أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق















المزيد.....



العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1691 - 2006 / 10 / 2 - 09:39
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الدكتور عبد الحسين شعبان
اجرته في لندن وبيروت زينب فران

العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق

أتهيّب دخول مملكة الشعر لكن شيطانه يلاحقني!

أنتمي الى الحلاج في صوفيته والمعرّي في فكره الاجتماعي والمتنبي في فلسفته وعمر وعلي في مبدأيتهما وماركس في حداثويته! الحق والسلام والمقاومة والحلول الوسط والاعتدال متناقضات ومتوازيات لا أستطيع الفكاك من أي منها!

تجتمع في شخصية الدكتور عبد الحسين شعبان بعض الخصال والمواصفات، التي تبدو متناقضة وهو ما تعكسه سيرته الفكرية وتطوره النظري واهتماماته الحقوقية وانشغالاته الثقافية! هل هو مجرد سياسي واعلامي يساري ام مثقف ليبرالي ام هو مفكر وباحث وحقوقي وأديب، لدرجة لا يمكنك ان تصنفه او تحسبه على واحدة منها، فسرعان ما يتفوّق في الاخرى أو ينتقل من حقل الى حقل الى آخر وهكذا؟ لعله يمارس السياسة بوسائل ثقافية ويتعاطاها من خلال الفكر ويدافع عن الحقوق بوسائل ادبية احيانا".... يكتب ويحاضر ويمارس نشاطه الاعلامي من خلال وسائل الاعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية. ولكن أي منها يتقدم في شخصيته؟ سؤال وجيه يطرح نفسه حين يتم تناول سيرته، حيث تتداخل وتتفاعل كلها في دوره وحضوره لتنمّ عن مشترك جامع يمكن ان نطلق عليه " النزعة الإنسانية".
هل رضعها مع الحليب؟ أم هي نتاج معاناة وتطور ومراجعة ونقد ذاتي، فهو مع الحق والسلام والمقاومة والحلول الوسط في زمن واحد؟!! تمرس في حياته على الإبحار والغوص في اشكاليات وأزمات العقائد المتشابكة والمتناقضة والمتصارعة، من الماركسية الى القومية ومن الوطنية الى الإنسانية، فبات في نهاية المطاف شخصا واحدا منسجما ومتمردا" مع نشأته وبيئته وذاته التي يتشابك فيها الثقافي بالسياسي في هارموني لا يخلو من التناقض ايضا.

كيف حصل ذلك؟ هذا ما سنتركه للدكتور حسين، ليفضي لنا عن سر تنوع وثراء شخصيته وقدرته على جمع المتناقضات والتنظير لها، وعن تعدد مجال نشاطه وأدواره في لقاء مباشر تمّ معه بين لندن وبيروت في طريق توجّهه وعودته الى بغداد التي عاد اليها بعد فراق 23 عاما وبات يزورها بين الحين والحين ويوزّع إقامته بين المنافي الباردة وبينها مثلما يوزّع قلبه على حد تعبيره بين العراق والعالم العربي الذي ظل يسكن روحه، أينما سكن وحيثما ارتحل.
جوار الاضداد في النجف

- إبن عائلة نجفية " تجارية ميسورة" ومتدينة، عرفت بإلتزامك الشيوعية وبإنتمائك القومي وبإنفتاحك الإجتماعي وبإنتاجك الفكري ..الخ. فما هي العوامل المساعدة التي جعلتك بما انت عليه؟
• تحتوي الحياة على طائفة من المتناقضات، تجتمع وتتصارع، تلتقي وتتنافر، وهكذا النفس البشرية، لدى الافراد والجماعات، فأنا ابن بيئة تجمع التناقضات وتوحدها أحيانا في جوار غريب والتناقض بحدّ ذاته يفضي الى حيوية وأسئلة ربما تكون كبرى وهذا كان للجيل الذي سبقنا ولجيلنا الذي امتاز بالقلق والتمرد.
كانت النجف حاضنة لتيارات عديدة ومتنوعة من الافكار القديمة والجديدة والمتجددة، على الرغم من جوّها المحافظ وطابعها الديني الخاص. وكانت تتفاعل وتتلاقح وتنصهر فيها أحيانا المدارس الفقهية وعلماؤها وطلابها القادمين من اصقاع شتى في خليط أممي وإنساني يتكون من ترك وفرس وأفغان وهنود وباكستانيين وتيبتيين وألبان، إضافة الى القادمين من أذربيجان وتركمانستان وغيرها والقادمين العرب من لبنان وسورية والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت وغيرها. لعلي اذكر بعض الرموز مع حفظ الالقاب مثل حسين مروة ومحمد شرارة ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله ومحمد حسن الأمين وهاني فحص وعبد الامير الجمري وغيرهم الكثير من العرب الآخرين.

كان كل شيء في النجف ايضا يعبق بالشعر، حيث كان يقال في جميع المناسبات المفرحة والمحزنة ويشكل جزءا" من الموروث والمخزون الروحي للمدينة وسكانها. وكما تأثر الوافدون بالعروبة وبطابع المدينة العريقة ذات النكهة العروبية المتميزة، تأثر أهلها بدورهم بهم واستفادوا من ثقافتهم وانصهروا جميعا في بوتقتها لينتجوا فكرا" منفتحا" في المجتمع المغلق، على حسب وصف السيد الدكتور مصطفى جمال الدين.

وفي هذه الاجواء ترعرعت بوسط عائلة دينية منفتحة على كل هذه الاجناس والأفكار والأعراق، بحكم توليها سدانة الحضرة العلوية- نسبة الى الامام علي كرم الله وجهه- وخدمتها منذ قرون الى يومنا هذا. وتخرجت من " مدرسة جامعة النجف" الشهيرة مثلما تخرج كثيرون وإن لم يدرسوا فيها، بل درسوا في المدارس الرسمية، لكن جو المدينة بحد ذاته، يجعل الشباب خصوصا" المتعلم في حالة من الإنشغال المعرفي- الديني بحكم البيئة الثقافية والأدبية.

