أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - الجزء الأول















المزيد.....



التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - الجزء الأول


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 490 - 2003 / 5 / 17 - 06:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


التحولات الاقتصادية والسياسية

للطبقات الاجتماعية في المغرب

(الجزء الأول)

 

تتعايش في بلادنا  ثلاث طبقات اقتصادية وسياسية واجتماعية، أفرزها نمط الإنتاج الرأسمالي  السائد وسوء توزيع المداخيل والثروات مما أحدث تفاوتا في الثروة والنفوذ والمراكز الاجتماعية. فهناك الطبقة الأولى، العليا بطبيعة الحال، والتي تمتلك كل شيء: الثروة والنفوذ والمركز الاجتماعي، وتتعاون مع الطبقات الأولى في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة للحفاظ على مكانتها وعلى مصالحها. وتختلق هذه الطبقة تعبيراتها السياسية بواسطة ما تمتلكه من ثروة ونفوذ للدفاع عن مصالحها وعن النظام السياسي المخزني القائم. وتمارس هذه الطبقة استبدادها من خلال التأثير على صنع القرار السياسي الذي يخدم مصالحها على حساب مصالح الطبقات الدنيا.

أما الطبقة الثانية فهي الطبقة المتوسطة التي تنتمي إليها شرائح اجتماعية تتفاوت مداخيلها وثرواتها المتوسطة بطبيعة الحال. وتتسم هذه الطبقة بالسلوك الانتهازي، حيث تعمل على ضمان استقرار النظام السياسي القائم حتى وإن كان مستبدا، وذلك  لقاء تلبية بعض طموحاتها التسلقية. وقد تتحول هذه الطبقة إلى قوة معارضة وازنة إذا ما تعرضت طموحات لإحباطات متكررة، كما تتسم تعبيراتها السياسية المتمثلة في الأحزاب التي تعبر عن طموحاتها بنفس الطابع الانتهازي حيث نجدها تتخلى بسرعة عن وعودها للطبقة التي تنتمي إليها حالما تصل إلى السلطة، فتتحول نحو خدمة الطبقات العليا التي تصبح قيادتها جزءا منها.

أما الطبقة الثالثة فهي التي تضم أغلبية المواطنين الكادحين من عمال المصانع وفلاحين وباعة متجولين وأصحاب الحوانيت والمشتغلون في المهن اليدوية المتعددة إضافة إلى مختلف العاطلين وخادمات البيوت إلى غير ذلك من المواطنين ذوي المداخيل المتواضعة والفقراء... وتشكل هذه الطبقة قوة العمل الأساسية في البلاد كما تشكل سوقا واسعة الاستهلاك وهي بذلك تعتبر أهم منتج ومستهلك في البلاد إذ تساهم بحصة الأسد في تكوين ثروات الطبقة الأولى ومصدر غير مباشر لمداخيل الطبقة الثانية، غير أن حصة هذه الطبقة من الدخل الوطني يعتبر ضعيفا جدا بسبب سوء التوزيع السائد. كما أن هذه الطبقة تفتقد التعبيرات السياسية عن مصالحها، فمختلف الأحزاب السياسية العاملة في الحقل السياسي تعاملها كورقة انتخابية فقط بينما تتنكر لمصالحها عندما تضع برامجها المحابية للطبقات العليا والمتوسطة. أما التنظيمات اليسارية التي تتبنى قضية هذه الطبقة فإنها تتعرض لهجوم عنيف من طرف القوى السياسية والمخزنية.

لقد تعرضت مختلف هذه الطبقات لتحولات عنيفة منذ بداية عقد الثمانينات وسنحاول من خلال هذه الدراسة تناول طبيعة التحول الذي عرفته كل طبقة على حدة.

 

 

دور الأزمة في تكييف الانتماء الطبقي
عانت مختلف شرائح المجتمع المغربي من جراء الأزمة المستفحلة أواخر عقد السبعينات وبداية عقد الثمانينات ثم من جراء سياسات تدبير الأزمة التي انطلقت سنة 1983. فبالإضافة إلى الركود الاقتصادي الذي أثر تأثيرا واضحا على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فإن سياسات تدبير الأزمة المنبثقة عن برامج التثبيت والتقويم الهيكلي، مثل تخفيض قيمة الدرهم وتعويم الصرف، وتخفيض الدعم، وزيادة الضرائب غير المباشرة، وإطلاق آليات السوق، وزيادة رسوم وأسعار الخدمات العمومية، وخفض الإنفاق العمومي الموجه للخدمات الاجتماعية، وزيادة أسعار الطاقة وأسعار الفائدة،...الخ. كل ذلك أثر بقوة على توزيع الدخل الوطني.

وتشير الحصيلة الملموسة حاليا لتراكمات آثار هذه السياسات إلى أن نمطا جديدا لتوزيع الدخل يجري الآن لصالح رأس المال وضد صالح العمل. وقد نجم عن ذلك ، بالتبعية، أن هناك تباينات شديدة تحدث الآن في مستوى معيشة الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة طبقا للتغير الذي حدث في مداخيلها. فهذه السياسات أثرت سلبا على دخول ومستوى معيشة الطبقة المتوسطة وعمال المدن والبوادي ومن يعملون في القطاع الهامشي، في حين أدت –في المقابل- إلى تحسن واضح في دخول واستهلاك رجال الأعمال والطبقات العليا وعلى الخصوص بالنسبة لمن يعملون في أنشطة ذات العلاقة بقطاع التجارة الخارجية. على أن عمق تأثير هذه السياسات لم يكن أفقيا فحسب، أي على مختلف الطبقات الاجتماعية فقط، وإنما امتد للتأثير عليها بشكل عمودي، أي داخل شرائح الطبقة الواحدة. فهناك، داخل الطبقة الواحدة، شرائح معينة تضررت ضرر كبيرا من تلك السياسات، على حين استفادت شرائح محددة، داخل نفس الطبقة. فالتمايز الاجتماعي الذي نجم عن هذه السياسات، لم يكن قاصرا على التمايز بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وإنما أيضا داخل صفوف تلك الطبقات.

هناك إذن خريطة جديدة من علاقات القوى الاجتماعية التي يجري الآن تشكيلها تحت وقع سياسات تدبير الأزمة المتبعة. فما هو دور الدولة في ظل التشكيلات الطبقية الجديدة؟

يواجه المغرب حاليا كغيره من دول العالم الثالث زحفا قويا لرأس المال الأجنبي الذي بدأ منذ الاستقلال في البحث عن كيفية العودة إلى استعادة مواقعه السابقة في التحكم في المقدرات الاقتصادية للبلاد. فالموقع الجغرافي المتميز لبلادنا الذي يوجد وسط أسواق جهوية متعددة مهمة (أبرزها الأسواق الأوروبية والعربية والإفريقية) وتوفرها على نسبة هامة من المواد الخام(الطبيعية والمعدنية) إضافة إلى القرب من مصادر الطاقة(كمنابع الغاز والنفط بالجزائر وليبيا)، إضافة إلى رخص الأيدي العاملة (التي تتوفر على كفاءات لا بأس بها) تجعل بلادنا مصدر جاذبية وإغراء للعديد من القوى الرأسمالية العالمية.

فرأس المال العالمي  بدأ منذ الحرب العالمية الثانية في تجاوز حدوده الترابية  في ما يعرف بعملية نشر رأس المال على المستوى العالمي محاولة منه لتدعيم الطابع الكوني للإنتاج والذي يعتبر غاية الطبقة البرجوازية العالمية. وتشير هذه العملية إلى محاولة دمج البرجوازية المحلية الهجينة[1] في إطار عمل الشركات عابرة القارات، ليس من خلال علاقات السوق فقط، وإنما كذلك من خلال نقل عملية الإنتاج الرأسمالي إلى البلدان الفقيرة المنتجة للمواد الخام والموفرة لقوة العمل الرخيص. ويؤدي هذا إلى خلق قطاع صناعي وزراعي رأسمالي في قلب القطاعات المحلية يتمفصل معها ويسخرها لخدمته[2]. وتلعب الشركات متعددة الجنسية دورا حيويا في هذه العملية. فمن خلالها يعبر رأس المال الحدود ويتجاوزها، ويتحالف مع البرجوازية الكومبرادورية للبلدان النامية، ممهدا الطريق لتنويع الأنشطة الخارجية للاحتكارات الدولية ويوسع رقابتها على مجالات الإنتاج المشابهة في الاقتصاد الوطني[3].

