أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد مضيه - التحررالوطني والإنساني مشروط بالخلاص من النظام الأبوي















المزيد.....

التحررالوطني والإنساني مشروط بالخلاص من النظام الأبوي


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 14 - 15:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كورونا ذكر بقيمة الوعي العلمي-9

الحلقات السابقة تطرح إشكاليات التغيير التقدمي للمجتمعات العربية. كان الظن القديم أن تستجيب الجماهير لنداء الحرية الوطنية وتطيح بالسيطرة الامبريالية المباشرة، لتتحقق تلقائيا الحرية والوحدة العربية، وتمضي الأمة العربية الموحدة باتجاه التنمية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي. لكن الوقائع المترتبة بعد زوال السيطرة المباشرة للامبريالية أسفرت عن نظام أبوي جعل الناس تحن الى الماضي؛ فقد ابتليت بأنظمة أبوية لم تعرف حدودا للقهر واستباحة الحريات العامة وهدرت الكرامة الإنسانية. "ومن استبيحت إنسانيته سوف يستبيح كل شيء حين تحين الفرص. وأحداث الاضطرابات خير شاهد، حيث التلذذ بالقدرة على الهدم والهدر. نزوة الموت الوجودي التي فتكت بكيان الميليشيات تعود فترتد على أيديهم تدميرا للعمران"[2/247].
رد نتنياهو على طلب الرئيس الفرنسي بتحسين معاملة الفلسطينيين، وقال ان الفلسطيني تحت حكمه يعيش بأفضل من العرب تحت الأنظمة العربية . ولكن يتوجب على نتنياهو تمييز "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" عن الأنظمة المتخلفة التي يتباهى بصداقتها لنظامه العنصري.
في حالة الإبقاء على آثار الهدر يستمر الضياع ، وتتكيف النفوس لتقبل القهر من جديد . وهذا ما حدث في البلدان الخارجة من السيطرة الامبريالية المباشرة؛ بقيت تابعة للامبريالية من خلال الأنظمة الأبوية. وبعد المتاهة الطويلة في دنيا الأبوبة المستحدثة فإن الإنسان العربي يقف امام احتمالين: استمرار الضياع في المتاهة ليتحول الى فضلات بشرية والانضمام الى الفئات المستغنى عنها ؛ او التخلص من هوية الفشل وارتهاناتها وبناء هوية النجاح تتمثل في وجود مليء ذي معنى يتصف بالتمكن وحسن الحال "[2/319].
التوجه العقلاني للتغيير الديمقراطي يبدأ بمحاولة التعريف بالمسألة ثم يحدد الهدف المطلوب الوصول اليه، وتأتي بعد ذلك بحث المشكلات المتضمنة ، ثم يجري جمع المعلومات والمعطيات المتوفرة عن المسألة في مختلف جوانبها ومستوياتها وفرزها من حيث الأهمية ومدى واقعيتها . عند هذا الحد يغدو ممكنا طرح تصورات متعددة بالحلول الأنسب، أخيرا يتم رسم خطوات الحل ومراحل التنفيذ وأدواته وأساليبه، ليس في الغرف المغلقة ، وإنما في ميادين الحراك الجماهيري. وتكون الجماهير المنطلقة من الجمود والحيرة متطلعة للتحرر والانعتاق من العبودية، وقد اكتسبت الوعي بواقعها وسيطرت على محيطها، هي المرجِّح لأي خيار يمضي عبره ركبها المظفر.
