أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (24)















المزيد.....

-خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (24)


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 15 - 03:11
المحور: الادب والفن
    


تنفس هواء مدينة المحرق عبر نافذة السيارة المفتوحة وهي تقطع الطريق عابرةً الجسر باتجاه جنوب المدينة، ترك خلفه الاحتقان الذي فاضت به روحه المَفْجوعة تجاه والده، كان انفعاله منذ المساء الفائت قد دفعه للتصرف بغريزة طَمَرت مشاعره الْمَكبوتة، بدا في حالة من النكران لِلنازِلَة التي ألمت به، لم يستشعر حتى حزن الآخرين، ولم يَغص في أعماق مشاعرهم بعد ليلة من وصوله، تركهم وغادر الدار في صبيحة اليوم التالي لوصوله من دون أن يُعَبر لهم عن أحاسيسه وما كانت عليه، غَطَسَت أفكاره عند منزل راشد وانْغَمَست ذاته في فَرار من ألم الفَقْد تجاه عبدالرحيم المرجاني، وقد ترك خلفه إفيلين وجيني، إلى انجذاب نحو منزل المفقودة جوري، كان يصارع اخْتفاء باختفاء آخر، اسْتبدل الأب بجوري، جلبها من وراء السنين الخمس المنصرمة ومن وراء الاتصال بالغياب لتعويض الألم الآني بألم سالف. عبر الجسر وهو في حالة غضب داخلية ونكرانٍ ضارٍ عصف به ليقف عند باب منزل معشوقته التي رَجَّت به الدنيا منذ سافر ولم يدرك خبراً عن مصير اختفائها، مرت الثواني التي وقف خلالها بالباب وكأنها أطول من الوقت الذي عاشه في لندن، مرت اللحظة وقد مسحت عيناه المنطقة كلها والمنزل الذي رُمْم وتم رَأب الجدران وأُعيد رَتْق الثقوب، كان التغيير واضحاً على المبنى القديم المتهالك، حتى الباب تم تبديله لآخر خشبي طُلِي باللون البني الفاتح، شك أن يكون هذا هو المنزل الذي خاض فيه طوال سنوات الحرب أغرب مغامراته الدامية وأكثرها شذوذاً، مرت تلك اللحظة كل الصور والتداعيات وكأنها بالأمس حتى أنه ظل بُرْهة متسمراً أمام الباب خشية أن يكون قد تغير سكانه.
"ماذا جري لِيّ الساعة؟
ثابَ لوعيه ومازال واقفاً، طرق الباب وانتظر من دون أن يخفق قلبه، كان غضبه في ذروته لرحيل والده، وإحساسه بالغُرْبة في البحرين بعد غياب عبدالرحيم قد زاد من حدة شعوره بالسُخط على كل ما حوله، بلغ حداً من الْحنْق على ذاته ما عاد معها يشعر بقلبه يخفق من شيء، كل ما بلغه هو نزوة وحشية انْتابَته لرؤية راشد وسؤاله عن مصير جوري. عندما سمع صوت مزلاج الباب يَصّر كأنه صوت طفل مخنوق، تخيل وجه راشد وقد عَرَكتهُ السنين الأربع والنصف التي تَلاشَى فيها عنه، مع فتح الباب، بدلاً من إبْصار راشد، بَهَتَ عند رؤية جوري مُنتَصبة أمامه وقد بدت أكبر من سنها بسنوات ولكنها لاحت أبْدَع وأكثر رونقاً ونضارة، فاجأته وقد تملكها الذهول ونطقت إسمه وأغْشِيَ بصرها فَخَرَّت على الباب ثم هَوَت على الأرض.

****
امرأة عاقِرة، قاحلةُ سمائُها، وجهها مَزيجٌ من الْحُبور والأسى، قوس امتد بين نقطتين، النَشْوة والشَجن، زخات من النظرات الساهِمة حين فتحت عينيها والْتقت مرة أخرى بعينيه، امتلأ قلبه بِفَظاظة رغم نظراتها التي كانت تسكب شجاً لم تتمالك أن تخفيه وعلى جانبها الأيسر أسند راشد ظهره على الحائط، برز وجهه الذي شاخ حتى بدا أشبه بجمجمة مغطاة بالجلد وبقايا أسنان صفراء متناثرة، ظهرت البهجة على ما تبقى من وجهه أغْزَر مما انعكس على وجهها، بان تقي وكأنه ملاكٌ هبط من السماء وحمله من بين كفيه وصعد به فوق قمة من غِبْطَة غير متوقعة في مثل هذا الصباح الذي اشتدت فيه حرارة الطقس فجأة رغم رياح الشمال الخريفية، تَبادَلَت الوجوه الثلاثة المشاعر، كانت ملامح جوري مُقطبة واجمة فيما لاح وجه تقي مبهماً خالياً من أي تعبير أقرب للالتباس، وتَهَللَّ وجه راشد بالحبور.
"زالت غمامة من فوق سقف الدار، وانزاحت دُجْنَة من حولنا.
كان الصمت يرنو على المرأة الجالسة ألقُرْفٌصاء، يد على خدها وأخرى تعبث في خيوط السجاد، بدا راشد وهو يحتضن القادم بترحيبٍ دافئ وكأنه نسي ماضي الرجل وما يمثله وساد ظل الرجل العطوف الصدوق، لم ينس ما قام به أثناء محنته قبل سنوات سفره، ولم تغب عن باله ديمومة هَمَّه في البحث عن زوجته رغم علمه بعلاقتها به، لكنه جعل المسافة بينهما تضيق وتختفي الحقائق وتطفو الأوهام، هذا هو شعوره الذي عالج به شكوكه تجاه العلاقة بين الثلاثة، أراحه رحيل رقية التي كانت الغائبة الحاضرة في خلفية عقله الداخلي. ساد الصمت وظلت العيون متدفقة بالتعبير الإيحائي، رغم بشاشة وجه راشد وتَهَلله بالقادم، لكن لم تمحُ من ملامحه محنة السنين والأحداث، إذ ظل غائراً، فبدا أَخُو شَجَن من هول ما مر به.
"سعدنا يا تقي بعودتك، حلت على الدار بشارة خير.
نهضت جوري تعد القهوة كما أشار لها راشد، رغم إلْحاح تقي بعدم التكلف، لكنها بدت كمن تريد الفرار من حالة الصمت الجبرية التي سادتها بعد أن فاقت لوعيها، غادرت وراءها، وقد بدت لتقي وهي تخرج رشيقة رغم اكتناز بعض تضاريس جسمها.
"عَرَفْتُ منذ ولُوجك الدار والسؤال يلح في عينيك أين اختفت؟
ابتسم تقي فيما ظِلُّ وفاة والده خيمت على تلك الابتسامة، نظر بشغف لوجه راشد ونبرة في صوته محبوسة لم تطرق بعد للبوح، لكنها تسللت في شكل عبارة فالِتةٍ.
"هل تصدق تقي أنها كل هذا الزمن كانت مُقِيمَة عند نرجس في بيتها؟
كانت الصعقة نازلة، غطت غمامتها عيني تقي وقد أحس ببصره أَغْشيَ عليه ولم يعد يرى أمامه، امتص الصدمة وتنفس الصعداء لبرهة ثم التقط نَفَسَه مرة أخرى وسأل صاحبه الذي بدا له هذه اللحظة أكثر نحافة مما ظن لوهلة.
"كيف وصلتَ إليها؟
جاء رد راشد هادئاً بسيطاً كريشة في الهواء.
"توفت نرجس، فعادت جوري وحدها الدار، لم تطرق الباب وَجَدتهُ مفْتوحاً، كُنْت وقتها في صلاة المغرب بالمسجد، دَلَفَت غرفتها القديمة وألقت بنفسها على الفراش ثم غطت في النوم حتى اليوم التالي، لم أحسُ بوجودها إلا عندما سَعلَت فكدت أطير من الخوف للصوت، رَأيت نفسي أتسلل للغرفة وأَطِل فيها لأجدها قابعة هناك وتبتسم لِيْ وتسألني كَأنَها بالأمس قد تركت الدار "كيف حالك راشد"؟ هكذا جرى الأمر، رَوَيتَه لكَ كما عشته.
أدرك تقي مغزى كلامه من وجودها المدة كلها جنب نرجس، وعاد بذاكرته القديمة إبان منزل دلال ليلمح من نظرة ثاقبة تستعيد ذكريات نظرات الوله بين المرأتين منذ ذاك الحين، والتي لم يفهم ولم يكتشف كل تلك الأحاسيس الجسدية بينهما إلا متأخراً، فقد كانت تجسد الشغف والنشوة والرغبة كما لم تفعلها امرأة سوية حتى في الحلم.
"لن تأتي الآن، إن رغبت الحديث معها إذهب لغرفتها.
كانت دعوة موجهة من راشد وكأنه فَطِن بحدسه الذي يستدل به على الوجوه بأن تقي يعتمر داخله باللهفة على الحديث معها، بدت دعوته كأنها اعتراف بأحقية الآخر في المرأة ذاتها، أحس بإحراج لو قام وتوجه نحوها وكأنه لم يصدق أن جاءته الدعوة، وجدها فرصته حينما سأله راشد عن أهله فأخبره بوفاة والده ولم يعلم به سوى يوم وصوله، سهل عليه ذلك قول الآخر.
"أًنْتَ الباقي.
انْتصب الرجل مُتكئاً على الحائط وقبل أن يركع سارع الآخر والتقط العكاز وناوله إياه، غادر وبقي تقي وحده في الغرفة وقد اسْتَحْوذَت عليه أيقونة العلاقة بينه وبين نرجس التي صدم للتو برحيلها، هذا ثالث نبأ خلال ليلة من عودته.
"رحل الناس في غيابي.
هَجَسَ لنفسه مع تداعي الذكريات، بَغْتَة داهمته أشباح الماضي، تناثرت صوره معها على اتساع مسافة عقله كله، منذ بداية الحرب وأثنائها إلى اختفائها، تفتق الزمن لمرايا، رأى انْعِكاسات كل ما جرى حينذاك، وقف عند ليلة مصرع الضابط البريطاني في فناء دلال. وضع رأسه بين يديه وعصره بِشَراسة، لو يتمكن من كبح غضبه على رحيل والده قبل أن يراه، لو يقدر أن يُحَدث جوري الآن، لو يَذْعَن لوجدانه وليس لأفكاره، خشي لو استمر في طحن ذاته سينتهي، لم تمر سوى ليلة على وصوله وقد طفح بئره وفاضت روحه من أنباء الموت. انتصب مرة واحدة وتوجه نحو غرفة جوري.
وهْم أم حَقّ، نَفْحة من ريح الماضي هبت عليه وقد أغار على المكان فوجدها مستلقية على فراشها الذي لم يتغير سوى الفرش بدا أقل زركشة وألوان فاقعة من السابق، هبت منتفضة على صوت الباب فُتح لتجده منتصباً أمامها وقد علت وجهه ابتسامة مبهمة لم تَفق معها من الْرَجة التي أفْضى لها اقتحامه الغرفة من دون أن يطرق الباب، واجه للوهلة حرجاً من تصرفه صَعّبَ من حالته وزاده شعوراً بالفرار للصمت أسوة بها. مرت ثوانٍ عسيرة على كلاهما، اعتدلت في قعدتها وقطعت الصمت بتنهيدة كشيء محترق، بدت له غريبة حتى كاد يصدق أنها ليست جوري التي بعثرها وصفعها وضاجعها وأحبها طوال زمن الحرب، بلغ منه الأمر أنه رأى فيها امرأة لا تشبه جوري ولا تمت لها بصلة، أدار ظهره وهم بالخروج حتى بَلَج أخيراً صوتها بنبرة أوحت له مُنْفلتة من كَمَد أعماقها.
"ماذا أردت؟
حين الْتَفت إليها وجدها مُسْتفَزة ولاحت له عينيها حمراء داكنة ألهمته شعوراً بمتاهة لم يواجهها في حياته كهذه، أوحت بغربتها عنه.
"لم ألْحَق أُعَزِيكِ في نرجس، الآن عَلمتُ فقط.
جلس من دون أن يسألها، نظر في عينيها وسرح فيهما لبرهة، لم تتمالك تلك النظرة، فانفجرت ضاحكة في وجهه، تغير مزاجها بعد تلك النظرة التي امْتَشَقت ضحكته هو الآخر وقد زال عنه الحرج لكن سرعان ما ارْتَدت لوضعها السابق ما جَرَدهُ من تحفظه وقال بنبرة صارمة مذكراً إياها بماضيه الغليظ.
"أي لعبة هذه المرة تلعبينها علينا؟
لزمت الصمت واكتفت بنظرة خاطفة من دون ردة فعل حتى على ملامحها، حَكَ جبهته وسرح وهو يجول ببصره في المكان كأنه يبحث عن تغييرات طرأت عليه منذ سنوات.
"جوري، أنا أمس فقط عدْت وقد فوجئت بوفاة والدي، واليوم علمت فقط بمكان وسبب اختفائك، كما علمت اليوم فقط برحيل نرجس وهذا سبب عودتك للبيت، إذن رأسي مدمر تماماً وروحي ممزقة ولست بمزاج يجعلني ألعب لعبتك، أخبريني بحق موسى ومحمد وعيسى وكل أنبياء الله، كيف فَعَلتِ كل هذا فينا؟ على الأقل زوجك، كيف تركتهِ وحيداً وهو معاق لا حول ولا قوة له؟
صَمَتَ حين انْحَدرّت دموعها، ثم استدرك.
"هذه دموع مُدَلَسة بأكبر خدعة عشتها وكلفتني خمس سنوات ضياع تهْتَ وراء وهم وتدليس وغش، هل تعلمين عشت الوقت كله أتعذب لأنني كل ليلة من هذه السنوات خِلْتُكِ جثة في البحر؟ أو قتيلة مدفونة في البر، كل هذا الوقت كُنْتِ عاشقة غارقة معها تتلذذين بمعاناتنا أنا وزوجك الممزق الذي ظل عالقاً مع أشباحك.
وثب وتهيأ للخروج، مَسَحَت بقايا دموعها وقالت بصوت هاوٍ برزت منه نبرة أسى.
"كانت مريضة بمرض عضال ولم أرد أن ترحل وحدها، كنت أنا الوحيدة لديها وكهل لا حول له ولا قوة، ظَننتُ أن حياتها قصيرة ولن تدوم كل هذا الوقت وحين عَلّقتُ معها لم يكن بوسعي تركها في اللحظات الأخيرة، نعم كنا عاشقتين من قبل أن أراكَ وأُولَع بِكَ، هَربْتُ منك قبل أي شيء خشية أن تكشفني، لكن أُقْسم بدفنة نرجس التي أحبتني كما لم يحبني أحدٌ في الدنيا أَني تمتعت معك وتَنعَّمتُ حتى وأنت تضربني وتغتصبني، تَلَذّذت بكل لحظة قضيتها معك، حتى وأَنتَ تُسِيل الدم من وجهي بِغيرَتك المَسْعورة، تَجلّدت وصَبرت رغم ما عانيت منك ومن وحشيتك، تظن أني تحملت كل ذلك لو لم أَهْواكَ حتى الشغف المعتوه.
قذفت بصحن كان حولها على الجدار وهشمته ثم شرعت تلملم أشلاءه وتواصل موجة الْهياج.
مَقَت كل من حولي حتى نفسي، سَئِمْت زوجي المعاق وهو أحق بالرعاية من نفسي، كل ذلك لأنكَ استلبت عقلي مني واغتصبت روحي، لا تعرف موجة السخط التي حلت بي بسببك، لا تعلم حد الْكَمَد الذي وَلَدهُ فِيَّ مرض نرجس، رأيتها تذبل وتموت أمامي ولا أحد سواي يفعل لها شيئاً، قاومت عشقها لي حتى أقصى احتمال لأجلك أنت بالذات، قلت في سري سيتفهم وسوف ينتشلني من بؤرة هذا المنزل الذي سحقني وأغرقني في قاع الهاوية، تعرف تقي؟ حانت لي فرصة دبرتها دلال القوادة، تذكرها؟ بلى تذكرها، كي أُغَرر بِكَ وتتزوجني، لكني صددتها وقلت، هذا ابن عائلة لا يستحقني، لكن عندما منعتني من العمل وحاصرتني وامتلكتني لك عاهرتك لا شريك لك فيها، ثم أسمعتني أحلى الكلام، ماذا توقعت مني؟ تأتي الآن من وراء البحار كما تَباهَيْتَ أمامي مرة لتقتص مني لأني لم أطق هذه الدنيا التي مزقتني أشلاء من داخلي وخارجي وتُعايُرني وتقول دموع الخداع، من خَدعَ من حبي؟
انتصبت أمامه، نظرت في عينيه واستطردت بصوت انتابته غصة.
"تركت لي هي كل ما تملك من مدخراتها، عدت هنا ووضعت ما تركته لي في هذا المنزل، رممته وعِلْتُ راشد ومن يومها لم أركع لرجل بعدك، وعندما نجوع أنا وهو أُغطي وجهي وأجلس عند المسجد وأمد يدي للمارة، كنْتُ أرى في وَجْهه الشك والصمت والأسى لكن ذلك أسهل عَلَيَّ من أن يعرف أنني أتسول بينما هو مقعد هنا.
تنهدت وعمدت إلى رفع حدة صوتها في وجهه.
"كُنْتَ أعلم أنك ستسافر وتتركني، كررت ذلك على مسامعي ولم تُشر مرة لمصيري بعد أن تسافر، لم يكن في نِيَتكَ أن تغير من حياتي، أقْسم إن كان في نيتك تغيير مصيري، فَرَرت من حولك ومن راشد حتى لا أفقد عقلي معكما، هذا ما كنت عليه أنا، قُل لِي ماذا كُنتَ أنت عليه؟
أشارت نحو باب الخروج بإصبعها وقالت بنبرة غليظة آمرة.
"الدنيا ليست شراع سفينة تبدله كلما تبدل اتجاه الريح!! والآن هيا أخرج من داري ومن حياتي.

****
في مكتب عبدالرحيم المرجاني بعمارة الخشب والطلاء ومواد البناء وغيرها، نظر تقي حوله، تأمل الموجودات، وقعت عيناه على الخزنة الحديدية التي تسلم مفتاحها من والدته المقعدة والتي بدورها نبهته إلى أن الراحل أوصاها بتسلمه المكتب من دون أخوته الأكبر سناً منه بحكم تعلمه وكونه الوحيد في العائلة يحمل شهادة تخرج في الأعمال والتجارة، سرح في وجه أمه ذات البشرة البيضاء اللون وقد اكتسحتها الندوب، توقف عند نظرتها له وهي تسلمه المفتاح، لم يصدق أن عبد الرحيم رحل وترك هذه المرأة ذات العينين الجميلتين رغم سنها وحيدة. جال ببصره في أرجاء العمارة، لم يشغله ثلاثة من العمال والمساعدين ممن عملوا مع والده يتحركون بالأنحاء، رَنَا في كل ما حوله، ركز النظر في الدفاتر والأوراق، لكن ظل مشغولاً بقرار واحد لابد أن يتخذه في حياته وهو، علاقته بجوري، هي على ذمة راشد، وتاريخها يعرفه الجميع، لكن قلبه ما زال مولعاً بها مع كل ما جناه في لندن من علاقات، ظلت جوري تَسْتَحوذ عليه بعد كل السنوات التي فصلت بينهما. شعر بنزعةٍ في أعماقه اسْتَحْوذَت عليه بألا يبيع روحه، رأى المال والأعمال بين يديه ولكن ثمة إحساس يثنيه عن اتخاذ قرارات نابعة من قلقه وتشوشه، أراد أن يختلي بنفسه لأشهر لكن الولاية التي آلت في عهدته حرمته من هذه الخلوة.
"أحلم بتحرير نفسي من الشك.
كان الفكر كله بالأمس منصباً على أفيلين وفي هذا الصباح انْحازت مشاعره تجاه جوري.
"أيهما؟
الحرب والغربة والسنين العجاف والمولودة جيني وتركة الراحل، الشركة والأموال ورعاية الأسرة، شَرَد ذهنه في جهة وجَفَل في الجهة الأخرى، توالت الأفكار وشَدّت معها الخيارات الضارية، وقف على رأس هاوية سحيقة ورأى العالم من حوله بعد الحرب يتشكل من قوى عسكرية ومال ودول كبرى واقتصاديات درسها لأكثر من خمس سنوات، تعلم لغات وخبرات وعلاقات وها هي اللحظة حانت وتسلم الشركة وهو يقف على رأس قمة خيارات، أين إفيلين وجوري من هذه الخيارات؟
"مهما يكن جيني هي خياري.



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (23)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (22)
- تجليات روائية، تشيخوفية
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (21)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (20)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (19)
- -خريف الكرز- رواية مُنعت في بعض الدول. ج (18)
- -خريف الكرز- رواية مُنعت في بعض الدول. ج (17)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (16)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (15)
- PDF الرواية والمثلث المُحرم...!
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (14)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (13)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (12)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (11)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (9)
- -خريف الكرز- رواية مُنعت في بعض الدول. ج (9)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (8)
- هل يكون الكاظمي بوابة الساعدي القادم أم يصبح أتاتورك العراق؟ ...
- ثورة كورونا في طور التشكل...


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (24)