أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية - سعيد مضيه - تحت مجهر العلم هدر الإنسان ..هدر الثقافة















المزيد.....

تحت مجهر العلم هدر الإنسان ..هدر الثقافة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 11:04
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية
    


كورونا ذكر بأهمية الوعي العلمي -7
بؤس الواقع العربي من جميع جوانبه، المتجسد في أعطاب التخلف وفشل محاولات التغيير وانتكاسات الحركات الوطنية وأزمة المقاومة الفلسطينية، كل ذلك وغيره من العلل الاجتماعية حصيلة النظام الأبوي المستحدث.المجتمعات العربية كافة موبوءة باللاعقلانية وكسيحة بالعجز. يدعي البعض ان كل شيء في الوطن العربي معطوب ولم يتبق سوى الثقافة متراس أخير. والحقيقة " ان مأزق البرجوزايات العربية أنها تبنت ثقافة هجينة قامت على الاحتفاظ بتبعيتها للامبريالية الثقافية من جهة، والكثير من سمات الثقافة التقليدية السلفية السابقة على الرأسمالية من جهة ثانية، واستيراد بعض مظاهر العلوم والتكنولوجيا من الغرب الرأسمالي واستيرادا تبعيا دون محاولة نقدية إبداعية من جهة ثالثة"[1/.74] . ولمكافحةهذه الثقافة من الملح نشر ثقافة التحرر الإنساني، تتغذى بثمار بحث العقل في الواقع الاجتماعي، وتستأصل الأبوية وثقافتها.ثقافة تحرر الوعي الاجتماعي من الشعوذة والخرافة والجهل بالوقع المُعاش. يختصر مفهوم الثقافة بانها "ما نعيش به وما نعيش من أجله"، توصيف مختصر لكن مدلوله واسع سعة المحيط بلا ضفاف.
إنكار هيمنة الثقافة المتخلفة او التستر عليها يديمها في الحياة الاجتماعية لصالح السيطرة الامبريالية الصهيونية. فهذا التحالف يزعم ان التخلف العربي سمة عرقية ويسقط من اعتباره الجوهر الاجتماعي التاريخي للظواهر الاجتماعية. الثقافة المتخلفة تحتضن التفكير المتخلف. هناك خاصيتان منهجيتان للتفكير المتخلف : اضطراب منهجية التفكير، باختصار مراحله في محاولات حل المعضلات او تنفيذ المهمات سعيا وراء النجاح السريع والسهل؛ ثم قصور الفكر الجدلي " يخلق حالة من التصلب الذهني تجعل الإنسان المتخلف يفتقر الى المرونة، والى القدرة على بحث الأمور من جوانب متعددة ومنظورات ومستويات شمولية. كما أنها تعطل القدرة على استخدام وسائل مختلفة في حل تناقضات مختلفة ، فتظل أسيرة الجمود في النظرة والمواقف والحلول المطروحة [2/69) . وحيث تكره الطبيعة الفراغ يظل الطابع السائد في المجتمع المتخلف لمواجهة الأمور هو طابع تدبير الحال، والانفعالية والفهلوة واختصار المراحل. "من السمات البارزة للعقلية المتخلفة أيضا انعدام الدقة والضبط في التصدي للواقع وفي تقدير الأمور والاستهتار"[2/64].
الواقع العربي المأزوم يفشي سر ثقافة مأزومة، هي الثقافة الأبوية المستحدثة، او ما يعرف بالثقافة القومية، قوامها الزيف. أبرز مظاهر الزيف في الثقافة القومية امتهانها لقضية الوحدة العربية، أو على الأقل لإقامة تضامن حقيقي بين أطرافه؛ الثقافة القومية تحصر الانتماء للقطر ،" يتوجب النظر الى الأبوية والامبريالية على أنهما موضوعيا حليفان متآزران يعيقان تقدم أي تغيير اجتماعي وسياسي طبيعي . الوحدة والاشتراكية عدوان لدودان للأبوية والامبريالية. أثر التشويه الذي أحدثته الامبريالية كان أكثر وضوحا في المجال الثقافي ، من الوجهة الاجتماعية - السياسية كان لاستعمار الوعي ( وكذلك اللاوعي) نفوذ أوسع من الاحتلال العسكري والهيمنة السياسية في دفع عملية تطور بنية الابوية المستحدثة. الثقافة الأبوية المحدثة فقدت توازنها وانسجامها ، واتصفت بالتملق في العلم والدين والسياسة؛ إضافة الى عجزها السياسي وتلكؤها الثقافي وابتعادها عن الحداثة الأصيلة ، أي فقدانها تحرير الذات"[1/35]. دعوة الوحدة القومية ومراعاة البعد القومي في الطروحات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية هي من مبادئ الثقافة الوطنية المتشكلة في الكفاح ضد الاستعمار المباشر. حققت الأبوية نصرا حاسما على القومية العلمانية . لم يؤدي الاستقلال الى وحدة قومية بل الى كيانات أبوية مستحدثة هزيلة لا تملك واحدتها مؤهلات البقاء والتطور، لم تصمد الأبوية فحسب في خمسينات وستينات القرن الماضي ، بل نجحت في إرساء نفسها عراب النظام القطري ومباركة سادته.
المعْلَم الأبرز في ثقافة الامبريالية هو عنصريتها ، تنظر الى التخلف العربي(وجميع الشعوب الملونة) سمة عرقية متغلغلة في الجينات، وهي التي دعمته وامدته بنسغ البقاء، باعتبار عناصره عوامل ذاتية استقرت في الوعي الاجتماعي بتأثير القهر السلطوي، جعلته يستكين للقهر الأجنبي. مثلا، الأبوية مشتقة من سيطرة الأب في الخلية الاجتماعية الصغرى، وهي الأسرة. هو الحاكم بأمره وهو الوحيد المقدر العارف مصلحة الأبناء. والكثير من العقد النفسية لدى الكبار تعتبر ألغازا مجهولة الأسباب ، منشأها تعسف الأب. قارب هشام شرابي في مؤلفه "مقدمات لدراسة المجتمع العربي" ،الصادر عام 1973، من منطلق نفسي فلسفي عددا من خطايا تربية الطفل في البيت وفي المدرسة تنمي فيالأجيال الخصال السلبية. والحقيقة ان معظم الكتاب مكرس للتحذير من اضطهاد الطفولة والباقي يوضح مآخذ اضطهاد المرأة، ويشترط التحرر الاجتماعي بتحرير الطفل وتحرير المرأة . العقاب الجسدي والاستهزاء والتخجيل أساليب دارجة مع الأطفال.. حيث يعتقد الوالدان والمدرسين أنها لمصلحة الطفل. وهي أساليب ووسائل في التعامل مع الطفل تربي لديه الاتكالية والعجز والتهرب.
يغلب ان يحبذ الوالدان الطفل المطيع "العاقل"، فينمو الطفل وتنمو معه عادة الإذعان للسلطة أو لمن هم اعلى مقاما ونفوذا؛ وأسوأ ما يواجهه الطفل هو الصفع على الوجه ، فذلك علاوة على الألم تعويد على الإذلال؛ يتربى الطفل على التكتم وازدواجية السلوك، فالعيب هو ما يراه الناس، بمعنى أن لا عيب في ما لا يراه الناس؛ والاستهزاء بالطفل دون دفاع عن نفسه يزرع في نفسه عدم المسئولية عن الأفعال. والتلقين كأسلوب تعليمي يعزز نزعة الامتثال وتضعف طاقة الإبداع والتجديد؛ كما أن حب المعاشرة ومسايرة الناس "تأدبا" قد تولد لدى الطفل التهرب من المجابهة والنقد وتنمي عادة النميمة، وقد تتطور الأمور الى عراك؛ والعبارة الدارجة في لغة المحادثة ‘انا ما بخصني , او "انا ما دخلني’ تختصر في الواقع موقف التهرب من المسئولية. تجد الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة بالنقد والتهجم الكلاميين، بينما الالتزام بالمجتمع هو في حده الأدنى؛ في نظر الباحث "التعليم الأولي ، أي الابتدائي يترك أعظم من التعليم الثانوي واللاحق على مستقبل الطفل؛ بينما معظم الآباء لا يهتمون بتعليم الابن إلا في المرحلة الجامعية
تلك القيم السلبية تنغرس في الطفل نتيجة لمعاملة الأم؛ فالأب لا يعني نفسه بشئون بيته الداخلية، ولا يتصرف إلا لإنوال العقوية بالطفل أو لإكراهه على ما لا يريد. وكثير من الأطفال تبدو في الصغر عليهم امارات الذكاء ينطفئون نتيجة التعرض للإكراه او العنف. والأم تتصرف مع الأبناء انطلاقا من القهر الممارس ضدها ؛ ولذلك يخلص شرابي الى أن تحرير المرأة شرط أساس لتحرير المجتمع.
يجمل الباحث الاجتماعي النتيجة العامة للتربية في العالم العربي: ان "المجتمع يقضي أن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام وروح المكر محل روح الشجاعة وروح التراجع محل روح المبادرة,"
وفي تحليل أجراه عالم النفس اللبناني ، علي زيعور، توصل الى ان العائلة الأبوية في المجتمع العربي شديدة الوطأة والوسائل التربوية لا تعد الطفل لأن يناقش ويقارع، بقدر ما تنمي فيه الالتواء والازدواجية والاعتماد على الكبير. الأب أداة قمع أساسية قوته ونفوذه يقومان على العقاب. الحالة الأبوية هي في الحقيقة ناحية بنيوية في المجتمع القائم.
أما جان بياجيه ، عالم نفس سويسري فيسمي الانصياع القائم على الاحترام الذي يجمع بين العاطفة والخوف احتراما أحاديا، إذ أنه "علاقة بين قاصر وولي امره؛ اما الاحترام المتبادل فيولد في الطفل أخلاقية حرية ومساواة وعدالة. الاحترام المتبادل يغلّب العدالة على الطاعة (سن ثماني سنوات) باعتبار العدالة قاعدة سلوك اجتماعية.الاستقلال الذاتي يؤدي بالتأكيد الى احترام القوانين أكثر من احترام التبعية ، وبغياب السلطوية ينهار أساس الطاعة[1/62].
وحمّل عالم النفس الماركسي، فيلهيلم رانج، العائلة الأبوية وزر تنمية الفرد الخائف ابدا من العقاب والسلطة. في سياق الولاء والخضوع لا يمكن تصور فكرة العقد الاجتماعي. خضوع الأفراد يتم لأصحاب الجاه والنفوذ؛ فالقانون ليس في خدمة المجتمع ، بل انه حسب تصرف النظام الاجتماعي / السياسي القائم، والعقاب هدفه استعادة حرمة العلاقات الاجتماعية وحمايتها.[1/65].
تسلط الصهيونية نشاطها الثقافي التخريبي ضد العالم العربي، وبذا تعمق أزمات المجتمع العربي وتفاقمها. وثقافة الصهيونية مستمدة من ثقافة الامبريالية، التي من أهدافها السيطرة على عقول الشعوب المتخلفة وأن يتم التحكم بقيمها التراثية فتفرض عليها الثقافة الاستهلاكية وتسطح وعيها ، ويسود فيه التفسخ الخلقي والنفسي والاغتراب عن الواقع الاجتماعي المعاش وتشجع روح الأنانية والمبادرات الفردية القائمة على النهب واستغلال النفوذ والسلطة، وتنعدم الممارسات العقلانية والعمل التنظيمي الناجح وتدب الفوضى والبيروقراطية والفساد"[4/36]. طبيعي ان يركز النشاط الثقافي الصهيوني على الشعب الفلسطيني؛ان "التشويه الثقافي ليس الأقل خطرا من تلك الأساليب(القهر والاستغلال) لأنه يهدف الى تذويب الشخصية العربية في فلسطين، ومحو تراثها والتبعية الكاملة لشعبها، وفرض الاستتباع الثقافي والإيديولوجي للصهيونية وطمس المعالم التراثية وتشويهها، وتزوير الحقائق التاريخية في البرامج التعليمية المفروضة على السكان العرب، وتشجيع مقولات التصالح الذليل مع إسرائيل..."[4/33].
نجاح التخريب الثقافي لا يعود الى قدرات الجانب الصهيوني وحده؛ فقد جرى تكييف الداخل اقتصاديا وسياسيا وثقافيا لتقبل الغزو الخارجي. وحسب تحليل الراحل محمود امين العالم: " ان المحنة الثقافية التي نشهدها اليوم في مصر ليست مجرد غزوة صهيونية ثقافية وافدة من الخارج فحسب، بل هي بنية ثقافية ايديولوجية داخلية، أفرزنها وتفرزها الهياكل السياسية والاقتصادية الرجعية التابعة السائدة في مصر اليوم، تكريسا وإعادة إنتاج لهذه الهياكل نفسها. وهذه البنية الثقافية والإيديولوجية المهيمنة هي التي تمهد السبيل لاستقبال الثقافة الامبريالية والصهيونية واستنباتها...الخطر على قيم الثقافة العربية، التي هي تعبير عن قيم الثورة العربية يكمن في كثير من الأوضاع العربية عامة ، بما تشكله من هياكل وأبنية سياسية واقتصادية وثقافية وإيديولوجية تعد صالحة لإفراز واستنبات قيم ومفاهيم هذه الغزوة "[4/120]. حقا الواقع الاجتماعي يقرر طبيعة التعامل والعلاقات بين البشر، ومن ثم يفرز ثقافته.
القوام الثاني للثقافة الأبوية الكثير من سمات الثقافة التقليدية السلفية السابقة على الرأسمالية، أبرز تجلياتها في مقاربة التراث بما فيه الفكر الديني. " والمجتمعات العربية مبرمجة منذ العصر الوسيط. قرون الاستبداد السابقة تركت آثارها المخربة للوعي، ما يؤكد استنتاج فرويد من أن "اللاوعي الثقافي هو ذلك المخزون الثقافي المتوارث الذي يوجه الميول والرؤى ويحدد السلوكات بشكل عفوي. ليس عجبا انتظار الجماهير الفرج على يد بطل يملك السلطة والقوة، بطل منفردا ومتعال يرد لها حقوقها السليبة[1/111]. تتعمد البرمجة بإصرار الأنظمة الأبوية على تضمين مناهج التعليم ، والتعليم الديني خاصة، بقيم العصر الوسيط، التي اتكأت عليها داعش في تدبير جرائمها. الداعشية الثقافية شائعة في المدارس الدينية وفي التعليم الأزهري بمصر. رغم الحملات الفكرية الممهورة بالتحليل العلمي وبالدلالات الوجودية يلاحظ إصرار على إبقاء مخلفات الماضي في الخطاب الديني.
ركز نصر حامد أبو زيد جهوده البحثية على محاولة إضفاء فهم علمي للنص الديني اتساقا مع كونية الدين الإسلامي ومواكبته للتطور. وقد يبدو غريبا لدى النظرة السطحية ربط الدين بالعلم؛ غير أن الباحث المتمرس رأى بثاقب بصيرته ان "الخطاب الديني ، بكل ما يمثله من توجهات أيديولوجية، وما يعبر عنه من مصالح وتوجهات اقتصادية اجتماعية سياسية، هو الذي يسعى لفرض سيطرته وهيمنته على عقل الأمة وثقافتها"[3/131]؛ حقا، فالإسلام السياسي يحظر على غيره الاجتهاد ."الخطاب الديني المعاصر ، حين يتمسك بالمبدأ الفقهي القديم ‘ لا اجتهاد في ما فيه النص’، وحين يعيد إعلانه وطرحه دائما في وجه اي محاولة للاجتهاد الحقيقي، إنما يعتمد في الواقع على عملية مخادعة دلالية مغرضة، تتمثل هذا المخادعة في استخدام كلمة‘نص’ للدلالة على كل النصوص الدينية –القرآن الكريم والأحاديث النبوية- بصرف النظر عن الوضوح والغموض. وبعبارة أخرى يخلط الخطاب الديني عن عمد وقصد بين الدلالة القديمة التي استخدمها الفقهاء حين قرروا المبدأ، وبين الدلالة المعاصرة التي تسبق الى وعي المخاطب العادي ، فيترسخ في الذهن"تحريم " الاجتهاد، ان يحكم الحصار حول النصوص وينفرد الكهنوت بسلطة التأويل والتفسير" [3/157]. والعطب الكامن في التأويل المغرض للنصوص ناجم عن مقاربة غير علمية للنصوص؛ تنأى بها عن المقاصد الأساس للشريعة ، ما يسفر عن عزلة المجتمع عن ركب التحضر. "ان الكشف عن ظاهر ة إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني يعد خطوة ضرورية لتأسيس وعي علمي بالنصوص الدينية وبقوانين إنتاجها للدلالة. وهذا هو الهم العام الملح الذي يجب علينا أ ن نتوجه اليه إنقاذا لوعينا العام من الانعزال عن حركة التاريخ والتقوقع داخل أسوار الماضي، الذي مهما بلغ بهاؤه وضياؤه فقد مضى وانتهى[3/91].
وضع القاعدة وانتقل الى التطبيقات التفصيلية في الحياة الملموسة . تناول مبدأ الحاكمية كمثال . "التركيب ‘احكم بينهم’ يحيل دلاليا الى أن الحكم مرتهن بقضية جزئية ، هي محل الخلاف ، فلا شمولية في الدلالة للحكم بما أنزل الله بالمعنى الذي يتغياه الخطاب الديني..."[3/131].
يلح أبوزيد على تحكيم العقل في أمور الفقه، وإخضاع النقل للعقل؛ فالعقل هو الأمام وليس مأموما، زود به الإنسان لكي يرشد مسيرته في الأرض. والحياة الاجتماعية محكومة بقوانين موضوعية يتوجب إدراكها من أجل السيطرة على عملية التطور الاجتماعي وتوجيهها. "العلمانية في سياقها التاريخي وفي دلالتها الفكرية لا تعادي الدين؛ ولكن بما انها تعتمد على مبادئ كلية مهمة فهي التي تحرر الإنسان حتى من الاضطهاد الديني. من أهم مبادئ الفكر العلماني انه لا سلطان على العقل إلا العقل، ونقصد بذلك العقل كفعالية ونشاط باستمرار، وليس العقل بما هو معقولات ثابتة كما يتوهم الإسلاميون"[1/92] . "ان الفارق بين القانون العلمي- او الحقيقة العلمية في العلوم الطبيعية- وبين الحقيقة في العلوم الإنسانية ليس فارقا بين ‘العلم’ و‘الإيديولوجا’، بل هو في الأساس فارق بين ‘حقائق’ تجريبية يمكن التثبت من صدقها او كذبها بصرف النظر عن المكان والزمان وبين ‘ الحقيقة’ الثقافية التي تكون صادقة وصحيحة في سياق وضع اجتماعي إنساني محدد بسياق تاريخي متميز[3/ 35]. يؤكد هذه الحقيقة نظرا لضرورة إمعان النظر في الواقع للاستدلال على أسئلته واستنباط الأجوبة من الواقع: "وإذا كانت الأغذية المعلبة والمعاملة كيمائيا، يمكن أن تسيب سرطان المعدة أو الأمعاء ، فإن خطر سرطان العقل ماثل من كثرة تناول المعرفة المعلبة، والمجهزة تجهيزا خاصا على طريقة التأويل العلمي للنصوص الدينية . والنتيجة الطبيعية لكل هذا تأبيد الاعتماد الدائم على المنتج الغربي ، وتحويل العالم العربي –الإسلامي الى مجرد سوق ومنفذ توزيع، لا تقدم إلا الأيدي العاملة الرخيصة غير المدربة للمستثمرين.هذه التبعية الاقتصادية تكرس التبعية الاجتماعية والسياسية والفكرية على جميع المستويات[3/146،147].
ليس من السهل إدراك كنه الاستعمار الثقافي ، كقدرته على تحويل آثاره الى أساليب وعادات ومواقف وصنائع يصعب التعرف اليها مباشرة على أنها وسائل الهيمنة وأدواتها. وهذه الخاصية تبلغ ذروة التعبير عن نفسها في المجتمع الاستهلاكي[1/96]. وحسب تعبير غرامشي، فإن القهر اللاقسري للاستعمار الثقافي يمكن النظر اليه على أنه السياق الأوسع الذي تنهض فيه ثقافة المستعمِر طامسة ثقافة المستعمَر. فعبر القرون استنبتت عادات وأنماط سلوك من شأنها أن تحفظ توازن الفرد أو الجماعة المستلبة ؛ غالبا ما تتمظهر بالكسل الذي يبخس العمل المنتج ويشيع الأساليب الملتوية في الإثراء ، عبر التقرب من ذوي الحظوة ، فيغدو الكسل دليل وجاهة"[2/179]. والإنسان المقهور يحس ان المرافق العامة ملك للسلطة وليست مسألة تسهيلات حياتية؛ و"تغدو القاعدة ان تخرق القانون ما استطعت ، وفي ذلك انهيار لاحترام العلاقات الإنسانية"[2/183]؛ تستفحل الظاهرة، " وينشأ توتر وجودي عام يشهد تدهور الخطاب اللفظي بسرعة الى المهاترة والتحدي والوعيد"[2/184].
يظهر الاستعمار الثقافي في ثقافة الولاء هي البنية الفوقية التي تسند بنية العصبية. وهي تذهب مباشرة إلى النقيض من ثقافة الإنجاز... نظام السلطة الحقيقي هو نظام وجاهة ومكانة، بدلا من اتخاذ السلطة موقعا للخدمة يحولها إلى وسيلة لتعزيز النفوذ الذاتي ونفوذ العصبية التي ينتمي إليها، والتي كان لها الفضل أساسا بوضعه في هذا المنصب . وتتحول علاقات السلطة داخل المؤسسة، بالتالي إلى علاقات نفوذ بدلا من أن تكون علاقة أداء وظيفي.... هكذا تحل علاقات الولاء محل علاقات الأداء... يغدو المنصب وكأنه ملكية خاصة"[1/65]. تبقى ظواهر أخرى للثقافة الأبوية مترسبة بالوعي مجالها المقال القادم. يتبع
1-هشام شرابي: البنية الأبوية إشكالية التخلف في المجتمع العريي
2-مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي سيكولوجبة الإنسان المقهور
3-نصر حامد أبو زيد:النص السلطة الحقيقة الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة
4- مسعود ضاهر:مجابهة الغزو الثقافي الامبريالي الصهيوني للمشرق العربي



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقة المنهجية العلمية مكمن عجز المقاومة الفلسطينية
- كوارث وانتكاسات حصاد تغييب الوعي العلمي
- تنمية التخلف بإهدار سلطة العقل
- الشعوذة في غياب العلم
- المجتمع العربي متخلف لم يألف العلم ولم ينشد الحداثة
- قوى الحرب تصعدالتوتر مع الصين
- كورونا ذكّر البشرية بقيمة الوعي العلمي
- الاشتراكية تفوقت على الرأسمالية فهل تقر الأخيرة بهزيمتها؟
- تجربة الصين في تنمية قدرات العلم وتعميمها
- ألانحطاط الفاشي: عنصرية إرهاب إفقار جماعي وتزييف الوعي
- للانحطاط الفاشي للرأسمالية في مواجهة وباء كورونا
- كورونا جمح بين خرائب الليبرالية الجديدة
- ثغرة في جدار الأبارتهايد
- كبف ألغى الليكود حق تقرير المصير لشعب فلسطين
- ما يمكث بالأرض وما تطويه الأراشيف
- ألأبارتهايد جوهر الصفقة ووسيلة للطرد الجماعي
- توليفة الامبريالية- الفاشية - الأبارتهايد
- إيحاءات وعد ترمب واصدائه
- ذكرى انتفاضة مغدورة
- تحرير العقل شرط لزم لتحرير الوطن والمجتمع


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية - سعيد مضيه - تحت مجهر العلم هدر الإنسان ..هدر الثقافة