إشكاليات التحرر الاجتماعي بتحديث الحياة الاجتماعية وقائع معيقة للانطلاق الديمقراطي، يمكن إجمالها على النحو التالي :
.أبوية "مستحدثة أو محدثة" دلالة على توفر عامل خارجي حفز التطور داخلي، دفعه الى التحول. فما ان تنطلق عملية التحديث حتى يختل التطور الذاتي الداخلي ويعتل المجتمع؛ البنية الأبوية تعطل نمو برجوازية ناضجة وطبقة عاملة حادة؛ فتستقر هجانة اجتماعية تستعصي على التقدم والتحديث وتلفظ العلم. سلطوية الأبوية منعت تجذر العقلية العلمية في الشخصية العربية، فملأت فراغ المعرفة العلمية بالخرافات وبالسحر والشعوذات بها تفسر الظواهر؛ لا عقلانية تنظم النشاطات الفردية الاجتماعية والسياسية، وترتد العواقب عجزا وقصورا. الدولة ذات النظام الأبوي المحدث كيان مفتت لا يستطيع النماء لأنه لا يتمتع بالمناعة والحيوية والدينامية ، وبغض النظر عن بناها التشريعية والسياسية وأشكالها، ليست سوى سلطنات قديمة محدثة، حدثت وفق أرقى مستويات العلوم والتكنولوجيا أجهزة القمع ومراقبة الجمهور. الابوية تهدر المؤسسات والثروات لإشباع نزواتها؛ و حين يتم هدر المؤسسات والثروات يتم الاستفراد بالإنسان وكيانه من خلال تجريده من كل مرجعيات القوة والمنعة والحقوق. السيد الأبوي يجحد إنسانية القاعدة الاجتماعية المقهورة؛ يفقد التعاطف مع المعذبين في الأرض والإحساس بمعاناتهم وآلامهم، ومخاوفهم وحاجاتهم. حيال هذه الحالة يصبح الكيان الوطني مجرد كيان شكلي هزيل مهدد بالانفجار في أي لحظة يتغير فيها نظام القوى . وإذا هدر الوطن فإن مؤسساته ستهدر بدورها، وكذلك طاقات أبنائه وفرصهم، ما عدا القلة المحظية منهم. مؤسسات الأبوية الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية تفرز البعوض الثقافي والذباب الإليكتروني، تنشر الأوبئة الاجتماعية، لسعاتها شواحن خدر في طاقات التغيير. اما الفكر المستورد فيُمسَخ حلية ومصدر نفوذ ، إذ تحيله الثقافة الأبوية فكرا لا يخصب.
الأنظمة الأبوية تحيل مشاكلها على أفراد المجتمع فتجير عجزها على السلوكيات "المرَضية" لأفراد تضحي بهم بين فينة وأخرى؛ فالقانون جهاز طبقي والعقوبات غايتها تحصين النظام السياسي. وتهب الحركات العصبية الطائفية لتجرم المجتمع بالابتعاد عن الدين، وترهن الخلاص بإقامة الخلافة! مستغلين هشيم خراب الأنظمة الأبوية، يسدرون في أبوية جديدة مقنعة بالدين، و يعوضون معاناة البحث العلمي المفقودة بمزاعم "الإعجاز العلمي في القرآن". عمليا يعني هذا "أن ننتظر من الآخر الأوروبي -الضال ، المنحرف على مستوى العقيدة والسلوك- لكي ينتج المعرفة، فيساعد بذلك على اكتشاف إعجاز علمي ما بالنصوص الإسلامية" . الخلافة كانت قائمة حين احتلت جحافل المغول عاصمتها بغداد ودمرت معالمها الحضارية الفكرية والمادية. وكانت الخلافة قائمة بقوام "الرجل المريض" حين انهزمت جيوشها وتركت مقاطعاتها العربية نهبا لسايكس بيكو؛ وبزغت خلافة داعش وخليفتها المكنى أبي بكر،ارتد مدحورا مذموما، وعوقب بالإعدام على خيبته. قضي على الرجل عل زواله يطوى بموته ملابسات حركته وأسرار جرائمه السوداء. . مؤسسو حماس بيتوا خطف القضية الفلسطينية من أيدي المنظمة؛ لكن ملابسات الحركة التاريخية في ظل السيطرة الامبريالية - الصهيونية وجهت الأمور نحو شق المقاومة الفلسطينية ، ليغدو الانشقاق عاهة ملازمة تشوه وجه المقاومة الفلسطينية.
قارب علم النفس الاجتماعي قضية التحرر الإنساني، من منطلق تصفية ترسبات الهدر وتعافي النفسية الاجتماعية لاكتساب الصحة النفسية. تجارب الماضي الأليمة تبين أن الإطاحة بنظام استبدادي يحل النصف الهين للمشكلة؛ وأصعب منه خوض صراع ضد تراكمات الهدر الدهري، والمتمثلة في" التواطؤ الذاتي مع الهدر الخارجي الذي لا يستتب إلا من خلال اجتياف احكامه (بمعنى ابتلاع احكام الهدر وتمثلها برسم التوازن النفسي) الامتثال لها، وبالتالي إعادة إنتاجها ذاتيا ، وهو الأخطر"[2/319]. "فقط المناعة التي توفرها المستويات العليا من الصحة النفسية هي القادرة على المرونة العالية واللياقة التكيفية، والفاعلية في مواجهة التحديات والشدائد. الكفاءة النفسية تتمثل في صحة الوظائف الحيوية وعملها بكامل طاقتها على مختلف الصعد؛ كما تتمثل الصحة النفسية النمائية في مشروع وجود متنام ومتجاوز لذاته على الدوام على مستوى الوظائف والأداء والانتماء"[2/315].
لا بد من تغيير يطيح بالأنظمة الأبوية وبكل ما خلفته من اعطاب روحية وعقلية هي منبع الشذوذ والتخلف عن ركب الحضارة، يستبدل باستشراف الديمقراطية الثورية هدفا استراتيجيا. ذلك هو الهدف الاستراتيجي لا يختلف عليه عاقلان. ولا يختلف أنصار العقلانية في السياسة بصدد دور الحراك الجماهيري في إحداث التغيير، يحطم قيودها ويبدد حيرتها ويطهرها من عقد القهر. جُرِب نظام الوصاية على الجماهير ولا حاجة لإعادة المجرب، وبات مطروحا على جدول الأعمال توليد حراك شعبي يتنامى باضطراد، تشحنه بالطاقة الثورية حركةٌ ثوريةٌ تسترشد بنظرية ثورية . الضرورة تستدعي حزب التغيير مولد لطاقة شحن شعبية – دينامو- يستبدل الثقافة القولية بعناصر ثقافة عملية تنزل من القيادة السياسية الى الجماهير المتحركة بآمالها وطموحاتها، تتوالد بالتدريج مع تصاعد الحراك الشعبي واتساع مداه.
في تلك الأثناء يفقد نسغ حياته ذلك التنظير المتخبط والاعتباطي المنتشرين بين فئات المتعلمين، ، حتى أولئك الحاصلون على الدرجات الجامعية ، يضبط القول او يقيّمه في الممارسة العملية ، وتنشأ علاقة تفاعلية بين الفكر والممارسة العملية . الحياة الاجتماعية لا يمكن مقاربتها بغير الفكر الجدلي ، والحركة الثورية تسترشد بالنظرية الثورية. الفكر الجدلي يتطابق مع واقع الترابط والتطور المستدام لعناصر الحياة الاجتماعية. تبرز ضرورة اتباع المنهج الجدلي لدى النظر في وقائع الحياة الاجتماعية ؛ فهي ليست كتلة جامدة بل نتاج تفاعل قوى وعناصر متعددة. "يعلمنا المنهج الجدلي ان هناك طرفا أساسيا وأطرافا ثانوية في التفاعل ، والعلاقة لا تبقى ثابتة بل تتحول؛ الطرف الذي كان أساسيا قد يصبح ثانويا في مرحلة تالية . الزمن يتكون من وحدات متعارضة كل منها يشكل شرط وجود الأخرى، ويحدد مظهرها واتجاهها. بالإضافة الى علاقة التناقض والتحديد المتبادل بين الجزء والكل ، بين الذاتي والموضوعي ، بين العقلاني والانفعالي، بين النفسي والمادي، بين العام والخاص، هناك تناقض وتحديد متبادل بين العناصر المكونة لكل من هذه الأمور . الذهنية المتخلفة لا تستطيع إدراك قوى الشد والجذب، قوى التقدم والحركة في علاقاتها الجدلية مع قوى الصد والجمود داخل كل ظاهرة وفي علاقة الظواهر فيما بينها[ 1/68].
هكذا إذن، "مفهوم الثورة لا يكتسب معناه المحدد وتميزه إلا ضمن فضاء الماركسية"[3/59]، حيث التنظيم والثقافة والوعي، بمعناها الغرامشي ، تلعب دورا مركزيا في السياسة، وما لم يتكفل اليسار بهذه القضايا لن يداخلنا الأمل في تحقيق مقاومة جماعية في إطار حركة ذات قاعدة جماهيرية واسعة .
الوعي ينقل الفرد والجماعة من عناصر وجود ، الى وعي الوجود، و السيطرة على بقية عناصر الوجود، نظرا لما زود به من دماغ يفكر.
لدى شروع هشام شرابي في تأمل مظاهر العجز في المجتمع العربي من رؤية ماركسية جديدة، خرج في كتابه " مقدمات لدراية المجتمع العربي" بنظرة رصدت عقد النقص لدى العرب تجاه الغرب، خاصة بعد هزيمة حزيران، "صرنا ننظر الى الغربي على أنه جبلة أخرى غير التي جبلنا منها نحن أو جبل منها سائر البشر. حتى أصبحنا ننظر الى أنفسنا وإلى مجتمعنا وإلى تاريخنا من خلال نظرة الغرب إلينا ، فكان همنا الأول – عن وعي أو غير وعي- ان نحظى برضاء تؤكد رغبتنا الخفية في أن نكون مثله لنحظى بقبوله وإعجابة. وهذا الشعور بالنقص هو الذي يدفعنا أيضا في الاتجاه المعاكس ، أي الى الطعن في كل ما هو غربي والى التعلق الأعمى بالتراث وبالتقاليد" [المصدر، ص93].
كتب شرابي في مقدمة الطبعة الرابعة (1991) من كتابه آنف الذكر تقييما للأثر الكبير الذي تركه ماركس على تفكيره وثقافته، وكيف تمت عملية التطهر الذاتي من هيمنة الفكر النقيض وثقافته المسيطرة : " في جامعة جورجتاون كنت أحاضر في تطور النظريات السياسية والاجتماعية الأوروبية ابتداء من هيغل وانتهاء بسارتر، وكان عنوان المادة ‘تاريخ الفكر الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين. ’ بالطبع كانت الماركسية تحتل جزءا كبيرا من هذه المحاضرات بصفتها خليفة الفكر الهيغلي وملتقى تيارات الفكر الاقتصادي الانكليزي ، من جهة ، والفكر الاشتراكي الفرنسي من جهة أخرى. ولاقت هذه المحاضرات قبولا حسنا بين الطلبة ، مما دفع رئيس دائرة التاريخ الى أن يطلب الي الاستمرار فيها عام1962-1963 والعالم الذي يليه، ومن ثم كل عام دون انقطاع.
"ومع انني كنت في مطلع كل عام أعيد النظر في محاضراتي وأنقحها وأعيد كتابة مقاطع منها ، فإنني لم أغير قط تلك المقاطع المتعلقة بماركس، وكنت حتى سنة 1967 أعالج الماركسية من زاوية الفكر الليبرالي الكلاسيكي ، فأتناول ماركس من حيث انه مفكر أوروبي ‘آخر’ وأنقد نظريته الجدلية في ضوء "الفشل"الذي أصاب تنبؤاته حول حتمية انهيار النظام الرأسمالي والشكل الذي اتخذته الماركسية في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى. وهكذا بقيت أرفض الماركسية طوال سنوات عديدة بشكل لا يقبل إعادة النظر.