وكانت جامعة النجف من حيث البحث العلمي تقترب من الوجهة المنهجية من أرقى الجامعات العلمية، بل وأصعب من مثيلاتها ولعل من المفارقة ان نجري مقارنة مع جامعة اوكسفورد مثلا"، فحسب قول رئيس الوزراء العراقي الأسبق في العهد الملكي الدكتور محمد فاضل الجمالي، في محاضرة ألقاها من على منبر تلك الجامعة عام 1957، كانت حرية البحث العلمي فيها أوفر حظا" حيث كان على طالب الدرجة العلمية في جامعة النجف أن يقدم أطروحتين بدلا" من واحدة في ذات القضية التي يطلب الكتابة عنها، واحدة يؤيد فيها وجهة نظر فكرية او فلسفية أو معرفية معنية، في مجال علوم الدين والفقه والأدب والفلسفة واخرى يدحض او يفنّد او يعارض ما جاء فيها، لذلك كان الجدل يشكل ركنا" اساسيا" من أركان جامعة النجف التي مضى على تأسيسها نحو ألف عام. وعندما جاءها الامام الطوسي الذي توفي سنة 460 هجرية كانت الجامعة قد استكملت بعض مقوماتها واصبحت مركز استقطاب علمي.

إذن في النجف تجاورت الاضداد وإتخذ جدل المعرفة والحق في الاختلاف حيّزا" كبيرا" في علاقات اهلها وطلابها ونخبها، وبدا انتقال طلاب الفقه والعلوم الدينية وعلم الحديث، بعد سنوات دراسية طويلة من الفكر الديني الى الماركسي ظاهرة طبيعية، يتعايش طرفاها بوئام وسلام. ولعل عوائل كثيرة قد سارت على هذا الطريق مثل آل الجواهري، الرفيعي، بحر العلوم، الشبيبي، الحكيم، الخرسان، شعبان، سمسيم، والخليلي وغيرهم. وكان للظلم الذي ساد لعهود طويلة وانتشار الفكر اليساري هاما في هذا الانتقال.

وباختصار، لقد تاثرت بمجموعة من الانتماءات التي تمتد جذورها الى الحلاّج في صوفيته والمعرّي في فكره الاجتماعي والمتنبي في فلسفته والى عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب في مبدئيتهما والى ابي ذر الغفاري في دعوته للعدالة الاجتماعية والى ماركس في حداثويته، على الرغم من ميلي الواقعي الى الحلول الوسط والتصالحية والاعتدال وتقليب الاشياء للنظر اليها من زواياها المختلفة، وتحديدا الايجابية منها. ولعل ذلك احد دروس حياتي المستخلصة.

وهمت بالشعر منذ طفولتي، خصوصا" مع الجواهري وما زلت، وقبل أن أتعرف عليه حيث انعقدت بيننا علاقة صداقة مديدة فيما بعد امتدت نحو 30 عاما، ما دفعتني للكتابة عنه (بشكل لفت اهتمام النقاد – ز.ن) ولا غرابة في هذه الحالة ان بت انتمي للعشق، فهو محبة وسمو وتطهر وتسامح وعلى نقيض من الكراهية والاستئصال والالغاء.

نزعة انسانية

اما عن الوضع الميسور الذي كنت اتمتع به ودور عائلتي، فان ميلي الانساني لمساعدة المظلوم والفقير، كان سمة اعتز بها منذ صغري وقد اخذتها عن عمي ضياء الذي اخذها عن جدي شيخ جابر شعبان الذي اشتهر بمجلسه ونفوذه ومساعداته الانسانية. واعتقد ان هذا الميل، اضافة الى تربيتي المنزلية، كان الدافع لي لتبنّي الفكر الماركسي وقضايا حقوق الانسان فيما بعد، بحثا عن مجتمع عادل يتمتع فيه كل الناس بالمساواة والحقوق.

- هل من امثلة تتذكرها بهذا الصدد؟

لم يشأ الدكتور شعبان الاجابة على سؤالي، وانما احالني الى والدته الكريمة التي كانت تشاطرنا الجلسة لتقص عليّ بعضا من "مآثره الطفولية"، التي تشير الى مدى إحساسه بالآخرين وبمعاناتهم وميله لمساعدتهم، وإن على حساب نفسه، كما عن ميله للتمرد على العادات التي تنم عن الخضوع، وإن كانت في معرض التعبير عن إحترام الكبير في تقاليدنا العربية.

فقالت: كان في المرحلة الابتدائية عندما دخل الى البيت في احد الايام وخرج مسرعا يحمل كنزة صوفية من ملابسه، ثم عاد لتوه من دونها، فسألته عن سبب أخذها وعن المكان الذي وضعها فيه، حيث كان يرتدي اخرى كافية لتدفئته، فعرفت منه بأنه اعطاها لرفيقه " الفقير" الذي كان يرتعد من البرد.وتابعت تروي العديد من القصص التي تؤشر الى إحساس مبكر في الرحمة ومساعدة الغير، إلى أن وصلت لسيرة تمرده وإباء نفسه في الرواية التالية:

في مناسبة الاعياد كان أطفال العائلة يتراكضون لتقبيل يد جدهم (الحاج حمود شعبان) لنيل رضاه " وعيديته" الرسمية وكان حسين الوحيد بينهم الذي يرفض فعل ذلك مع أي كان، وكان يكتفي بمصافحتهم ويمضي غير آبه لعطاءاتهم.

- بعد سماعي حكايات والدته التفت اليه أسأله: دكتور حسين بمن تأثرت في مرحلة شبابك؟
* على مستوى المدينة تأثرت بالشيخ محمد الشبيبي والد الشهيد حسين، الذي أعدم مع فهد في سنة 1949 إبان الحكم الملكي فقد كان دائم الحديث عن الظلم الذي كان يمارسه الاقطاعيون والحكام والاستعمار بحق الشعب العراقي، الذي كان يعاني القسم الاكبر منه من الفقر المدقع. وقد تأثرت كثيرا لدى إعتقاله عندما كان مرشحا للإنتخابات عام 1954، ما دفعني الى المزيد من التمرد ورفض الظلم والإضطهاد كما تأثرت بالبطل الشعبي محمد موسى الذي إستشهد في العام 1963 وبمناضل آخر رعاناها ونحن فتية اسمه صاحب الحكيم صديق العمر، ولشدة حماسي في مقارعة الظلم ’حملت’ لأول مرة على الأكتاف في إحدى المظاهرات في العام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة وأنا أنشد للشاعر العراقي زاهد محمد:
يا عبّادة الدولار وأتباعه مد باع الشعب فنّه اليرد باعه
قرب ليكم الموت وقربت الساعة وجيوش الحتم بانت طلائعها






كتابات في الحب

- لديك الكثير من المؤلفات في قضايا الفكر والسياسة والقانون وغير ذلك، فيما الشعر لم يحظ منك بكتيب واحد، في الوقت الذي تقول فيه إنك تنتمي الى العشق وتبحر في الشعر. ألم تعشق يوما إمرأة تفجر فيك ينابيعه، أم قضية تلح عليك لتتناول انفعالاتك معها شعرا؟

• الحب هو الخيط النابض والناظم للحياة ويكتسب ألوانا" وأشكالا" متنوعة مع المراحل العمرية المختلفة للإنسان وعندما يحضر الشعر بكل جبروته وعنفوانه ورقته تحضر المرأة معه، وأي موضوع يتعلق بالانسان يتم تناوله تكون المرأة حاضرة فيه حتى وإن لم تذكر، فهي نصف المجتمع وما يصيبه يصيبها، لذلك نرى الشعراء يرمزون الى الوطن بالمرأة، فالتواصل الإنساني لا يستقيم بغيابها، وبوجودها يكون للشراكة متعتها وتكتسب الحياة بدورها جماليتها وشفافيتها وطعمها ومبرراتها، وأنا إن لم أترجم الحب شعرا" للمرأة أو عنها فإنني أنشده وأنثره دائما موادا" وبنودا" قانونية أقرب الى قلائد الزهر على رقبتها في دعواتي وكتاباتي ومواقفي الحقوقية وعملي لنصرة الإنسانية وإحقاق الحق وإنصاف المظلوم وتحرير الأوطان والإنسان من الاحتلال والاستعباد":
الزورق صلاة
الزورق يمضي يمطرني العطر
لا ينظر خلفه فأدوخ
لا يأخذ قسطه وأصلي كالمشتاق بدرب الوجد
يحمل ربانا" وحقيبة وأغني للحلم القادم
ينثر زهرا" أحلى أغنية
ينشر عطرا" ليس سواها
ويصلي للحبيبة إلاّ امرأة من ورد



امرأة من ورد البحر
ألوان كحديقة وذهبت.. ذهبت أودعك
الاحمر والاصفر واللوزي وطرقت الباب
لها طعم الشهد سألت الحانوتي
تأتي بجناحين سمعت المزلاج .. الصوت
وألوان فراشة الجرس
الأزرق مثل البحر الباب
والأبيض يزدان برائحة العسل النهد الهاتف يصمت’
والمرأة من ورد والموعد يسكت’
تفوح برائحة الورد وأنا أنتظر’
وبكل الألوان الزهرية!!! الهاتف
والموعد والمزلاج
يقرأ عند الباب
ويراقب’ عند الباب
وعند الباب يغرق’ في اللاجدوى
لكنه يمسك’ كل تلابيب الاشياء
ويبحث’ في تخريج للأسماء
يقرع’.. افتح .. !
من أنت؟
انتظرتك.. من أنت؟
أنا القادم من أعماق البحر
كل نصيبي حفنة ماء
زهرة ... رائحة للانثى
وأفق سماء !!




- ويتابع كلامه: ووفقا" لرؤيتي هذه فقد عبرت وما زلت اعبّر عن حبي للحياة وللمرأة، وإن كنت أتهيّب دخول مملكة الشعر لكن شيطانه يلاحقني. وكما قال الشاعر الامريكي اللاتيني اكتوفيو باث: اذا خلا رأس السياسي من الشعر تحوّل الى طاغية. الشعر والفن يهذبان النفوس ويضفيان عليها نزعة أكثر انسانية.

خصوصيات

- كيف تتعاطى مع المرأة وعالمها؟

• المرأة نصا" او نثرا" أو أدبا" أو مقالة" أو شعرا" أتناوله كرمز واتعاطى معه كأجمل شيء في هذه الدنيا، انها تعبير روحي ووجداني لما يختلج في داخلي من مشاعر انسانية فيّاضة وتحصيل حاصل الدفاع عن حقوقها وحقوق الانسان بشكل عام سواءا" امرأة أم رجلا"، كبيرا" كان أم صغيرا". لذا فإن كتاباتي وإن كانت تتعلق بالفكر والسياسة والقانون والثقافة إلاّ أنها امتزجت بالنظرة الإنسانية وحقوق الإنسان، ولم تكن المرأة والحب بعيدان عنها، فالمرأة هي الفضاء الذي يجعلني أحلّق بعيدا" في انسانيتي، والانسان بدونها وبدون الحب يصاب بالجدب والخواء.

