أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - أيها المُعرضون عن الكلام














المزيد.....

أيها المُعرضون عن الكلام


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6134 - 2019 / 2 / 3 - 19:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُمكننا القول بأن الحامل المهم في مشروع جمال الدين الأفغاني هو الجرأة في الاقتحام عبر صوت صارخ في البرية تردد صداه في هذا الرجع البعيد الذي ننتظر انبثاق فجره الجديد, فقد آن أوانه. وحين اقتربت من شخصيته ذُهلتُ من جرأته وعلو صوته في وجه الحُكّام في عصره..
1
كان في حضرة قيصر روسيا في أحد الأيام, فسأله عن سبب خلافه مع ناصر الدين شاه إيران, فقال: "إنه الحكومة الدستورية المنتخبة من الشعب حيث أدعو إليها, ولا يراها الشاه". فقال القيصر: "الحق مع الشاه, فكيف يرضى ملك أن يتحكم فيه فلاحون أجلاف هم أقنان في مملكته؟". فرد الأفغاني قائلاً: "أعتقد يا جلالة القيصر أنه خير للحاكم أن تكون ملايين رعيته أصدقاء له من أن يكونوا أعداء يتحينون له الفرص". لم يعجب هذا الكلام القيصر ونهض من مجلسه علامة الأذن للأفغاني بالانصراف. وحين كان جمال الدين الأفغاني في ميونخ سعى بعض الساسة من الألمان لرأب الصدع بينه وبين شاه إيران ناصر الدين, فحضر هذا الأخير إلى ميونخ وأقنع الأفغاني بالعودة معه إلى إيران لترأس الحكومة.
2
كانت أهداف الأفغاني وتطلعاته فوق ما يقبل به حاكم طاغية مستبد, وقال مخاطباً جمال الدين الأفغاني: "يا سيدنا, إنك قد أتيت أهلاً, ونزلت سهلاً, فقل الآن ما تريد, وما تطلب مني أن أفعله" فرد جمال الدين: "أريد شيئين, أذناً صاغية تسمع ما أقول, وإرادة قوية تأمر بإجراء ما سمعته". ذُعر الشاه من فكرة الحكم الدستوري فقال له جمال الدين: "إن تاجك وعظمة سلطانك وقوائم عرشك سيكونون بالحكم الدستوري أعظم وأنفذ وأثبت مما هو الآن, فاسمح لإخلاصي أن أؤديه صريحاً شجاعاً قبل فوات الأوان". لكن الشاه تهيب من جرأة الأفغاني وشرع يضع أمامه العراقيل, فبدأ بنقد الشاه علناً, وقال في حضرته: "إن الفلاح والفاعل والصانع والحرفي في المملكة يا حضرة الشاه أنفع من عظمتك ومن أمرائك, لاشك في ذلك, ولا بد أنك رأيت وقرأت عن أمة استطاعت العيش دون أن يكون على رأسها ملك, ولكن هل رأيت يا عظمة الشاه ملكاً بلا أمة ورعية؟".
3
وفي آذار سنة 1891 اتفق رأي البلاط الإيراني على طرد جمال الدين الأفغاني من البلاد, وقد تم هذا الأمر بصورة فظة بالغت الحد في قسوتها ومهانتها, فقد اقتحمت قوة من خمسمائة جندي الدار التي ينزل بها جمال الدين, وألقوا عمامته أرضاً, واقتادوه في شتاء قارس بلغ ارتفاع الثلج فيه إلى الركبتين, وكان الرجل مريضاً يعاني سكرات نوبات الحمى التي تحدث عنها المتنبي في إحدى قصائده. كانوا يغيرون حراسه في كل منزلة من منازل الطريق حتى لا يتعاطف الحراس مع هذا الرجل العظيم الذي أركبه الطغاة حماراً, وكلما اشتد البرد طرقوا منزلاً بالطريق, ونادوا أهله: "افتحوا الباب فنحن جنود مكلفون بسوق أحد المجرمين" وحين وصل بعد ذلك إلى الأستانة استرجع لمريده وأصدقاءه هذه الصورة القاتمة قائلاً: "أيها السادة لقد كنت أنا ذلك المجرم. وعجبت من نفسي القاسية أنها لم تمت بهذه الشدة ونجوت من الهلاك".
4
كان خبر طرد جمال الدين من إيران قد وصل إلى العراق. وفي بغداد استقبلته السلطات العثمانية, ونفذت أوامر الأستانة بنقله من بغداد إلى البصرة لترحيله عبر البحر إلى مكان آخر. وفي البصرة التقى بأحد المنفيين الإيرانيين وحملَّه رسالته الشهيرة التي طبعها في لندن فيما بعد تحت عنوان "حجة الله البالغة وحملة القرآن" وقد وصلت الرسالة إلى عالم الشيعة الحاج "محمد حسن المجتهد الشيرازي" وقد فضحت الرسالة سياسة الشاه الضارة بمصالح المسلمين, فكان لها أبلغ الأثر في مقاومة سياسة الاستبداد والعنجهية التي فرضها الشاه على الشعب. وقد ثارت العامة وأحاطت بقصر ملك الملوك ناصر الدين وأرادت قتله. ولم تهدأ ثائرتهم إلا حين ألغى الشاه امتياز الشركة البريطانية التي كانت تحتكر صناعة التمباك وتتحكم في العباد. فبعد قراءة الرسالة أصدر المجتهد الشيرازي فتواه الشهيرة بتحريم تدخين النرجيلة. وفي صباح أحد الأيام طلب الشاه نرجيلة فأخبره الخدم بأن المجتهد قد حرم تدخين التمباك ولا وجود له في القصر. ثم كسدت صناعة الشركة البريطانية وألغي الامتياز ودفع الشاه التعويض.
5
غادر جمال الدين الأفغاني العراق قبل أن تصدر الأستانة أمرها بمنعه من السفر. وبعد مدة من إقامته في لندن جاءته دعوة من السلطان عبد الحميد كي يحضر إلى الأستانة ويعاون السلطان في العمل على نشر التضامن الإسلامي بين شعوب الشرق قاطبة. فسافر جمال الدين الأفغاني إلى الأستانة سنة 1892.وفي أحد الأيام أستقبله السلطان وقال له: "إن سفير إيران قصدني ثلاث مرات فحجبته في المرتين الأوليين ثم أذنت له فطلب مني أن آمرك بالكف عن نقد الشاهنشاه والتعرض له بسوء, فانا الآن أطلب منك الإعراض عنه". فقال جمال الدين الأفغاني: "امتثالاً لأمر خليفة العصر قد عفوت عن شاه إيران" فعلَّق السلطان عبد الحميد وهو يداري غيظه وخوفه: "يحق أن يخاف منك ملك الملوك خوفاً عظيماً". وحضر ذات يوم مجلس السلطان عبد الحميد, فلاحظت الحاشية أن جمال الدين الأفغاني كان يلعب بحبات مسبحته فتُحدث صوتاً, فلما خرج لفتوا انتباهه إلى أن أدب اللقاء يتنافى مع هذا التصرف. فسخر منهم وعلق قائلاً: "سبحان الله إن جلالة السلطان يلعب بمقدرات الملايين من الرعية على هواه وليس من يعترض منهم. أفلا يكون لجمال الدين الأفغاني الحق أن يلعب في مسبحته كيف يشاء؟". وتناثرت من فمه كلمات النقد القاسية في حق السلطان عبد الحميد وحرض على خلعه وخلع ملك الملوك الإيراني وقال: "إن خلعهما أهون من خلع النعلين".



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرَّقصُ في حقول البرتقال
- بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان
- كتبٌ تعيشُ ولا تموت
- جنوسة الوعي...حواء النمط المبدئي للجنس البشري
- تعلَّم الحريَّة في سبعة أيام
- ثلاثية الخروف السوري والدولار الأمريكي
- لا تنشر بيدك غصن الشجرة الذي تجلس عليه
- الحُكّام يأكلون الحصرم
- ثلاثية الكلاب
- علي الشوك وداعاً ... هل كتبتَ روايتكَ الأخيرة؟
- الفلسفة في جذورها اللغوية
- أُفّ من الحُكّام
- أنا لا آكل أحداً
- المعرّي فيلسوفاً
- قضيَّة المرأة الساكتة
- من هي السيدة ديمقراطية؟
- شيوعيون في المساجد
- أنا أحبُّ سقراط
- حاشية من تاريخ مصر الحديث
- أفسحوا الطريق


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - أيها المُعرضون عن الكلام