أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - المونديال وهزيمة الذات















المزيد.....

المونديال وهزيمة الذات


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 11:02
المحور: كتابات ساخرة
    


أطلت علينا بعض المواقع الأنترنتية الاستهبالية، والتي تأكل بعقل الدراويش، والبسطاء، من أمثالنا، الحلاوة، حتى من نوع الحلاوة "النفيشة أو المجّيقة"، كما يسميها أحبتنا "الريفيون" المتخلفون في الساحل السوري، حسب آخر اكتشافات أحد عتاولة، وصناديد القومجية، وراكبي تقليعات المركسة المطعمة بنكهة أصولية خالصة، لزوم المزايدة في البازارت الوطنية السائبة هذه الأيام، أطلت وهي تذرف الدموع على فرق الأعاربة المدحورة، كالعادة، في كل المنابر التي فيها تنافس حر وشريف وخلاّق. واعتبر هذا الموقع الفريد في تميّزه، وظـُرفه الأخاذ، وهو يتكلم هنا بالنيابة عن كل العربان، ولا ندري من فوّضه بذلك، أن هذه الخسارة المذلة بجملة من الأهداف هي هزيمة للعرب، هي خسارة لكل الإنجازات، والسمعة الطيبة، والعراقة التي حققوها سابقاً في مجالات الديكتاتورية، والاستبداد، والقهر، والتنكيل، ومصادرة الحريات، والتشبيح بكافة فصوله، ونهب المال العام.

ولولا قليلاً من شجاعة، ومن رباطة جأش مازلت أتمتع بها من أيام الفتوة، والشباب، والعنفوان لكنت على وشك الانهيار، المشاركة في سيرك التأسف، والبكاء، والعويل على المدحورين من كافة المنابر التي تتخذ من الإنسانية، والعدالة، والسباق الشريف عناوين عريضة لها، حيث لا مجال للوساطات، أو الاستزلام، والمقامرات من تحت الطاولات، والتلاعب بالنتائج، وتزوير الانتخابات، وكل تلك الموبقات التي ترتكب علناً، وعلى رؤوس الأشهاد في عالم الأعاربة المليء بالعجائب، والعجائب، والأهوال، والمفارقات. ولست بنفس الوقت من الشامتين، بل أحزن عليهم في كل خروج يخرجونه بنفس الديكورات والمؤثرات، وليس بسبب خروجهم من المونديال فقط، ومن كل مواقع الشرف، والنضال، والفخار، ولكن أيضاً حين أراهم يخرجون من الكباريهات، وكازينوهات القمار، وفروع المخابرات، وحتى التواليتات، وأعزكم جميعاً العزيز القهار . وهذا الحزن نابع من أن النقود التي سفحوها وهدروها هنا وهناك، كان من الأولى أن تصرف على البرامج الاجتماعية والتنمية والأطفال الفقراء التي سرقت عنوة منهم ومن آبائهم المضطهدين في وضح النهار. وكانوا سابقاً قد خرجوا، وبنفس القدر من الكرنفالية والاحتفال، من كافة المنافسات الدولية إن في السياسة، أو الاقتصاد، أو ميادين الوغى والقتال.

فالرياضة في المحصلة، جزء من جهد ونشاط اجتماعي، واقتصادي، وسياسي عام في أي بلد من بلدان العالم. ويرتبط إلى حد كبير بما تعيشه الشعوب، وما تحققه من قفزات في كافة المجالات، وتعكس، بشكل ما, الحالة العامة التي يعيشها هذا البلد أو ذاك. وقرر الموقع الاستهبالي سلفاً، و"بلا قافة يا شباب"، وهكذا، ودون استشارات، أن مساءات العرب، ويا حرام، كانت كئيبة، وحزينة بسبب "غزوة" المونديال التي انهزم بها العربان شر هزيمة أمام الأغيار. فهذه الرياضة النبيلة ليست فزعة عرب كرمى لشوارب هذا الشيخ أو زعيم القبيلة ذاك، إنّها علم، وتخطيط، وقبل كل ذلك، عملية علمية مدروسة لبناء الإنسان وتنشئته من الصغر، وتقديساً لا يقبل الجدال لكرامة الوطن التي هي جزء من كرامة الذات. والسؤال الذي يبرز على هذا الهامش الاحتيالي، والاستهبالي، الخنفشاري، متى كانت المساءات اليعربية غير كئيبة، وحزينة ومؤرقة؟ ومتى نام معظم البهاليل، ومهزومو الأعراب لياليهم المظلمة البائسة بهدوء، وأمان، واطمئنان، بعيداً عن هواجس الفقر، ومطارق المجاعات، ونكد الاستبداد، وتكرار زيارات زوار الفجر الذين يتمرجلون، ويثيرون الهلع، والرعب في نفوس الشيّاب، والنساء، والأطفال.

ليست الرياضة في أي بلد من بلدان العالم منفصلة البتة عن مجمل العلاقات، والمبادئ العامة، والأخلاق التي تسود في هذا البلد أو ذاك. وحين يزدهر التعليم، والقضاء، والاقتصاد، وتـُرعى المواهب، وتـُكرّم الكفاءات، ويُميّز المبدعون، والأذكياء فسيكون التفوق الرياضي في هذه الحال تحصيل حاصل. ولسنا ضد أن يفوز العربان، والعياذ بالله، في مباريات كأس العالم على الإطلاق، بل نتطلع إلى اليوم الذي تستقيم فيه الأحوال، وتحصد شعوبنا المنكوبة، كل الميداليات في كافة السباقات. إلا أن هذا الأمر يتطلب الكثير من الجهد، والتعب، والإعداد، وقبل ذلك كله، بناء منظومة أخلاقية، وقيمية، وإنسانية تعطي الإنسان قيمته الحقيقية، وتجعل الذات البشرية تشعر بالنصر والعز والفخار، قبل أن تختبر هذه النفس والذات مع الآخرين، وقبل أن تكون الهزيمة جزءاً متأصلاً في هذه الذات. فالنفوس المهزومة من الداخل، والمطاردة بأشباح الفقر، والحرمان، والإذلال لا يمكنها أن تقدم ما يجعلها تتفوق في الميدان. هزيمة العرب في المونديال هي هزيمة للذات التي هزمت سلفاً ومسبقاً، في بلدانها أمام توغل وحش الاستبداد، وأمام الشعور بمركبات النقص، والوسواس القهري الذي يكابده الإنسان وهو يرى خرق القوانين، واحتقار الإنسان، والغلاء، والثراء الفاحش، وانقلاب القيم والمفاهيم رأساً، وعلى الأعقاب. أنها ليست مجرد "دستة" أهداف "تدخل" بسهولة في هذا المرمى أو ذاك، بل ملايين الأهداف المسجلة و"الفولات" المرتكبة التي لم يتلقى "أصحابها" عليها مجرد "لطمة" جزاء. فهل يستطيع أي كومبيوتر في العالم أن يحصي عدد الأهداف و"القفشات"، والمخالفات السياسية، والاقتصادية، والضحك على الذقون والعقول، والتي سجلت في "المرامي" المستباحة لهذا الإنسان "الداشر"، والتي لا تؤهله للعب مع أي فريق "حارات" من الدول التي كرمت وعظمت من شأن الإنسان.

ليس في الموضوع أية مفاجأة البتة، وإن المفاجأة الكبرى يا سادة يا كرام، كانت ستحصل لو فازت أي من هذه الدول على أي فريق من مدن النور والأحلام، وتعظيم شأن الإنسان، وحققت أي إنجاز يذكر وفي أي مجال. وفي هذه الحالة سيكون هناك خلل بنيوي أساسي في طبيعة الحياة، أو الاحتمال الآخر وهو التفسير الأكثر احتمالاً، أن تكون قد تمت رشوة الحكم، أو حصول أحد "الزعبرات", و"النطوتات"، و"الحركات" الأخريات كما يحصل في معظم "مونديالاتنا" التي تمارس اللعب بالخفاء، وبالرفس، والأقدام، ومن وراء الظهر والقفا. والإنسان الذي هزم أمام العرفاء، والجنرالات، والبساطير العسكرية، وأمام الحكومات السارقة، والقوانين الجائرة، والضرائب الماحقة، وأمام البطانة الفاسدة، والمحسوبيات التافهة، والأزلام، والمحظيين، والمحظيات، لن يمتلك القدرة لمنافسة أي شخص على الإطلاق. فالهزيمة الأولى، والأخيرة هي هزيمة الذات.

لقد تعلمنا في مدارسنا ونحن تلامذة صغار، كثيراً من الحكم البسيطة التي لا تحتاج لكل تلك التنظيرات، والفذلكات، والعربدات التي يكيلها لنا جهابذة الإبهام. ومن هذه الحكم البسيطة، جملة بسيطة تقول: "من جد وجد". هذا على مستوى الأأفراد الذي يمكن أن ينسحب على الأمم، والشعوب التي إن جدت هي أيضاً، ستنجح ولا مجال. لنقارن بين الكوريتين اللتين اتخذتا أسلوبَيّ حكم مختلفين، فواحدة أطلقت العنان للاستبداد، والرياء والنفاق وعبادة الأصنام، وكل تلك الخزعبلات السياسية فاختفت تماماً عن خارطة التنافس مع الشعوب الأخرى، اللهم سوى في استنباطها لوسائل التدمير، والقتل، والخراب. وواحدة "جدّت" وأطلقت العنان للعقل، وحررت الإنسان من كافة القيود التي تكبل العطاء فانطلقت تنافس، وبشرف، في كافة المجالات، والمونديال، بالطبع، ليس منها استثناء.

لكن، والحق يقال فلقد أبدعت، وبرعت حكومات الاستبداد في مجال التنكيل، والطغيان، والتهريب، وسرقة الأموال، وترويع الأبرياء، وفتح المعتقلات، وتطبيق والقوانين القراقوشية على عباد الله، ولا ننسى مكرمة التعذيب، ورفع الفلقات. فلا يزعلن، ولا يشمتن أحد بآن، وبعد الآن، فوالله لن نفوز لا في لعبة "الطميمة"، ولا حتى في مباريات شدّ الحبال، أو لعبة "الباصرة" ( وعذراً من الشحرورة الصبوحة)، وعلى فريق من الأقزام، ما لم يكرّم، ويعزز، ويُعطى حقوقه هذا الإنسان المهزوم سلفاً، قبل أن يدخل أي ميدان، والمطارد على الدوام من الدرك، والجندرما، والفواتير، والفقر، ودوريات المخابرات.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية العلمانية
- غربة الفكر العظيم
- الزرقاوي: نهاية الأسطورة
- مسلسل النكسات القومية
- أصنام المعارضة السورية
- نعوات بدون عزاء
- ميشيل كيلو: طرق المحرمات
- ديمقراطية الطوائف
- الدهاء السياسي، واللعب على المتناقضات
- الاستخفاف بالداخل
- فاتح جاموس: عزيمة الأحرار
- الاستبداد والإرهاب
- إرهاب فيديو- كليب
- وسام شرف جديد على صدر الحوار المتمدن
- منظومة الاستبداد، ومخاطر التغيير
- آفة العقل السقيم
- قبل فوات الأوان
- تخصيب الشحّاطات
- الحُقََراء
- مدخل إلى التغيير


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - المونديال وهزيمة الذات