في الحب يتوحد العشق والوجد والصبابة والامل
والمرأة تزيد من أنسنة الانسان وتعطيه قدرا" متعاظما"
من التوازن والاعتدال والخلق

- دعني إذن أسألك كيف تناولت القضايا التالية:

الوطن
كتبت عن وطني العراق عشرات الابحاث والدراسات والكتب، والوطن بالنسبة لي ليس دجلة والفرات أو " الرطب البرحي"(التمر او البلح) الذهبي أو الأصفر، وليس الدولة أو السلطة إنما هو إنتماء ومشاعر وذكريات وكرامة وتفاعل مع ناسه وقضاياهم، كما إنه فضاء، انطلقت من بيئته، وكانت كتاباتي عنه إحدى وسائل الدفاع عن النفس ضد النسيان والجمود وبمثابة فعل مقاومة وفعل تغيير. ولا يمكن الحديث عن وطن معافى في ظل الاحتلال أيا" كان هذا الاحتلال أمريكيا" أو صهيونيا" والوطن بلا ديمقراطية يتحول الى ديكتاتورية وربما كابوس والديمقراطية تحتاج الى فضاء إنساني رحب.

العروبة
لقد كرست جزءا" من جهدي الفكري لمناهضة الصهيونية، ولدي ستة كتب عن الصهيونية والصراع العربي الاسرائيلي، إضافة الى أربعين بحثا" ودراسة كان آخرها عن القدس- المدينة المفتوحة. ولأنني أعتقد بأن وجودي الوطني يتحقق بانتمائي الى حضارة أمة عريقة وثقافة عربية- إسلامية شكلت امتدادا" حضاريا" لسابقتها في وادي الرافدين، التي يتجاوز عمرها السبعة آلف سنة، فإنني مع وحدتها الديمقراطية الأسلوب، الاجتماعية المضمون، بهدف إحداث التنمية المنشودة واللحاق بركب الحضارة العالمية والتفاعل معها والاستفادة من منجزاتها.

ولأنني "قومي عربي" غير تقليدي أي باتجاه ديمقراطي وأعتز بعروبتي وبإنسانيتها وأطالب بحقها بالوحدة والتقدم، فإنني أدعو الى حق الأمم المجزأة بالوحدة وإلى حق تقرير المصير والتنمية للشعوب كافة.وأنا من دعاة الاعتراف بحقوق القوميات والأقليات وحق تقرير المصير، وخصوصا" للشعب الكردي، مع مراعاة مصالح النضال الوطني والقومي لدول المنطقة، ولعل هذا الحق يعني إما الاستقلال التام أو الاتحاد الاختياري الأخوي، وقد اختار الكرد الاتجاه الثاني وعليهم أن يتفاهموا مع عرب العراق الذي يؤلفون نحو 80% من سكانه، في ظروف طبيعية وسلمية وبعيدا" عن الاحتلال وضغوطه، ومن خلال ممثلي الشعبين العربي والكردي، وعند ذلك يمكن تحديد سقف وحدود وصلاحيات " الفيدرالية" او غيرها من الصيغ الحقوقية والسياسية للعلاقة العربية- الكردية وأعتقد ان النظام الفيدرالي هو الأكثر تطورا" على المستوى العالمي خصوصا" وقد عانينا من نظام الدولة المركزية ذات الابعاد الشمولية الصارمة. وكذلك أنا مع كل حل سلمي وديمقراطي لقضايا القوميات والأقليات والاعتراف بحقوقها القومية والثقافية والإدارية في ظل أنظمة ديمقراطية تعددية تقدم الحق بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة الذي يعتبر ركنا" أساسيا" في الدولة العصرية.

- أنت مع ما جاء بالدستور الجديد (قانون إدارة الدولة العراقية الموقت). فيما يخص الأكراد؟ (أتحفنا د. شعبان فيما بعد بكتابات عديدة عن مشروع الدستور الدائم في مجلة المستقبل العربي وصحيفة الحياة والنهار وعدد من المواقع على شبكة الانترنيت ز.ن)

• الدستور الموقت بكلياته امر مرفوض لانه صيغ بعيدا عن رأي الشعب ومن جهة غير منتخبة، بل معيّنة من الاحتلال الامريكي وإدارة بول بريمر المدنية واحتوى على تناقضات صارخة. وألغام خطيرة سواءا" ما يتعلق بتعويم عروبة العراق او علاقة الدين بالدولة او موقع القوات المسلحة او امكانية تعطيل الدستور بموافقة ثلثي ثلاثة محافظات او التباسات الجنسية او غيرها.

اما بجزيئاته فقد تضمن بعض المبادئ الايجابية كقضايا حقوق الانسان والمساواة والمواطنة وحرية التعبير واستقلال القضاء وإلغاء القرار 666 الخاص بنزع الجنسية عن آلاف العراقيين وغير ذلك من المبادئ المتقدمة على جميع الدساتير السابقة. وهي يمكن أن تدخل في الدستور الدائم (ودخلت بالفعل ز.ن) أما بخصوص الكرد فإن هناك إشكالا" قانونيا" ودستوريا". وإذا كنّا مع ضمان حقوق الأقلية وهذا امر مشروع وواجب على الاغلبية، فالأقلية بدورها ينبغي أن تراعي حقوق الأكثرية، بما تتطلبه قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

النص الملتبس الذي تم وضعه سيثير الكثير من الإشكالات خصوصا" وقد شمل على حق ثلثي سكان ثلاث محافظات في تعطيل الدستور من اصل 18 محافظة. وهذا امر غريب ومثير للشك والشبهة وأعتقد أنه يضر الأكراد، لأنه سيثير حفيظة الآخرين ويشجعهم على رفض حق الأكراد في "الفيدرالية"، بل إنه دفع بالبعض الى رفض أي حديث عن النظام الفيدرالي باعتباره يقود الى الانفصال ومن جهة ثانية شجع بعض الطامعين والمغامرين للحديث عن فيدراليات في الجنوب والوسط، التي هي اقرب الى الدوقيات والكانتونات ودويلات الطوائف وغيرها (وحصل الامر عند مناقشة مشروع الدستور الدائم الذي تم الاستفتاء عليه في 15 تشرين الاول (اكتوبر) 2005 واجريت الانتخابات فيما بعد في 15 كانون الاول/ديسمبر من العام نفسه ). ولهذا أعتقد أن الضمانة لحقوق الكرد ليس في النص المثير للأشكال بل في العلاقة المتينة مع عرب العراق وعبر الاتفاق، لأن هذه العلاقة إن لم تتم بالاتفاق وفي ظروف سلمية وطبيعية ستكون قلقة وربما عرضة للانهيار مهما بلغت النصوص القانونية من ضمانات.
اذا كانت صيغة برسي كوكس- مس- بيل البريطانية في العشرينات قد فشلت رغم أنها حكمتنا 38 عاما" (القانون الاساسي)، فلا أعتقد ان صيغة بول بريمر – زلماي خليل زاد الاميركية ستنجح، بل إن الفشل حليفها خصوصا" باعتمادها القسمة الطائفية – الإثنية البغيضة.

الإسلام
لم يكن الإسلام والمسلمون خارج دائرة اهتماماتي، خصوصا بعد الإساءات والتشويه الذي لحق به وبهم فألفت أربعة كتب عن الإسلام وقضاياه الفكرية وأعددت أبحاثا" تخصه ونظمت عددا" من المؤتمرات واللقاءات الحقوقية والفكرية في "لندن" جرت بها حوارات واسعة بين علمانيين وإسلاميين من العرب والأجانب، وشهدت نقاشات حادة بينهم لدى تناولهم وضع المرأة في الإسلام والموقف من أهل الذمة والجزية ودار الحرب ودار الإسلام وغيرها.

إن الاسلام يشكل الهوية الكبيرة والخلفية الحضارية والثقافية لأمم وشعوب بكاملها، كما هو جزء من التكوين الروحي والأخلاقي لها، ويقارب عدد معتنقيه فيها المليار والاربعمائة مليون نسمة، بينهم اختلافات وتنوعات وتعارضات، مثلهم مثل كل معتنقي الأديان الأخرى، وفيهم المتدّين وغير المتديّن، والمحافظ والمتنور والمنفتح والمنغلق الذي يريد العودة بنا الى ما قبل الف واربعمائة سنة، وفيهم المتطلع والساعي للتعايش مع روح العصر والاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا واللحاق بالركب الحضاري او الذي يريد الابقاء على الماضي وتقديسه حتى وان كان بعضه إثما". ومع ذلك فإنهم يحتفلون جميعا" على الرغم من اختلافهم بالأعياد والمناسبات الإسلامية ويطلقون على أبنائهم وأحفادهم اسماء إسلامية أيضا" ويؤدون الواجبات الدينية كلها أو بعضها، كما يعتزون بانتمائهم الى حضارة ساهمت في رفد البشرية بالكثير من الايجابيات وبعناصر القوة، في الفكر والفلسفة والجبر والهندسة والطب والعلوم والفلك وغيرها.

وعلى ضوء ذلك يتوجب على " الغرب"، أن يعيد النظر بموقفه السلبي من الدين الاسلامي والمسلمين ككل، حيث يغدو "شكلنا" جميعا" كما هو الحال اليوم، لابسين عمامة بن لادن ونتصرف على طريقة حكومة طالبان او نعيش في الكهوف مثل تنظيمات القاعدة، وفي ذلك خدمة للصهيونية والأطماع الاستعمارية بمنطقتنا العربية اولا" وبالدول الإسلامية ثانيا".

المسلمون والعرب لديهم همومهم كغيرهم من البشر، يريدون العيش بسلام وأن يذهب أطفالهم الى المدارس وأن يلبسوا الاحذية، لا أن يعيشوا متسوّلين حفاة، كما يريدون ان يكون لهم الحق في العلم والعمل والتنمية والتطور والاستفادة من خيرات بلدانهم من دون تبديد ثرواتهم على الحروب وشراء الاسلحة، وأن يكون لهم الحق بالطبابة والاستشفاء، لا تقديم حبات المسكنات المعدودة لهم والمحسوبة عليهم، مثل بعض قرارات الامم المتحدة.

وعلى العرب والمسلمين أيضا" ان يعيدوا النظر في العلاقة مع الغرب الثقافي، الذي يختلف عن الغرب السياسي. فقد كان الغرب الثقافي ملهما للكثير من الحركات الانسانية ووقف مع قضايانا العادلة، اما الغرب السياسي فقد كان يعبّر عن مصالح الفئات والطبقات الحاكمة التي تريد فرض الهيمنة والاستتباع علينا، وإملاء الإرادة، مثلما هو موقف بعضها السلبي من قضايا المهاجرين واللاجئين.

كنت وما زلت ضد تسييس الدين كما أنني ضد تديين السياسة، وأعتقد أن مكان رجال الدين هو دور العبادة والمساجد والجوامع والكنائس، ولهذا فإن الاسلام السياسي ألحق ضررا" بالدين وبالسياسة في الوقت ذاته، مما يقتضي فصل الدين عن الدولة، ولا تستقيم المجتمعات العربية والاسلامية دون دولة مدنية عصرية تقيم وزنا" لمبدأ المواطنة والمساواة واحترام حقوق الانسان، ذلك هو الذي يضعها على طريق التنمية والحكم الصالح والديمقراطية والتقدم.

حقوق الانسان
أشعر بإنسانيتي وأنا أنتمي الى هذا المجال وأعمل في فضائه الرحب والواسع بمناخات المساواة الإنسانية، حيث لا يوجد التمييز أو التفريق بين الأديان والاعراق والجنسيات... ومعياري في الموقف من اي طرف يتمثل بمدى التزامه بالقيم الانسانية، أكان وطنيا" او قوميا"، اشتراكيا" او ليبراليا" إسلاميا" او مسيحيا" او يهوديا" او بوذيا" او هندوسيا" او غير ذلك.

ووفق هذه المعادلة الصعبة لا يوجد قومي حقيقي إن لم يكن وطنيا" وبالعكس، وإن لم يكن ديمقراطيا" كما لا يمكن ان يكون مسلما" او مسيحيا"، قوميا" او وطنيا" او حتى ديمقراطيا" حقيقيا" إن لم يكن انسانيا".فالإنسانية هي العامل المشترك بين جميع الحضارات والثقافات والمبادئ الدينية والعلمانية، وهي حاصل جمع لكل التكوينات والتشكيلات في إطار فسحة تسمو على كل هذه الاتجاهات والتيارات والمعتقدات.

