أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - هايل نصر - هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!















المزيد.....

هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 08:54
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


بعد اغتراب دام 32 عاما كانت الزيارة الأولى لبلدي, سعادة ما بعدها سعادة, رؤية الأهل والأقارب وأصدقاء الطفولة والدراسة, ومن بقي على قيد الحياة من المعارف والجيران. وتفقد الأماكن التي كانت, ومازالت, محفورة في القلب والذاكرة.

وبعد مراجعة فرع الأمن، والتي هي شرط لمنح تصريح لزيارة البلد، وإبلاغي هناك أن بعض ما فات, قبل 25 عاما, قد مات, وبعد " نقعي " أكثر من 5 ساعات في انتظار التوقيع على السماح بالمغادرة. رجعت إلى أهلي والأصدقاء لقضاء ما بقي من المهلة المسموح بها من الزيارة.

لم أكن أعلم أن حبي الكبير والشوق اللامحدود لرؤية الوطن يقابله حب أكبر ورغبة جامحة في قلوب الكثير من أبناء هذا الوطن لمغادرته إلى أية جهة كانت وبأية طريقة, ومهما تكن النتائج . رأيت أن حسدي للمقيمين في وطنهم وبين أهلهم وذويهم يقابله حسد أكبر لي لكوني بعيدا عنه !! يا للغرابة.

لقد كان ينفرد بي البعض, كلما سنحت الفرصة, ليثني علي أولا, ويغرقني بعدها بالأسئلة التي لا تنتهي عن إمكانية السفر والهجرة إلى فرنسا أو إلى أي بلد أوروبي. وحين كنت اشرح له الطرق القانونية للسفر والهجرة ــ حسب معرفتي التي اعتقد أن مجال عملي واهتمامي يسرا لي الإطلاع الكافي على قانون دخول وإقامة الأجانب في فرنسا, وكنت قد كتبت حوله مقالات عديدة ــ كان, بينه وبين نفسه, يندم على الإطراء الذي خصني به في بداية الحديث. وكأني أنا شخصيا من وضع هذا القانون وأقام العقبات قي وجه طالبي الهجرة.

احدهم, في الخامسة والأربعين من العمر, يريد الهجرة بأي ثمن. طلب مني أن أوجه له عند عودتي إلى فرنسا بطاقة استضافة ( certificat d’hébergement ) لزيارة تمكنه من الحصول على تأشيرة دخول لهذا البلد. وهو يتدبر أمره فيما بعد. أخبرته أن مثل هذه الدعوة لا تعطى اعتباطا وبدون أسباب وجيهة وشروط محددة, يجب توفرها في المستضيف والمدعو للزيارة. كما أنها غير كافية إذ أن القنصليات الفرنسية في الخارج تطلب لمنح تأشيرة الدخول توافر شروط أخرى زيادة على بطاقة الدعوة. منها وجود حساب مصرفي. وضمان صحي. وضمانات تقنع بالعودة بعد انتهاء مدة الزيارة. وصلة طالب الزيارة بموجه الدعوة.. وللقنصل بعدها سلطة تقديرية في المنح أو الرفض دون إلزام بتعليل قراره. أمام حيرة سائلي, وعدم يأسه, وجدته يفكر بالأسلوب المتداول في التغلب على الصعوبات الفعلية والمفتعلة, ودون أن يذكر الرشاوى بالاسم لمح إلى إمكانية دفع أي مبلغ لأي مسؤول يساعده في ذلك. ولماذا يلام في ذلك أليس هذا هو السائد عنده. أليس هذا ما يلجأ إليه الجميع تقريبا, أو ينصحون باللجوء إليه, لمواجهة أية مشكلة كبيرة كانت أم صغيرة في بلادنا؟. فكيف إذا كان الأمر متعلقا بهجرة وتامين مستقبل !!.

وقال أخر انه يسعى للحصول على تأشيرة سياحية إلى أي بلد أوروبي. وبعد انتهاء مدة التأشيرة لا يخرج. وقد فعلها غيره. وسأل عما يترتب على ذلك من الناجية القانونية. أخبرته انه سيصبح عندها مقيما إقامة غير شرعية وهذا يعاقب عليه قانون دخول وإقامة الأجانب في فرنسا. ويعرضه للتوقيف عند أي طلب لإبراز أوراق إقامته. ويترتب عليه اقتياده إلى الحدود. و سجنه في حالة رفضه لذلك لخرقه للقانون المذكور. ثم يسفر بالقوة بعد إنهاء مدة عقوبته. ومنعه عندها من دخول الأراضي الفرنسية لمدة سنة أو أكثر أو لمدى الحياة. ( مقالنا المنشور في الحوار المتمدن تحت عنوان الاقتياد إلى الحدود).

ولكن آلا توجد إمكانية للسفر والإقامة في فرنسا أو الدول الأوربية؟ كنت أجيب إن ما أعرفه يتعلق بفرنسا وحدها. نعم إمكانية الدخول والإقامة أصبحت محصورة فقط بما يعرف بالتجمع العائلي ولم الشمل (regroupement familial ). أو الدراسة. أو العلاج. أو اللجوء السياسي. هذه الإمكانية الأخيرة كانت تثير رعب وفزع السائل, أبعدنا الله عن السياسة ومشاكلها. لا نريد حلولا تأتينا من هذا الاتجاه, تغرقنا وتغرق أهلنا ومعارفنا وأولادنا من بعدنا في جحيم أبدي.

الدراسة إذن. ولكن بعضهم تجاوز سن الدراسة منذ زمن طويل. لا يهم فلتكن دراسات عليا. وهذه لا يشترط فيها السن. فكثيرا ما يأتيها (طلاب) يكبرون أساتذتهم بسنوات عديدة . هل الدخول( للدراسة) مقيد؟. نعم أنه كذلك.لأنها تحولت لباب من أبواب الهجرة. ترتب عليه, للأسف, حرمان أعداد كبيرة من طالبي العلم الحقيقيين من الدخول للدراسة والبحث العلمي. فأصبح على الطالب الحصول على قبول أولي من إحدى الجامعات الفرنسية. وهذا سهل حين توافر الشروط العلمية كمعادلة الشهادة ومستوى الجهة المانحة لها. أي انه من الجانب التعليمي لا توجد مشكلات تذكر والدراسة مجانية لا تتطلب سوى دفع رسوم التسجيل والضمان الصحي وهذا في مقدور الجميع. ولكن المشكلة إدارية. أي تعود للجهات التي تمنح تأشيرة دخول للدراسة للطلاب غير الممنوحين. حيث تفرض شروطا مالية صعبة. كدخل ثابت وحساب مصرفي وتوافر سكن..ومراقبة جدية طلب طالب الدراسة. أي إذا كان قادم فعلا من اجل الدراسة. كما تقيد حقه في العمل ب 19 ساعة ونصف أسبوعيا. كأي طالب فرنسي. وتعليق منحه إقامة طالب على قبول تسجيله السنوي. وفي حال عدم التسجيل لا تجدد إقامته. كما انه لا يستطيع تحويل إقامته كطالب إلى أي نوع من أنواع الإقامة, التي تعطي الحق لحاملها في العمل والإقامة الدائمة, مهما طال به الزمن.

أما ما كان يستهوي طالبي الهجرة بأية طريقة, غير طريقة اللجوء السياسي بطبيعة الحال, فهو التجمع العائلي. فليكن. أنا مستعد للزواج بفرنسية أو أية مقيمة تحمل بطاقة إقامة, أكد لي أب لخمسة أطفال.
ــ وزوجتك وأولادك؟
ــ لا يهم قد توافقني زوجتي على ذلك فالزواج سيكون في المهجر ومن أجل إرسال الدراهم لمساعدة أولادنا.
نظرت إليه باستغراب ولم ألمه لوما كاملا, رغم خطورة ما أسمع, فاللوم الحقيقي على من أوصل أمثاله إلى هذا التفكير.
ــ أدفع أي مبلغ لمن تقبل بذلك وترسل لي أوراق زواج.
ولم يكن مرتاحا حين أخبرته إن القانون يحارب مثل هذا الزواج المسمى بالزواج الأبيض ( mariage blanc ou mariage de complaisance ). ويعرض طرفيه للعقوبة والغرامة. والقانون الفرنسي يعاقب تعدد الزوجات. وانه قد يقع ضحية ابتزاز زوجة المستقبل التي قد تقبل بذلك. والتي تكون بمجرد قبولها مشكوك في سلوكها وأمانتها. وباني كنت أرى في المحاكم شبابا من أصل عربي مصحوبين (بزوجات ) تكبرهم بعشرات السنين. وتثير استغراب ودهشة القاضي الذي لا يستطيع إلا أن يسأل عما إذا كان الزواج قائم فعلا بيتهم.

كما أن قانون دخول وإقامة الأجانب لا يفرض فقط موافقة الطرفين على الزواج وإنما عقده بشكل رسمي, ومراقبة الزوجين لمدة 3 سنوات في بيت الزوجية. والعيش المشترك الفعلي. ومن المخاطر التي قد تنتج عن مثل هذا الزواج, وضحت لسائلي, انه عند أي خلاف أو خصومة, أو تغير مزاج الزوجة لسبب أو دون سبب, كثيرا ما تنتقم من زوجها بالادعاء بأنه تبين لها لاحقا أنها كانت ضحية زواج أراد منه الزوج تسوية وضعه الإداري والحصول على إقامة فقط,. ولم يكن قصده الزواج الشريف. عندها يصار إلى سحب إقامة الزوج وطلب مغادرته فرنسا.

لم ييأس سائلي مما سمعه, واعتبر أن الحظ قد يلعب دورا في ذلك. والتوفيق من عند الله . وأكد علي أن أسعى له جاهدا لدى فتيات فرنسا لإيجاد زوجة صالحة تراعي مصالحه ومصالح زوجته وأطفاله في بلده الأصلي, مقابل رجولته و وعد منه بأنه سيكون زوجا صالحا مخلصا إن شاء الله.

لم تكن دهشتي كبيرة. كما ذكرت, مما سمعت. والذي لم أذكره هنا أغرب بكثير. ما ألمني ما وصل إليه وضع أبناء وطني .
كيف لا يفكر في الهجرة, وبكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع, الأخلاقي وغير الأخلاقي, الموظف الذي لا يكفيه راتبه لمنتصف الشهر, المجبر على القيام بعمل آخر بعد نهاية دوامه الرسمي, إن وجده.
كيف لا يفكر بالهجرة المواطن الذي يسعى ليلا نهارا لإيجاد عمل شريف فلا يجده وان وجده فهو لا يسمن ولا يشبع من جوع.
كيف لا يفكر بالهجرة الطالب الذي لم يجد له مكانا في الجامعة, ويعرض عليه التعليم المفتوح, والجامعات الخاصة التي يعجز عن دفع جزء واحد من أقساطها.
كيف لا يفكر بالهجرة الخريج الذي يقضي سنوات طويلة بعد إنهائه خدمته العسكرية دون أن يجد عملا لإعالة عائلته, أو وعدا به.
كيف لا يفكر بالهجرة المواطن الذي تمتهن كرامته من قبل الموظف المرتشي في كل مرة يحتاج فيها لوثيقة إدارية.
كيف لا يفكر بالهجرة من تحصى عليه أنفاسه. وتهدر كرامته إن تجرأ وذكر بأنه مواطن له حقوق مثل كل مواطني الدول في القرن الواحد والعشرين.
كيف لا يفكر بالهجرة من يجبر على القبول بما تلقى عليه محاضرات في القيم والأخلاق والوطنية ويرى يوميا نقيضها.
كيف سيحتمل, دون أن يفكر بالهجرة, سماع أغاني المجد والعزة المنبعثة, بمناسبة وبغير مناسبة, من وسائل إعلامه المسموعة والمرئية مرددة دون كلل: " أنا سوري يا نيالي".
د. هايل نصر. فرنسا.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنطقة العربية . منطقة تصد وممانعة للديمقراطية
- محامو تولوز. اخلاق مهنية عالية
- وهم أيضا من دعاة حقوق الإنسان !!!
- وهم أيضا دعاة حقوق إنسان !!!
- مثقفون ولكن ...
- حول دولة القانون
- حق اللجوء في فرنسا
- حق الدفاع في المواد الجزائية 2
- التطاول على القضاء 2
- التطاول على القضاء
- هجرة -منتقاة- وليست مفروضة 2
- هجرة - منتقاة- وليست- مفروضة
- حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنس ...
- الاقتياد إلى الحدود


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - هايل نصر - هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!