل من قد يجرؤ على فتح فمه من قيادته وليحول الباقي المرعوب منها الى عصابة تابعة له, وحوّل المنتمين الى الحزب الى جلادين وسجانين لشعبهم وجواسيس عليه ولصوص لخيراته ليهبط به الى الليل الطويل الذي تخيم عليه نتائجه حتى هذه اللحظة.

السؤال اليوم: هل يستطيع حزب البعث ان يستعيد كيانه كحزب سياسي, فيتخلى عن اسمه الكريه في ذاكرة الناس ويتخلى عن من يجلس على كراسي قيادته من اعضاء ممن لافضل لهم إلا جبن الصمت امام قيادتهم وعمق الجهل وشدة القسوة والتخلف الحضاري, ويعتذر للشعب عن كل ما تسبب له من كوارث فاقت مجموع ما تسبب به اعداؤه, ويطالب المؤمنين به بالإقتصاص ممن وضعوا نفسهم بالدم والرعب قواداً لهم, فاوصلوهم الى هذا الدور غير المشرّف؟

هذا ما سيقوله التأريخ, ولكن للبدء بذلك على البعثيون اولاً ان يواجهوا حقيقة قاسية هي انهم بدفاعهم عن صدام وحاشيته لم يكونوا طيلة الوقت يدافعون عن حزبهم بوجه الإجتثاث, بل يدافعون بالضبط عن من اجتث حزبهم. ان مواجهة هذه الحقيقة القاسية هي بداية الخيط والحركة الاولى في المهمة المتناهية الصعوبة والخطورة نحو تصحيح هذا "الخطأ" المرير!



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتقم من الخطأ
- عن وردة سعدون وارض الخوف وميلاد المقاومات الثلاثة
- قتل الأمل
- الإنتخابات الهولندية: عواصف شديدة فوق الأراضي المنخفضة
- خطة طوارئ للدراسة الجامعية في زمن الإرهاب
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة ...
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا الضجيج؟
- الحكم على صدام, فرحة نصر وتفاؤل حذر
- الحكم على صدام, وتفاؤل حذر
- أمسك خصمك متلبساً بقول الحق وامتدحه!
- كيف عادت -صدام حسين يلوك النه-؟
- نظرية بابل*
- أحداث العراق الجسيمة: غزلان وتماسيح
- غيلان: تعويذتنا الواقية من الإنهيار
- برلمانيوا العراق كقدوة حسنة
- اللصوص تشكر حماتها علناً
- إنه يبكي، ذلك القاضي الذي اسعدكم!
- أبي يجد جواباً لحيرته: بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العر ...
- وجيهة الحويدر إمرأة تخاف ظلها
- أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في ا ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - البعث يدافع عن مجتثيه