وإيمانا" مني بذلك ما زلت أعمل بدأب في مجال نشر ثقافة حقوق الانسان ونصرة قضاياه، وقد نشرت لهذه الغاية اربعة كتب إضافة الى إعدادي وتقديمي لعدد آخر من الكتب، تناولت قضايا حقوق الانسان أيضا، هذا عدى إسهامي وقيامي بعقد المؤتمرات والندوات وبكتابة العديد من الأبحاث.

حركة حقوق الانسان العربية هي الأخرى بحاجة الى تجديد وإصلاح ودمقرطة وهي تعاني من بعض أمراض الأنظمة العربية، حيث تتشبث بعض قياداتها بمواقعها، كما ان بعض قياداتها تعاني من الشيخوخة والخواء الفكري. ولذلك فهي بحاجة الى مراجعة ومعالجة ونقد ذاتي يعيدها الى طريق الصواب رغم نجاحاتها غير القليلة. والنقد الذاتي لا يستهدف نشر الغسيل الوسخ كما يعتقد البعض بقدر ما هو ضرورة لمراجعة التجربة وتخليصها من الترهات والتشوّهات والامراض التي علقت بها.

- أين أنت الآن من الماركسية؟

• اعتبر نفسي الآن اقرب الى الماركسية من أي وقت مضى، ولكن للماركسية الحقيقية، وليست الماركسية الرثة او المبتذلة. الماركسية بمعنى كونها منهجا" واداة للتحليل، ولكني بعيد كل البعد عن الماركسية التلقينية اللاعلمية ذات اليقينيات والحتميات القدرية التي سادت لعقود من الزمن وانشأت أنظمة مشوّهة ودكتاتوريات سافرة واحتقانات اجتماعية ومسخت الفرد والمجتمع في آن، سواءا" على مستوى بلدان الاصل "الاشتراكية" او بلدان الفرع " التحرر الوطني". الماركسية بحاجة الى مراجعة جدية انطلاقا من منهجها وحيويتها، خصوصا" وانها شغلت العالم والعلاقات الدولية لاكثر من قرن ونصف من الزمان، منذ ان تجوّل ذلك الشبح في اوروبا العجوز وكان منذرا" بانهيار انظمتها.
لقد انتهيت منذ زمن ليس بالقصير عن أية علاقة تنظيمية بالتيارات والحركات الشيوعية، ولكنني أعتبر الماركسية احدى المدارس الفكرية والاجتماعية المهمة المؤثرة بأجيال، وهي دليل ومرشد للعمل وليست احكاما" جاهزة او معلّبة كما حولها بعض الشيوعيين والماركسيين، لدرجة انهم اختزلوها الى دين ولاهوت، بحيث أصبحت أقرب الى التعاويذ والأدعية بدلا" من كونها منهجا" حيّا" وقادرا" على التجديد.
الماركسيون والشيوعيون العرب بحاجة الى نقد ذاتي وتقديم كشف حساب لتجربتهم، كما هم بحاجة ماسة وشديدة الى معرفة واقع مجتمعاتهم الذي ينبغي ان يدرسوه بعناية وعمق ويلقوا جانبا" الافكار المسبقة الصنع والشعارات التي عفى عليها الزمن. ولا يمكن الاستغناء عن الحاضر بتمجيد الماضي والتغني ببطولاته. الحاضر لا بد ان يكون امتدادا" للماضي. ونقد الماضي وسيلة مهمة لاستشراف المستقبل، والحاضر هو الحلقة المهمة التي تحتاج الى وقفة جدية للمراجعة والمساءلة الذاتية أولا" وبالتالي انتهاج سياسات جديدة من خلال اعادة النظر بمفهوم الحزب والطليعة ونظرية الدولة والموقف من الديمقراطية والتطور السلمي ودكتاتورية البروليتاريا والبعد القومي ومبدأ التأميم الشامل ودور الدين ومكانة الفرد والعامل الاقتصادي ودور العامل النفسي وغير ذلك، ويتطلب الامر توفير الشروط والمستلزمات الموضوعية والذاتية لذلك، ولكن على اقل تقدير لا بدّ من وضع مسافة بين قوى اليسار وبين القوى التي ترّوج للواقعية الرخيصة بحجة "استحقاق العولمة" لدرجة انها تبرر التعاون مع الاحتلال او تزيّن صورته.

تلاوين ثقافية مختلفة

- أنت ضد العنف واستخدامه، كما أنك من دعاة السلام بين الشعوب وعضوا" في لجنة أنصار السلام كيف توّفق بين هذا وبين تأييدك للعمل المسلح الذي تقوم به المقاومة الفلسطينية، التي عملت في صفوفها ردحا من الزمن، ناهيك عن ترؤسك لمجموعات مسلحة في كردستان العراق مع البيشمركة في ثمانينات القرن الماضي؟

• إن استخدام المقاومة الفلسطينية للسلاح كان وسيلة للدفاع عن الشعب العربي الفلسطيني الذي احتلت ارضه وتشرد من وطنه، وحق مقاومة المحتل والدفاع عن النفس مكفول في القانون الدولي، وهذا الحق تقرّه المواثيق الدولية كما يقرّه ميثاق الامم المتحدة وحق تقرير المصير يعتبر احد المبادئ الآمرة في القانون الدولي Jus Cogens. وانتسابي الى المقاومة الفلسطينية عمل أتشرف وأعتّز به ولا اتبرأ منه او استنكره او اخفيه مثلما يفعل البعض الآن، علما" بان علاقتي بالمقاومة كانت علاقة صداقة فكرية وثقافية وليست تنظيمية حيث كتبت في صحفها ومجلاتها وألقيت محاضرات في العديد من اماكن التجمع الفلسطيني والمخيمات اضافة الى دورات تدريبية شاركت في اعدادها لتأهيل كوادر ثقافية واعلامية وحقوقية فلسطينية.