"وفي صيف 1967 أخذت في إعداد محاضراتي لفصل الخريف. ولسبب لا ادري مصدره ابتدأت بماركس. وما أزال اذكر قراءتي لماركس للمرة الأولى . لم أعرف تجربة هزتني بهذا الشكل منذ قراءتي الأولى- وانا في السابعة عشرة- لنيتشه. لكن وقع نيتشه ، في تلك السن، كان عاطفيا أكثر منه فكريا، بينما ماركس نفذ الى أسس تفكيري.
"كان من نتائج هذه التجربة انها كشفت لي عن مقدرة الثقافة المسيطرة في إخضاع عقلية الفرد لقيمها وتضليله على أعمق المستويات. وشعرت انني ابتدأت بكسر القيود الفكرية التي كبلتني ، وأصبحت أسير في اتجاه فكري مستقل استمده من قوة داخلية وليس من قوة تسيطر علي من خارج . أدركت أن الخطوة الأولى في التحرر تكمن في التحرر الذاتي ، وان بداية التحرر تكمن في التخلص من عبودية الفكر المسيطر.
" ولكن سرعان ما اكتشفت ان تحقيق هذه الخطوة ليس امرأ سهلا وإنما هو في غاية الصعوبة . إذ ان التحرر الذهني يتطلب عملية غسل دماغ جذرية وطويلة المدى ، وإعادة نظر في جميع ركائز الفكر الموروثة ، والمستمدة من الثقافة المهيمنة ، وإخضاع هذا الفكر لنقد مستمر وشامل."
لم يقتصر التغير على الفكر ، بل شمل الأخلاق كذلك؛ "ايام الثورة كانت أيام المحبة- محبتنا للأرض والإنسان وللعالم ولبعضنا بعضا. ولم يكن العنف الثوري إلا تعبيرا عن هذه المحبة (والعنف الثوري ممارستنا له كانت كلامية) كان عنفا نبيلا مطهرا يقهر قوى الظلم والاستعباد، ليبني على أنقاضها عالما جديدا تسوده العدالة والحرية وأخوة الإنسان للإنسان...في تلك الأيام تحولت الى شخص أفضل من الذي كنته فكرا وشعورا، ونية وعملا ، وأصبحت اشعر بتأنيب الضمير إذا ما فكرت بنفسي قبل ان أفكر بزملائي، وإذا اهتممت بمظهري او قمت بعمل او تفوهت بكلمة بدافع حب الظهور..."
الشرابي في وقت لاحق ، ومن وجهة نظر مادية جدلية، وبعد المزيد من إمعان النظر ارتأى " من العبث توقع تجاوز الأبوية المستحدثة عبر مجرد "التربية" او "التحديث" او "التنمية" حسب النمط الغربي الرأسمالي؛ يستثني كذلك إمكانية وجود حلول سريعة. كما أن نموذج ثورات الصين وفييتنام والجزائر لم يعد ينطبق على الوضع الراهن؛ يمكن التحول عن طريق الثورة الى نظام أبوي جديد . بات النقد حاجة قومية ماسة، لا يرمي فقط الى تأسيس "خطاب نقدي" يتمكن من إضفاء الوعي الذاتي الصحيح ، بل لتقديم نظرية فكرية فعالة قادرة على تفكيك أواصر الوعي السائد والسير نحو وعي جديد وممارسة جديدة. وعليه فالنقد يشكل اليوم مهمة مركزية في عملية الإطاحة بالخطاب الأبوي المستحدث ونظامه الاجتماعي والسياسي [1/171]. ينقل عن الفيلسوف فوكو قوله ان الإطاحة بنظام مستبد لا يعني ضمان التحرر. رأى أن "أكثر المسائل إلحاحا هي مسألة الحريات الديمقراطية، وحقوق الإنسان وتحرير المرأة"[1/73].
الثقافة، من وجهة نظر الثورة، تعني تحول البشر من الوجود الطبيعي الى " الوعي"بهذا الوجود.[1/81]
"الماركسية شكل رفيع من الوعي يتوصل اليه بعض الأفراد والجماعات والفئات بحكم انخراطهم في صراعات وتجارب معينة، يتميز هذا الوعي بالوحدة الجدلية الضرورية بين النظرية والممارسة ، وبين الفكر والفعل، وبين الفهم والسلوك. ان الالتزام بالماركسية هو التزام بمشروع تغييري ينطوي على فهم معين للمجتمع البشري ، وهو يرتكز أساسا الى الإيمان بالإنسان وبقدراته الاجتماعية وإمكانية ان يسيطرعلى بيئته الاجتماعية والطبيعية، وان يضبط مسيرته الحضارية عقلانيا[3/44].
بيير بوردو، عالم اجتماع فرنسي واعظم علماء عصره وجد في إغفال التربية ثغرة خطيرة في نشاط اليسار. بات من الضروري للغاية أن نقر بان " أهم نماذج الهيمنة ليست اقتصادية بل وثقافية –تربوية، وتكمن في جانب المعتقدات والقناعات". ويمضي بوردو الى القول ان "مثقفي اليسار استهانوا بالأبعاد الرمزية والتربوية للنضال، ولم يحسنوا دوما طرق الأسلحة الملائمة للكفاح في هذه الجبهة. وبصورة جزئية فهذا يعني ان على اليسار والآخرين أن يضعوا مسائل الثقافة والتربية في مركز أنشطتهم السياسية ، وذلك من اجل مقاربة حاجات الناس ونضالاتهم. وعليهم القيام بهذا الواجب بلغة مقبولة وعانية . ان قضايا الثقافة والوعي، بمعناها الغرامشي ، تلعب دورا مركزيا في السياسة، وما لم يتكفل اليسار بهذه القضية لن يداخلنا الأمل في تحقيق مقاومة جماعية في إطار حركة ذات قاعدة جماهيرية واسعة"[3/44]. .- يتبع
...............................................................................
مراجع"هشام شرابي:1- البنية الأبوية إشكالية التخلف في المجتمع العربي
2-مصطفى حجازي: الإنسان المهدور-المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 2006
3-هشام غصيب: دفاعا عن الماركسية – الأعمال الفكرية ، مجلد 4



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت المجهر مرة أخرى- هدر الثقافة ..هدر الإنسان
- تحت مجهر العلم هدر الإنسان ..هدر الثقافة
- مفارقة المنهجية العلمية مكمن عجز المقاومة الفلسطينية
- كوارث وانتكاسات حصاد تغييب الوعي العلمي
- تنمية التخلف بإهدار سلطة العقل
- الشعوذة في غياب العلم
- المجتمع العربي متخلف لم يألف العلم ولم ينشد الحداثة
- قوى الحرب تصعدالتوتر مع الصين
- كورونا ذكّر البشرية بقيمة الوعي العلمي
- الاشتراكية تفوقت على الرأسمالية فهل تقر الأخيرة بهزيمتها؟
- تجربة الصين في تنمية قدرات العلم وتعميمها
- ألانحطاط الفاشي: عنصرية إرهاب إفقار جماعي وتزييف الوعي
- للانحطاط الفاشي للرأسمالية في مواجهة وباء كورونا
- كورونا جمح بين خرائب الليبرالية الجديدة
- ثغرة في جدار الأبارتهايد
- كبف ألغى الليكود حق تقرير المصير لشعب فلسطين
- ما يمكث بالأرض وما تطويه الأراشيف
- ألأبارتهايد جوهر الصفقة ووسيلة للطرد الجماعي
- توليفة الامبريالية- الفاشية - الأبارتهايد
- إيحاءات وعد ترمب واصدائه


المزيد.....




- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد مضيه - التحررالوطني والإنساني مشروط بالخلاص من النظام الأبوي