أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الحسين شعبان - العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان















المزيد.....



العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 138 - 2002 / 5 / 22 - 09:01
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تقرير متخصص يسلط أضواء جديدة علي الوضع الانساني في العراق (1-2) العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان -


ظلت قضية حقوق الانسان في العراق شائكة ومعقدة وتزداد تفاقماً واتساعاً علي مر الايام، كما كانت المعلومات وما تزال بشأن الانتهاكات والخروقات ملتبسة ومتداخلة أحياناً، ولا تلقي في الكثير من الاحيان، الاهتمام الذي تستحقه، بسبب انغلاق الدولة والسرية التامة التي تتعلق بمثل هذه القضايا، وعدم السماح لمؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان العراقية والعربية والدولية، من الاطلاع عليها أو التثبت من صحة وقوعها، أو التوثق من دقة المعلومات التي تردها، فضلاً عن الآلة الاعلامية الكبيرة، التي تمتعت بها السلطات العراقية داخلياً وخارجياً، وساهمت في تبرير تلك الانتهاكات أو التقليل من شأنها أو حتي نفيها.. وكانت الحكومة العراقية وما تزال ترفض مناقشة هذه القضايا وتعتبرها مساساً بالسيادة و تدخلا في الشؤون الداخلية من جانب جهات مريبة أو مشبوهة أو حاقدة أو لا تريد خيراً للعراق علي أقل تقدير. وكانت تدخل في مواجهات تقع في باب أن الهجوم خير وسيلة للدفاع وبالتالي لابد من اثارة زوبعة من الاتهام والشك بصحة ما يقال، بل واتهام من يتصدرون لتلك القضايا الحقوقية بشتي التهم التي ما انزل الله بها من سلطان.
ولأن كانت قضية حقوق الانسان شائكة ومعقدة منذ عقود من السنوات، فقد ازدادت التباساً وتداخلاً خلال العقد ونيف الماضي، بسبب استمرار الحصار الدولي الجائر ونظام العقوبات الدولي المفروض علي العراق، الذي أصبح نوعاً من أنواع الابادة الجماعية والحرب التدميرية الطويلة الأمد ضد السكان المدنيين العزل وبخاصة الأطفال والنساء والشيوخ، حيث راح ضحية ذلك أكثر من مليون مواطن عراقي، بما يعد جريمة دولية كبري حسب القانون الدولي. لقد ضاعف الحصار الدولي من انتهاك كامل منظومة حقوق الانسان الدولية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يعد خرقاً سافراً وخطيراً وجسيماً للشرعة الدولية لحقوق الانسان المتجسدة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 والعهدين الدوليين الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، اللذان دخلا حيز التنفيذ عام 1976 وكذلك للبروتوكول الاختياري الأول.
وبهذا المعني يمكن القول إن قضية حقوق الانسان ليست قضية وطنية وقومية فحسب، بل اصبحت خرقاً وحماية قضية دولية، إلي أن تدويلها اتخذ بقرار من مجلس الأمن الدولي في 5 نيسان (ابريل) 1991 بصدور القرار 688، وهو قرار ملزم وينبغي تنفيذه رغم أن حجيته القانونية هي أدني من القرارات التي سبقته ولحقته وقاربت من 50 قراراً بصدورها ضمن الفصل السابع الخاص بالعقوبات.

القرار 688
لقد تحدث القرار 688 عن وقف القمع الذي يتعرض له السكان المدنيون في العراق والذي يشمل المنطقة الكردية واعتبار هذا القمع تهديداً للسلم والأمن الدوليين، كما أعرب عن الأمل في كفالة احترام حقوق الانسان والحقوق السياسية لجميع المواطنين، داعياً الأمين العام إلي تقديم تقرير دوري عنها، وبذلك فتح الباب أمام مبدأ التدخل الانساني، الذي يعتبر القرار 688 الايذان الأول لاعتماد هذا المبدأ القانوني الدولي الذي سيحظي باهتمام كبير من ناحية الفقه القانوني الدولي ناهيكم عن اهتمام المؤسسات الحقوقية الدولية به.
وارتبط ذلك أيضاً بهذا المعني بالقرارين 706 و712 والقرار 986 المعروف بالنفط مقابل الغذاء وكذلك القرار 1284، التي تعني بالتخفيف عن معاناة العراقيين بسبب استمرار نظام العقوبات الدولي، رغم المواقف المختلفة ازاءها.
لقد تحدثت هذه القرارات عن اجراءات وآليات، وان لم تكن مستكملة وبخاصة عند التطبيق، وأحياناً ينظر إليها بازدواجية وانتقائية وتوظف لأسباب سياسية بعيداً عن دوافعها الانسانية. ولهذا السبب ظل القرار 688 من بين دزينة من القرارات المجحفة والمذلة وبخاصة القرار 687 المعروف بـ(أبو القرارات) يتيماً لانه لم يصدر ضمن الفصل السابع وتائهاً لانه لا يوجد أحد يرعاه أو يهتم به، بما فيه مجلس الأمن الذي اصدره، ناهيكم عن الولايات المتحدة التي كانت تصر علي تطبيق جميع قرارات مجلس الأمن، لكنها لم تضع ضمن أولوياتها القرار 688 وهو القرار الذي انتصر للشعب العراقي، وكانت الحكومة العراقية قد رفضت رفضاً قاطعاً تنفيذ هذا القرار في حين وافقت علي قرارات أكثر إذلالاً واجحافاً بحق العراق ومستقبله، وحتي أوساط المعارضة العراقية لم تحشد الجهود والطاقات وتعمل الفكر باتجاه ايجاد آليات تساعد الأمم المتحدة وتضغط عليها لتطبيق هذا القرار في اطار اشراف دولي لتأمين احترام حقوق الانسان.
وللأسف فان قضية حقوق الانسان كغيرها من القضايا النبيلة، اخضعت في السابق والحاضر، لبعض المصالح الدولية وذيولها واتباعها. فقد كانت تغض النظر لسنوات طويلة عن انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الانسان في العراق، وهي لا تتحدث اليوم عن الانتهاكات الخطيرة والجسيمة التي يسببها الحصار الدولي ونظام العقوبات الطويل الأمد وكأنها غير معنية بما يجري، بما فيها بعض الجماعات الممالئة للقوي الدولية المتنفذة وبخاصة للولايات المتحدة التي تصر علي استمرار الحصار الدولي بحجة اجراء التغيير المنشود في العراق.
وكان للحصار الدولي تأثيراته السلبية الخطيرة ازاء بنية ونسيج المجتمع العراقي، وصحة أبنائه وتعليمهم وتربيتهم ومستقبلهم ووضعهم النفسي والاضرار التي تركتها علي البيئة والثروة ليس علي صعيد الحاضر، بل علي صعيد المستقبل أيضاً.
ولكن هل يكفي ذلك؟ فالانتهاكات كانت قبل الحصار وخلاله وستبقي بعده طالما ظلت البنية السياسية والقانونية للحكم في العراق كما هي ومن دون تغيير وانفتاح. ويكتفي الحكم وذيوله واشياعه في الداخل والخارج أو من يلتقون معاً فكرياً من التيار التقليدي لاظهار تأثيرات الحصار، من دون الحديث عن الانتهاكات والخروقات، أو التقليل منها بحجة الأوضاع الاستثنائية وظروف الحرب والحصار، كما يبرر البعض أحياناً بمتطلبات الصراع الأساسي وتأجيل كل ما له علاقة بحقوق الانسان أو الديمقراطية.
فالعراق اليوم وباعتراف العديد من جهات موضوعية ومحايدة يعد من أكثر البلدان انتهاكاً لحقوق الانسان، ولذلك لا يمكن الحديث عن جزء من الانتهاكات من دون اجزاء أخري سواء كانت تلك الانتهاكات بسبب تدخلات القوي الدولية وأوضاع الحصار الدولي أو بسبب الانتهاكات من جانب الحكومة العراقية، وبخاصة الاعدام خارج القضاء، أو ممارسة التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال الكيفي، أو عبر تشريعات للقسوة، كما لا يمكن التذرع بالأوضاع الاستثنائية وظروف الحصار لتبرير انتهاكات حقوق الانسان.
التقرير الذي نضعه بين أيديكم هو محاولة لعرض الوضع العراقي بأقلام عراقية حقوقية، تأخذ بنظر الاعتبار جانبي الخرق المستمر لحقوق الانسان دولياً وداخلياً، فقد ظل المعنيون بالشأن العراقي يتلقون باستمرار تقارير دولية أو عربية، وان كان لها أثر كبير في بلورة وعي حقوقي، إلا أنها لم تكن كافية، فضلاً عن ذلك فانها في بعض الأحيان لم تتوفر لديها المعرفة والدقة، خصوصاً في ظل بعض المبالغات أحياناً لمصالح وأهداف سياسية ضيقة ونفي كامل من جانب الحكومة العراقية.
لقد وضعت هذا التقرير وساهمت فيه مجموعة من الشخصيات الحقوقية والفكرية من اختصاصات مختلفة وأجريت عليه تعديلات واضافات كثيرة، واطلع عليه خبراء دوليون وأبدوا ملاحظات قيمة، فلهم جميعاً الشكر والتقدير، مع أن مسؤولية اعداده تقع علي عاتق الشبكة العراقية لثقافة حقوق الانسان والتنمية، فهي المسؤولة وحدها عما يتضمن من آراء ومعلومات أو فيما إلي ما اكتنفه بعض النواقص والثغرات.

الصحيح والموثوق
ونقدمه الآن إلي جمهور القراء، آملين أن لا تصدمهم الوقائع التي وردت فيه، فقد حاولنا غربلة بعض ما لدينا من معلومات، بهدف تقديم الصحيح والموثوق منها، ومع ذلك فلا يمكن الاستغناء عن ملاحظات القراء والمهتمين للتصويب أو التصحيح أو الاضافة.
وبهذا المعني فان الشبكة العراقية لثقافة حقوق الانسان والتنمية، ترحب بأي نقد أو ملاحظة أو استكمال لمعلومة أو نقضها. وفي ظروف عملها وفي ظل السرية الكاملة وحجب الوصول إلي المعلومات، فانها لا تدعي أن كل ما ورد في التقرير يغطي الوضع العراقي كاملاً، كما ان المعلومات التي وردت تبقي باستمرار خاضعة للفحص والتدقيق من جانب جميع المعنيين والمهتمين بقضايا حقوق الانسان مهما كان موقعهم رسمياً أو شعبياً. فقد سعت الشبكة العراقية، للدفاع عن الضحايا بصرف النظر عن أفكارهم واتجاهاتهم وانحداراتهم الاجتماعية وقوميتهم وجنسهم ودينهم ولغتهم ولونهم وأصولهم.
انها مع (الضحية) سواء كان الانتهاك خارجياً أو داخلياً لا يهم، فالضحية عراقي وانسان قبل كل شيء، وبهذا المعني فهي مع حقوق الانسان، وضد كل من يقوم بخرقها، وهي غير معنية بأفكار الضحية بقدر دفاعها عن الضحايا الذين تنتهك حقوقهم.

تأسيس الشبكة
والشبكة العراقية لثقافة حقوق الانسان والتنمية تجد في ذلك فرصة للتعريف بنفسها، فقد استكملت تحركاتها الأولي في مطلع عام 2000 وانطلقت في الساحة العراقية والعربية والدولية، بعد عام كامل من اللقاءات والمشاورات والاتصالات داخل الوطن علي نحو محدود جداً، وفي كردستان العراق وخارج الوطن في بلدان المنافي والشتات، سواء في البلدان العربية، مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر وتركيا وإيران وبلدان المهجر الاوروبي مثل السويد والدنمارك وهولندا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وجمهورية التشيك إضافة إلي كندا والولايات المتحدة الامريكية وغيرها. وتضم الشبكة نخبة من أساتذة الجامعة والأكاديميين والباحثين والحقوقيين والاقتصاديين والفنانين والكتاب والصحفيين، اضافة إلي مجموعة من الناشطين.
وتأمل أن تستكمل قوامها بعد مرحلة الانطلاق الأولي، خلال الفترة القريبة بما يجعلها مؤسسة جديرة بأن تقدم رؤية حقوقية للوضع العراقي، تكون مصدر اهتمام واحترام عربي واقليمي ودولي، وبلغة حقوقية معروفة علي المستوي المهني والدولي.
نأمل أن يساهم هذا التقرير في حفز النقاش والجدل واعمال الفكر واجراء مراجعات وتقييمات جديدة حول الوضع العراقي، لجميع الاطراف الدولية والاقليمية والعربية، وبشكل خاص الاطراف العراقية وكل من يعنيه تمتع الانسان العراقي بحقوقه في الحياة الحرة الآمنة والكرامة والحرية.
كما نأمل أن يكون هذا التقرير عوناً لجميع مَن يسعون لاحترام حقوق الانسان واجراء تغيير ديمقراطي منشود يطال بنية النظام السياسي والقانوني ويرسي دولة القانون والمؤسسات والشرعية وعلي أساس المساواة والمواطنة الكاملة والتعددية واحترام حق تقرير المصير للشعب الكردي وخياراته الحرة في اطار عراق ديمقراطي دستوري.
ان قضية حقوق الانسان في العراق تتطلب جهداً وعملاً استثنائياً لمعالجة أوضاع استثنائية شديدة القسوة والألم في أجواء من التسامح. ولا يتم ذلك من دون نشر وتعزيز ثقافة حقوق الانسان وتعميق الوعي الحقوقي وارساء احترام الرأي والرأي الآخر في اطار من التعددية والتنوع وعلاقات سلمية تساهم في بناء جسور الثقة وتضع مهمة توفير مستلزمات التنمية بكل جوانبها في سلم أولوياتها.






القسم الثاني
الحكومة العراقية وانتهاكات حقوق الإنسان
تمهيد وتأكيد
ان هذا القسم هو الأعقد والأصعب (انظر فقرة ملاحظات أولية)، ولابد من الاشارة والتأكيد أن حالات انتهاك حقوق الانسان بجميع اشكالها سجلت في العراق منذ تاريخ طويل، فجميع الحكومات التي تعاقبت علي الحكم بعد تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 ظلت متهمة بممارسات خرق حقوق الانسان بهذا القدر أو ذاك، ومن الملاحظ أن تتبع سجل حقوق الانسان في الفترة المنصرمة يكاد يقع في مفارقة غريبة، تتمثل في تراجع تلك الحقوق بتعاقب الحكومات وتراجع مؤسسات النظام الديمقراطي الذي يكفل ويحمي تلك الحقوق. فعلي سبيل المثال نري أن عملية الانتخابات النيابية إلي المجالس التشريعية كانت قبل عام 1958 أقرب شكلاً إلي (الديمقراطية) و(التنوع) من الانتخابات الحالية وبفارق كبير.
فرغم التزوير ومحاولات انجاح من تريدهم الحكومة، إلا أن هذه القاعدة كانت تخترق في الكثير من الأحيان وان بشكل جزئي، لكن الأمر منذ اعادة البرلمان في عام 1980 كان يمثل نموذجاً للوحدانية والاطلاقية والولاء وغياب كامل للتعددية والتنوع، حتي ان كان شكلياً، كذلك فان دور تلك المؤسسات نفسها واسلوب عملها هو الآخر شهد تراجعاً كبيراً.
والأمر نفسه يسري علي الدستور العراقي، ففي الوقت الذي ألغت فيه الحكومات العراقية بعد 1958 الدستور الدائم واستبدلته بدستور مؤقت ثم تعاقبت الدساتير المؤقتة وكل حكومة جديدة وجميعها أتت عن طريق الانقلابات العسكرية، تأتي بدستورها المؤقت، ولا يزال الدستور المؤقت الذي صدر عام 1970 ساري المفعول بل علي ما يبدو فان اعداد دستور دائم أمر لا يشغل بال الحكومة كثيراً رغم انها قدمت مشروع دستور دائم عشية غزو القوات العراقية للكويت، ليس هذا فحسب بل أن قوة وهيبة الدستور تراجعت ونسيت نصوصه اللهم إلا الفقرة (أ) المادة الثانية والأربعين التي تنص علي الصلاحيات الممنوحة والتي تتصدر كل قانون ... ونلاحظ الأمر ذاته فيما يتعلق بآلية الحكم وتعيين وعزل الوزراء والمسؤولين والقضاة وغيرها، وطريقة توزيع السلطة ومركزتها ودور العائلة أو العشيرة أو المنطقة أو الجهة فضلاً عن الحزب الحاكم.
