أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد الوكيل - شبح هاملت يسكن العالم















المزيد.....

شبح هاملت يسكن العالم


سيد الوكيل

الحوار المتمدن-العدد: 6582 - 2020 / 6 / 3 - 16:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما يدخل العالم كله في مواجهة عدو غامض وشرس مثل فيروس الكورونا، فالفرضية الأولى التي تترتب على ذلك، أن يتوحد العالم في مواجهته. إنها فرصته لتحقيق مفهوم العولمة، ليس بوصفه مفهوما اقتصاديا بقدر ما هو سعى لحضارة بشرية تتجاوز تاريخ الحروب الإمبراطورية، والحركات الاستعمارية، لينتهي بحربين عالميين اعتقد البشر أنهما كانتا بمثابة مارش الوداع للماضي البعيد، واستشرافا لعصر جديد تحميه مظلة واحدة منسوجة بخيوط الشبكة العنكبوتية. كرمز كوكبي لعصر السموات المفتوحة، والاقتصاد العابر للقارات، وحرية السفر والاعتقاد. فضلا عن تدشين التحالفات الإقليمية لتذويب الخصوصيات الثقافية والإثنية بين المجتمعات. هكذا.. راح العالم يحلم بيوتوبيا جديدة اسمها القرية الواحدة. قرية واعدة بعصر قوامه الرفاهية وحقوق الإنسان والتفاعل الثقافي والمعرفي بين كل جوانب الكوكب الأزرق. وفي غمار هذا الحلم يستيقظ الناس على (كوفيد-19) الذي يوحي اسمه بواحد من الآلهة الأسطورية الغاضبة. يحمل منجلا ويحصد الأرواح بلا تمييز بين أشقر وأصفر وأسود.
على أيه حال فالكرونا بوصفها مرضا ليست موضوعنا هنا، سنتركها للمتخصصين في الطب. لكن في واقع على هذا النحو من الغموض والتضارب والتناقض في بين الأراء والأخبار والتصريحات، فنحن نعيش حالة من الفوضى غير مسبوقة. بل وحالة سيولة لكثير من المفاهيم التي كانت تبدو مستقرة، بحيث لا يمكننا التنبؤ بما سيكون عليه العالم غدا. فمن الطبيعي أن أحدا لا يمكنه الآن أن يعرف، أين الحقيقة وأين الخيال؟
فالاتحاد الأوربي في ظل الكرونا يصبح جزرًا معزولة عن بعضها بين يوم وليلة. وعانت الملايين عزلة إجبارية بعد أن أغلقت السموات المفتوحة أمام الطائرات. ولا حيلة للناس غير التواصل عبر شبكات الإنترنت ليتأكد لهم أن الواقع الافتراضي لم يعد افتراضيا. بل هو كل ما يملكونه الآن. وكأنهم يعيشون داخل أحد أفلام الخيال العلمي. كل ما يفعلونه هو التطلع لشاشات اليكترونية تنقل صورا وجداول لأعداد الموتى والذين على قوائم انتظار الموت. وفي خلفية هذا المشهد الرهيب. تعربد أشباح الماضي المستمر. لتذكرنا بسنوات الطاعون الأسود في العصور الوسطى. وتقفز إلى الأذهان صورة حاصد الأرواح بردائه الأسود ومنجله المسنون. فوق كل هذا تستدعى أجواء الحرب الباردة لتبدو كمبارزات رياضية مقننة في ظاهرها. يُستخدم فيها العلم سلاحا لتؤكد الدول الكبرى مكانتها على خارطة عالم ما بعد الكورونا.
هكذا.. تنهمك الحكومات في خطابات تستهدف تسييس الأزمة. ليس على مستوى الخطابات الإعلامية فحسب بل على مستوى تصريحات كبار المسئولين. فالسيد ترامب يتهم الصين باحتكار المعلومات الداعمة لمواجهة الكورونا فقط ليبرر قصور نظام التأمين الصحي الذي يراهن به الديموقراطيون على كسب الانتخابات القادمة. والسيد خامنئي يتهم أمريكا بتخليق الفيروس خصيصا ليكون موجها للجينات الإيرانية فقط ليبرر الارتفاع الكبير في الإصابات. بدلا من الاعتراف بأن حزمة العقوبات الدولية على إيران أصبحت مؤثرة فعلا. وجاء تردد الاتحاد الأوربي في دعم إيطاليا فرصة ذهبية لزحف روسيا إليها، فقط لتحجز لنفسها مكانا في قلب القارة العجوز أملا في انهيارها بعد الكورونا.
هل يبدو التفكير على هذا النحو من قبيل الخيال التآمري؟ ربما.. لكن الماضي القريب لروسيا، يعرف بالضبط معنى التفكيك على نحو ما وصفه ( ليوتار ) فإذا أردت أن تفكك مؤسسة ما عليك أن تتموضع داخلها.
في غمار التلاسن بمثل هذه الخطابات يتضح أن المعاني السياسية والاقتصادية القديمة مازالت تطغي على كل المعاني الإنسانية التي نادى بها شباب ثورة 68 في فرنسا وآمنت بها منظمات حقوق الإنسان حتى أن أصدائها ترددت في ميادين الربيع العربي. فيا لها من هزيمة ساحقة ليوتوبيا الإنسان المعاصر. تفضي إلى تعمق إحساس البشر بعزلة داخلية تأكل الروح. وشعور عام بالإحباط والشك في كل معرفة أو معلومة. فليس ثم يقين في مطلع الغد بدون إحصائيات جديدة تزيد من جرعات الخوف. وفي مناخ على هذا النحو من الطبيعي أن تنتشر الإشاعات وتستدعى حكايات الموت وتستعاد الخرافات وتكثر الوصفات الشعبية نتيجة لفقدان اليقين في العلم.
في اعتقادي أن كل هذه الظواهر التي طرأت على المجتمع العالمي ليست وليدة اللحظة. إنما هي تعبير عن تحول كبير من قيم الإنتاج التي رافقت مرحلة الحداثة فيما بعد الثورة الصناعية، إلى قيم الاستهلاك التي حققتها اقتصاديات السوق مع سطوع التكنولوجيا. ربما كان العالم في حاجة إلى أزمة تسري في كل جوانبه لينتبه قبل فوات الأوان إلى صورة الواقع المسكوت عنه. المغلف بمقولات وشعارات تبدو إنسانية وحضارية. أنتجتها مؤسسات ومنظمات عالمية، ومولتها حيازات رأسمالية لتوجهها إلى مسارات متطرفة سواء في تحررها أو أصوليتها لتخدم سياسات استعمارية جديدة عبر اقتصاديات السوق وتفكيك الهويات المجتمعية عبر نظرية الفوضى الخلاقة، التي وجدت قبولا بين البشر كونها توقظ داخلهم الإنسان البدائي. وتمهدهم لعبودية جديدة ممثلة في أنماط استهلاكية نهمة.
في الستينيات من القرن الماضي حذر بعض الفلاسفة والمفكرين أمثال (هابر ماس ) الى أن التحول الذي يشهده العالم بعد ثورة الطلاب في فرنسا. سيفضي إلى اضمحلال المعرفة التي تأسست على قيم التنوير في الحداثة. ومن ثم تتفشى نزعة لا يقينية تطال كل شيء بما في ذلك العلم. وهو ما تحدث عنه (ليوتار) بوصفه تهديدا للعلم بتفكيك حقوله ومؤسساته قد يفضي إلى حالات من الفتور المعنوي للعلماء وانخفاض القيمة الإنتاجية في المختبرات والمعامل. ويعني هذا حالة من السيولة القيمية والمعرفية. تغذيها أدوات الاتصال التي أتاحت لكل فرد أن يقول أو يفعل ما يشاء. وفق هذا.. تسود حالة فوضى. يغذيها غياب اليقين في كل شيء وأي شيء.
ففي بداية عدوان كوفيد الجبار. وقفت الصين تواجه مصيرها وحيدة. فيما كان العالم يتابع الأمر بوصفه مجرد خبر يمر على شرائط الأخبار للقنوات التلفزيونية. يستقبله الناس بمشاعر سطحية متراوحة بين الأسف والتهكم أو الشك واليقين وكأن الأمر يحدث على كوكب آخر في واحد من أفلام الخيال العلمي. عامة الناس لم يصدقوا الفكرة القائلة بأن الكورونا فيروس متطور عن عائلة قديمة تمكن من الانتقال من جسد حيوان إلى جسد بشري. كانوا أكثر ميلا إلى تصديق فكرة المؤامرة. كأنهم يعيشون بالفعل في أحد أفلام هوليود. وعندما وصل الأمر إلى إيطاليا / قلب أوروبا العجوز. بدا الأمر مفاجئا للجميع. لقد تحول الخيال إلى حقيقة.
تُرى.. إلى أي مدى تلتبس الحقيقة بالخيال في عالمنا الافتراضي ؟
أفهم أن فكرة المؤامرة تشيع بين العامة في المجتمعات قليلة الحيلة لتبرر عجزها. لكن أن يطالعنا أحد خبراء السياسة ليحدثنا عن نظرية المؤامرة التي دبرها الشيطان الأكبر (أمريكا ) للصين فتدس لها فيروسا فتاكا خلقته في معاملهاـ دونما انتباه إلى أنه قد يرتد إليها !.. يبدو هذا تفكيرا يخلو تماما من أي منطق. ولا يختلف كثيرا عن تفكير أحد خطباء المساجد وهو يردد أن ما حدث في الصين هو غضب إلهي على بلاد الكفار دونما تفكير في أنه سيصيب بلاد المسلمين بعد أيام قليلة. وفي مصر، يتساوى غضب المسلمين مع غضب المسيحيين بعد صدور قرارات احترازية بغلق المساجد والكنائس.
لماذا تظل الحلول الميتافيزيقية لمشاكل البشر هي أقرب التصورات إلى عقول عامة الناس بعد رحلة طويلة من التفكير العلمي بدأها كانط؟ وهل نبوءة ليوتار باضمحلال التفكير العلمي تحققت فعلا؟
أسئلة من هذا القبيل، أظنهما تحدد طبيعة الوجود البشري الآن. وتذكرنا بسؤال هاملت ليحسم الالتباس بين ما يهجس به شبح أبيه وما تقوله أمه : " نكون أو لا نكون. تلك هي المسألة "



#سيد_الوكيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهمية أن نفصل
- العنف النقدى فى قراءة نحيب محفوظ
- عفوا كابتن لطيف .. الكرة ليست (اجوان)
- الكفيل / مقال سردي
- تشكيل الفراغ


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد الوكيل - شبح هاملت يسكن العالم