أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - على تغييرها قدراء















المزيد.....

على تغييرها قدراء


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لأبي العلاء المعري، فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، بيتا شعريا بليغا فيه رؤية سياسية قريبة مما ندعوه اليوم بسلطة الشعب أو بالممارسة الديمقراطية، يقول: ( وإن لم تقم بالعدل فينا حكومــةٌ كنا على تغييرها قدراء ).
بطبيعة الحال لا يهمنا مضمون هذه الرؤية إن كان يتماشى مع السياق التاريخي الذي عاش فيه الشاعر أم لا، فالحكومة التي يعنيها تختلف عن مفهوم الحكومة المتداول حاليا، والتغيير الذي يقصده بعيد حتما عن التغيير الذي سنتحدث عنه، والذي ينجز سلميا عن طريق المنافسة والتدافع السياسي، وتداول الحكم بين الأحزاب والتنظيمات، وسلطة الناخب المنبثقة من صناديق الاقتراع..
لكن في هذا البيت الشعري يبقى المفهوم المراد بالعدل هو هو تقريبا منذ زمن المعري إلى يومنا هذا. ربما يضيق أو يتسع حسب الظروف التاريخية، لكنه لا يمكن أن يتغير أو يتبدل. فلا أظن أن معاني العدل والانصاف في كل الأزمنة التي تعاقبت تبتعد كثيرا عما نقصده في عصرنا الراهن، من مساواة في الحقوق والواجبات، وكرامة في العيش، واطمئنان على الأمن الشخصي والجماعي، وحماية المصالح، وضمان سلامة الناس وحرياتهم وممتلكاتهم... إلخ.
لذلك فمضمون هذا البيت الشعري، في رأيي، هو الصيغة البليغة لما ينبغي أن تكون عليه الديمقراطية، بلا تزويق ولا تنميق، أي أن نكون كمواطنين عاديين، قادرين بأيسر السبل وأكثرها سلاسة وحضارية أن نسقط حكومة وأن نأتي بأخرى، وأن نسحب الثقة من أحزاب لنوليها لآخرى، وأن نقصي نخبة وندني ثانية، وأن ننزع المقاليد من أشخاص لنسندها لآخرين.
وحينما نفعل ذلك ينبغي أن يكون فعلنا بناء على معيار واحد هو النجاح أو الفشل في شرط إقامة ذلك العدل الذي نسميه حاليا بالحكم الجيد.. بقياس نوعية الأداء الاقتصادي والاجتماعي، وحسن تدبير موارد الشعب وثرواته، وتسيير الشأن العام تسييرا صحيحا، وتحقيق الوعود المقطوعة، وإنجاز التنمية والازدهار والتقدم.. فلا يكون الحكم لشيء آخر غير ميزان الصلاح والكفاءة والإخلاص، وحصيلة النتائج الملموسة المحسوسة التي لا شك أنها ترى بالعين المجردة وتحس بالإحساس المباشر بدءا من طعم لقمة العيش في فم الإنسان البسيط، وثمنها وسهولة الحصول عليها، وانتهاء بمؤشرات البؤس والسعادة، الرضى والسخط، الضيق والرخاء التي ترتسم على الملامح وتكاد تنطق بها الأعين والنظرات.
إن "الديمقراطية" التي لا توجد مفاتيحها الحقيقية في أيدي المواطنين وبإرادتهم وأصواتهم الحرة المسؤولة، ديمقراطية واجهات، وديكور استعراضي، وترف نخبة، وساحة مشرعة للمتسللين المستنفعين الذين يتهافتون على المناصب ويتكالبون على الامتيازات ويتقاسمون الفيء والغنائم. أولئك الذين يفشون الفساد ويُطبِّعون الأزمة ويشرعنون العجز ليخلقوا جوا مثاليا للتربح والسطو واختلاس الأموال والممتلكات العامة، وليهيئوا تربة خصبة لانتهاز الفرص واقتناص المكاسب، في غياب المراقبة وانتفاء المساءلة والعقاب الصارم.
إننا، للأسف، لا نتمتع بهذا الحق فعليا، فيما يمثل أمامنا من "ديمقراطية". بل أكثر من ذلك أننا لا نحاسب الحكومات على نتائج سياساتها الهزيلة وتوجهاتها الكارثية حتى بذلك المستوى الذي يحاسب به جمهور كرة القدم أعضاء ومسؤولي فريقه المفضل حينما ينهزم في مقابلة أو يتراجع في مرتبة أو يقصى من بطولة أو يخرج من استحقاق رياضي.
ولا نتحمس أو نتكاتف لإقالة حكومة مثلما نفعل ذلك مع مدرب أو فريق كروي فاشل.. لا نستنكر الأخطاء التي ارتكبت أو نستشنع الخطة التي اتبعت، رغم أن الموضوع، بالمقارنة، أكبر شأنا وأعظم خطرا وهو يهم حاضرنا ومستقبلنا وأمن وجودنا والمصير الذي ينتظرنا أجمعين.. ورغم أن كثير من المفسدين، ـ ممن مروا مرور اللئام أو صالوا وجالوا ومكثوا وأطالوا، ـ خربوا وهرَّبوا وسرقوا وعاثوا في الأرض فسادا جهارا نهارا، فرادى ومجتمعين.
فالمسؤولية حينما تتحول إلى تشريف وتحاط بحصانة التواطؤ، وتتعالى على هيبة القانون، وتأمن من المساءلة والحساب، وتطمئن إلى أن لا أحد يهتم أو يبالي.. ثم فوق هذا وذاك لا يملك المواطنون إمكانية التغيير الحقيقي في أيديهم حينما تواتيهم فرصة الانتخابات ( لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها )، ـ هذه المسؤولية ـ لا يمكنها أن تستقطب إلا القراصنة ومحترفي السياسة وسماسرة الحقائب وعُبَّاد الكراسي ممن يتقاتلون على الفريسة ويتناحرون على امتصاص دمها وتمزيق أوصالها ثم، بعد ذلك حينما يحظى كل منهم بنصيب، يهنؤون بعضهم بعضا ويدعون لبعضهم البعض بالصحة والعافية والشهية الطيبة، ويتواعدون على فريسة أخرى.
أولئك الذين يراهنون على الجهل العام، وعلى اليأس والإحباط والعزوف، لممارسة الفساد والإفساد والمتاجرة بحقوق الناس والمساومة على أمانتهم التي استأمنوهم عليها في سوق النخاسة وبورصة المصالح.
لكن، واستدراكا على كل هذا نقول، لو كان تحمل المسؤولية، كما يتعين أن يكون حقا، تكليفا ثقيلا متعبا يذهب النوم من أعين من ينبرون للاضطلاع به، ويسبب لهم الهم والغم، ويجبرهم على السهر والعرق وحرق الدم والأعصاب، كما هو الشأن عند الدول التي تحترم نفسها وتضرب حسابا لشعوبها..
ولو كان المنصب لا شيء آخر سوى عمل دؤوب مضن، وإضافة يومية واجبة، وامتحان عسير مستمر.. ولو كان القرار السياسي التزاما وتطبيقه سيفا حادا على الرقاب، والتوقيع عليه إقرارا باتا بتحمل التبعات القانونية والأدبية آنيا ومستقبلا..
ولو كان التعاطي للشأن العام مجرد مكسب رمزي عاطفي للشخص بإرضاء روح المواطنة والمشاركة ونكران الذات والتطوع لخدمة الصالح العام.. ولا يضيف كل تلك الأموال والثروات للرصيد البنكي وللحسابات السرية في سويسرا.
وأخيرا لو كانت كفة العطاء والبدل والتضحية والتفاني والجهد والاجتهاد هي الغالبة على كفة الأخذ والربح والنفوذ والرواتب والامتيازات والتعويضات والوجاهة والعلاقات، لما كانت هذه المسؤولية في النهاية مطمعا لكل من هب ودب، ولما أصبح العمل السياسي سوقا عشوائيا للمضاربات والمزايدات والمناقصات العلنية، ولما أسالت المناصب لعاب المتكسبين اللاهثين ممن يزِنون كل شيء بميزان الربح والخسارة والفائدة والعمولة.
ثم نعود إلى ما بدأنا به الحديث لنختم بالقول، إننا للأسف، وإن كنا قد بدأنا مبكرا في بناء الديمقراطية وتكريس التعددية وممارسة الانتخابات، وإقامة المؤسسات، فإن نخبتنا السياسية في المقابل بدأت مبكرا أيضا وبكل همة في الانقلاب عليها وهدمها بتمييع المشهد السياسي وتحريف الممارسة السياسية من أخلاقيات الديمقراطية إلى "لا أخلاقيات" السوق السوداء.. بل إلى "لا أخلاقيات" الغاب. لكن مع ذلك يبقى الأمل قائما في تحقيق المعنى الذي يشير إليه البيت الشعري أعلاه، ولو على سبيل ركلة جزاء سياسية في هذا المناخ الاستثنائي.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيمياء التراكم: البطالة.. حل(!)
- الوسط المعتل والفعل الأجوف: عن التعددية الحزبية في المغرب
- مورفولوجية الرمز وخطاب التميمة
- كفايات التناظر التلفزيوني
- تلك الطريق.. ذلك النمو
- نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة
- أكاديمية الآلهة
- الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة
- الفساد.. ينزل من أعلى
- عم.. يتنافسون؟
- خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
- من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم ...
- الأحزاب السياسية في المغرب
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - على تغييرها قدراء