وقبل أن نسترسل في هذا القسم لابد من الاشارة إلي أننا في تقريرنا سوف نتابع مسؤولية الحكومة العراقية، وهذا يعني أيضاً أننا سنتحدث عن المناطق التي تقع تحت نفوذها، أي أن محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وبعض قري وقصبات محافظتي الموصل وكركوك التي تعرف بكردستان العراق لا تقع ضمن متابعتنا هذه، ونأمل أن نعالج حالة حقوق الانسان في كردستان العراق في التقارير القادمة نظراً لخصوصيتها من جهة فضلاً عن خطورتها وتداخلاتها الخارجية والداخلية.
نود التأكيد ان الحكومة العراقية وأينما وردت نعني بها الحكومة التي يرأسها صدام حسين والمسؤولة مسؤولية مباشرة وكاملة منذ عام 1979 وتتشارك في المسؤولية بهذا القدر أو ذاك منذ عام 1968.
يمكن التأكيد أيضاً أن الحكومة الحالية التي يقودها الرئيس صدام حسين منذ عام 1979 تعتبر أطول الحكومات في تاريخ الدولة العراقية الحديث، وانها الأكثر في حجم ومساحة وقسوة خروقها لحقوق الانسان، ولقد تصاعد هذا النهج وتعاظم عشية الحرب مع ايران وابانها، بل أن الحكومة العراقية لجأت علي مدي عشرين عاماً إلي اصدار طائفة من القوانين والتشريعات الرسمية التي تتعارض مع حقوق الانسان وتمثل عودة شديدة إلي الخلف في التشريع العراقي.. فقد أصبح مجرد نقد الحكومة، أو ما يفسر أنه (شتم) جريمة يعاقب عليها المتهم بأقسي العقوبات والتي تصل إلي الاعدام، وهو ما عرف بتجريم نقد الحكومة.
كما أنها أعادت بعض الممارسات العشائرية في القصاص والثأر وشملتها بالحماية القانونية ومنحت ممارسها حصانة أمام القضاء، واستظلت بها في كثير من ممارساتها، كما حدث في قتل الفريق أول الركن حسين كامل وأخيه وأبيه وآخرين معه عام 1996، عند عودتهم من الأردن بعد هروبهم المعروف، رغم الوعد الذي تلقوه من القيادة الحاكمة بعدم تعريض حياتهم للخطر كما نقل في حينه.
ان ما يزيد من تعقيد الأمر هو أن الحكومة العراقية تنكر كل الاتهامات الموجهة إليها ولا تستجيب لأي منها أو تعد بالتحقيق في الأمر، بل أنها تصف كل من يطالبها بذلك بشتي الاوصاف، علاوة علي أن الكثير من الاجراءات تحاط بسرية تامة. وقد ساعدت أطنان من الوثائق الرسمية التي عثر عليها في مقرات الأمن والمخابرات والمقرات الحزبية عقب (الانتفاضة) التي اندلعت عام 1991 عقب انتهاء الاعمال الحربية، علي كشف خروقات كثيرة ومعرفة مصير عشرات الآلاف من الأفراد.
الفقرة الأولي: طبيعة الحكم العراقي
لم يعرف العراق الديمقراطية كنظام سياسي، كما لم يساهم في اختيار حكامه بطريقة ديمقراطية، وغابت من حياته السياسية العلاقات الديمقراطية وعدا بعض تجارب الانتخابات للهيئات التشريعية قبل ثورة تموز (يوليو) 1958 وهي محدودة ومشوهة، لا يمكننا القول إن المواطن العراقي قد تمتع بهذا الحق بشكل حقيقي. (انظر فقرة تمهيد وتأكيد القسم الثاني)
ومن متابعة الواقع نجد أن هناك هوة كبيرة بين الواقع واسلوب الحكم وبينه وبين القوانين التي سنتها الحكومة نفسها أحياناً أو الوثائق الدولية التي وقعت وصادقت عليها الدولة بما فيها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين لعام 1966 بخصوص الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فليس هناك من الناحية العملية حدود معروفة لصلاحيات رئيس الدولة، وهو أيضاً رئيس الوزراء ورئيس مجلس قيادة الثورة والأمين العام القطري والقائد الأعلي للقوات المسلحة.
كما انه ليس هناك فصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تخضع أحياناً بكاملها للرئيس أو مجلس قيادة الثورة أو مَن ينوب عنهما. ان القاعدة العملية هي الاطلاق سواء في قرارات السلم أو الحرب أو في حل البرلمان، وتعيين أو عزل كل المناصب الحكومية من الوزراء إلي مختلف درجات الوظائف، كما أن طبيعة الحكم أصبحت أكثر فأكثر تضيق قاعدتها الاجتماعية فبدلاً من حكم الحزب نجد الولاء الأول هو الولاء العائلي ثم يليه الولاء العشائري ثم المدينة أو المنطقة وهكذا نجد أنه إلي جانب الصلاحيات المطلقة للرئيس فان أبناءه وبصفاتهم الرسمية أو العائلية أو مناصبهم يتمتعون بصلاحيات غير محدودة حتي تتجاوز ان تطلب الأمر صلاحيات الوزير المختص.
لقد عين الابناء والأقرباء في مختلف المناصب الحساسة، وأن الواقع يشير إلي أن جميع المفاصل الأساسية في الدولة يقوم بادارتها والاشراف المباشر عليها عدد قليل من المسؤولين تربطهم أواصر القربي والمصاهرة أو الانتماء العشائري. كما نلاحظ في حالات كثيرة أنه لا حصانة ولا حماية لاصحاب المناصب الحساسة الحزبية والسياسية والحكومية أو أعضاء البرلمان أمام سلطة الرئيس أو أحد أبنائه فمن الممكن أن يعزل ويحاكم بل ويغيب بكل بساطة وسهولة، حتي ان ابسط خطأ يقوم به المسؤول يمكن أن يدفع ثمنه غالياً، فعلي سبيل المثال فقد أقيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية من منصبه لانه صرح في مقابلة صحفية (ان السجون مليئة بما يصل إلي خمسة أضعاف قدرتها علي الاستيعاب).
وفي هذا السياق يمكن ملاحظة ان الترشيح للمجلس الوطني يأتي أساساً من الجهات الحزبية والتي تستلم بعض الأوامر بدورها من الجهات العليا. ويجبر المواطنون بشكل مباشر وغير مباشر علي انتخاب مرشحين محددين. ان المجلس الوطني علي الرغم من تشكيلته المتفق عليها أصلاً لا انه يبقي منزوع الصلاحيات، اذ لا يحق له التشريع في المجالات العسكرية والأمنية وفي أي مجال آخر يستثنيه رئيس الجمهورية، بل نراه ينشغل في اصدار قرارات التأييد للقيادة وفي اقرار الاحتفالات بعيد ميلاد الرئيس.
وفي وقت كتابة هذا التقرير كان المجلس الوطني بحضور عدد كبير من الوزراء يناقش هل يستورد العراق الملابس المستعملة أم لا وكيف؟ وهكذا ينفق المجلس وقته وكأن الأمر مقصود لتقليل دوره وأهميته، فمثل هذا الأمر لا يحتاج في بقية الدول بأكثر من قرار من قبل شخص أو هيئة ذات علاقة في وزارة التجارة مثلاً، كما أن المجلس نفسه يقع تحت اشراف مجلس قيادة الثورة الجهة التشريعية العليا في البلاد إضافة إلي موقعها التنفيذي حسب الدستور النافذ. وبالطبع فانه لا وجود للمرشحين المستقلين أو مرشحي أحزاب سياسية حقيقية، وذلك لانعدام مثل تلك الأحزاب في الحياة السياسية، حتي ان الدستور المؤقت الصادر عام 1970 ينص صراحة علي أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي يحكم العراق من خلال مجلس قيادة الثورة والذي يمثل السلطتين التشريعية والتنفيذية. لا بل أن التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث الحاكم الذي عقد عام 1974، يعتبر منهاجاً ودليل عمل لأجهزة الدولة حيث يعتبر الحزب بقوة الدستور قائداً للدولة والجبهة والمجتمع.
والحقيقة الأخري المعروفة تتمثل في أن الاجهزة الأمنية والتشكيلات الخاصة الملحقة بالقيادة أو تحت اشرافها تمتد أياديها إلي كل مفصل من مفاصل الحياة، بما فيها الاحياء السكنية والدوائر الرسمية وشبه الرسمية ولها صلاحيات شبه مطلقة وأولوية في جميع القرارات.
وبناء علي المعلومات المتوفرة والعديد من التصريحات لمعارضين (كانوا في السابق مسؤولين في الحكومة العراقية) وكذلك معلومات مستقاة من لقاءات شخصية نتيجة القرابة أو الصداقة السابقة مع مسؤولين وصلوا إلي الخارج في مهمات مختلفة، تفيد بأنه ليست هناك سلطة تعلو علي سلطة رجل المخابرات المرافق لكل فعالية أو زيارة أو لقاء أو قرار وانه في الواقع ليس هناك أي تقسيم أو توزيع للسلطة والمسؤولية. فالوزير قد لا يملك أن يقرر في سفر أحد موظفيه.
ومما يعظم من سلطة الحكومة وقوتها حقيقة كونها المالك والماسك بكل مفاصل الاقتصاد الوطني سواء في انتاج وتصنيع وتسويق النفط أو الصناعات الأساسية وأجهزة الخدمة الاجتماعية والثقافية والصحية... وحتي في حالة الحصار الدولي فان الحكومة العراقية تمثل الطرف الثاني في اتفاق النفط مقابل الغذاء وهذا يعني أنها الممسك الفعلي لحجم الصادرات النفطية من ناحية وحجم الاستيرادات من الأغذية والمواد المعيشية وكذلك طريقة توزيعها واستخدامها وبالتالي فانها تمتلك مجالاً واسعاً لاستخدام تلك الأدوات لتحقيق أهدافها، فان بعض المعلومات تذكر أن البطاقات حجبت عن بعض العوائل أو المناطق وبخاصة عوائل المعتقلين أو المعدومين أو المعارضين أو الذين يشك في ولائهم للحكومة العراقية كعقاب لهم أو خوفهم من مراجعة المسؤولين بهذا الخصوص، كما أفادت بذلك بعض التقارير الواردة إلي الشبكة العراقية، ولذا فان التعامل مع مؤسسة الدولة العراقية يكتنفه الكثير من التعقيد والصعوبة نتيجة لمركزيتها الشديدة والصارمة.
الفقرة الثانية: القوانين
بالرغم من أن العراق هو بلد التشريع الأول، وبالرغم من أن الفقه القانوني العراقي يمتاز بموروث عريق وان التشريع والقانون شهدا تطورات مهمة منذ تأسيس الدولة العراقية بتأثير من القانون الانكلوسكسوني وأن الكثير من الاساتذة درس أيضاً القانون خارج العراق وأن الدراسات القانونية والتشريعية لها تقاليد أعمق بكثير مما هو موجود في العديد من البلدان المجاورة والنامية، إلا أن الواقع القانوني الحاضر في العراق يسوده الارتباك والضعف ويتميز بالعديد من القوانين ذات الطبيعة الغريبة التي تدخل فيما عرف (بتشريع القسوة) حيث أن العديد منها لا يتناسب وحجم (الجرم)، اذ أن بعض القوانين يعطي انطباعاً بانه لم يسن لحماية المجتمع واعادة تأهيل الخارجين عن القانون بل لزرع الخوف فيه وعقابه وتقييده، فقد زادت بشكل لافت للنظر حجم الأفعال المحرمة في النصوص العقابية والعقوبات نفسها تصاعدت بشكل مقلق.
ان العديد من القوانين التي تتنافي صراحة ومبادئ حقوق الانسان، كما تتنافي مع العرف القانوني العراقي أصبحت شائعة ومألوفة، فقد أحصت (منظمة العفو الدولية) في أحد تقاريرها أن من بين قرارات مجلس قيادة الثورة هناك أكثر من خمسين قراراً تعاقب بالاعدام علي الأفعال الوادرة فيها، ونحن نعتقد أن مثل هذا الكم من عقوبات الاعدام لا نجده في أي دولة أخري، والأمر يبدو أشد قسوة فيما إذا عرفنا ان من بين تلك الأفعال ما لا يعاقب عليه في كثير من البلدان أو انه يدخل في باب المخالفات أو الجنح التي لا تزيد عقوبتها عن ثلاثة أو ستة أشهر فعلي سبيل المثال أصدر مجلس قيادة الثورة القرار رقم 840 بتاريخ 1986/11/4 الذي يقضي باعدام (كل مَن أهان بطرق العلانية رئيس الجمهورية، أو مَن يقوم مقامه، أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث أو المجلس الوطني أو الحكومة).
وفي أغلب الحالات يفسر النقد علي انه اهانة، وبالتالي فان هذا القرار كثيراً ما استخدم لتصفية المعارضين. كما شهد العراق مؤخراً حالات مروعة عوقب فيها النساء بقطع الرأس بالسيف (للمرأة التي يثبت أنها داعرة). أما كيف يبرهن علي الدعارة ولماذا المرأة وحدها من تعاقب وليس من مارس الجنس معها علي سبيل المثال، ولماذا هذه العقوبة القاسية؟ التي لا تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية والوضع المعاشي الذي سببه الحصار وغيرها من الأمور. كل تلك الأسئلة بحاجة إلي أجوبة شافية لا إلي قرارات اعتبارية، علماً بأن قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969 لا يتضمن مثل هذه الأحكام القاسية.
ان تلك السعة والسهولة في استخدام عقوبة الاعدام انما تعبر أيضاً عن مدي الاستخفاف بحق الحياة الذي هو أقدس وأهم حق من حقوق الانسان باعتراف جميع الشرائع والأديان السماوية التي لا تقر الاعدام إلا وفق محددات كثيرة للضرورات القصوي، ناهيكم عن التشريع القانوني علي الصعيد الدولي والذي يتوجه نحو الالغاء التام لهذه العقوبة وهو ما مطبق في العديد من الدول والتي يزداد عددها يوما بعد آخر وتبلغ الآن نحو 75 دولة.
هناك الكثير من القوانين الأخري، التي لا تتناسب فيها العقوبة مع التهمة أو الفعل، بل أن هناك من القوانين ما تثبت في نصوصها اجراءات عقابية غاية في القسوة تتخذ ضد أهالي المتهم وأبنائه وأخوته بل وأقربائه إلي الدرجة الرابعة. ومن المفيد والمهم والتوثيق أن نلقي نظرة ولو سريعة علي بعض القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة والتي لم يعرفها التشريع العراقي منذ نشأته.. فقد أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً برقم 59 لسنة 1994 القاضي (بقطع اليد في حالة السرقة أو قطع الرجل اليسري في حالة تكرار الفعل أو بالاعدام اذا ارتكبت الجريمة من قبل شخص يحمل سلاحاً أو نجم عن الجريمة موت أحد الاشخاص). كذلك قرار 92 لسنة 1994 والقاضي بقطع اليد علي فعل تزوير الكتب الرسمية، أو قرار 109 لسنة 1994 القاضي بوشم جبين من يعاقب بقطع اليد وذلك بعلامة (?)، والغريب في الأمر أن احكام هذا القانون تسري بأثر رجعي.
وهناك القرار رقم 115 لسنة 1994 القاضي بقطع اذن المتخلف عن الخدمة العسكرية أو الهارب منها، بل أن العقوبة نفسها تطول من يأوي أو يخفي أو يتستر علي الهارب أو المتخلف، ويقضي نفس القرار بقطع الاذن الثانية في حالة التكرار وفي المرة الثالثة فان العقوبة هي الاعدام.
ان القانون يعرف الهارب بأنه الغائب عن وحدته من دون اذن مشروع لمدة تزيد علي 15 يوماً، وهذا يعني في حالات معينة مثل المرض المفاجئ الشديد وعدم امكان الاتصال خصوصاً الظروف الراهنة للاتصالات والمواصلات، فان ابن الريف البعيد قد يعرض نفسه لاحدي تلك العقوبات، وهذا القرار هو الآخر يسري بأثر رجعي.
وقد منح القانون للمتخلفين والهاربين مدة 7 أيام فقط قبل سريان نفاذ هذا القانون، وذلك للعودة إلي وحداتهم أو مراكز سوقهم، وتسليم أنفسهم علماً بأنه من الصعب علي ساكني الريف علي سبيل المثال، أن يسمعوا أو يطلعوا علي تلك القرارات بتلك السرعة.
ولا يفوتنا هنا الاشارة إلي القرار 117 لسنة 1994 القاضي بقطع اليد أو الاذن أو الوشم (حسب الأحوال) لكل من قام أو ساعد علي ازالة الوشم أو أجري عملية تجميل لليد أو الاذان المقطوعة، بل أن هذا القرار ضاعف العقوبة وذلك بتثبيتها في كل الوثائق الشخصية من هوية الأحوال المدنية أو دفتر الخدمة العسكرية، أو شهادة الجنسية.
وقيل إن هناك قرارات تعاقب بقطع اللسان لم نستطع التثبت منها، فقد وردت إلي الشبكة العراقية بعض المعلومات، التي لم تتوثق منها بعد، رغم ما نشر في بعض صحف المعارضة إلي أن السلطات العراقية، أقدمت علي قطع لسان شخصين من أبناء مدينة الحلة وأمام أنظار جمهرة كبيرة وسط المدينة بتهمة اهانة الرئيس. ورغم أن الأمر يثير الكثير من التداعيات الانسانية والقانونية، فلم تنشر صحيفة الوقائع العراقية الرسمية أي قرار أو مرسوم صادر عن مجلس قيادة الثورة بهذا الخصوص، وتقول بعض المصادر إن اللجوء إلي هذه الأساليب يستهدف احداث نوع من الرعب والفزع بين المواطنين.
اننا من خلال المتابعة للسجل اليومي لحقوق الانسان، نلاحظ ظاهرة اخري تتكرر باستمرار، تتمثل في أن أجهزة الحكومة العراقية والمسؤولين الأمنيين لا يكتفون حتي بذلك القدر من القوانين والقرارات ذات العقوبات الغليظة فنراهم يلجأون إلي خروقات أخري لحقوق الانسان حتي خارج اطار تلك القرارات، علاوة علي أن رئيس الجمهورية له حق إلغاء أو ابطال أو تغيير قرارات المحاكم (ففي اطار ما يعرف بالصراع العائلي قد يساق بعض المحسوبين علي العائلة إلي السجون ويحاكمون وفق تلك القرارات، أو يحتجزون لفترات وما ان تصفي الخلافات حتي يتم اصدار عفو أو يغلق ملف القضية بالكامل).
ان تلك القرارات والقوانين وطريقة صياغتها وأسلوب سريانها وتنفيذها تكاد تؤكد حقيقة مفادها أنها سنت ليس للحفاظ علي المجتمع والأمن الاجتماعي وحمايته أو الدفاع عن الوطن، أو غيرها من المسوغات الاجتماعية والوطنية للقوانين وللمساعدة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل انها صدرت من اجل زرع الخوف والرعب والشك في المواطن أو بهدف تصفية فئات معينة أو تحجيمها أو وضعها في كل الأحوال تحت طائلة المراقبة أو سيف القصاص. وبالتالي فان هذه القوانين تفتقد إلي مبادئ الشرعية القانونية والحقوقية، كما انها تسيء إلي القانون أو القرار وتحوله إلي أداة قمعية لانتهاك الحقوق بدلاً من كونه أداة للحماية والدفاع عن الحقوق.
وليس وضع القضاء بأحسن حال، فالقضاء نفسه غير مستقل، علاوة علي وجود نظامين قضائيين، الأول هي المحاكم الجزائية العادية التي تطورت وشكلت تقاليدها قبل ومنذ انشاء الدولة العراقية، ولكنها في الوقت الراهن تعاني من تدخلات كثيرة في شؤونها بزعم الظروف الاستثنائية والحصار، في حين تنتشر الرشوة والفساد والمحسوبية والمنسوبية مما يؤثر علي نزاهة الأحكام.
وهناك ثانياً المحاكم الأمنية والخاصة، وهي في الغالب سرية في رجالها ومهماتها وأساليبها وقراراتها، وغالباً ما يكون رجالها من العسكريين أو رجال الأمن وهم وغيرهم في الغالب من غير المختصين في المجال القضائي، وان جلساتها وأساليب محاكماتها تتنافي وأبسط مبادئ حقوق الانسان فحق الدفاع مفقود أو شكلي تماماً، والأدلة تعتمد علي التقارير الأمنية وتقارير المسؤولين، وعلي ضوء ذلك تصدر أحكامها، كما ليس من الواضح ان كان هناك حق الاعتراض أو الاستئناف علي تلك القرارات.
وفي بعض الحالات تكون الاحكام قد حددت سلفاً ضد (المتهمين) بتأثيرات سياسية أو غير سياسية علي القضاة أو أن يكون بعض المتهمين قد لقوا حتفهم تحت التعذيب قبل مثولهم أمام المحكمة واعلان الاحكام ضدهم. وفي أحيان أخري يكون المتهم قد قضي نحبه في المعتقل ليصدر حكم باعدامه فيما بعد. وهناك عدد من الحالات التي تحتفظ الشبكة العراقية بتفاصيلها.

الفقرة الثالثة: الصحافة والإعلام وحرية الكلام
صحيح أن الدستور المؤقت ينص علي احترام حرية الكلام والصحافة ولكنه يشترط (تطبيقاً للتوجه الثوري والقومي والتقدمي) في حين أن الحكومة والحزب الحاكم يملكان ويسيران ويشرفان ويراقبان جميع الصحف والمجلات ووسائل الاعلام بما فيها التلفزيون والاذاعة، بما فيها اصدار الكتب الذي يخضع إلي موافقة أو موافقات من قبل وزارة الثقافة والاعلام أو الاجهزة الأمنية.
والاعلام مسخر بشكل متطرف لخدمة رئيس الجمهورية، لذلك فلا مجال للحديث عن حرية الصحافة وحرية النقد، والنقد يظهر فقط في المجالات التي تسمح بها الحكومة أو تعطي الضوء الأخضر لها، أو الذي تمارسه هي نفسها عبر الصحف والوسائل التي يديرها الابن الأكبر للرئيس، وليس هناك صحف معارضة أو مستقلة وفق أضيق تفسير لهذا المفهوم، بل حتي، المحطات التلفزيونية ومنها الفضائيات لا تقوم بأي اتصال مباشر مع المواطنين بشكل عفوي فمعظم الاتصالات تسجل وتذاع خدمة لأغراض ومواقف الحكومة.
وعلي الرغم من أن تعيين الصحفيين ورؤساء التحرير والمذيعين ومقدمي البرامج يخضع لاعتبارات عديدة أولها الأمنية حيث يشترط موافقة الجهات الأمنية عليهم، فان هناك رقابة مستمرة، بل وخفارات علي مدار الساعة، في كل ما ينشر، ويجبر الصحفيون بشكل مباشر وغير مباشر علي كتابة موضوعات محددة. وليس للصحفيين الأجانب والمراسلين أي مجال للحركة الحرة حتي أن مقراتهم تقع داخل وزارة الثقافة والاعلام، أضف إلي ذلك القوانين الصادرة في هذا المجال، ومنها قانون الصحافة الذي ينص علي تحريم الكتابة في 12 موضوعاً، ويعاقب بأقسي العقوبات بما فيها الاعدام كل من يحاول (اهانة الرئيس) أو أي مسؤول حكومي رفيع المستوي، وقد اختفي واختطف العديد من الصحفيين تحت تلك المزاعم.
وهناك معلومات تقول انه عذب أو أعدم العديد من الصحفيين والأدباء والفنانين والكتاب المعروفين، ولعل أكثر من جهة طالبت بالكشف عن مصير الصحفي والكاتب المعروف عزيز السيد جاسم الذي اختفي قسرياً في عام 1991. كما اختفي قسرياً منذ عام 1980 الفقيه القانوني الدكتور صفاء الحافظ والباحث الاقتصادي الدكتور صباح الدرة ولم يعرف مصيرهما حتي الآن، كما غيب في الفترة ذاتها العلامة الاسلامي البارز السيد محمد باقر الصدر واخته الكاتبة الاسلامية بنت الهدي الصدر وكذلك السيدة عايدة ياسين القيادية في رابطة المرأة العراقية، وهناك الكثير من الأسماء الأخري.
وفي شهر أيلول (سبتمبر) 2000 القي القبض في الحدود العراقية الأردنية علي الأستاذ الجامعي والصحفي هاشم حسن، حيث كان في وقت سابق قد رفض تكليف نقيب الصحفيين عدي صدام حسين له برئاسة تحرير أحد منشوراته، ولا يزال مصيره مجهولاً.
وتصدر بين الحين والآخر قوائم بأسماء صحفيين وكتاب وأدباء ممن تعتبرهم جهات متنفذة في السلطة خارجين عن القانون ومرتدين يجب عقابهم (كما نشرت ذلك صحيفة الزوراء الرسمية) وذلك لمجرد أنهم تركوا بلدهم هرباً أو انهم أقدموا علي الكتابة في صحف معارضة ولم يعرف عن أي من الأسماء ارتكب أي عمل عنفي، غير الكتابة واعلان الرأي. وصدرت منذ عقدين من الزمن أو ما يزيد قوائم بأسماء عدد كبير من رجال العلم والثقافة والأدب والفكر والصحافة الذين تم منع تداول كتبهم.
ان المواطن العراقي يمنع من امتلاك وسائل الاستقبال الفضائي ويعاقب القانون مالكيها بأشد العقوبات، وحتي الآن علي الرغم من أن التصريحات الرسمية سمحت بامتلاكها بهذا الشكل أو ذاك، إلا أن الأمر لا يزال غير واضح تماماً، ومما يعقد الأمر أكثر عدم توافرها في السوق وارتفاع أسعارها بالنسبة لدخل المواطن.
ان هناك رقابة شديدة علي البريد وأجهزة الهاتف، وان العراق من البلدان القليلة، التي يجب أن تسجل فيه كل آلة كاتبة أو جهاز تكثير واستنساخ عند دائرة الأمن، وتخضع للمراقبة والموافقة كل الكتب الصادرة والمنشورة بما فيها الجامعية.
ان نشر أو مجرد امتلاك أي منشور مناهض للسلطة يعرض صاحبه لعقوبة الاعدام، (انظر القانون 840 القسم الثاني، الفقرة الثانية) ولا ندري كيف تفسر هذه العبارات... أما استخدام الانترنت فهو الآخر ممنوع تحت حجج وذرائع مختلفة. وقد ضجت وسائل الاعلام وبقيت تتحدث لايام طويلة عن (الخطوة الجبارة والتطور العلمي المطرد) بعد فتح مركز واحد للانترنت في بغداد.

جريدة (الزمان) العدد 1217 التاريخ 22-5-2002



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير خارجية الإمارات يعلق على فيديو سابق له حذر فيه من الإره ...
- سموتريتش لنتيناهو: إذا قررتم رفع الراية البيضاء والتراجع عن ...
- DW تتحقق - هل خفّف بايدن العقوبات المفروضة على إيران؟
- دعوة الجامعات الألمانية للتدقيق في المشاريع مع الصين بعد مز ...
- الدفاع الروسية تعلن ضرب 3 مطارات عسكرية أوكرانية والقضاء على ...
- -700 متر قماش-.. العراق يدخل موسوعة -غينيس- بأكبر دشداشة في ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي يصادق على خطط المراحل القادمة من حرب ...
- زاخاروفا: روسيا لن تساوم على أراضيها الجديدة
- اكتشاف ظاهرة -ثورية- يمكن أن تحل لغزا عمره 80 عاما
- بري عقب لقائه سيجورنيه: متمسكون بتطبيق القرار 1701 وبانتظار ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الحسين شعبان - العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان