أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد















المزيد.....



حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 12:02
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاوره/هاني جازم الصلوي ( مدرس في جامعة تعز )
*.. عبدالكريم كاصد شاعر صنعته المنافي.. رجل في الزمان والمكان والثقافات.. من يعرف هذا الشاعر يلمس مدى الغليان الثقافي الذي يجيش داخل روحه الهادئة والوادعة - حسب زهير كاظم - عبدالكريم كاصد أحد الأصوات المهمة التي طورت مفهوم القصيدة الحديثة، تنقل بين المدن العراقية فاراً من ملاحقات السلطة آنذاك حتى وصل إلى عدن في نهاية عقد السبعينيات من القرن المنصرم، واستمر فيها فترة قصيرة..
انتقل بعدها إلى لبنان التي أصدر فيها ديوانه الثالث «الشاهدة» كما ترجم ديوان «كلمات» لجاك بريفير 1981م، وكان قد أصدر قبل رحيله من العراق ديوانيه «الحقائب 1975م، والنقر على أبواب الطفولة 1978م» بعد ذلك توالت إصداراته وترجماته، على أنه لم يستقر في بيروت بل ظل متنقلاً بينها وبين الشام، وبعد اجتياح بيروت استقر أخيراً في لندن.
الحديث عن تجربة بهذا الامتداد قد تأخذك بعيداً وتذهب بك إلى آفاق لا تستطيع العودة منها.. لكن لا بأس أن ندخل عوالم عبدالكريم كاصد، لاسيما أن مثل هذه المغامرة مفروضة علينا فرضاً، حيث إن من يقرأ هذه التجربة «يقرأ جزءاً من تاريخ تطور القصيدة الحديثة».. وقد انتهزنا فرصة قدوم الشاعر إلى صنعاء.. فكان هذا الحوار الذي تأخر كثيراً.

متى تتوقف عن كتابة الشعر ؟


منذ أكثر من أربعين سنة وأنا أكتب الشعر، فكيف تريدني أن أتوقف عن كتابته؟ أجل سأتوقف حين يتوقف عن حضوره ، ولكنني لا أعتقد أننا سنتوقف يوماً وقد ألفنا بعضنا بعضاً .. قد يغيب عني فترةً ولكنه حاضرٌ بآثاره ... لديّ ما يكفي من التجربة ما يجعلني على دراية بكيفية استحضاره إن عزّ عليّ يوماً .
فقدت أشياء كثيرة في حياتي ولا أدري متى سأفقد أشياء حميمة أخرى ، ولكن ما أنا على ثقة منه هو بقاء الشعر .


من هو الشاعر في وجهة نظرك ؟


لا تعريف لديّ للشاعر فهو كالحياة مفتوح على احتمالات عديدة تتقاطع أو تتلاقى أو تفترق ، ولكن الشاعر لديّ هو ذلك المثال الذي ينأى كلما اقتربنا منه .. القادر على اختراق العابر بأبدية غنائه ، رافعاً تفاصيله إلى أفق يستشرف فيه ما هو أبعد من لحظته الراهنة ، مقترباً من العرافة أو النبوءة أحياناً ، محتفظاً بجوهره الإنسانيّ رغم مفارقته لواقعه ، مانحاً الفرح حتى وهو يغني المأساة .. لأنه يغني أعمق ما في الإنسان : أخوته ، وأعمق ما في الواقع : بهجته ... لذلك يندر الشعراء على كثرتهم وكثرة ألقابهم .


الشاعر الكبير/ العظيم / العملاق / شاعر العرب الأكبر / .. ما رأيك في مثل هذه الألقاب ؟


هذه الألقاب هي صفات نسبية تحتمها أحياناً شروط دعائية محضة لا علاقة لها بالشعر ، وأعتقد أن لفظة شاعر وحدها كافية لتقديم الشاعر الحقيقيّ وتقييمه في آن ، وإن أطلقت على هذا العدد الهائل من الأفراد ممن يكتبون الشعر . والمشكلة الحقيقية في رأيي لا تكمن في الألقاب ذاتها ، وإنما في إطلاقها أحياناً بطريقة مجانية تخلو من الدقة والمسؤولية اللازمتين للنقد.


ما رأيك فيما يسمى بالمركز والهامش في الثقافة العربية ؟


المركز والهامش من ثنائيات نقدنا التي تفتقد اساسها في الواقع . من يحدّد المركز ؟ وقد أصبح ما يسمى بالمراكز الثقافية محطات للهجرة من الريف باعدادٍ هائلة. تلتها هجرات أخرى ، ولاسيما هجرات المنفيين النازحين لا من الريف هذه المرة ، وإنما من المدن بأعداد هائلة أيضاً ، إلى عالم آخر وثقافة أخرى من الصعب أن تؤسس فيها مركزاً أو هامشاً ، إلا نادراً ، لأنك مجرد عابر .
لقد حملت المراكزهامشيتها معها . وما زاد في هامشيتها هو عدم استقرار مجتمعاتها التي شهدت من التحولات والانعطافات ما يجعل الحديث عن المركز حادثاً هامشياً بحدّ ذاته .
ما يسمّى مركزاً هو جزء من أوهام ثقافتنا التي تشهد الهامش ، هامشها ، في كثير من الجوانب ، إزاء هذا الاتساع من المعارف ، والحركة الحضارية المتسارعة التي لم نعد بمستطاعنا اللحاق بها إلا عبر الكلمات ، ممارسين دور الساحر البدائيّ الذي يتخيل أنّ بامكانه السيطرة على موضوعة بمجرد تلفظ اسمه .
ما معنى أن نتحدث عن حداثةٍ ، وما بعد حداثة ونحن لم نستطع حتى الآن أن نفهم عصرنا لكي نتطابق معه ؟ هل نحن معاصرون حقّا ؟ قبل الحديث عن أية حداثة ؟ وأين تتجلى حداثتنا ؟
هل تصدق أن من بين أكبر مثقفينا وشعرائنا المهووسين بالامتداد إلى العالم والحداثة هناك من نظرّ لأسوأ فكرمتخلف في ثقافتنا ؟ هل قرأت ما كتبه أدونيس في كتابه عن محمد عبدالوهاب رائد الفكر الوهابي ؟ والغريب ، وليس ثمة غرابة في واقعنا المقلوب ، أن لا أحد يشير إلى هذا الكتاب على تعدد مراكز هذه الأمة وهوامشها ، ما يدفعنا إلى تناول المركز والسلطة و دراستهما لا عبر تجلياتهما الفوقية المكشوفة ، وإنما عبر امتداداتهما في مجتمعاتنا وتجلياتهما في المؤسسات المتداعية ، ثقافية أم سلطوية . وبعد كل هذا الخراب وملموسيته هناك من يأتي ويتحدث إليك عن تجريد الدولة والسلطة ، وتجرد المركز وانفصاله عن الهامش ، ونقاوة الحداثة ورموزها وما إلى ذلك من ثنائيات وتجريد محض هو أقرب إلى العدم منه إلى التعيين.
الأمثلة كثيرة على خراب التعميم .
لم يبق لنا ، ربما ، سوى الكلمات نتعامل معها بطريقة سحرية لتعوض عن عدم فهمنا لما يجري حولنا من تطورات لم نعد قادرين على اللحاق بها أو معرفة اتجاهاتها . ولعل في ذلك علامة على الزوال القادم للكثير من المراكز الهامشية والسلطات .



هناك من يقول : إن الزمن هو زمن الرواية ... هل تؤيد ذلك ؟


لا أعتقد ذلك في زمن تتقارب فيه الأجناس الأدبية وتتداخل فيما بينها . لا يزال الشعر حتى في أوربا حاضراً بقوّة من خلال جامعاتها العديدة وإصداراتها التي لا تحصى ومطبوعاتها وبرامجها ومدارسها التي تحفل بالبرامج التي يلتقي عبرها الشعراء بالطلاب ، متبادلين الخبرات والتجارب .



كيف تنظر إلى شعر العمود أو الشعر الكلاسيكي ... وهل ترى أنه مرحلة لا بدّ للشاعر أن يمرّ بها ؟


ليس بالضرورة أن يمرّ أي شاعر بمرحلة كتابة شعر العمود ، ولكنني من جهة أخرى أجد أن شعر العمود هو شكل يمكن أن يستخدمه الشاعر الحديث على ضوء تجربته الخاصة . لقد ساد هذا الشكل في فترات مختلفة في تاريخنا الشعريّ ، ولكنه الآن لم يعد سائداً . إنه شكل من بين أشكال عديدة قد نعود إليه لضرورات تحتمها التجربة ، ولكنه ليس ضرورياً يلزم أي شاعر . لا تزال هناك طاقات في الشعر الكلاسيكيّ يمكن توظيفها إذا أوليناها اهتمامنا .. ولا يعني الشكل الكلاسيكي القصيدة العمودية المغناة ذات الوزن الواحد ، فللشعر الكلاسيكي أشكاله المتعددة أيضاً ، ومساحاته التي يمكن أن تحتوي أشكالاً مهملةً أو مستخدمةً وربما غير مستخدمة ، كما فعلت مثلاً في ديواني الأخير ( زهيريات ) وهي لفظة تعني مواويل ، حيث استعرت شكل الموّال الشعبي لكتابة قصيدتي الخاصة ، مانحاً إياه القدرة على استعياب مضامين أخرى لم تكن معهودة في المواويل الشائعة :





أطلقتُ في الحلم يوماً كلّ أفراسـي
تعدو وتعدو وتعدو وسط أعراسي
حتّى انتـــــهيتُ إلى بابٍ وحراسِ
صحتُ الطـــريق فردّوا : ما وراء البابْ
غيرُ الظلام وغيرُ الريح ، صحتُ : البابْ
يرتجُّ في الريح، صــــاحوا ثمّ غاب البابْ
في ظلمةٍ لم تزل ترتجّ في راسي






لا يعرف الشعر شكلاً ثابتاً أو شكلاً متطوراً وحيداً بل له ارتداداته وطرقه المختلفة في التعامل مع جميع الأشكال الشعرية قديمها وحديثها للتعبير عما هو جوهريّ في تجربة الشاعر .
لقد كتب لاركن وهايني أجمل قصائد العصر بالأساليب التقليدية ، وقبلهم كتب لوركا وأراغون وشعراء كثيرون أحدث قصائدهم في الشكل الكلاسيكيّ السائد .
يمكن لجميع الأشكال الشعرية – حتى المغلقة منها – كلاسيكية كانت أم غير كلاسيكية أن تتفتح وتنبعث ثانيةً .


من الملاحظ أنك لا تؤمن بما يسمى بشعر المناسبات .. هل معنى ذلك أن تسقط كل ما يمت بصلة إلى هذا النوع من الشعر ؟


ارتبط شعر المناسبات بكل ما هو تقليديّ في الشعر ولكن ثمة شعراء ارتفعوا بالحدث الآني إلى مصاف الشعر العظيم القادر أن يكون معادلاً موضوعيا – إذا صح التعبير – لانفعال الشاعر وخبرته التي اكتسبها من الحياة والكتب .
لقد كتب المتنبي وأبو تمام أجمل أشعارهم عبر مناسبات تجاوزوا حدودها إلى أفق أكثر شمولاً وانفتاحاً على الإنسان .
قد تكون المناسبة هي ذاتها من الاتساع والشمولية ما يجعلها تنتمي إلى الناس جميعاً وليس إلى الممدوح وحده ، بغض النظر عن تقييمنا لهذه المناسبة ضمن سياقها التاريخي .
في قصائد أبي تمام التي عكست الصراع بين العرب والأقوام الأخرى من روم وغير روم يبدو الممدوح غائباً ، وإن كان حاضراً ، فما هو إلاّ قطرة في بحر هذا الصراع القائم الذي يجد انعكاسه وصداه حتى الوقت الحاضر في نفوس قرائه الذي يعيشون ظروف هذا الصراع بأشكال أخرى . وهذا في رأيي هو الذي أعطى قصائد أبي تمام خاصة ذلك الزخم الواضح في شعره ناسين من يكون بطلها .
ولم يكن الشاعر الأوربي بمنأى عن هذه الظاهرة ، فقد كتب إليوت قصيدته الصخرة بتكليف من الكنيسة ، واجداً في هذه المناسبة تنبيهاً لوجدانه وطاقاته المعرفية والشعورية المختزنة .
ليس ثمة قواعد مطلقة في الشعر لأن في الشعر من العوامل العديدة ، شعورية وغير شعورية ، ما يجعله عصيّاً على التحديد في مفهوم أو قالب معيّنين .




كيف تنظر إلى العلاقة بين الشعر والواقع ؟


العلاقة بين الشعر والواقع ليست علاقة ذات بعد واحد فهي من التعقيد ما دفع الشعراء والنقاد إلى ملء آلاف الصفحات للتعبير عن تشابكاتها ومستوياتها ، ولكنني أستطيع أن أقول بعيداً عن تعقيد المسألة الفلسفية في كيفية انعكاس هذه العلاقة في القصيدة إنني أقرب إلى ذلك النوع من الشعر الذي يجد في الواقع مادته الحياتية لا في التعبير عن جوهره وحده ، وإنما في توظيف تفاصيله للتعبير عن هذا الجوهر .. وإذا كان بعض الشعراء يتخذون من الحداثة تبريراً لابتعادهم عن الحدث وتفاصيل الواقع فإنّ أرقى نماذج الشعر الحديث هي التي فعلت العكس في اقترابها من الواقع. إنّ ابتعاد الشعر عن تفصيلات الواقع وأحداثه لا يعني غير خلق المسافة التي تؤدي به إلى المفارقة وبالتالي إلى اختفاء الواقع والشعرمعاً .
ليس الشعر شكلاً مثالياً معلّقاً في عالم مفارق تجريدي كعالم المثل لدى إفلاطون وإنما هو شكل يحمل جوهره معه عندما ينبع من الواقع نفسه .. أي إنّ القصيدة لا تفرض شكلها على الواقع وإنما العكس . إنّ الواقع المحدّد في القصيدة هو الذي يفرض شكله عبر تفصيلاته وألوانه . وكلّما كان محدّداً كلما كانت القصيدة أكثر سطوعاً في تمثلها له .


هل لأسفارك وتنقلاتك دور في اتساع آفاقك الشعرية ؟


بلاشك إنّ لأسفاري وتنقلاتي دوراً في ذلك ، فمن خلالها تعرفت على أماكن أخرى وبشرٍ آخرين وثقافات شتّى أتاحت لي أن أكون على مقربة من منابع شعر لا تنضب . كلّ ذلك ، بلاشك ، كان له تأثيركبير على تجربتي الشعرية التي شهدت تنوعاً كبيراً في أشكالها من ديوان إلى آخر دون أن استهدف ذلك أو أطلبه إذ إنني لم أتوقف يوما أو أتردّد يوما في استخدام أيّ شكل شعريّ ، متعلماً مما سبقني من تجارب في شعرنا العربيّ وفي شعر العالم ، مدركاً أن أبسط الأشكال الأدبية يمكن أن تحتوي عمقاً وجدانياً هائلاً ، وأنّ أكثرها تعقيدا يمكن أن تحتوي أبسط الأفكار وأكثرها سذاجةً وهذا ما لا يمكن أن يقرّه الشاعر الذي تحدّدت رؤيته فلا يرى إلا شكلاً وحيداً متوهما إنه الشكل الوحيد المعاصر لأفكاره الفقيرة وأداته القاصرة ونظرته المتعسفة التي لا تدرك أن أعظم الشعراء الحداثويين كتبوا أجمل أشعارهم بالأشكال التقليدية الشائعة . وهذه النقطة هي في صميم العلاقة بالموروث وكيفية النظر إليه واستيعابه ، والاستفادة من أشكاله في احتواء ما هو عصيّ على الإمساك ، وفي كسر أيّ رتابة معاصرة في طريقها أن تكون تقليداً ، أي أن استعارة التراث أحياناً هو بحد ذاته حداثة تكسر ما هو تقليدي معاصر حين يصبح الشعراء ببغاوات في غابة الحداثة ، وهذا ما لايدركه الشاعر النمطيّ المردد لمقولات الشكل المضمون اللذين لا يتصورهما حديثين إلا بفوضاهما المكرورة المملة .



والعراق أين هو منك ؟



لم يكن العراق بمنأى عني في كل مراحلي الشعرية أو الحياتية ، فهو يقيم في داخلي أينما حللت . إنه طفولتي ويفاعتي وأناسي المقيمون والمرتحلون معي في المنافي العديدة ، والحنين الذي يتقدمني لا إلى عراق ماضٍ ، حسب ، وإنما إلى عراق آخر قادم قد لا يأتي أبداً ، ولكنه حاضرٌ .. وإن ابتعد كثيراً .
لولا العراق لما كان منفاي ، ولولا العراق لما كان هذا الرحيل الدائم والتوق الدائم إلى ما يتجاوز حاضري . هل استحال العراق فكرةً ؟ قد يكون ذلك ولكنني حين رأيته ثانية كان فكرةً وكان مكاناً وبشراً يتوقون مثلي إلى ما يتجاوز حاضرهم ، خائضين أوحالاً لابدّ أن تفضي بهم يوماً إلى ما يعيد للفكرة بهاءها ، وللمكان بهجته ، وللبشر ما ضاع منهم في الوطن وفي المنفى .




كيف رأيت الشعر في اليمن ؟


لم أُبدِ رأياً في الشعر اليمني من قبل ، ولكنني كتبت قصائد محبة لشعراء كثيرين : نبيلة زبير ، فتحي أبو النصر ، على المقري ، عبدالكريم الرازحي ، كما ربطتني صداقة قديمة بآخرين : هيثم الذي أحببت شعره منذ بداياته الأولى ، شوقي شفيق ، عبدالرحمن إبراهيم وآخرين كثيرين . وأرى أن الشعر اليمني له موقعه المتميز في شعرنا العربيّ ، وتجاربه المتميزة وامتداداته الشعبية الأصيلة كما يتجلى ذلك في شعر الرازحي مثلاً .


قلت عن " وردة البيكاجي " إنها وردة يمنية .. هل لليمن حضور في مشوارك الشعريّ ؟


لليمن أكثر من حضورٍ في شعري . بعد مجموعة ( وردة البيكاجي ) التي جاءت أغلب قصائدها عن عدن ، كتبتُ عن صنعاء قصائد شتّى : عن شعرائها وفنانيها ومغنيها وناسها البسطاء وأسواقها وجامعها الكبير وساحاتها ، كما كتبت عنها نثراً هو وجهٌ آخر لشعري ، لما احتواه من أحاسيس تغور بعيداً في الواقع والروح معاً. ولا تزال هناك مساحة واسعة لم أقطعها بعد .. مساحة تنتظرني يوماً لأستعيد من خلالها صنعاء ثانية وهي أشدّ حضوراً وبهاءً


قال لي صاحبي :
" إن رحلتَ
ولم تنسني
فتذكّر
أنّ طيراً بكى
عند باب اليمنْ "
قلتُ : " إنْ "







كيف تنظر إلى واقع الشعر العربي بالقياس إلى الشعر العالمي ؟



لا يصحّ مقارنة الشعر العربي بالشعر العالمي ، فلكلّ منهما اتجاهاته وممثلوه الذي يتفاوتون تفاوتاً كبيراً في طريقة تعاملهم مع الواقع وفهمهم للشعر، ولكن يمكن القول إن الاتجاه السائد في الشعر ، ممثلاً بشعرائه البارزين ، هو الاتجاه الذي يسعى إلى بناء القصيدة دون الابتعاد عن تفصيلات الواقع التي تشكل حجراً أساساً في عالم القصيدة ، حيث مخيلة الشاعر ليست لعباً حراً، وعالم القصيدة ليس عالماً مفارقاً ، ولا تخلو قصائد هؤلاء الشعراء من بؤرة محددة لها اشعاعاتها وايحاءاتها العديدة التي تشير إلى تلك البؤرة مهما امتدت هذه الايحاءات أو ابتعدت عن الأصل .
أما ما نراه سائداً في شعرنا العربي ، وربما في جزء كبير من شعر العالم أيضاً ، فهو فقدان هذه البؤرة وطغيان التداعيات التي اصبحت لعباً لا مخيلة ، صنعة لا تجربة تفرض شكلها الخاص ، وانبعاثها الحر في القصيدة . وما كان لغة تتمثل عالمها الخاص أصبح تراكم أحجار ، ولغة تشير ولاتشير في آن واحد .. لغة تقف عائقاً أمام القراءة ذاتها . وقد جاء اختلاط المفاهيم في نقدنا العربيّ وهلامية مصطلحاته وتطبيقها الردئ على ماهو ردئ من الشعر عاملاً مساعداً في تعمية عالم القصيدة ، والكتابة المجانية التي تعني الشئ ونقيضه ، ما قاد إلى فقدان المعنى في الكثير من النقد . وهذا ما ينشده الكثيرون في عالم أهم شارة فيه هو التزلف . أي أن ما يسمى بالاتجاهات الحديثة في النقد ومعمياتها جاء انقاذاً لنقد يعاني موته ، بإشاراته المبهمة التي يستوي فيها الجيد والردئ من الشعر.. نقد يقتات على المجاملات والمنفعة وانتشار الأسماء .



شعراء عرب وصلوا إلى العالمية ؟


لا أدري ما تعني بالعالمية ؟ هل هي ترجمة شعرنا إلى اللغات الأخرى . إن كان هذا ما تقصده فإن هناك من الشعراء من ترجمت أشعارهم إلى اللغات الأخرى لأسباب لا علاقة بها للشعر . وقد تلعب المصادفة والعلاقات دوراً في الترجمة ، لا سيما أن هناك مؤسسات عديدة معنية بتقديم ثقافتنا باعتبارها سلعة تخضع لقوانين السوق ، مثلها مثل أية سلعةٍ أخرى . ومن يدعي العالمية من شعرائنا لم يتجاوز جمهوره الأجواء الأكاديمية التي لا تختلف كثيراً عن أجوائنا من جوانب عديدة إذ تتحكم فيها غالباً علاقاتها بالمؤسسات الرسمية ، وبائعي المفرد من وكلاء الثقافة العربية في أوربا من الجاهلين بلغاتها وبلغتهم أيضاً . وقد يظن البعض أنه وصل إلى العالمية بمجرد ترجمة أشعاره إلى بعض اللغات الأجنبية ، دون أن يدرك أن ثمة أكداساً من الدواوين المترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية التي لا يعيرها أحد اهتماماً ، مثلما أنّ هناك أكداساً من كلمات المديح التي لا تعني شيئاً .
إنّ البحث عن الامتداد صوب العالمية ، لدى شعراء كثيرين ، هو الوجه الآخر لضيق علاقة الشاعر بواقعه ، وابتعاده عن معرفته .. هذا الواقع الذي لا تجده في القصيدة بل خارجها ، أي حين تصبح القصيدة لغة أو بالأحرى ثرثرة ووجوداً فارغاً لا تجلياً لوجود حقيقي تجسده علاقة الشاعر بالعالم .
عندئذٍ يحل ما هو عرضي ( علاقة الشاعر بالعالم عبر الترجمة ) محل ما هو جوهري ( علاقة الشاعر بالعالم من خلال التجربة ) . وباختصار إن الترجمة لا تعني عالمية أدب معين وإنما قوة تأثيره في الثقافة الأخرى الذي ترجم إليها . وهذا ما نفتقده في الكثير مما ترجم من شعرنا إلى اللغات الأجنبية ، مما يتطلب معايير أكثر واقعية وتنوعاً في الترجمة ، بعيداً عن المؤسسات التقليدية ووكلاء الثقافة تجار المفرد ومجلاتهم التي لا يقرأها غير كتابها ومترجميها .



يمثل ديوانك الشعري ( سراباد) تجربة متميزة في مسيرتك الإبداعية . لماذا ابتعدت في الفترة الأخيرة عن مثل تلك الخيوط الشعرية وبدأت تميل إلى قصيدة الومضة ؟


ليست قصيدة الومضة هي القصيدة السائدة في شعري الأخير ، كما إنها لم تكن مفتقدة في مجموعاتي الأولى . بعد ( سراباد ) صدرت لي مجموعات عديدة ( دقات لا يبلغها الضوء ) ، ( قفا نبك ) ، ( زهيريات ) ، ولدي الآن مجموعتان مهيئتان للطبع هما ( هجاء الحجر ) ، و ( حذام ) . وبعض هذه المجموعات يكاد يكون قصيدة واحدة ذات أوجهٍ عديدة كمجموعة ( حذام ) التي هي مرثية واحدة ذات أصوات متعددة . وكما تلاحظ من عناوين المجموعات فإن لكل مجموعة منحاها الخاص فـ ( قفا نبك ) تتناول تجربتي في التعامل مع التراث وفيها محاولة يمكن أن تعتبرها جديدة هي إعادة كتابة قصائد شهيرة في التراث بطريقة أخرى .
لقد أعدت كتابة معلقة امرئ القيس بأسلوب آخر قد لا يحبّذه البعض ولكنني وجدت أن ثمة استجابة لدى الكثيرين ممن تناولوا المجموعة بالنقد . إنها مجرّد محاولة لا أكثر . سأورد مقاطع منها :


قفا نبك من منزلٍ لحبيبٍ
عفتهُ الرياح
وطافت بأرجائه الموحشات الظباء
كأنّيَ يوم الرحيل ، لدى شجر الحيّ ، ناقف حنظلْ
يقول صحابي : " تجمّلْ "
وأنّى !
ودمعي شفائي
وهذي الديار أنيسي

…………………..

أتيت وقد عرضت لي الثريّا تريني وشاحاً تلألأ
في الليل
كانت لدى الستر تنضو الثياب
وتُبقي على فضلةٍ
همستْ وهي مبهورةٌ :
" مالنا حيلة منكَ أنتَ الغويّ
متى تنجلي عنك هذي الغواية ُ ؟ ! "
ثمّ انسللنا نجرّ على أثرينا إزاراً من الخزّ
رقّ
فلمّا أجزنا الديار انتهينا إلى بطن رملٍ تعرّج
يا للصَّبا وهي تحمل ضوعك أنّى التفتِّ
أضوعك أم هو ريّا القرنفل ؟
إن قلتُ هاتي امنحيني تمايلتِ بيضاء .. ضامرة الخصر
هفهافةً
( يصمتُ الحجل حين تميلين )
مصقولةٌ أنتِ عند الترائب
كالدرّ أبيضَ أصفرَ غذّاك ماءٌ نميرٌ بلا كدرٍ
وتصدّين عن عارضٍ واضحٍ
وتردّين عن ناظرٍ من نواظر وحشٍ بوجرةَ
جيدك ، جيدُ المهاةِ ، هو الحَلْيِ دون حُلِيٍّ
إذا ما برزتِ
وشعرك عذقٌ تدلّى
أثيثٌ
غدائرُهُ السود تتلعُ
مثنىً ومُرسلْ
وخصرك يا للطيف الجديل
وساقكِ يا للنخيل المذلّل
وتعطين رخصٌ بنانُكِ
مثل الأساريع
أبيض
أنتِ المنارةُ يوقدها راهبٌ في الظلام
تضيئين عن العشيّ
وعند الضحى
أنتِ
يا للفتيت من المسك فوق فراشك
أنت النؤومُ نؤومُ الضحى
لم تشدّ نطاقاً
إذا ما استطالتْ ودارتْ بثوبين في الدار
أنتِ العمايةُ لي والصّبا حين يسلو الرجال الصِّبا
والعمايةَ
كم من نصيحٍ رددتُ وكم عاذلٍ لجّ
صحتُ وقد أطبق الليلُ كالموج من كلّ صوبٍ
وأرخى سدولَ الهموم عليّ
وناء :
" ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبحٍ وما الأصباح منك بأمثلِ "


...................................


ورحنا وراح الجواد ينفّض رأسَه صوبَ السماء
على نحره من دم الهاديات عصارةُ حنّاء
يا حارِ ! ماذا ؟
أ تبصر برقاً كلمع اليدين بذاك السحاب
يضئ سناه
قعدنا له من بعيدٍ
وأضحى السحاب يسحّ ويهدأ
ثمّ يسحّ ويهدأ
حتّى انحنى الدوح وهو يكبُّ على وجههِ
ثمّ لم يتّركْ أيّ جذعٍ ودارٍ بـ ( تيماء )
يا لـ ( طميّةَ ) من جبلٍ
مِغزلاً صار وسط السيول
ويا لـ ( أبانا ) وقد صار شيخاً تزمّل بالعشب
إيّ سباعٍ طفتْ
وأيّ سحابٍ يغطّي السماء
ويُلقي بـ ( بسيان ) صدرَهُ
يُنزلُ كلَّ الوعول من العُصْم
من هضبات الجبالْ




أمّا مجموعتي ( زهيريات ) فهي تحتوي على قصائد استعرت فيها أشكال الشعر الشعبي ، كما أشرتُ من قبل ، ولا سيما الموّال لكتابة مواويل نطلق عليها في العراق اسم ( زهيريات ) ولكن بلغة فصيحة لا عامية . وكان توجهي إلى استخدام هذا الشكل عفويا تماماً يسكنه ربّما هاجس كسر المألوف من الشعر السائد ذي النمط الواحد الذي لا يعرف عودةً ولا استباقاً إلى أشكال شعرية وجدت أو ستوجد .
ما التجديد ؟ هل هو كتابة النمط السائد من الشعر ذي الوتيرة الواحدة والترديد الواحد أم التجوال والبحث الدائم عن الأشكال المهملة والمساحات المفتوحة على المجهول من هذه الأشكال ، تماماً كما في اللغة ، فقد تستخدم اللغة ألفاظاً مهملة للتعبير عن أحدث مستجدات العصر من مصطلحات وتعبيرات قادرة على التقاط الجوهريّ في الواقع . خذ لفظة ( قطار ) مثلاً . ما الذي يجمعها بمعناها التاريخي المحدد وكذلك ( سيّارة ) . وهذا ما جرى في اللغات الأخرى كاللغة الفرنسية التي اتبع علماء لغتها الطريقة ذاتها في التعامل مع الجديد الذي يفرزه العصر .

يتحدث بعض الشعراء عن ما يسمى بالمشاريع الشعرية . أحدهم يقول عنده مشروع ديوان عن فلسطين مثلاً . ما رأيك في مثل هذه التصريحات ؟

لكلّ شاعر طريقته في كتابة الشعر أو الحديث عنه. وقد يكون له مشروعه في الكتابة عن هذا الموضوع أو ذاك ، ولكن ما يهمني بالدرجة الأولى كقارئ هو أن أقرأ شعراً . تهمني المحصلة وليس الطريق الذي سلكه الشاعر إلى هذه المحصلة . قد يعني هذا النقاد وعلماء النفس. أما أنا فما يعنيني هو نتاج الشاعر لا مايدعيه من طريقة أو أخرى لتحقيق هذا النتاج.

ماذا عن علاقتك بكلّ من : السياب ، البياتي ، عبدالصبور ، نازك ، أي روّاد آخرين ؟

كان السياب يسكن في محلّةٍ مجاورةٍ لمحلتي ، هي في الأصل مقبرة لدفن الموتى من الأطفال . بُنيت لتكون مساكن للشرطة وصغار الموظفين . كتبتُ عنها مرّةً : " فجأةً حلّت التراكتورات وعلا ضجيج المكائن وامتدت بيوتٌ تشبه القطارات خلف المرتفع حيث قبور الأطفال .. بيوت ساكنة إلى الأبد .. موشكة على الرحيل في كلّ لحظة ، تسمرها الشمس كالقنافذ في الصيف ولا يزحزحها المطر في الشتاء ، كأنها علب مشدودة إلى الفراغ بخيوط من ماء مما يضفي عليها كآبة لا حدود لها .. أطلق على هذه البيوت اسم ( الأصمعي ) ولكنّ الناس ظلّوا يسمّونها باسم الشركة التي شيّدتها ( ومبي ) فلم يغادرها هذا الاسم حتّى يوم رحيلي .
في تلك القطارات كان ثمة بيت .. عربة صغيرة - إذا جاز القول – سكنه أعظم شاعر عربيّ معاصر هو الشاعر بدر شاكر السياب الذي كنتُ أصادفه أحياناً في الظهيرة أو في المساء ، في الباص في طريقه إلى مكتبة ( فيصل حمود ) ، غير بعيد عن مأوى مومسه العمياء الذي تفصله عن المكتبة ساحة وبضعة بيوت ، يجرّ جسده المنهك النحيل ونظرته الذاهلة البعيدة عن الأشياء والناس . "
قد يكون السياب هو الشاعر العربيّ الوحيد الذي لازمتني محبة شعره دوماً ، ولعلّ أفضل كتاباتي ما كتبته عنه في مقال نشرته في مجلة عراقية ، قبل سنوات ، ولا أملك نسخة منه الآن. اتصلت قبل فترة بمحرّرها الثقافيّ صديقي الحميم الشاعر مهدي محمد علي ليوافيني بنسخة من المقال.
أما البياتي فقد ربطتني به علاقة طيبة حقّاً . كنّا نلتقي كلما قدمت إلى بغداد زائراً من مدينتي بصرة . وأتذكّر مرة أننا سهرنا ، أنا وإياه والشاعر عبدالرحمن الطهمازي ، في مكان بعيد منعزل في بغداد اختاره هو تجنباً لأيّ مضايقةٍ أو فضول ، ولكن لم يمض وقت قصير على قدومناحتّى وجدنا أنفسنا موضع فضول الجالسين . إذ استأذن اثنان كانا يجلسان إلى جوارنا ليشاركانا جلستنا ، وقد عرّف أحدهما نفسه بصفته استاذاً للأدب العربي في جامعة بغداد .ولكن كم كانت دهشتنا كبيرة حين استهل حديثه بسؤال البياتي عن قصيدة له أخيرة مهداة إلى الشاعر الأسباني المعروف رافائيل ألبرتي ، نشرها في جريدة ( الثورة ) الناطقة باسم حزب البعث آنذاك ، ناعتاً إياها بالغموض رغم وضوح القصيدة الشديد . ولم ينته الأمر عند هذا الحدّ وإنما أعقب سؤاله هذا بسؤال آخر استنكاري هو كيف ينشر شاعر شعراً غامضاً كهذا الشعر في جريدة مكرسة ( للعمال والفلاحين ) ، لكن البياتي ، رغبة منه في تجنب الحديث ، أجابه مستسلماً يائساً بتواضع وأسىً كبيرين :

- أنا مجرد مستشرق من بنغلاديش قد تجدني ولا تجدني هنا بعد أيام .

فما كان من الأستاذ الجامعي مدرس الأدب العربي المتحفز للرد والشجار إلا أن فأجأه بإحراج آخر :

- هل يعني قولك إنك من بنغلاديش استنكافك من عروبتك ؟

ولم نتخلص من شباك هذا المخبر إلاّ بشق الأنفس . كانت ليلة ليلاء . حدث هذا رغم علاقة البياتي الوثيقة بالسلطة وأدبائها ، والتي يعرفها هذا المخبر جيّداً ، فما بالك بما يحدث لغيره من الأدباء المعارضين للسلطة والحزب ؟
أما بالنسبة إلى شعره فإنني أرى في بعض قصائده غنائية عالية ، وبساطة نادرة في شعرنا العربيّ المثقل بالصنعة كقصائده إلى ولده عليّ ، و(بستان عائشة)، و(ثلاث رباعيات) ، و( المغني والقمر) وأرى في قليله الجيّد من شعره الغنائيّ ، ومجموعته النادرة ( الذي يأتي ولا يأتي ) و ( قمر شيراز ) مايجعله حاضراً أبداً في المشهد الشعريّ ، رغم امتلاء مجموعاته بالعاديّ من الشعر ، شأنه شأن معظم روّاد شعرنا.
أما صلاح عبدالصبور فقد التقيت به مرة في بيته في القاهرة . إذ سبق أن زار دمشق عندما كنت طالباً في جامعتها وسأل عني هناك الشاعر علي الجنديّ إثرقراءته ما كتبه عني الشاعراللبناني رفيق الخوري في مجلته التي لا أتذكر اسمها الآن ، منوّها بقصيدة لي عن الحلاج، ومقارناً إياها بمسرحية الصبور ( مأساة الحلاّج).
لقد أحببت شعر الصبور ، ولا أزال أحمل لبعض قصائده الحب ذاته ، وأرى في شعره وشعر البياتي وبدر شاكر السياب المنحى الأقرب إلى نفسي وتوجهي الشعري ، نائياً بنفسي عن تجارب الشعراء الآخرين التي وجدت فيها صنعة بغيضة أضرت بشعرنا العربيّ كثيراً ، من خلال ما خلقت من شلل وتجمعات ( لا اتجاهات ) شعرية مهيمنة .. تجمعات موظفين رسميين ( لا شعراء ) امتلأت بهم صحافتنا ومؤسساتنا الجامعية .
وقد طلب مني مرة الشاعر فوزي كريم أن أكتب عن قصيدة من قصائد الصبور لمجلته اللحظة الشعرية ( التي نشرت في مجلة المدى عدد 32 سنة 2001) ففعلت ، ولعل في كتابتي عن القصيدة تفسيرا لهذا الحب الذي ذكرته والذي لم يكن وليد ذائقة عابرة .
أما نازك الملائكة فلعلّ منجزها الشعري الحقيقي هو ( قرارة الموجة ) أما ما كتبته بعد ذلك فلا يعدو أن يكون تمرينات متقطعة لاستذكارات شعرية بعيدة .


هل أنت من يرشحون أدونيس للحصول على نوبل ؟


لا يشغلني أمر أدونيس ولا ترشيحه . ولايعني فوزه تغيير وجهة نظري في شعره . لقد حصل كثيرون من الشعراء والكتاب على جائزة نوبل وليس لهم أي شأن في الأدب الآن . إنهم مجرد أسماء يرد ذكرها في تاريخ الأدب لا الأدب ذاته . وهذا لايعني أيضا التقليل من قيمة أدونيس الشعرية باعتباره صوتا متفرداً في شعرنا العربي ، ولكنني من النادر أن أجد في شعره تلك الروح التي أبحث عنها في الشعر .


صنعاء عاصمة الثقافة العربية . هل ترى أنها حققت الغاية المرجوة منها ؟


ما استوقفني حقّاً في النشاطات التي رافقت هذه المناسبة هو الإصدارات الحديثة التي تضمنت مجموعات شعرية كاملة لشعراء وكتاب وفنانين من أجيال مختلفة ، من بينهم أصدقاء التقيتهم قبل أكثر من عشرين عاماً في عدن وها أنا التقيهم ثانية عبر مجموعاتهم الشعرية الكاملة .
كانت صنعاء بالنسبة إليّ اكتشافاً عبرت عنه عبر نصوص نثرية وشعرية عديدة . وهذه غاية حقا ، على المستوى الشخصي ، أما الغايات الثقافية العامة فهي بلا شك لا يمكن أن تتحقق بانقطاع المناسبة وإنما بتواصلها وتعميقها وتحول الاحتفالات إلى مسارات تؤشر إلى ما هو أبعد من المناسبة وتراكم انجازاتها .


ماذا عن ما قدّمته أنت للنص الحديث باعتبارك أحد رواد الشعرالحديث وإن لم توافقني القول في ذلك؟


شكراً لك على ما تضمنه سؤالك من محبة وتقييم ما أبعدني عنه . لم أكن أحد رواد الشعر ، بالمعنى التاريخي لهذا المصطلح ، ولن أكون بالمعنى المجازي لهذا المصطلح أيضاً ، فأنا أتيت بعد الجيل اللاحق للرواد . نشرتُ أولى قصائدي في أوائل الستينات . وأول قصيدة لي في الآداب اللبنانية كانت عام 1967 في عدد خاص عن الشعر المكتوب إثر حرب 5 حزيران . يكفيني لفظة شاعر أما ما قدمته للنص الحديث فهو أمر نسبيّ تماما متروك لتقييم الآخرين ممن تسنى لهم الاطلاع على شعري



#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد - أوكتافيو باث
- عشر قصائد وتعليق
- ما أبعد الطريق إلى بغداد
- البصرة مدينة لا مرئية
- عن السياب وتمثاله
- الرحلة الثانية بعد الألف
- قصف
- البرج إلى عبدالكريم قاسم
- ولائم الحداد


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد