أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - فاتحة مرشيد : تقتل الأب كي يحيا الإبن














المزيد.....

فاتحة مرشيد : تقتل الأب كي يحيا الإبن


حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)


الحوار المتمدن-العدد: 6168 - 2019 / 3 / 9 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


مهما كان موضوع الكلام ، فإن هذا الموضوع قد قيل من قبل بصورة أو بأخرى
- باختين
هناك مقاطع في نصوص روائية عند اطلاعنا عليها نستحضر تلقائيا نصوصا أخرى قمنا بقراءتها في وقت من الأوقات ، فلنأخذ مثلا المقطع الذي في رواية مخالب المتعة للكاتبة فاتحة مرشيد والذي يحكي فيه الأستاذ إدريس الرسام لأمين الذي جاء لزيارته في بيته قصة تلك الرسامة المشهورة ، التي زار أحد معارضها ناقد كبير يُحسب له ألف حساب ، وقال لها ببرود وعجرفة أن لوحاتها ينقصها العمق ، فانقلبت إثر ذلك الحكم حياتها رأسا على عقب وبدأت تبحث عن العمق الذي ينقصها بدون جدوى ، فقدت عفويتها وأصيبت بالاكتئاب وأصبحت تبحث في الكحول والمخدرات عن إشرقات توصلها للعمق المنشود فيما تنحدر يوما بعد يوم إلى أعماق الضياع ، لم تعد قادرة على الرسم وساءت حالتها المادية وأخيرا صعدت سطح عمارة عالية وأقدمت على الانتحار وعندما وصل خبر انتحارها إلى الناقد الكبير قال ببرود وعجرفة ألم أقل لكم ينقصها عمق
فالقارئ عندما يقرأ هذا المقطع يذهب ذهنه تلقائيا إلى قصة هوس العمق للكاتب باتريك زوسكيند هذه القصة التي يحكي فيها كاتبها قصة مشابهة تماما وان اختلفت قليلا عن ما يحكيه الأستاذ إدريس ، وهي قصة سيدة شابة من شتوتجارت أقامت معرضها الأول فعلق أحد النقاد على ذلك " أعمالك مثيرة للاهتمام وهي تدل على موهبة حقيقية ولكن ينقصك العمق " لم تفهم السيدة ما يقصده الناقد وسرعان ما نسيت ملاحظته ، بعد يومين نشرت إحدى الصحف مراجعة نقدية بقلم الناقد نفسه يؤكد على موهبتها لكنه يتأسف لأنها تفتقر إلى بعض العمق . وعلى مدى أسبوع لم ترسم شيئا ، كانت تجلس صامتة وتطيل التفكير ، بينما سؤال واحد يطوق كل الأفكار الأخرى ويلتهمها " لماذا ليس لدي عمق " وفي الأسبوع التالي حاولت الرسم لكنها عجزت عن ذلك ، و بدأت تنتحب وتصرخ بالقول "فعلا ليس لدي عمق" أضحت غريبة ، لا تام إلا إذا تناولت أقراص النوم ، ولم تعد ترسم وعندما يتصل بها وكيل أعمالها تصرخ في الهاتف " دعوني وشأني .. فأنا ليس لدي عمق " ، وفي النهاية صعدت إلى أعلى برج وأقدمت على الانتحار وفي مجلة نقدية ظهر مقال للناقد نفسه يؤكد أن تلك الفنانة كان لا بد أن تلقى تلك النهاية البشعة . فأعمالها كانت تدل على ذلك .
ماذا نسمي هذا ؟ سيقول قائل ما ، إنه انتحال ، إنها سرقة أدبية مكشوفة وسأقول أنا لا داعي للتسرع وإطلاق الأحكام هكذا ، مثلما فعل صديق لي عندما اطلع على الرواية ، فالأمر ليس كذلك ، إن هذا المقطع يمكن إدخاله ضمن التناص ، الذي هو حسب الباحث المغربي سعيد يقطين نوع من أنواع التفاعل النصي ، والذي أجازف بالقول أنه يعني من بين معاني أخرى ، إذ ليس هناك تعريف جامع مانع لمفهوم التناص ، احتواء نص أدبي على نصوص وأفكار سابقة عليه .
والتناص كمصطلح ظهر في فرنسا على يد الباحثة جوليا كريستيفا إذ أنها استخدمته في مقالاتها التي أصدرتها في مجلتي " Tel Quel" و " Critique " .. ثم انتشر في باقي بلدان أوروبا وأمريكا وبعدها انتقل إلى عالمنا العربي ، لكن من مهد لظهوره هو الناقد ميخائيل باختين الذي يرى أن تداخل النصوص أمر حتمي في الرواية . ويعتبر رولان بارت أن التناص قدر كل نص ، مهما كان نوعه وجنسه . فكل نص هو تناص .
ومن المفيد الإشارة إلى أن الكاتب وهو يستعمل التناص فذلك غالبا يكون بشكل لا واعي وغير مقصود ، لكن أحيانا أخرى يكون الأمر مقصود وبشكل واعي ومخطط له أي يوظف نصوص سابقة في نصه لإيصال فكرة ما .
والكاتبة فاتحة مرشيد استخدمت ذلك المقطع الذي أشرنا إليه أعلاه ، بشكل أقول أنه مقصود ، وذلك أولا من أجل اغناء وإثراء الرواية ـ وثانيا فهي وظفتها من أجل إيصال فكرة أن النقاد لا يعرفون شيئا ومع ذلك يطلقون الأحكام هكذا بشكل سريع ومتسرع بدون أن يعوا أن لهذه الأحكام تأثير يمكن أن يكون مدمرا لحياة المبدع .
فهذا المقطع إذن قد خدم النص ، إذ أنه جاء إجابة عن سؤال أمين للأستاذ في عدم إقامته معرض للوحاته ؟ وبالتالي لم تدمجه الكاتبة في نصها فقط لأنها تريد إدماجه ، بل وجوده كان مهما : إجابة عن سؤال ، استجابة لحاجة ، خدمة للنص . !!!
سيقول قائل : لماذا لم تُشر الكاتبة إلى صاحب القصة مثلما تشير إلى العديد من الشعراء والكتاب في رواياتها .
وسأجيب قائلا أن موت الأب، أي المؤلف ، كان أمرا لا مفر منه .. ومن أجل توضيح ذلك ، سأعود إلى البداية على سبيل الختم ، وهي أنني عندما كنت أقرأ واصطدمت بالقصة موضوع المقال ، لفتت انتباهي العبارة التي ابتدأ بها الأستاذ سرد قصته " كان يا مكان في زمننا الحديث رسامة في عز شبابها ".
وهي عبارة تذكرنا بحكايات ألف ليلة وليلة التي تسردها شهرزاد على ملك شهريار ، وأيضا بحكايات الجدات لأطفالهن ، هذه الحكايات التي تتميز بأنها مجهولة المؤلف ، إذ لا أحد يعرف من صاحب هذه الحكايات . فالمؤلف منسي قد التهمته بطون التاريخ، وأظن وقد أكون مخطئا ، وأنا مخطئ لا محالة ، أن الكاتبة عندما تفعل ذلك ، أي عندما تستدمج قصة هوس العمق للكاتب باتريك زوسكيند في نصها بدون أن تشير إلى الكاتب وتبتدأ القصة بهذه العبارة " كان يا مكان في زمننا الحديث رسامة في عز شبابها ". فهي أكاد أقول أنها تفعل ذلك لغاية محددة ، وهي تحرير القصة من مُؤلفها باتريك زوسكيند ، تفك قيودها عنه ، تفصلها عن صاحبها ، تنتقل بها من المكتوب إلى الشفوي ، تقتل صاحبها رمزيا لكي تصبح القصة ملك الجميع ، وبهذا فهي تجعلها مرنة ، إذ ما الذي تتميز بها قصص الجدات ؟ بالطبع مرونتها . فغياب المؤلف يجعلها قابلة لأن تتخذ أكثر من شكل ، فالجدة وهي تحكي القصة للمرة الألف لأحفادها ، فهي تضيف وتحذف وتعدل وتنقح وبذلك تصبح كل قصة مختلفة عن القصص السابقة وإن كانت نفس القصة !!!



#حمزة_الذهبي (هاشتاغ)       Hamza_Dahbi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يصبح سؤال ماذا تفعل ؟ سؤال مرعب .
- المرأة السوداء في المغرب والعنف المزدوج
- الإبداع يولد من رحم المعاناة – دوستويفسكي نموذجا .
- رواية العريس للكاتب صلاح الوديع باعتبارها شكل من أشكال التعب ...
- رواية الحي الخطير : ليس هناك أي مخرج
- الروائية فاتحة مرشيد : ممارسة الجنس أمر محفز للإبداع


المزيد.....




- باستخدام الدم وقشر البيض ويرفض الأدوات الحديثة.. هذا الفنان ...
- إطلاق مشروع ترجمة خطبة -يوم عرفة- بـ34 لغة
- نجم أمريكي يثير الجدل بعد تقبيله علم فلسطين خلال حفل ضخم في ...
- ظلال سايغون.. كيف تعيش فيتنام حربها بعد نصف قرن؟
- فنانة تُجسد لحظات الأمومة الحميمة من خلال لوحات معبرة
- راهبتان برازيليتان تفاجئان مقدم برنامج ديني بالرقص والغناء
- 37 مليون جنية في أسبوع واحد بس! .. ايرادات فيلم مشروع اكس بط ...
- -أريد موتًا صاخبًا لا مجرد عدد-.. ماذا قالت بطلة فيلم وثائقي ...
- هونر تشعل المنافسة بين الهواتف العملاقة بهاتفها HONOR X9c ال ...
- -صحفيو غزة تحت النار-.. فيلم يكشف منهجية إسرائيل في استهداف ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الذهبي - فاتحة مرشيد : تقتل الأب كي يحيا الإبن