ويحاول النظام السياسي المخزني في بلادنا  التماثل مع هذا الزحف الرأسمالي للظفر بمساندته السياسية والاقتصادية للحفاظ على هيمنته وذلك من خلال تبني سياسات تستهدف تطوير القطاع الرأسمالي بشقيه الزراعي والصناعي. وقد تم ذلك على مراحل بدأ بتدخل الدولة في نطاق العملية الإنتاجية في الزراعة والصناعة، ثم انتهى إلى تشجيعها للأنشطة الرأسمالية الخاصة المحلية والأجنبية. وقد برزت الوظيفة الاقتصادية للدولة في ما يتصل بسن التشريعات الاقتصادية والمالية، وتنظيم عمليات الإنتاج والتوزيع والاستثمار والادخار. كما وجدت الدولة نفسها طرفا في العملية الإنتاجية ذات الطابع الدولي. بل إنها تكاد تكون قد تورطت فيها تورطا لا يمكن الفكاك منه بسهولة (مثل الالتزام أمام المؤسسات المالية الدولية بتطبيق برامج التثبيت والتقويم الهيكلي والتوقيع على اتفاقية الكات وتفكيك الرسوم الجمركية من طرف واحد).

فخلال العقود الأولى للاستقلال تجاهل النظام المخزني تعبئة المدخرات المحلية لاعتمادها في تغطية نفقات الاستثمارات العمومية الصناعية والزراعية والخدماتية[4]. وفي غياب طبقة رأسمالية قادرة على الحلول مكان الدولة للقيام بهذه المهمة اتجهت السلطات المالية إلى الاستدانة الخارجية لتحقيق الأهداف التنموية. وقد أدى الإفراط في الاستدانة انطلاق من عقد السبعينات إلى تزايد العجز في ميزان المدفوعات، والعجز عن سداد أقساط الديون وفوائدها. كما أصبحت الدولة تقترض لا من أجل التنمية ولكن من أجل تسديد أقساط الديون والفوائد، وقد تضاعفت مديونية بلادنا ما بين 1975 و 1996 إلى أكثر من ثماني مرات، حيث قفزت هذه الديون من 2353 مليون دولار أمريكي عام 1975 إلى 19.856 مليون دولار أمريكي عام 2000 (حوالي 59 % من الناتج الداخلي الإجمالي)، بينما بلغ حجم خدمة الديون الخارجية خلال هذه السنة 3.534 مليون دولار أمريكي[5] .

وقد أدى التفاعل مع رأس المال العالمي منذ بداية عقد الثمانينات  إلى تأسيس قطاع رأسمالي تابع، دون أن يتمكن هذا القطاع من تحقيق الأهداف  التنموية المتوخاة. وبدلا من تحقيق النمو التراكمي الداخلي لرأس المال، تحول جزء كبير من رأس المال المحلي إلى الخارج في أشكال متعددة تتراوح بين المدخرات الفردية في البنوك الأجنبية وبين ما تدفعه الدولة لخدمة الديون الخارجية وما يحوله المستثمرون الأجانب نحو الخارج من أرباح بالنقد الأجنبي. وقد أدى هذا الوضع إلى بروز الوظيفة الريعية لأجهزة الدولة(من خلال سياستها الضريبية على الخصوص وعوائد احتكاراتها). لكن نتيجة للضغوط الخارجية أخذت السلطات المخزنية  تعيد النظر في الدور التدخلي للدولة بحجة أن ذلك لم يحقق الأهداف التنموية المنشودة، من هنا بدأ العمل على تشجيع القطاع الخاص أو تحويل المؤسسات العمومية إلى مؤسسات خاصة، مع تحديد أهداف أخرى، مثل الدعوة إلى رفع الكفاءة والتأهيل والقضاء على التضخم  والتخفيض من عجز الميزانية وإصلاح الجهاز البنكي والقضائي وقطاع الوظيفة العمومية إلى غير ذلك من المقولات التي تتماشى مع متطلبات رأس المال العالمي.

لكن رغم توسع  نمط الإنتاج الرأسمالي[6] إلا أن هناك أشكال إنتاجية أخرى غير رأسمالية لا زالت منتشرة في القطاعات التقليدية على الخصوص. وفي هذا الصدد يعمل نظام التراكم والتبادل في نمط الإنتاج الرأسمالي على تحويل مختلف أشكال قيم الاستعمال (القائمة في الاشكال غير الرأسمالية) إلى قيم تبادل كما يعمل في نفس الوقت على ربط دور الدولة بنمط الإنتاج السائد ارتباطا مزدوجا، أي بعلاقات وثيقة مع المراكز الرأسمالية العالمية المسيطرة (أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالنظام الدولي)، وكذا بالبنيات الاقتصادية المتخلفة في الداخل. وهذا الارتباط المزدوج جعل  الدولة تتحول إلى جهاز وسيط بين بنيتين إحداهما متخلفة في الداخل وأخرى متطورة في الخارج[7].

وتظهر مظاهر دور وساطة الدولة في هذا المجال في ميادين  كثيرة أهمها اعتماد التدابير التشريعية والسياسية التي تسهل دخول رأس المال الأجنبي سواء في شكله الاستثماري أو السلعي[8]. وكذا تنظيم عملية التبادل الاقتصادي في الداخل والخارج، إلى آخر هذه المظاهر التي تخلق التزاوج الشرعي بين رأس المال العالمي وبين الإنتاج والاستهلاك المحليين.

الهيمنة الخارجية وسلوك السلطة في المغرب
تؤدي العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة[9] لبلادنا اتجاه النظام الدولي إلى إفراز علاقات سياسية غير متكافئة. فنسق العلاقات الدولية يظهر وكأنه يشكل البنية الفوقية لبنية اقتصادية عالمية. فإذا كانت البنية الاقتصادية العالمية تقوم على اللاتكافؤ بين مكوناتها، فإن مثل ذلك يقال بخصوص بنية العلاقات بين الدول. ويظل اللاتكافؤ السياسي قائما بصرف النظر عن تغير طبيعة التحالفات بين الدول[10]. فهذه التحالفات متقلبة وتخضع لمتطلبات وتغيرات عالمية. ولكن مهما تبدلت نظم التحالف ونطاقاته، تظل العلاقات السياسية بين الدول غير متكافئة، كما أنها تظل قائمة بصرف النظر عما يتيحه النسق العالمي من مساواة قانونية بين الدول ذات السيادة، والاعتراف الدولي والحكومة الشرعية. فبالرغم من هذه المساواة إلا أن قدرة الدولة على الفعل السياسي ونطاق إسهامها في التفاعل العالمي يتحدد من خلال الدور الذي يؤديه نمط (أو أنماط) إنتاجها في تقسيم العمل الدولي، وبالتالي من خلال قدرتها على استخدام ما لديها من موارد في تفاعلها السياسي في الداخل والخارج.

فالنظام الرأسمالي العالمي الجديد يتسم بأشكال من اللامساواة الطبقية الضاربة بجذورها في علاقات الإنتاج والتبادل داخله، إلى درجة أن هناك من  يذهب إلى القول إن التباين المكاني (أو اللامساواة الإقليمية) بين مناطق النظام الرأسمالي العالمي ما هو إلا مظهر لأشكال اللامساواة الطبقية الموجودة في قلب النظام[11]، ومن هنا ظهر الميل نحو تحليل البنية الطبقية من منظور عالمي. وتظهر أبعاد اللامساواة الطبقية في النظام العالمي على مستويين: الأول هو الانقسام القائم بين الطبقات المرتبطة برأس المال وتلك المنفصلة عنه، والثاني هو الانقسام داخل الطبقة المرتبطة برأس المال وفقا لدرجة السيطرة أو وفقا لما تحصل عليه من فائض.

ويمكن التمييز هنا بين الطبقة المسيطرة في مراكز النظام الرأسمالي، وبين الطبقات أو الشرائح الطبقية المسيطرة محليا وتتكون الطبقة المسيطرة في مراكز النظام العالمي من طبقة واحدة متجانسة ومترابطة تضم أصحاب الشركات الكبرى والقابضين على رأس المال في النظام الرأسمالي. أما الطبقة المسيطرة في الداخل فإنها تضم شرائح متعددة أهمها كبار ملاك الأراضي، وكبار التجار والصناع في المدن، وكبار رجال البيروقراطية[12]. ويختلف الطرفان (الخارجي والداخلي) في درجة السيطرة على رأس المال، ومن ثم فإنهما يختلفان في درجة التأثير على مجريات الأمور الاقتصادية. ومن هنا تظهر اللامساواة بينهما، حيث تكون الطبقة الرأسمالية العالمية أكثر سيطرة وأكثر نفوذا في مجال تحريك رأس المال وتراكمه، وهي من ثم أكثر قبضا عليه.

ولذلك فإنه بالرغم من المصلحة المشتركة بين طرفي التكوين الطبقي المسيطر في الخارج والداخل، إلا أن موقع كل منهما في عمليتي التبادل والتراكم، وما يترتب عليه من اختلاف في ما يحصل عليه كل طرف من عائد، يؤدي إلى وجود قدر من التنافس بينهما. ومن ناحية أخرى، فإنه بالرغم من المصلحة المشتركة بين شرائح الطبقة المسيطرة في الداخل، إلا أن موقع كل منهما وما يترتب عليه من اختلاف في المكاسب يؤدي إلى خلق ضروب من التنافس الداخلي بين الشرائح ذات الصلة برأس المال في الداخل.

وإذا كانت السلطات المخزنية ببلادنا ترتبط ارتباطا بنيويا بالنظام العالمي ذي الوجهين(الخارجي والداخلي)، فإنها تجد نفسها في مواجهة مع الطبقة المسيطرة على رأس المال في الخارج من ناحية ومع الشرائح الداخلية من ناحية أخرى. كما تجد نفسها -داخليا- في مواجهة مع الشرائح المتنافسة على الثروة. ولا نقصد بالمواجهة هنا أن السلطة المخزنية تدخل في صراع مع هذه الأطراف، ولكن المقصود أن هذه السلطة -بحكم وجودها في قلب بنية عالمية- تجد نفسها مضطرة لكي  تتفاعل مع هذه الأطراف وأن تنظم العلاقة فيما بينها، أو أن تقوم بدور الوسيط بينها. وهي عموما تصبح أداة للطبقات المسيطرة بشرائحها المختلفة. لكن أمام هذا الوضع الطبقي المعقد كيف تعمل السلطات المخزنية على بناء شرعيتها واستقرارها وقوتها الذاتية؟

لا يمكن في ظل هذا الوضع المعقد الناتج عن سياسات تدبير الأزمة فهم الوظيفة الاقتصادية للسلطات المخزنية في إطار علاقتها برأس المال الأجنبي فقط، بل يجب فهمها أيضا في إطار علاقاتها بالطبقات السائدة. ففي إطار قيام هذه السلطات بدور الوسيط بين الطبقة الرأسمالية العالمية وبين الشرائح الطبقية المسيطرة في الداخل (الكومبرادورية)، تتمكن من أن تحقق لنفسها قدرا من الاستقلال النسبي. إلا أن السلطة السياسية لا تتمكن من القيام بهذه المهمة كما لا تتمكن من تحقيق استقلالها عن الفئات المسيطرة إلا إذا أحرزت لنفسها قدرا من القوة. وطالما أن المجال الذي تتنافس عليه الطبقات المسيطرة هو المجال الاقتصادي، فإن القوة التي يفترض أن تسعى السلطات المخزنية إلى تحقيقها هي القوة الاقتصادية والتي بواسطتها تقوم بدورها في حماية المستثمرين من المخاطر السياسية ومظاهر عدم الاستقرار التي يعرفها السوق العالمي، وفي تأمين الوصول إلى الموارد الأولية  والأسواق الداخلية والخارجية، وفي تنظيم أنشطة العاملين في المجال الاقتصادي، وفي ضبط عمليات التنافس فيما بينهم[13] .

إن تدخل النظام المخزني في الشؤون الاقتصادية (أو تشجيعها لقطاع من القطاعات أو سعيها نحو الحصول على أشكال مختلفة من الريوع وتنظيمها لعمليات التوزيع والاستهلاك) سيمثل أنشطة ينظر إليها على أنها محاولة من جانب الدولة لتحقيق قوة اقتصادية تمكنها من أن تقف مع البرجوازية العالمية وشرائح البرجوازية المحلية على أرض صلبة قوية. وفي هذا الإطار يصبح من البديهي تغليف هذه القوة الاقتصادية بقوة سياسية. وتتمكن الدولة من أن تصل إلى هذه القوة إذا ما حققت قدرا من الاستقرار السياسي والشرعية السياسية.

وتسعى السلطات المخزنية إلى تحقيق الاستقرار السياسي والشرعية السياسية لجهاز الدولة من خلال كسب دعم الأطراف الأكثر قوة ، والمقصود هنا الدول الكبرى، والجماعات ذات التأثير الاقتصادي والسياسي المحلي، والهيئات والشركات الدولية[14]. ولكن بالنظر إلى عدم القدرة على ضمان تأييد هذه الأطراف بشكل دائم، فإنها تسعى  من ثم إلى تكوين طبقة خاصة بها يمكن أن يطلق عليها بورجوازية الدولة، وهي شرائح من البرجوازية الصغرى التي تدير أجهزة الدولة وتشرف على خدماتها من ناحية، وتدير قطاعها الاقتصادي من ناحية أخرى. وتوجه الدولة سياستها الاقتصادية والتعليمية نحو خلق هذه البورجوازية التي تعتمد عليها في اكتساب شرعيتها واستمرارها وتفوقها إزاء الأطراف الأقوى التي تتفاعل معها. فالتعليم يتيح تخريج الكفاءات المطلوبة في إدارة الأجهزة البيروقراطية وتشغيل المؤسسات الخدماتية. أما سياسة التدخل الاقتصادي فإنها تخلق قطاعا اقتصاديا عموميا  يرتبط بهذه الشرائح ويتحدد وجودها من خلاله. وهكذا تصبح أفعال السلطات المخزنية الاقتصادية محاولة لخلق فئات اجتماعية تستند إليها في تعميق نطاق شرعيتها  واستقرارها، وتجد الدولة بطبيعة الحال في الطبقات الوسطى ضالتها اعتمادا على تطلعاتها التسلقية وانتهازيتها.

لكن الحفاظ على الاستقرار والشرعية ليس أمرا سهلا كما انهما لا يتحققان دائما بالدرجة المطلوبة. فإذا كانت علاقة الدولة برأس المال الأجنبي قد أغرقها في الديون وجعل أفعالها تفارق أهدافها التنموية، فإن توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتضخيمها لا يؤدي بالضرورة إلى تعميق نطاق الشرعية والاستقرار. فالشرائح الوسطى التي ساعدت الدولة على نموها وتضخمها لم تقف كلها في صف الدولة، ولم تتبنى جميع أجنحتها الإيديولوجية الرسمية للدولة. لذلك تجد الدولة نفسها مضطرة لاكتساب أكبر قدر من التأييد اعتماد مبدأ  التناوب السياسي ما بين الشرائح الموالية لخطها السياسي والشرائح التي كانت مستبعدة من السلطة، شريطة التزام هذه الأخيرة بالواقع الذي يفرضه النظام العالمي الجديد، مقابل تلبية بعض المطالب الاجتماعية المحدودة والتي لا تصل إلى حد زعزعة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية القائمة.

ولكن السياسات الاقتصادية للسلطات المخزنية، والدور الاقتصادي الذي اختطته لنفسها من خلال سياسات تدبير الأزمة أحدث تناقضات عديدة في علاقة الدولة بالطبقات المتوسطة والدنيا، وذلك من خلال ما يلي:

أ – قصور القطاع الإنتاجي الحديث عن استيعاب كل الطاقات العاملة:

فمن أولى التناقضات أن القطاع الإنتاجي الحديث الذي أنشأته الدولة ودعمته لم يستوعب كل الطاقات العاملة، في الوقت الذي يخرج من نطاق القطاع التقليدي أعدادا متزايدة ممن لا عمل لهم، إضافة إلى انسداد أبواب الشغل سواء في القطاع العمومي أو في القطاعين الحديث والتقليدي في وجه أغلبية الخريجين الجدد. ومن هنا فقد تم تهميش قطاع عريض من الشرائح الفقيرة، وأصبحوا بغير عمل. وهاجرت أعداد غفيرة منهم إلى المدن لتصبح عبئا على خدماتها ومواردها.

ب – تجاهل مطلق لتدابير إعادة توزيع المداخيل:

فسياسات تدبير الأزمة لا تؤدي إلى إعادة توزيع المداخيل إلا عرضا  نظرا لانحيازها المطلق لرأس المال على حساب العمل والذي ظهر بشكل جلي من خلال السياسة الضريبية المتبعة[15]. وفي ظل هذه الوضعية يحصل الثلث فقط من السكان الحائزين على وسائل الإنتاج على نصيب الأسد من الدخل الوطني، بينما لا يحصل الثلثان الباقيان إلا على جزء يسير من هذا الدخل.

ج – تفشي أنماط الاستهلاك الترفية:

في الوقت الذي تنمو فيه الطاقات العاملة المهمشة وتزداد مظاهر الإفقار،  تتجه البنية الاجتماعية برمتها إلى أن تصبح بنية متماثلة في الاستهلاك. فسياسات تدبير الأزمة صاحبتها أنماط استهلاكية ترفية ، وقيم استهلاكية قادتها الطبقات العليا وانتشرت بين فئات السكان ذات الدخل المنخفض بفعل "المؤثر الاستعراضي"[16]. الامر الذي أدى إلى تشوهات غير عقلانية في بنية الطلب وإلى تراجع معدلات الادخار.

د – تحول علاقة الدولة بالعمال كعلاقة رب العمل بهم:

إن سعي الدولة إلى تبني نظام السوق وتحفيز القطاع الخاص الوطني والأجنبي  بكافة الوسائل حول التناقض القائم بين رأس المال والعمل إلى تناقض بين الدولة والعمل. ومن هنا تحولت علاقة الدولة بالعمال كعلاقة رب العمل بهم، بما يصاحب هذه العلاقة من تحكم في الأجور والحوافز، بل تعمل الدولة على فرض قيود أشد، كمنع الإضرابات العمالية، ومنع نقابات العمال من أن تتخذ طابعا سياسيا، إضافة إلى أن هدف التخلص من جل مؤسساتها العمومية وكذا تقليص أعداد العاملين بقطاع الوظيفة العمومية يجعلها تتغاضى عن مطالب الفئات العاملة في هذه القطاعات بالرفع من مستوى أجورها ورواتبها لجعل القطاع الخاص يبدو أكثر جاذبية من القطاع العمومي.

وتؤدي كل هذه الظروف إلى أن تصبح الشرائح الفقيرة مصدر عدم استقرار بالنسبة للدولة. وتجد الدولة نفسها في موقف يفرز سياسات متناقضة، وإن كانت أسسها البنائية واحدة. فوضع الدولة في داخل المنظومة العالمية الرأسمالية ، وإدارتها للتناقضات  التي يفرزها هذا الوضع (خاصة مشكلات ديونها الخارجية والداخلية)، تجعلها تفرض سياسات تقشف تؤثر بحدة على الشرائح الفقيرة. ولكن الشعور بوضع الشرائح الدنيا، وبمظاهر عدم الاستقرار الكامنة هناك، يجعل الدولة تتدخل لدعم السلع الأساسية التي تستهلكها هذه الشرائح، الأمر الذي يفرض على الدولة أعباء جديدة تحاول أن تتغلب عليها بمزيد من الاقتراض، أو بتنظيم عائداتها الريعية، أو بتعديل سياساتها الاقتصادية، أو بكل هذه الإجراءات جميعا.

لقد أحدثت ظروف الأزمة وسياسات تدبيرها إذن أوضاعا اجتماعية جديدة تمثلت أهم مظاهرها في تكريس تدهور أوضاع الطبقات الحضرية والقروية المتوسطة والدنيا مقابل استفادة أقلية محدودة من شرائح الطبقات العليا.

تطور أوضاع الطبقة الأولى، العليا

تضم الطبقة العليا فئتين متميزتين، تتمثل الأولى في فئة البرجوازية الوطنية المشتغلة بالصناعة والتجارة والعقار والفلاحة[17] ، بينما تتمثل الفئة الثانية في فئة البرجوازية البيروقراطية والتقنوقراطية وهي تضم عددا من العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا والمديرين وأصحاب المهن المتميزة كالأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والفنانين وكبار ضباط القوات المسلحة والبوليس والفنيين العاملين في قطاع المعلوميات .

وتشير الدراسات المنجزة حول الطبقة العليا الحضرية إلى أنها قلة من سكان المدن المغربية، ترتبط عادة بمصادر الثروة والسلطة السياسية. وينحدر أعضاؤها غالبا من أبناء الأسر الغنية المهيمنة على الحياة التجارية في المدن الرئيسية. وتشير بعض الدراسات إلى أن أكثر أسرها تنحدر من أصول فاسية، ومن أبناء كبار رجال الدين، وأبناء كبار ملاكي الأراضي الزراعية، وأبناء كبار موظفي الدولة، حيث يظهر بأن أبناء فاس كانوا يتمتعون بثقل طاغ في مختلف إدارات الدولة[18].

ويرجع تكوين النواة الحقيقية للطبقة العليا الحضرية إلى عهد الحماية، إذ نشأت هذه الطبقة في مجال التجارة، وكانت عاجزة عن دفع عملية التطور الرأسمالي، لأن سلطات الاستعمار عملت على إعاقتها دون الولوج إلى القطاع الإنتاجي. لهذا وظفت رؤوس أموالها في المجالات الهامشية في مجال التجارة، وفي الخدمات، والمضاربات العقارية..الخ ومن هنا أيضا دفعت في بعض المجالات –ومن خلال الاستعمار- إلى مواقع الإدارة الحكومية والاقتصادية، ففي هذه المواقع بدأت تنشأ بعض الخصائص المميزة للطبقة العليا الحضرية ذات الطابع الطفيلي والبيروقراطي والهامشي. وكان يلاحظ في بداية عهد الاستقلال سيطرة مدنية واحدة على عملية التطور الرأسمالي. وهذا ما يفسر أسباب تكرار أسماء الأسر القادمة من فاس في تشكيلة الطبقة العليا الحضرية[19].

وتبدو التعبيرات السياسية لهذه الطبقة داخل معظم الأحزاب السياسية المغربية، إما بسبب انتماء قادة هذه الأحزاب تاريخيا إلى هذه الطبقة كما هو الشأن بالنسبة إلى حزبي الاستقلال والحركة الشعبية، أو لأن تأسيس الحزب تم تحت رعاية السلطة المخزنية التي تحرص على توفير الأدوات السياسية المساندة لسياساتها كما هو الشأن بالنسبة لحزبي الاتحاد الدستوري والأحرار. وتسعى التعبيرات السياسية لهذه الطبقة إلى الدفاع عن مصالحها الاقتصادية وضمان موقع مريح لها في عملية صنع القرارات السياسية والاقتصادية التي تلائمها.

ويفسر تواجد هذه الطبقة في مختلف مستويات صنع القرار السياسي والاقتصادي، الطابع الهجين للبرجوازية المغربية، نظرا لأن تراكمها الرأسمالي لا يتم عبر الخلق والإنتاج بقدر ما يتم عبر نهب المال العام كما تجلى ذلك من خلال فضائح الصندوق الوطني للقرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للقرض الفلاحي ... أو عبر الاستيلاء على امتيازات متنوعة انطلاقا من الإعفاءات الجبائية مرورا برخص التصدير والاستيراد والصيد في أعالي البحار ووصولا إلى رخص مقالع الرمال واستخراج المعادن.

وقد كان لسياسات تدبير الأزمة المعتمدة في بلادنا منذ بداية عقد الثمانينات تأثيرا واضحا على شرائح هذه الطبقة. ويمكن الاطلاع على هذه التأثيرات من خلال وضعية كل من الشرائح البرجوازية الصناعية والتجارية وملاك العقارات وكذا وضعية شرائح البرجوازية البيروقراطية والتقنوقراطية.

البرجوازية الصناعية والتجارية وملاك العقارات:

عرفت الشرائح المختلفة للبورجوازية الوطنية، التجارية والصناعية والملاك العقاريين، تطورا ملحوظا في سنوات ما بعد الاستقلال. فمن خلال تزايد دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتضخم جهازها الإداري والبيروقراطي، ومن خلال الزيادة الكبيرة التي حدثت في الإنفاق العمومي الموجه للتعليم وللمشاريع العمومية، وتوسيع فرص التوظيف وإعطاء الأولوية للمبادرة الفردية واستثمارات الخواص خصوصا عقب صدور قانون المغربة لسنة 1973، حدثت زيادة واضحة في أعداد هذه الشرائح وبرز وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

ويمكن تحديد هذه الشرائح حسب المجالات التي تشتغل فيها وتضم المصدرين والمستوردين والوكلاء التجاريين، وكذا تجار الجملة وأصحاب التوكيلات الملاحية وأعمال التخليص والشحن والتفريغ، وأصحاب أساطيل النقل، ثم السماسرة والمضاربين العقاريين الكبار، وأصحاب الفنادق والمشاريع والوكالات السياحية، وأصحاب المصانع والاوراش الخاصة بأعمال الإصلاح والصيانة، وأصحاب المفارخ والبساتين والمشاتل ومزارع الماشية في البوادي، وكذا المقاولون العموميون والمتخصصون والفرعيون[20].

وقد استطاعت الثروات المتراكمة لدى هذه الشرائح خلال العقدين الأولين للاستقلال وبدعم قوي من السلطة المخزنية أن تتحدى منجزات البرجوازية الأوروبية (حيث أن ثروات العديد من الأسر البرجوازية الأوروبية تحققت عبر عقود طويلة تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من قرن من الزمن). ويبدو دور السلطات المخزنية جليا في بروز هذه الظاهرة من خلال:

                        1- مغربة الإرث الاستعماري. حيث تبنى الخطاب المعلن لهذا الإجراء في مارس 1973 مقولة خلق رأسمالية شعبية عن طريق تنمية الطبقة الوسطى. لكن ظهر فيما بعد أن هذا الإجراء اتجه على الخصوص نحو مركزة الملكية الاقتصادية بمعنى دعم بورجوازية الأعمال؛

                        2- استعمال القطاع العمومي كمدعم وأداة لتراكم رأس المال الخاص من خلال إسناد الصفقات العمومية بمبالغ ضخمة.

                        3- الامتيازات التي تتيحها قوانين الاستثمار لقطاع الأعمال؛

                        4- حماية جمركية سهلت تراكم ثروات لا مبرر لها اقتصاديا وتركت المصانع في حالة تجهيز متواضعة؛

                        5- نظام جبائي يعاقب القوة الشرائية للطبقات المستضعفة ويميز حائزي الثروات الكبرى الشيء الذي وسع مجال التهرب الجبائي، فنصف رقم أعمال قطاع النسيج كان يتم بدون فواتير؛

                        6- تجسيد مقولة دعه يعمل دعه يمر في مجال المضاربة العقارية وهو المجال المولد أكثر للثروات غير المنتجة[21].

وإذا كانت آثار برامج التثبيت والتقويم الهيكلي على البورجوازية وشرائحها المختلفة (الصناعية والعقارية والتجارية) منذ 1983 تختلف بحسب اختلاف طبيعة النشاط الذي تشتغل فيه هذه البورجوازية، وطبقا لطبيعة المشكلات التي تواجهها إلا أن هناك عناصر محددة عامة من السياسات التي انطوت عليها هذه البرامج أثرت بقوة على هذه الشرائح بمختلف فروعها، وحيث لم يكن هذا التأثير يسير في اتجاه واحد، بل انطوى على تناقضات مختلفة، فقد استفادت بعض مكونات هذه الشرائح من تلك السياسات على حين تضررت مكونات أخرى منها.

فالتوجه العام لبرامج التثبيت والتقويم الهيكلي انطلق من الرهان على الدور القائد الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص عموما، في الإسراع بعملية النمو وقيادة عمليات التصنيع والتحديث كبديل أكفأ من القطاع العام. وهو دور يعتمد، في إطاره النظري، على منطق المنافسة والسوق واعتبارات الربح الضيقة، مع تراجع واضح لدور التخطيط وتدخل الدولة في آليات العرض والطلب. وقد تمخض القبول بهذه البرامج عن صدور عدة قوانين وإجراءات تتعلق بتشجيع الاستثمار الخاص، مثل الإعفاءات الضريبية لأرباح مشروعات الاستثمار الجديدة (لمدة معينة) وتقرير مزايا جمركية، وتسهيل إجراءات تكوين المشروعات، وتطبيق مجموعة من التيسيرات النقدية التي أباحت لرجال الصناعة استيراد ما يلزمهم من مواد خام ووسيطة وإنتاجية لمشروعاتهم[22]، وإلغاء الرقابة على الأسعار وترك آليات العرض والطلب لتلعب دورها بشكل طليق، وهو الأمر الذي يفترض أنه يؤدي إلى ارتفاع معدلات الربح في ضل اقتصاد يغلب عليه طابع الندرة.

وكانت هذه المزايا قد تقررت في الأصل لتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة، لكن سرعان ما طالب القطاع الخاص المغربي بأحقيته في التمتع. من هنا امتدت هذه المزايا بسرعة إلى مختلف المستثمرين في القطاع الخاص. مع السماح للقطاع الخاص الصناعي، بأن يستثمر في بعض المجالات التي كانت قصرا على القطاع العمومي.

وكان من المفروض نظريا، أن تؤدي الإجراءات المعتمدة في إطار سياسة التقويم الهيكلي إلى إعطاء البورجوازية المحلية دفعة قوية لاستثمار مدخراتها في القطاع الصناعي. وقد أدى ذلك بالفعل إلى إقبال بعض شرائح البورجوازية على استثمار مدخراتها في بعض الصناعات التحويلية البديلة للواردات، وبخاصة في المراحل الأولى للتمهيد لتطبيق هذه البرامج. بيد أنه بنفس القدر الذي تقررت فيه هذه المزايا، سنجد أن برامج التثبيت والتقويم الهيكلي، قد تمخضت عن مجموعة من السياسات النقدية والمالية التي تهدم، بكل قوة، فاعلية عوامل التشجيع التي تقررت لرجال الصناعة المحليين.

ويمكن تقسيم العوامل المعيقة لنمو الصناعة المحلية الناجمة عن هذه البرامج إلى نوعين. النوع الأول، يتمثل في تلك العوامل التي أدت إلى حدوث ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج ، لا قبل للمنتجين المحليين على تحملها، ولا يمكن، مهما بذلوا من جهد ، أن يعوضوا تلك الزيادة عن طريق تحقيق زيادة مناظرة في نمو الإنتاجية، خاصة في الأجل القصير و المتوسط. ومن أمثلة هذه العوامل:

1 -زيادة أسعار الفائدة وما أدى إليه من زيادة واضحة في كلفة رأس المال الجاري ورأس المال الثابت، وتؤكد حوالي 46 % من المقاولات المغربية على أن نسب الفائدة مرتفعة جدا في المغرب؛

2 -زيادة أسعار الطاقة ووصولها إلى مستويات عالية جدا تحت حجة الاقتراب من الأسعار العالمية، وهنا نجد أن حوالي 65 % من المقاولات المغربية تعتبر أن أثمنة الطاقة مكلفة جدا مقابل 13 % تعتبرها مكلفة فقط و 12 % متوسطة؛

3 -زيادة أسعار المواد الخام المحلية، بعد أن تخلت الدولة عن دعمها وتركها لآليات العرض والطلب؛

4 - أدى تخفيض القيمة الخارجية للعملة (سعر الصرف)، إلى ارتفاع فاحش في كلفة الواردات الوسيطة للصناعات المحلية (المواد الخام ونصف المصنعة وقطع الغيار)؛

5 -زيادة رسوم وأسعار خدمات المرافق العامة والنقل والاتصالات ..الخ؛

6 -الضرائب غير المباشرة التي فرضت على المنتجات الصناعية المحلية كالضريبة على القيمة المضافة والضرائب الداخلية على الاستهلاك التي رفعت من أسعار هذه المنتجات وقلصت بالتالي من حجم الطلب عليها. وفي هذا الإطار نجد أن 65 % من المقاولات المغربية تعتبر بأن المساطير الإدارية جد معقدة وجد بطيئة، بينما 28 % منها فقط تعتبر العكس، غير أن 68 % من بينها تضع النظام الجبائي ضمن معيقات تطور النشاط المقاولاتي[23].

 

أما النوع الثاني من العوامل، فيتعلق بتعريض الصناعة المحلية لمنافسة غير متكافئة عن طريق تحرير التجارة الخارجية[24].

وعند حساب الآثار التراكمية لهذه السياسات على إجمالي التكاليف المحلية فسنجد أنها قد أدت إلى زيادات بنسب هائلة تتراوح ما بين 100% وأكثر من 200% [25]. ونظرا للطابع الانكماشي الذي انطوت عليه برامج التثبيت والتقويم الهيكلي لأنها تهدف أساسا إلى كبح نمو الطلب المحلي، فإن المنتجين يفشلون في نقل عبء هذه الزيادة في التكاليف على عاتق المستهلك المحلي نظرا لضعف القدرة الشرائية لهذا الأخير. من هنا تواجه مبيعاتهم بأسواق كاسدة، الأمر الذي يضطرهم إلى تعطيل جانب من طاقاتهم الإنتاجية، مع ما يتبع ذلك من طرد للأيدي العاملة.

وفي الحالات التي تنتج فيها الصناعات المحلية من أجل التصدير، فإنه من الجلي تماما أن القفزة التي حدثت في التكاليف من جراء هذه السياسات قد أضعفت كثيرا من القدرة التنافسية لهذه الصناعات في الأسواق الخارجية وبذلك تدهورت حصيلة الصادرات الصناعية.

كما أن حرية التجارة التي يدعو لها أنصار الصندوق والبنك، تستند على مفهوم ناقص للحرية. فهي حرية تتعلق بانتقال رؤوس الأموال والبضائع دون أن تمتد لحرية عنصر العمل للانتقال إلى البلاد الصناعية[26]، حيث الأجور المرتفعة، وبذلك ينبغي على العمال، أن يظلوا محصورين في بلادهم باعتبارهم جيشا احتياطيا للعمل، تستخدمه الرأسمالية العالمية متى شاءت وطبقا لشروطها.

وعليه فإن تحرير التجارة الخارجية، في الوقت الذي يتحمل فيه رجال الصناعة المحليين أعباء إضافية ضخمة من التكاليف، لن يؤدي إلا إلى تدمير الصناعات المحلية، وكل ذلك يهدد مصالح البورجوازية الصناعية المحلية، التي تضطر، إزاء هذه الظروف، إلى غلق مصانعها والتحول برؤوس أموالها إلى مجالات أخرى أكثر إغراء، مثل تجارة الاستيراد التي يرتفع فيها معدل الربح (بالمقارنة مع معدل الربح في القطاع الصناعي) وتتميز بالدوران السريع لرأس المال. وهنا تتحول أقسام واسعة من البورجوازية الصناعية إلى البورجوازية التجارية، التي تقنع، في مثل هذه الظروف، بتمثيل الوكالات والشركات الكبرى عابرة القارات.

وبناء على ما سبق،سنلاحظ أن الحماس الشديد الذي قابلت به البورجوازية الصناعية المحلية برامج التثبيت والتقويم الهيكلي، حينما كانت مجرد مشروع أو أفكار عامة يجري الترويج لها وقبل أن تأخذ مجالها في التطبيق، سرعان ما خفت حدته، بل وتحول هذا الحماس إلى انتقادات شديدة وشكاوى مرة، نظرا لما جاء في ركاب التطبيق الفعلي لها من أعباء ومشكلات وأخطار تهدد مصالحها[27].

البرجوازية البيروقراطية والتقنوقراطية،

تحصل هذه الشرائح عادة على دخول مرتفعة وذات طابع متغير، ويتميز نمط استهلاكها بالتنوع والغنى وباشتماله على قدر كبير من رموز الاستهلاك الترفي بسبب الفائض الكبير الذي تنطوي عليه دخولها. وغالبا ما يوجد بين أعضاء هذه الشريحة من يملكون، أو يشتركون في ملكية، وسائل الإنتاج الزراعي أو الصناعي[28]. وتوجد لديهم ثروات مادية ومالية متنوعة. و قد تشتمل أيضا على إيجارات وفوائد وأرباح. وغالبا ما تفرز هذه الشريحة الكثير من الكتاب والفنانين وقادة الرأي والزعماء السياسيين داخل الأحزاب. كما أن أفراد هذه الشريحة تعتبر أكثر قربا للسلطة ولصناع القرار الاقتصادي والسياسي، وتحتل مواقع هامة في أجهزة الدولة[29].

فالقرب من مواقع صنع القرار الاقتصادي والسياسي، يتجلى من خلال الإشراف على إدارات مختلفة بالوزارات والمؤسسات العمومية. وقد تعزز موقع هذه الشريحة مع مرور الزمن استنادا لما حققته من مكاسب بحكم توسع مهام الدولة وزيادة حجم الاستثمارات العمومية والإنفاق الجاري. كما استطاعت أن تسيطر شيئا فشيئا على الكثير من أجهزة الدولة مما مكنها من توجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ولعل جذور الرأسمالية الوطنية الراهنة ، المتعاونة والمتحالفة مع رأس المال الأجنبي والمتحمسة للانفتاح والليبرالية الجديدة، ولبرامج التقويم الهيكلي انبثقت أساسا من هذه الشريحة. وقد تمكنت في بعض الأحيان أن تنشأ من مواقعها الإدارية النافذة أحزابا للدفاع عن مصالحها، وقد اصطلح على تسمية هذه الأحزاب باسم أحزاب الإدارة.

وقد تحسن الوضع النسبي لهذه الشريحة عند تنفيذ السياسات الليبرالية الجديدة. فرغم أن الأعباء المالية الإضافية التي جاءت في ركاب هذه السياسات، مثل زيادة الضرائب على السلع والخدمات، وإلغاء الدعم، وزيادة أسعار الخدمات العامة وارتفاع أسعار الطاقة وأجور النقل.... قد أضرت بهذه الشريحة مثلما أضرت بشرائح أخرى من المجتمع. إلا أنه نظرا للطابع المتغير لمداخيلها فإن بعض أعضاءها قاموا برفع أسعار خدماتهم المهنية كما هو الشأن بالنسبة لخدمات الأطباء والمحامين والمهندسين[30] ، كما استطاعت أن تحصل على كثير من المنح والعلاوات والزيادات في مرتبات أفرادها ممن يعملون في أجهزة الدولة وإدارة المؤسسات العمومية، على نحو يعوضهم عن الخسائر التي لحقت بهم من جراء هذه الأعباء المالية الإضافية.

ومن ناحية أخرى ونظرا لوجود فائض اقتصادي في دخول أعضاء هذه الشريحة، وهو ما كان يوجه نحو الادخار أو لشراء بعض أشكال الثروة المدرة للدخل، فإن ارتفاع سعر الفائدة على الودائع الادخارية الذي قررته السياسة الليبرالية الجديدة، أفاد أعضاء هذه الشريحة، خصوصا عندما أصبح سعر الفائدة الحقيقي موجبا.

أضف إلى ذلك أنه في ضوء تملك بعض أفراد هذه الشريحة لودائع بالنقد الأجنبي، أو نظرا لحصولهم على أجور ومرتبات بالعملة الأجنبية من المشروعات الأجنبية، فإن تخفيض قيمة العملة الذي فرضته سياسات تدبير الأزمة أفادهم جدا، حيث زادت أموالهم مقدرة بالعملة المحلية بنسبة التخفيض الذي حدث في القيمة الخارجية للعملة.

وفي ضوء الحوافز والإعفاءات الضريبية والجمركية التي تقررت للمشروعات الجديدة أقدم عدد لا بأس به من أفراد هذه الشريحة على استثمار جانب من مدخراتهم في بعض المشروعات الاستثمارية، مثل شراء الأراضي والمضاربة عليها، وبناء العمارات والمساكن الفاخرة وYعادة بيعها، وإقامة بعض المشروعات الخدماتية مثل متاجر التجزئة والأسواق الممتازة والمطاعم ومكاتب الاستيراد والتصدير .. إلى آخره.

وفي ضوء سياسة الخوصصة التي فرضتها الليبرالية الجديدة، تمكن عدد من أفراد هذه الشريحة في أن يتملك، أو أن يشارك في ملكية، بعض مشروعات القطاع العام المعروضة للبيع. وهنا لعب قرب هذه الشريحة من السلطة ومن صناع القرار الاقتصادي دورا مهما في تمكين بعض أفرادها من هذه الفرص[31].


 
--------------------------------------------------------------------------------
 
[1]  إن وصف البورجوازية المغربية يالهجينة ينطلق من كون هذه البرجوازية لا تعتبر أصيلة كما حدث في المجتمعات الغربية خلال القرن السابع عشر التي شهدت صعود برجوازية خلاقة ومنتجة، فالبرجوازية المغربية نشأت وترعرعت في كنف السلطة وعاشت على الريوع التي تحصل عليها لقاء نهب ميزانية الدولة أو الاستحواذ على الرخص والامتيازات على مستوى الصيد البحري أو الاستيراد والتصدير أو استخراج المعادن أو الشركات التي تقتات على حساب المشاريع العمومية التي تمولها الدولة، وفي أحسن الأحوال تشتغل البرجوازية المغربية في قطاع المناولة Sous traitance  لذلك يبقى تعبير البرجوازية الهجينة تعبيرا مواتيا لا يضاهيه سوى تعبير البرجوازية الكومبرادورية الذي يؤكد على ارتباطها العضوي بالرأسمالية العالمية.

[2] أنظر حول هذه الظاهرة:

N.Poulantzas, classes in contemporary capitalism, New Left Books, London, 1975.

[3] راجع ديتر سنجهاز، الامبريالية واعادة الإنتاج التابع، ترجمة ميشيل كيلو، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1986. ص: 72-73. وتجدر الإشارة إلى أن عملية التحالف لا تفيد رأس المال المحلي قدر فائدتها للشركات متعددة الجنسية التي تشتق لنفسها أساليب لامتصاص المدخرات المحلية مثل بيع القروض والأسهم في أسواق رأس المال المحلية، وتأمين الشركات المختلطة، وتحصيل مصارف التطوير والاستثمار المحلية عن طريق الحكومة، وتسريب جزء كبير من المدخرات المحلية إلى البنوك الأجنبية. أنظر المرجع السابق، ص: 69-70.

[4]  ظهر هذا التجاهل من خلال مراجعة خطة تمويل المخطط الاقتصادي 1960-1964 وكذا من خلال الإصلاح الجبائي لسنة 1961، وسيكون من عواقب هذا التجاهل الأزمة المالية الخانقة التي تعرض لها المغرب سنة 1964.

[5] راجع هذه الأرقام في:

World Development Indicators 1998.

[6]يعرف بول سويزي النظام الرأسمالي بالنظام القائم على امتصاص الفائض والتراكم من خلال علاقات اقتصادية غير متكافئة أنظر في هذا الصدد موريس دوب، تطور الرأسمالية، ترجمة رؤوف عباس، دار النشر الجامعي، بدون تاريخ. راجع أيضا أحمد زايد، الدولة ونمط التنمية في مجتمعات العالم الثالث، ورقة ألقيت ضمن ندوة عقدت بالكويت سنة 1989 حول الدولة ودورها في النشاط الاقتصادي في الوطن العربي، ص:26 وما بعدها.

[7]  Hagen Koo, World System, class and state in third world development, Sociological perceptive, vol.27, N°1, January, 1984, pp: 33-52.

 [8] يبدو أن هناك علاقة جدلية بين جهود الدولة في هذا المجال و دور الشركات متعددة الجنسية في خلق إطار عالمي لرأس المال يتعدى حدود الدولة، ويخترق -في بعض الأحيان- سيادتها. انظر عرضا لهذا الجدل في : أحمد زايد، الدولة في العالم الثالث، الرؤية السوسيولوجية. دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1986. ص: (216-226)

[9] انظر حول مفهوم التبادل اللامتكافئ:

A. Emmanuel, Unequal Exchange: A study of Imperialism of Trad, New Left Books, London, 1972 structural Perspective of World system, Politics and  Society, vol.7, 1977.

[10] أنظر حول طبيعة العلاقات الدولية في النظام العالمي:

- C.Chase, Dunn and R. Robinson, Toward a structural Perspective of World System, Politics and Society, Vol.7, 1977.

 [11] H.Koo, World System, Class...op cit, p.39.

[12] يمكن تمييز هذه الشرائح عن الطبقة الوسطى أو البرجوازية الصغيرة التي يقترب موقعها من موقع الطبقة العاملة. أنظر حول أهم شرائح الطبقة البرجوازية في العالم الثالث:

S.Amin, Accumulation on a World Scale, Montlly Review Press, New York, London, 1974.

H.Alavi, Peasants and Revolution, Socialist Register 1965.

[13] أنظر حول هذا التفسير:

C.Chase-Dunn and R.Rubinson, Toward a Structural Perspective on the World System, Politics and Society, Vol.7.1977, pp.469-471.

[14] R.Duvalland J.R.Freeman, The state and Dependent Capitalism, International Studies Quarterly, Vol.25,N°1, 1981.

[15] راجع في هذا الصدد، عبد السلام أديب، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، المرجع السابق.

[16] مضمون هذا المفهوم الذي اكتشفه دوسنبري وأطلق عليه أثر المشاهدة أو التقليد هو أن كل فرد يجري موازنة أو مقارنة بين مستوى استهلاكه ومستوى استهلاك الآخرين الذين يتصل بهم. ونتيجة لهذه الموازنة فإنها تعطي الفرد، إما شعورا بالرضى والارتياح وهذا الشعور الذي يحصل عليه الفرد نتيجة لهذه المقارنة يؤثر تأثيرا هاما في سلوكه نحو الاستهلاك والادخار. فإذا افترضنا مثلا، أن الفرد شعر من هذه المقارنة بان مستوى استهلاكه، وما يضيفه عليه هذا المستوى من مكانة اجتماعية، أقل من مستوى الآخرين الذين يحدث اتصاله بهم، فإن ذلك قد يدفعه إلى أن يسعى سعيا حثيثا للحاق بمن هم أعلى منه في مستوياتهم الاستهلاكية. وهنا قد يدفعه هذا الشعور إلى إنفاق معظم دخله في شراء السلع المختلفة التي يعتقد أنها ترتفع بمستوى معيشته وتقربه من مستوى استهلاك الآخرين اللذين يقارن مستوى استهلاكهم بمستوى استهلاكه.

 

[17] يمتلك الملاك العقاريين الأراضي الحضرية والزراعية، والبنايات والمحلات التجارية، وينشطون في مجالات كثيرة مثل التجارة والمال والبناء والصناعة وخاصة في المضاربات العقارية. ونظرا لأهميتهم أطلقت أسماؤهم على بعض أحياء المدن. من هذه الأحياء نذكر في مدينة الدار البيضاء الأحياء التالية: درب غلف، وبن جدية وبن مسيك وبن سلهام وبوشنتوف والكبير والفنداوي. أنظر في هذا الصدد:

André Adam, Casablanca, essai sur la transformation de la société Marocaine au contact de l’occident, tome 1, Centre de Recherche sur l’Afrique Méditerranéenne, Section Moderne Et Contemporaine, éditions du Centre National de la Recherche Scientifique, Paris, 1968.

[18] عبد القادر القصير، الطبقية، دار النهضة العربية، 1997 ، ص. 549.

[19] أنظر في هذا الصدد عبد القادر القصير، الطبقية، دار النهضة العربية، 1997، ص:549-550.

[20] راجع في هذا الصدد عبد القادر القصير، المرجع السابق، ص554.

[21] Habib El Malki, Trente ans d’économie marocaine, 1960-1990, Edit.CNRS, 1989, p : 209 et suivant.

[22] أنظر في هذا الإطار:

Ben Ali (D), Entreprise publiques marocaines : Performance et évaluation, Privatisation : cas du Québec et du Maroc, Ecole nationale d’administration publique, 1992, p : 212 et suivant.

[23] المرجع السابق.

[24] شرع عمليا في تحرير قطاع التجارة الخارجية عن طريق التخفيض من الرسوم الجمركية مع بداية عقد الثمانينات، حيث تم تخفيض المعدلات العليا بشكل كبير، فقد تم تقليص معدل الرسم الخاص على الواردات من 15 % إلى 10 % وبعد ذلك إلى 7.5 % ثم إلى 5 % وذلك في طريق إلغائه التام. أنظر في هذا الخصوص عبد السلام أديب، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، دار إفريقيا الشرق، 1998 ، ص . 212 وما بعدها.

[25] راجع في هذا الصدد ما جاء في الجدول رقم 2-4 بخصوص تطور أسعار استهلاك بعض المنتجات الأساسية ونصيب المواد الأولية في تزايد أسعارها في ظل سياسة تحرير الأسعار. راجع أيضا :

Hajji (N), Jaïdi (L), Zouaoui (M), Prix et concurrence au Maroc, ed, Najah El Jadida, Casablanca, 1992.

[26] لم يعد خافيا على أحد ما يعانيه المغاربة من جراء تفاقم البطالة الداخلية وانسداد آفاق الهجرة للعمل بالديار الأوروبية. ولعل الإعلان بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام عن هلاك أعداد متزايدة من المهاجرين السريين المغاربة في مضيق جبل طارق وشيوع مصطلحات الهجرة السرية وقوارب الموت يؤكد على وهمية شعارات الانفتاح والعولمة ومبدأ دعه يعمل دعه يمر.

[27] انظمت البورجوازية الصناعية الوطنية في بداية عقد الثمانينات إلى زمرة المصفقين للثقافة الاقتصادية الجديدة اعتقادا منهم ، أن تحييد الدولة سيساعدها على التخلص من رقابتها والتمكن من جني أقصى الأرباح، لكنها سرعان ما اصطدمت بحقيقة صارخة تتمثل في تراجع قدرتها التنافسية في السوق الداخلي وارتفاع كلفة الحفاظ على أسواق خارجية الشيء الذي يدفع العديد منها إلى التحول من الإنتاج الصناعي إلى أنشطة المضاربة والتجارة الخارجية. راجع :

El Malki (H), trente ans d’économie marocaine, 1960-1990, op cit p :212 et suivant.

[28] إن بروز هذه الفئة كطبقة قوية تفرضه طبيعة الأشياء، فالتقنوقراطيين يتمثلون  على الخصوص في الفئات المحترفة لأساليب تسيير المقاولات الخاصة، والتي عادة ما تتربع على رأسها وتتقاضى أجورا عالية لقاء خدماتها بغض النظر عما يمكن أن توفره لنفسها من موارد غير مراقبة من طرف مصالح الضرائب، أما البيروقراطيين فهم فئات الموظفين الكبار داخل إدارات الدولة والمقاولات العمومية، وهم أيضا يتقاضون مداخيل عالية عدا الامتيازات العينية التي يحصلون عليها، والملاحظ أنه عادة ما تقوم بين هاتين الفئتين تحالفات اقتصادية وسياسية، نظرا لتداخل مصالح الطرفين.

[29] يصطلح بعض الباحثين على تسمية هذه العناصر باسم "رأسمالية الدولة" أو "بورجوازية الدولة". وقد لوحظ أنه بعد انحسار الاستعمار أن الطبقتين العليا والوسطى ضعيفتان وغير قادرتين على خلق تطور داخلي؛ إزاء هذا الموقف اضطرت الدولة إلى التدخل، وتوجيه السياسات والإشراف عليها في كل مجالات الحياة بدأ بتوجيه التعليم والخدمات وحتى إدارة الاقتصاد، وهي إذ فعلت ذلك، فقد خلقت فئة من البيروقراطيين والتقنوقراط سماها بعض الباحثين باسم "رأسمالية الدولة" أو بورجوازية الدولة". أنظر في هذا الصدد، عبد القادر القصير، المرجع السابق، ص: 554-555.

[30] يدخل عددا من أرباب المهن الحرة كالمحامين والأطباء والمهندسين ضمن تشكيلة هذه الفئة نظرا لما يحققونه من أرباح هائلة، إضافة إلى ما يحققه لهم مركزهم الاجتماعي الاقتصادي من نفوذ سياسي كبير، لذلك نجد أغلب هؤلاء في مراكز صنع القرار داخل الأحزاب السياسية وضمن صانعي القرارات الاقتصادية والسياسية العامة.

[31] لقد جاء قرار الحكومة بتاريخ 12 نونبر 1998 لتعديل القانون المنظم للخوصصة، مستهدفا التراجع عن تحديد لائحة الشركات الوطنية المعروضة للبيع، نظرا لما كان يشكله هذا التحديد من تحايل مفترض بين كبار المسؤولين والمشترين المفترضين بحيث يتم تبخيس ثمنها عن طريق افتعال تعثر ماليتها وإدارتها . راجع ما جاء في كلمة الناطق باسم الحكومة في الجرائد الوطنية في شأن أعمال مجلس الحكومة المشار إليه.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - الجزء الأول