أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسلام الجبالي - تشكيل المعنى في أعمال الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي















المزيد.....

تشكيل المعنى في أعمال الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي


إسلام الجبالي

الحوار المتمدن-العدد: 6285 - 2019 / 7 / 9 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


تشكيل المعنى في أعمال الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي

اذا اختلفت وسائل التعبير من زمن إلى أخر ومن بيئة إلى أخرى, فيبقى البحث عنها هدفا في حد ذاته منذ بدايات الإنسان الأولى, وإن كانت هذه الوسيلة مكتوبة أو مقروءة أو حركية أو إشارية فكلها تندرج ضمن "لغة" التواصل. ويعتبر وصول الإنسان إلى اكتشاف "اللغة" قد فتح أمامه الباب الكبير للتعبير عن أولى مشاعر ه وانفعالاته وأحاسيسه وهواجسه وكل ما يجول في خاطره ويحدد علاقته مع بني جنسه وبيئته.
وتعتبر أولى الخطوات التي اتخذها الإنسان منذ بداياته كوسيلة للتعبير هي الرسوم على جدران الكهوف التي كانت تعبر عن أشياء لها علاقة بالمجتمع أو الدين أو كانت تحمل طقوسا معينة, إلا أن المخفي في هذه الرسوم هو أنها كانت تشكل أولى مراحل الكتابة أو بالأحرى كانت تمثل أولى الأبجديات القادرة على التواصل والتعبير والتي تطورت طبيعيا بتطور الإنسان وارتقاء فكره وبذلك فاكتشاف الأبجديات منذ بداياتها كأشكال مرسومة وحتى وصولها إلى أشكال في أعلى مراحل التجريد في الشكل تعتبر أكبر مراحل تطور التواصل الإنساني.
وإن كان اكتشاف الأبجدية ومن ثمة اللغة بمثابة الوعاء للفكر ووسيلة ثابتة لنقل المعارف والعلوم عامة, فإن الحروف العربية لم تبقى رهينة لنقل تلك الأفكار فحسب وإنما ظهرت عبر عدة قرون بأشكال متعددة وبأنواع مختلفة وبين البيئة العربية وما تفرضه الثقافة
والعقيدة الإسلامية من قيم تشكل المبادئ الأساسية للإنسان, أصبح بذلك لهذه الأشكال المتعددة من الخطوط قيم جمالية لها ضوابطها وتقاليدها ومنطقها الجمالي الخاص بها.
وفي ضوء ذلك يستلهم العديد من الخطاطين والفنانين التشكيليين أعمالهم الفنية من الخط العربي بمنطقه الجمالي الخاص, ولكل طريقته في الإستلهام من الخط العربي ومنهم الفنان نجا المهداوي وهو تشكيلي أكاديمي تونسي من مواليد 1937 , لا يعرف نفسه كخطاط أو حروفي بل كرسام يعشق الخط العربي ويوظفه في أعماله العديدة. هو فنان حائز على جوائز عديدة عربية وعالمية ذاع صيته من المحيط إلى الخليج ومن طوكيو إلى باريس ونيويورك. أعماله العديدة لا تدل على موهبته الفريدة فحسب بل على عبقرية تمكن من خلالها من فرض نفسه وأسلوبه الخاص به المتفرد كأيقونة في الفن التشكيلي العربي المعاصر.
يجدد نجا المهداوي صيغة الفن البصري بمرجعية عربية إسلامية, فهو يؤكد في كل أعماله الفنية على توظيف العلامة الخطية التراثية مع استعانته بفنون الطباعة التي درسها في روما (ما يسمى بفن الغرافيك) كما يتمسك بتوجيه الأداة التي يستعملها في لوحاته إن كانت قصبة أو فرشاة على أنها أداة خط, فهو يصر على استعادة فعل الكتابة كفن.
والمتأمل في أعمال نجا المهداوي يدرك أنه لا يركز على الكتابة التي تستدعي القراءة بل هو يتجاوزها وينزاح عن القراءة اللفظية الشفهية ليعمد إلى إدراك نسق الحركات المأخوذ عن تنسيق الخط من خلال تركيبة ألصنائعي العارف والحاذق لأصول وتقنيات الخط. فهو