اما عملي في صفوف الانصار او " البيشمركة " الشيوعيين فلم يتعد المهام الاعلامية والسياسية والفكرية والثقافية حيث كنا ننظم الاجتماعات والملتقيات هناك في اعالي الجبال في كردستان بهدف "التأهيل" والاعداد السياسي والفكري. وأنا لم استخدم السلاح حتى على المستوى التدريبي، اي انني لا اعرف استخدامه ولم ابذل جهدا" لذلك لانني كنت واثقا" بأنني لن ألجأ اليه، وكان البعض يتندّر عليّ حين كنت أسير مع "المقاتلين" في القرى الكردية اعزلا" من السلاح، ويقول الكثير منهم لي" ان حمل السلاح امام الفلاحين يكسبنا احترامهم"، غير انني لم اكن ابالي بسخريتهم واكتفي بالرد عليهم بالقول:" لا خوف علي لانني بحمايتكم" والله وحده هو الذي يحميني وهكذا كان وما يزال سلاحي الفتاك القلم والكلمة والرأي، واعتبر الحرف هو المدفعية الثقيلة التي لو أحسن استخدامها لكان تأثيرها وفعلها كبيرا"، مثلما هي الصورة حاليا".

- على مدى اربعين سنة من اهتمامك وتعاطيك بالشأن العام أنجزت أكثر من ثلاثين كتابا" في القانون والسياسة الدولية وفي الصراع العربي الصهيوني وفي الاسلام وحقوق الانسان والثقافة والادب، وأقمت واشتركت بالعشرات من الندوات والمؤتمرات الدولية والعربية والمحلية، واعددت الكثير من الابحاث وما زلت بانتظار صدور العديد من مؤلفاتك المنجزة، وتوفر لك خلال تلك السنوات التعرف على العديد من الشخصيات العالمية والعربية وخضت تجارب وصراعات ، اصبت فيها احيانا"واخطأت احيانا" اخرى وعلى ضوء ذلك، هل يمكنك اطلاعنا على ما توصلت اليه من دروس وعبر استخلصتها من مسيرتك. وما هو تقييمك لانجازاتها؟

* انا من اربعين خلت أطعم’ النيران باللهب
(كما يقول "الجواهري الكبير")
لعل أهم دروس حياتي بنجاحاتها واخفاقاتها تتلخص في تقديسي للحرية التي أرى فيها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، الدرس الثاني هو الانتماء الى العقل والاعتدال والتمسك بقيم السلام والتسامح وبحقوق المرأة كاملة وحقوق القوميات والاقليات وعدم التمييز والانتماء الى الدائرة المدنية والى التقدم بعيدا" عن التعصب او الغلو، باعتبار الانسان هو معيار كل شيء على حد تعبير الفيلسوف اليوناني بروتاغوراس، فالانسان أثمن رأسمال وهو القيمة التي تسمو على الايديولوجيات والنظريات والافكار، ولعله هدف كل دين وفلسفة وعقيدة.
وتتلخص اهتماماتي حاليا" في نشر وتعميم وتعزيز ثقافة حقوق الانسان والدفاع عن القيم والمثل الانسانية، ولكن نظرتي لهذه الحقوق من وجهة نظري المهنية شابها في السابق شيء من القصور، حيث كنت أقدّم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الحقوق السياسية والمدنية، في الوقت الذي كنت فيه مع حق الامم في تقرير مصيرها وحقها في نيل استقلالها وإقامة نظامها الاجتماعي والسياسي، لكني لم أعر الاهتمام الكافي بالحقوق الفردية كما فعلت بالنسبة للحقوق الجماعية، واعتقد ان تلك مرحلة كانت سائدة وعلينا نقدها وتجاوزها.

ومن خلال تجربتي بت اعتقد ان الجيل الثالث لحقوق الانسان يكتسب نضاله ودوره اهمية كبيرة، لانه تجاوز حدود الحقوق الضيقة الخاصة بالجماعة والافراد، تلك التي وسمت مسيرة ونظريات كل من منظومة الدول، التي كانت تسمى بالاشتراكية، او الدول الغربية (الرأسمالية)، حيث اخذ هذاالجيل يقترب من الحقوق السياسية والمدنية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الفردية والجماعية، وقد اثمرت نضالات الشعوب في هذا المضمار من اضافة حقوق جديدة للجماعة والافراد على حد سواء الى منظومة حقوق الانسان، تمثلت بالحق في التنمية والحق في السلام والحق في البيئة النظيفة، والحق في الاستفادة من منجزات الثورة العلمية- التقنية، كحق فردي وجماعي، ويمكن إضافة الحق في الديمقراطية" كجزء من حقوق الانسان للجيل الرابع.

إذن نعيش الآن مرحلة الاقتراب من الاكتمال والنضج الدولي في مجال حقوق الانسان، بعيدا" عن النظريات القاصرة والاحادية. كما أن تجربتي أوصلتني الى القناعة القائلة: إن الفكر الانقلابي الثوري قد وصل في كل العالم الى طريق مسدود، وأن التطور لا يتم الاّ بشكل تدريجي بطيء عبر التراكم والتدرّج الطويل الأمد وليس بعمليات قيصرية. وهذا ينطبق على القانون والدين والمجتمع، حيث تم تطورهم على مستوى التراكم الفكري والنظري والفقهي، في حين كان التطور الفوقي ينتهي ولو بعد حين الى الحضيض. لا أدري كيف ارتدت الثورات وأكلت أبناءها وآباءها في نهاية مطافها؟!

استطيع القول انني ارتكبت كثيرا" من الاخطاء اليومية، ولا عمل من دون أخطاء أو اخفاقات فمن لا يعمل لا يخطئ، والكمال لله وحده، والاخطاء اليومية المتعلقة باتخاذ هذا الموقف او ذاك وتبني هذه الفكرة او تلك امر طبيعي في الحياة، ولكنني كنت دائما في مراجعة ونقد ذاتي بكل جرأة وان كانت تلك الاخطاء غير استراتيجية بل عابرة وبعضها كان ابان احتدام الصراع .. لكنني بعد حين كنت لا اتردد من نقدها بضمير مرتاح ، ومع ذلك فهي جزء مني وانا لا استنكف منها أو أخفيها، بل هي اخطاء صميمية لانها تمثل اجتهادات لم تصيب او مواقف لم تزكيها الحياة.
دعيني اردد مع بابلو نيرودا :
الآن هو الآن
أمس قد كان
ليس هناك من شك

- لدى زياراتك للعراق محتلا، أي مشاعر اعتملت في نفسك؟ وماذا بقي من نجف الماضي؟

• لازمتني دموعي وأنا أتوغل في الارض العراقية عبر الحدود الاردنية بعد نحو شهرين من "سقوط" بغداد ووقوعها تحت الاحتلال كنت اريد لعجلات السيارة ان تلتهم الطريق… كلما توغلت ازددت حسرة وأسفا" على مصير بلدي الذي ظل بين المطرقة والسندان، بين القهر الخارجي والقمع الداخلي.
عند مشارف بغداد " بكيت" بصمت عندما رأيت الدبابات الامريكية تتجول في شوارع وأزقة المدينة العريقة التي كانت حزينة، مكفهرة، مستلبة على طول زمن، ليس بفعل الاستبداد والقمع والاحادية الشمولية وحدها، إنما بفعل الحصار والحروب والاحتلال فيما بعد:
رددت مع نفسي مطلع قصيدة الجواهري الكبير التي هي بعنوان " بغداد"

لا درّ درك من ربوع دياري
قرب المزار لها كبعد مزاري

هكذا هي بغداد، نكون فيها، في كل مرة نشعر بالالم والاغتراب احيانا"، ونحن في المنافي فتأتينا بغداد الحنين والشوق، ألم وحزن واغتراب من نوع آخر. والنجف التي عاشت في داخلي، كنت أستحضرها بكل تفاصيلها ومفرداتها وخصائصها وتناقضها وتميّزها.

النجف اختلفت … لم تعد هي المدينة التي اعرفها. فجوار الأضداد الذي كان حالة صحية وإيجابية تحوّل اليوم الى إحتقان وتنافر. والقوى الطارئة تتحمل مسؤولية في ذلك، اضافة الى قوى الاحتلال.

حزني كان كبيرا" عندما اكتشفت مرة واحدة وبعد أمل واستلهام طويل أنه: تم مسح ذاكرتنا، حتى بيتنا لم أجد له أثر. ليس هذا فحسب بل إنني قضيت يوما" كاملا" أفتش فيه عن قبر والدي!! الاستبداد شيء ذميم ولا يرحم والأكثر من ذلك وانت تشاهد جنودا" امريكان يأكلون الكباب في مطاعم النجف أمام استغراب وحيرة شعبية، لكن الأمر تغير فلم يعد بمقدورهم الاستمتاع بشمس العراق الذهبية، التي تحوّلت ربما الى كوابيس مزعجة.

ما يخيفني الان هو بعض النزعات الطائفية والفلتان الامني وغياب هيبة الدولة وأعمال عنف عشوائي تختلط وتشوّه الحق في مقاومة المحتل وضعف المواطنة والبحث عن إمتيازات وتبريرات واتهامات متبادلة بخصوص الاحتقان والتوتر وصورة المستقبل تبدو مشوشة ومضطربة بل انها اصبحت تدعو للتشاؤم وبغداد التي صقلتني وزودتني بكل هذا العشق، الذي ما زلت اعيشه وكأنني ابن العشرين اراها اليوم حبيسة ومخطوفة لا حول ولا قوة لها كنت انتظر ان تستقبلني وهي فاردة ذراعيها معطرة بالياسمين ظافرة جدائلها ويفوح البخور من بين طيات ثيابها واذا بها كسيرة مكسوفة ومحتلة!.

النجف مخزون ذاكرتي الذي لا ينضب وهي مصدر إلهامي مثلما هي بغداد خزانة الأسرار والآمال وأينما أكون وحيثما أكون أتوزع بينهما بين بغداد والنجف، بين زوجتي وعشيقتي، إذ لا أستطيع الاّ أن أفكر بالأخرى عندما أكون مع الاولى والعكس صحيح، فما بالك وأنا مكره على البعد عنهما معا" "بين الحين والحين"!

من النجف بدأت واليها أعود، وكنت قد كتبت في وصيتي قبل سنوات، اذا اصطادني ذلك الذئب المتربص بي وافترسني القدر، فأرجو ان لا تألوا جهدا" رغم كل الاسباب لايصالي الى النجف وان تعّذر ذلك لظروف قاهرة فأي مكان من ارض العراق.. اربيل او غيرها، ولتكن دمشق مثلا" الخيار الثاني، كنت اتمنى ان اقول القدس، لكنها هي الاخرى محتلة من الصهيونية.

يا دجلة الخير يا نبعا" أفارقه على الكراهة بين الحين والحين
انيّ وردت عيون الماء صافية نبعا" فنبعا" فما كانت لترويني



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم العربي ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان
- هل تستطيع حلّ العقدة العراقية والسورية اللبنانية ؟!! جامعة ا ...
- بيئة العنصرية وكراهية الآخر هل نحن في مواجهة مع الغرب!؟
- مفارقات - الالتباس- الحضاري مسيحيو العراق والاساءة الى النبي ...
- حوار مع الناقد والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان
- رؤية في مشروع الدستور العراقي الدائم
- هل هو فعل إكراه أم فعل ارادة ؟
- الفيدراليات العراقية بين التأطير والتشطير
- تقرير متخصص يسلط أضواء جديدة علي الوضع الانساني (2-2) أكثر م ...
- العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق