أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - لص القمر سنمار الإخباري















المزيد.....

لص القمر سنمار الإخباري


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 14:24
المحور: الادب والفن
    


ا
من رواية " لص القمر سنمار الإخباري"
السائحُ الأعور

الإهداء إلى ..
"سنمار الإخباري"
عطر روحٍ لم تَمْت رغم ارْتَحالِ الجسد
على بعدٍ مُسْهبٍ من تلالٍ وجبال خاويةِ الرؤوس مع نهر صافٍ أبلج وسلسلة وديانٍ عميقة، يرتخي على أطرافها بساطٌ أخضر مع غاباتٍ من الأشجار تربض في أعلى قمتها الوارفة مدينة الحيرة الخورنقية عاصمة المملكة النعمانية بسدِّها العظيم من مخزون المياه العميقة والتي أناخ على عرشها ملكٌ أعور يُدعى بالسائح، وبعضهم لقبه بالعابد لزهده كما يشاع حيناً، تهيأت له كلُّ نفائسِ الأرض مكتظةً، وتيسرت لديه كافةُ عطايا السماء وحَشْدٌ من العبيد والذهب والجيوش، حراسٌ، جوارٍ، زوجاتٌ، قصورٌ وخيول، جلادون وضحايا، قرى متراميةُ الأطراف رمادية اللون مسهبةٌ في الجنوب يسكنها المهمشون والمومسات، موبوءون ومعدمون، كناس بلا أجور، وعمالٌ محطمون، وعلى الضفة الأخرى في الشمال مُدْنٌ وافرة زهرية اللون يقطنها الوزراء والحراس، تجار ورجال مالٍ وأعمال، النبلاء والوجهاء وبعض العاهرات الراقيات النقيات ذواتِ الروائح الزكيةِ والملابس الزاهية والأصباغِ المشعة بالألوان الباهرة حتى لتظن أن الواحدة منهنَّ قوسُ قزح. حفلت كل تلك الأطراف في هذه المدينة التي انْبَجست منها موجةٌ ساخطة من البشر المعتوهين المتسللين من فوهة الضاحية الضبابية عن فجوة بأطراف البحيرة النائية، مدينة الماء والخراب، منها سالت السدود وطفقت الأنهار بالفيضان وتصاعدت أبخرة غريبة إثر آخر زلزال أحمق عصف بالأخضر واليابس، ما جعل الملك الأعور الملقب بالسائح يكفر بالطبيعة وبالسماء والآلهة ويعرب لمن حوله عن رغبته في مقارعة هذه الموجات المدمِّرةِ من الطبيعة ببناء قصرٍ يمتد على مدى البصر لا تحده حدود ولا تعصف به رياح، ولا يخرُّ منه مطر مدرار، قصر كأنه ملكوت الله يعلو فوق ربوة المدينة ويطل على الجبال الشاهقة ولا تمتد له يد المتمردون لشدة علوه في السماء.
يوصف الملك الأعور، بالمتوسطُ القامة ذو الحدبة الصغيرة غير الناتئة، بالجميل، ويُلقب بالسائح نسبة لسلالة السائح الأول، وجهه الجذاب لم يُخفِ لون البشرة المخضبة بالبثور، تبرز منه عينان رماديتان متقدتان تخفيان وراءهما فطنة فطرية، يحدق من خلالهما كلَّ صباح من نافذة قصره التي دمِّرت أجزاءٌ منها نتيجة الزلزال الأخير، يُشيِّد في رأسه المدور عبر مخيلته المتشعبة ذات الأفق الواسع، خريطةً مترامية الأطراف للقصر الزاهي المحلِّق فوق الجبال والذي رَسْمُه أبعد من خيال البشر. وضع له أعمدةً باسقة كأنها أوتادُ السماء غير مرئيةٍ تحمل القصر السحري المتخيل سامقاً، رفيعًا بالبذخ، بعيدًا عن وطأة البشر، معضلةٌ لعينة فحسب حدت من خياله وحاصرت رأسه وسيَّجت عقله بطوقٍ من الشك جعلته يهذي الليل بالنهار، أين يجد في العالم هذا المهندس الملعون الذي يستوعب عقله مثل هذا الزخم من الخيال ويملك الرؤية لتصميم قصرٍ كالذي يطوف شبحُه في باله طوال الوقت من دون أن يكرر مثله أو يصمم لغيره من ملوك الأرض؟ قصرٌ آيةٌ في السحر لا يفوقه بهاء حتى سقف السماء، لا يكون مثله لأي ملك أو حتى إله غيره.
اتفقَ أن الملك الأعور الذي أعدم على الفور بدمٍ بارد كلَّ من تفوه بكلمة أعور، قد دأب على مقارنة نفسه بملوك أباطرةِ الشرق والغرب حتى لا يجعلَ من أحدهم يفوقه خيلاء وعلواً، فهو شديدُ البأس على شعبه وضاري الحدة على وزرائه وعاطفي القلب مع نسائه وجواريه، وهذا ما حرضه في ظنه على الارتقاء بذوقه الجمالي في بناء قصر خرافيّ لا وجود له في العالم، فسعى جهده يتقصى ويسأل ويبعث الرسائل عبر أرجاء المملكة مناشداً الأمة التحري له عن مهندسٍ معماري لتصميم قصره المأمول وعيَّن جائزةً نفيسة لمن يجد هذا المهندس القادر على تحقيق حلمه. ظلت المناشدات تتطاير في الهواء بين أنحاء البلاد وتنتشر بين كافة العباد، لكنَّ الوقت مضى، والبحث جار ولم يجرؤ أحدٌ على التقدم رغم انتشار المهندسين بالآلاف، إلا أن حلم الملك في قصر كالذي اشترط تصميمه جعل الرعب يتسرب لشرايين الجميع من أن يخفقوا في تلبية طلب الملك السائح الذي عُرف بغدره ودهائه مع كل من خاب في أدائه، وخشية ذلك جرى البحث عن المهندس بين الناس بسرية تامة مهابة التورط مع طلب الملك الباهظ والشاق، كانت الحيرة بين الطرفين، الناس والملك ومعضلة المهندس الأشبه بالنبي المنتظر. كان البحث عن هذا المصممِ المعماري كالبحث بيوم قيام الساعة، لا شيء يدور في المدينة ولا حوار يجري بين الأهالي ولا أخبار في المجالس والدواوين سوى عن مهندسِ قصر الأحلام الأسطوري الذي وعد الملك الأعور ببنائه له وإهدائه باسمه للشعب شرط هو وحده من يسكن فيه. قبل الناس ذلك لأن لا خيار لهم آخر، وقبلت الحاشية لأنها أول من طبَّل وزمر لحلم الملك الخرافي، أما أولئك الذين يُطْلق عليهم المتوحشون ويعيشون منبوذين خارج سياج المدينة والمتخفون في تضاريس الجبال والوديان ويقومون بحفر الأنفاق للوصول لقصر الملك، فقد أعلنوا أنهم سيشنقون الأعور قبل أن يبني قصره المزعوم، لكن ذلك التصريح منهم جعل الملك يغرق في موجةٍ عارمة من الضحك ويعلق ساخراً.
"أنا بانتظارهم الموبوءون"
بمرور الوقت شُغلت المدينةُ الواقعة على رقعة الجبل الأكبر من سلسلة الجبال البيضاء ذات الرؤوس الضبابية المكسوة ببساطٍ زراعي أخضر، بأكثر من خبر.
في البدء أُعْلن عن تنصيب وليٍّ للعهد ويدعى السائح الثاني لكن سرعان ما لقبه الناس سراً بالأعور الصغير، لم يكن ولي العهد ذو مكانة أو معرفة بالعالم، اختاره الملك فجأة إثر نزوةٍ عابرة لم يفهم من حوله مغزاها إلا أن البعض قد فسرَ الأمرَ على أنه مجرد وليٍّ صوريّ للعهد لأنه من تقاليد المملكة منذ توالي العروش عليها. اعتاد سكان المملكة بانقلاب ولي العهد على الملك، فاعتزم الأعور منذ جاء الحكم نزع هذا التقليد من روزنامته خشية نزعه هو عن العرش إلا أنه مؤخراً بعد أن اجتاحه هوسُ القصر الأسطوري أخذ وكمن أصابته لوثةٌ يفكِّر بتأمين وليٍّ صوري للعهد لا يفكر بالانقلاب عليه وبذات الوقت لا يترك مصير المملكة عرضة للصراع بين الأبناء والأشقاء، حتى والده الذي ما زال حياً يُرزق والمنفي بقصرٍ محصَّن فوق أحد الجبال النائية ويحرسه عددٌ من الجند الذين تولوا فرض الإقامة عليه من دون خشية أن يرشوهم لكونهم كانوا من ضحاياه فاختارهم ابنه الأعور الحالي ليقيموا عليه الحراسة بدافع من الانتقام.

****



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتحار الرواية!
- فاسفود ثقافي!
- احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة
- من رواية -ليلة الفلفل في لوغانو-
- لقاح ضد الكورونا الثقافية!
- نبض الكيبورد في حديقة الكتابة
- رواية يسرا البريطانية - صدرت عن دار الفارابي
- زمن الرواية - الحجّ الأدبي
- فساد ثقافي -تلوين الثعابين الثقافية في حفلات الزار الراقصة** ...


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - لص القمر سنمار الإخباري