يستغل كل حركات الخط من تعرجات واستدارات وانحناءات, ليتحول بالكتابة من حقلها اللغوي إلى حقل تشكيلي يسيطر عليه الإيقاع البصري والحركة, وهنا يختلف نجا المهداوي عن الخطاط الكلاسيكي فهو يكشف عن خطوات إبداعية في التشكيل الحروفي المعاصر ويساهم بوضوح في تجسيد حلم العودة إلى إرث الخط العربي والاهتمام بجماليته وإمكانياته, فالفن الذي يقدمه نجا المهداوي كان ولا يزال الفن الذي ينفتح بقوة على سحر الشرق, فمنبعه الأساسي هو ذلك المناخ الفني المتوارث والمتفرع حسب القواعد والأصول والضوابط. فهو يرى في الحروف العربية المحفز الدائم على الابتكار والخلق وهو قابل للتشكيل وفقا لكافة الأساليب الكلاسيكية والحداثية. وكما يقول الدكتور عفيف بهنسي:"لقد كان هم الفنانين العرب المشترك, الحفاظ على الذاتية العربية في الفن التشكيلي لتحقيق خصوصية الرؤية في الابداع والتلقي." ومن هنا سعى نجا المهداوي إلى تقديم الحرف العربي ضمن صياغة خاصة تميزه عن غيره من الفنانين تظهر قيمة الحرف في تشكيل اللوحة وفقا لرؤية تنبني على الوعي المعاصر لقدرات الحرف الدلالية والتشكيلية.
يحاول نجا المهداوي استغلال كافة الإمكانيات التشكيلية للخط, فنلاحظ أن جل أعماله ترتكز على المزج بين ليونة وصلابة الخط بين الامتداد والاستدارة, بين الملأ والفراغ, بين المنتظم واللا منتظم. وكما يقول شربل داغر في كتابه الحروفية العربية فن وهوية عن الفنان نجا المهداوي: "هو لا يكتب, بل يخط, يعود إلى الحروف أو مجزوءاتها, وإلى كسور العبارة, مثل مادة حية, يطوعها ويشكلها كيفما يشاء , فنه يشير إلى العربية, يومئ إليها, دون أن يوضحها. خطوطه تحيل إلى الطرز والأقلام المعروفة, الهندسية كما المائلة, من الكوفي حتى النسخي...أبجدية مستنبطة من الخطوط العربية..."
فهو ينوع في صلب الممارسة التشكيلية الواحدة في الإمكانيات التشكيلية للخط العربي كما نراه ينوع في نوعية الخط الموظفة كالكوفي الذي يتميز بنزعة هندسية بحتة والنسخ الذي يتميز عكس الأول بالليونة الواضحة, وخط التعليق والديواني...إلخ يستعملها بتصرف منه فيبتدع في ذلك وحدات خطية غرافيكية تتصل أحيانا وتنفصل في أخرى تمتد تارة وتنخفض طورا تتراسل فيما بينها لتكون أساسا وحدات خطية ليست بالأساس حروف ولكن على هيئة الحروف, يستعملها مباشرة فوق مساحة الحامل مثلما يخط الخطاط حروفه على محمله تماما ولكن يبقى الاختلاف بينهما في الوضع وفي الهيئة البصرية النهائية :"حروف تتناسل مع بعضها البعض. حروف مخطوطة بجودة واتقان وتنميق, وهو يستدعيها في محاكاة الشكل الإيقاعي للنصوص المكتوبة... يحاكي الشكل الإيقاعي, كما يحاكي المخطوط القديم نفسه, بشكله القالبي, كما بتوزع الكتل الخطية فيه." شربل داغر
فشأن نجا المهداوي كشأن جميع الحروفيين الذين تتعدد أصنافهم وأساليبهم في تناول الخط العربي وصياغته المضمنة في اللوحة, وقد قام في هذا الصدد الكاتب التونسي محمد عزيزة بمحاولة تصنيفية لهذه التجارب, فوجد أنها تتوزع إلى ثلاث جماعات:" جماعة متقيدة وملتزمة بالحرف بصورة تقديسية, لدرجة أنها تحتفظ على معنى الحرف أو الكلمة التي تستعملها, كما أن هذا الحرف يبقى معروف الهيأة ومقروءا. وهناك جماعة أخرى تتصرف بطريقة أكثر حرية فيحاولون تبديل المظهر المرئي والمقروء والمعطى مباشرة للحرف مركزين على معناه الرمزي. أما الجماعة الثالثة فهي أكثر جسارة (من الجماعتين السابقتين), يفقد الحرف بنيته, كما أنه يختزل إلى مادة تعبيرية وحسب, مندمجة في تأليف تشكيلي, يتأكد فيه الوجود المستقل للعمل الفني."
وهكذا تتجاوز الحروف والخطوط الموظفة في أعمال نجا المهداوي في إيقاعاتها المتنوعة والتي تتفاوت بين ماهو هندسي صارم وبين ماهو إنسيابي معنى الإستقراء المباشر والواضح إلى ماهو فوق المعنى الظاهري, في بعد جمالي وروحي, حيث تتحول الحروف في أعمال نجا المهداوي إلى لغة تشكيلية وجمالية تفصح عن مكنونات وخصوصيات الأبجدية العربية. وهذا يذكرنا بما قاله الدكتور الحبيب بيده: "أجل إن الخط بما هو عنصر هندسي والخط بما هو كتابة دالة عن المعاني, هندسة وهي ليست هندسة مكانية فضائية, بل هي هندسة روحية حاملة للمعاني, راحلة بها عن الأمكنة والأزمنة, مخترقة بها أجواء الذاكرة وملتحمة بها, هي هندسة حاملة للتصور والصور بكل أشكالها الحسية والخيالية والكونية."
كما تعتمد لوحاته من الناحية التقنية وسائل التشكيل بالحبر الهندي أو الأكريليك على الجلد أو على القماش, كما يقدم أعمال طباعة حريرية على الورق وهو في تجاربه المتنوعة

يجعل المساحات الهندسية الملونة تتحاور مع حركات الحروف المختلفة التي تكون في أغلب الأحيان سابحة في أجو اء اللون الأسود والرمادي رغم حضور الألوان في أحيان كثيرة عبر العناصر الهندسية. فهو يستخدم الحرف والخط العربي عموما كتشكيل للمعنى الفني وكإيقاع تشكيلي وجمالي خالص, بمعنى أن استخداماته المتنوعة لأشكال الخطوط
وحركات الحرف يتجاوز دلالة الكتابة المقروءة ليصبح هاجسه الأساسي والرئيسي الدلالة التشكيلية التي تمنحها الحروفية التجريدية من خلال بناء لوحة تشكيلية تتداخل فيها الإيماءات الحركية للحرف والخط.
فاستنادا إلى ذلك يمكننا القول بأن الحروفية بهذا المنحى تستند إلى المعطى اللغوي في جميع تمثلاتها سواء أكان ذلك حرفا أو جملة أو نصا, ليغدو بالتالي هو نقطة الانطلاق في اللوحة, ينطلق منها الفنان ليجعل منها مادة بصرية للتشكيل. وكما جاء ذلك في كتاب الحروفية العربية لشربل داغر: " إن هذه الصلة باللغة العربية جلية في بيان "البعد الواحد" حيث يتم التأكيد على أن "الحرف الكتابي" تحديدا هو نقطة "الانطلاق". ذلك أن ممارسة الحرف هو وسيلة لغوية بحتة في الفن التشكيلي, تبدأ في الأصل عند الفنان الحديث كمناورة ادبية لتكوين مناخ جديد زاخر بإمكانيات رمزية وزخرفية معا. وهو ما يضفي على الفن بعدا جديدا لم يكن الفنان قد ألم به إلا منذ وقت قريب. بيد أن مشكلة الحرف كقيمة تشكيلية بحتة وليس كبناء موضوعي مجرد... ومن هنا كان الكشف عن أهميته "كبعد" وليس "كموضوع", ليصبح الموضوع الأساسي للحرف هو الحركة والاتجاه ليصبح البعد الواحد "كفكرة" يقصد به اتخاذ الحرف الكتابي نقطة انطلاق للوصول إلى معنى الخط "كقيمة تشكيلية صرفة".
تجربة نجا المهداوي الذي أخذ الحرف كقيمة غرافيكية لها ممارساتها الشكلية المنحنية والمتكسرة التي أخذت من إيقاعات الحرف وسيلة للتشكيل. كما اعتمد المهداوي على عديد الخطوط كالخط الكوفي أو بعض أنواع الخط الديواني ليخلق منها حقول نغمية غرافيكية, فقد لعب الفنان على ديناميكية وحركية الحرف وعلى قوة أشكاله, فأعاد تشكيله دون الخروج عن الحدود البصرية الجمالية. فتعتبر أعمال المهداوي خلقت جسرا بين الماضي والحاضر مع البقاء في حدود المنظومة اللونية على الرغم من إعادة هيكلته للنظام الداخلي للأحرف, فنجا المهداوي يزاوج في أعماله بين الصرامة التقنية والرجوع إلى التراث في أعمال خطية تبتكر نظاما للحروف وأشكالها بصيغ جديدة.
ويبقى التشكيل الحروفي أحد المغريات الآسرة لدي الكثير من التشكيليين العرب الذين وجدوا لمسارهم الإبداعي في هذا النسق مقدرة على تحقيق شيء من الخصوصية و الانعتاق من الأساليب والمدارس الغربية إلى حد ما.



#إسلام_الجبالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور الفنون البصرية في ضوء المستجدات التكنولوجية
- أعمال الفنانة التشكيلية أمل نصر: نسيج تجريدي تعبيري يجمع بين ...
- الفن التجريدي في مصر:مراوحة بين التجريد الحديث والمعاصر وبين ...
- الصوفية والتجريدية : تحرر من المادة وانسياق نحو المطلق


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسلام الجبالي - تشكيل المعنى في أعمال الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي