أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5















المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6131 - 2019 / 1 / 31 - 21:53
المحور: الادب والفن
    


ما تزال كلمات عشيقة أيام زمان، الباكية، تصدى في رأسي؛ هيَ مَن أضحت مذ وقت بعيد زوجة سائقي الخاص، " سيمو ". هكذا انكفأت طموحاتها إلى الحد الأدنى، مع تجاهل أبيها المفترض لوجودها، وعلى الرغم من أن مزرعته في ضاحية الحميدية مجاورة هنالك لمنزل أسرتها. بدَوري، تحررتُ تماماً من تأثير تلك المخلوقة، فلم أعُد التفت إليها سوى عند الضرورة القصوى؛ كأن احتاج لمكرها ودهائها في تدبير أمر ما. مؤخراً، قدمت لي هكذا خدمة ( دون مقابل كمألوف عادتها )، حينَ سعت وزوجها لإقناع لاجئة سورية فتية بالعمل لديّ كمستخدمة في المكتب.
ها أنا ذا جالسٌ وراء منضدة المكتب، في مقر الإقامة الفندقية، أقلّبُ أوراقَ المذكرات بينما النهار يهرب قدّام المساء الزاحف حثيثاً، تدفعه يدُ الشتاء. الأوراق، المتعهدة تنقيحها وتنضيدها يدٌ أخرى، أكثر نعومة، عليها كان أن تشحن داخلي بطاقة قوية قبيل موعد الاحتفال بالعام الجديد. " شيرين "، الناعمة والجميلة كاسمها الكرديّ، ستحتفل أيضاً بتسلم وظيفتها كسكرتيرة، بعدما كانت إلى الأمس بصفة مستخدمة عادية. وهيَ ذي تنتظر سائقي الخاص كي يوصلها لمسكنها، الكائن في غيليز، والذي يشاركها فيه شقيقها الوسيم الوديع. من ناحيتي، سأضيف غداً مفاجأة مدوية لحفل رأس السنة، المُزْمَع إقامته في مقر " سوسن خانم "، بإعلان خطوبتي لمواطنتها السورية هذه. كل شيءٍ، إذاً، يسير وفق رغبتي؛ أنا مَن احتفل في عام أسبق ببلوغ الحلقة السادسة من العُمر. المذكرات، كأنها خطوة على طريق ختام رحلة حياتي؛ رحلة، وضعتني في محطة المدينة الحمراء بمنتصف المسافة تماماً. في المقابل، كنت حتى الآن متردداً في ضم هذا الفصل للمذكرات، لما فيه من تفاصيل سيضر كشفها ولا شك بسمعة ووضع بعض الأصدقاء والمعارف.

***
أولئك الأشخاص، المذكورون في المذكرات، وجدوا أنفسهم، مثلي سواءً بسواء، في مدينةٍ عجيبة بموقعها وتاريخها وساكنيها. إذ لا ترجع علاقة المكان ببلدي الأول، فرنسا، إلى أبعد من عشرينات هذا القرن، فإنّ الآخرين من السوريين، يُمكنهم تتبعَ آثار أسلافهم حتى إلى ألفي عام قبل الميلاد؛ أي إلى حين بدأ الفينيقيون رقشَ خارطة البحر المتوسط بنقاط من لونهم الأثير، الأرجوانيّ، وصولاً إلى جزيرة موغادور ( الصويرة ). ثم أعاد أخلافٌ جدد إحياء الرحلة، وذلك باجتياح أمويي الشام شمالَ أفريقيا ومن ثم عبورهم المضيق إلى الأندلس.. المضيق، الذي سيحمل اسمَ قائدهم؛ طارق. وإنهم قومه، البربر، مَن سيؤسسون هذه المدينة، أسواراً وحصوناً وبيوتاً، مستخدمين التربة الحمراء، المجلوبة من سفوح جبل الأطلس.. أسسوها، لتكون قاعدة جديدة لمزيد من الفتوحات في أراضي جارتهم اللدودة، أوروبا؛ ليتبادلوا مع أهلها، على مر الزمن، الدمَ واللون والثقافة والمعتقد. آخر أولئك الأوروبيين، كانوا من جماعتنا، المفتوحة شهيتهم على كنوز أفريقيا وخيراتها؛ مَن سبقَ فأوفدوا بعثات استكشاف إلى أقرب دولها إليهم، تونس والجزائر والمغرب، مع بعض أساطين الفن والأدب ـ كمالارميه ودي موباسان وشاتوبريان.
" السيد راغب "، ملك الأثاث التقليدي في المدينة الحمراء، أدهشني ذات مرة لما أرجع أصول أسلافه إلى كردستان: " تركوها على أثر إخماد العثمانيين ثورةَ أحد أمرائها، ليستقروا في الشام. ولكنه جد أجدادي، مَن جاء إلى المغرب قادماً من دمشق بصفة تاجر أثاث؛ وهوَ في الحقيقة كان بمهمة لصالح أميره، المنفيّ في جزيرة كريت ".
فيما بعد، آنَ علمتُ من " شيرين " بانتمائها لسلالة أمراء كرد، ذكرتُ لها كلامَ ذلك التاجر الكبير. ثم اختتمتُ حديثي، بالقول في نبرة أسف: " ليس بالوسع تقديمك للرجل، كونه قد رحل عن الدنيا قبل أعوام عديدة ".

***
غبَّ مغادرة السكرتيرة برفقة السائق، عدتُ إلى أوراق ذلك الفصل فأخرجتها من مكانها في القاصّة، المختفية وراء إحدى اللوحات الكلاسيكية بصدر المكتب. ثم اتجهت ثانيةً إلى الصالة، لأجلس مقابل المدفأة، التي كان حطبها يشتعل في جذوات صغيرة شبيهة بأنوار مصابيح حديقة المقر، الغارقة في الظلام. بدَورها، راحت صورة العشيقة الصغيرة تتراءى لعين خيالي فوق الورق، مثلما عاينتها في أوان اقتحامي لمنزل أسرتها؛ تتراءى بنظرتها الساخرة، المتحدية.
مرت إذاً بضعة أشهر، لم أرَها خلالها. كذلك كنتُ قد كففتُ عن بث العيون حول منزل أسرتها، لمراقبة تحركاتٍ محتملة لها. إلا أن حديث سائقي مؤخراً، حول حبل الأم، استثار فضولي فيما بعد وطفقت أفكّر فيه. جاز لي أن أدوّر الخبرَ في ذهني على منقلب آخر، أقرب إلى الخيال مع كونه واقعياً تماماً: كنتُ قد قرأتُ مرةً قصة حياة ممثل سينمائي، هوليوودي، له مكانة خاصّة لديّ بين زملائه النجوم. باختصار، كانت الشقيقة الكبيرة لذلك الممثل هيَ من تكفلت تربيته مذ وفاة والدتهما. ليكتشف ذات يوم حقيقة رهيبة، سلّمته للمرض النفسيّ مطولاً: شقيقته المفترضة، ما كانت سوى أمه الحقيقية، حيث حبلت فيه نتيجة علاقة غير شرعية.
مضرماً داخلي بالوسواس والتوجس، قدتُ بنفسي السيارة يوماً، آخذاً طريق الضاحية. كانت إحدى الأمسيات الحارة من شهر يوليو، تكاد تنعدم فيها أية نسمة هواء. تيار مكيف السيارة، المُبتكر لجو كهذا، ما لبثَ أن أصابني بشيء من الصداع. مع أنها أفكاري المضطربة، مَن سلّمتني لألم الرأس. وهوَ ذا الطريق الرئيس يسلّم السيارة لآخرٍ فرعيّ، شبيهٍ بممشى مكتنف الجانبين بأيكة من أشجار باسقة. دقيقة أخرى، وكنتُ أدلف من السيارة وسط الحرارة الخانقة، غير المحتملة، لأتوجه من ثمّ إلى المنزل المقصود. لقد تركت المدينة، مغمورة بالأضواء المبهرة والضوضاء المزعجة، لأجد نفسي الآنَ في مكان هادئ بالكاد أتبين فيه طريقي خِلَل العتمة. وضعتُ إصبعي على جرس الباب، ثم انتظرتُ على الأثر، متوقعاً أن ألقى وجه البنت أو شقيقها الكبير. إذ سبقَ لعلمي، أن رب البيت يمضي وقته صيفاً بالتسول في مدينة أخرى. وإذا هيَ الأم، تقف عند الباب الموارب وقد اتسعت حدقتا عينيها بسبب الموقف المفاجئ: " مسيو غوستاف! خير إن شاء الله..؟ ما الذي أتى بك الآنَ..؟ ". وبينما كانت ما تفتأ تتمتم كلماتها بفرنسية مختلطة بالمحكية الدارجة، كنتُ أتخطاها إلى الداخل بطريقة فظة نوعاً. وجدتُ " للّا نفيسة " بارزة البطن فعلاً، إنما بشكل مريب؛ خصوصاً وهيَ ملتفة بقفطان شتويّ والقيظ على أشده. بدت لي كذلك أقصر قامة، وعلى شيء من البشاعة بشعرها المصبوغ بالحناء حمراء اللون. منذ متى لم ألتقِ مع عشيقتي هذه، السابقة، والتي كانت أيضاً الساعد الأيمن لي في أعمالي بمبتدأ حلولي في البلد؟
سألتها عن الابنة، فادّعت أنها مقيمة مع الأب في الصويرة: " مذ أن رافقت جثمان شقيقها الكبير، الذي لقي مصرعه بحادث دراجة نارية. إلا أن رجلي بدَوره، ما عتمَ أن لاقى وجه ربه حينَ سقط في بئر هناك.. ولعله كان مسطولاً! "، تابعت القول لتصدمني بهذه الأخبار غير المتوقعة. ثم استدركتُ في نفسي، متذكراً أن " سيمو "، وهوَ مصدر الأخبار الوحيد لديّ تقريباً، كان قد قضى جانباً كبيراً من الصيف معي، هناك في أغادير.
" أقدم لك خالص العزاء.. "، قلتها بسرعة ثم أضفت دونما مراعاة لذكرى الحدث المؤثر: " ولكن، اسمحي لي.. فأنا أعلم أنها في حجرتها، فوق.. وعليّ أن أراها، لمسألة ضرورية وعاجلة ". قبل أن تفتح المرأة فاها، كنتُ أهرع بخطوات كبيرة باتجاه فناء الدار، لأرتقي درجاً ضيقاً يوصل إلى الدور العلويّ. جلبة أقدامي، جعلت طيوراً مدجنة، محبوسة في مكان ما هنالك، تتهيّجُ على غرّة مع أصواتها المفزوعة. مثلما قدّرتُ، كانت " الشريفة " في حجرة النوم. وجدتها متكورة على نفسها فوق سرير واطئ، رث. كأنما كانت تنتظرُ هذه الزيارة، فلم يبن على ملامحها علامةُ دهشةٍ أو استغراب. وها هيَ ترفع رأسها قليلاً عن الوسادة، لتمد من ثم يدها باتجاهي: " أقترب، تعال..! "، قالتها بنبرة ساخرة. بعد ذلك، وبينما كنتُ أهمّ بالجلوس قربها، إذا بها ترفع الغطاء الرقيق عن جسدها، ليبرز البطن عارياً، مكوّراً مثل ثمرة يقطين ضخمة: " لقد أتيتَ خصيصاً كي ترى هذا المنظر، أليسَ كذلك؟ بلى، أنني أحملُ روحاً في رحمي.. روحاً بريئاً، كنتُ قد حاولتُ عبثاً التخلص منه! "
" أتيتُ في الحقيقة لأنني كنتُ في شوق لرؤيتك، أشهراً طويلة. أما بخصوص وضعك الحالي، فإنني ربما أكون قادراً على مساعدتك أكثر من أي وقت مضى "، لم يكن في وسعي قول شيء آخر. راحت تحملق فيّ باسمة، وقد ارتسم على ملامحها الغموض. ثم التفت يدها حول يدي كما الحيّة، وكانت باردة مثلها أيضاً. ثم ما لبثَ أن نطقَ بنعومة، صوتُها ذو البحة المميزة: " عليّ أن أشكر كرمك، مع أنك لستَ مجبراً عليه بحال. فالطفل، أكان ولداً أم بنتاً، سيظهر للدنيا كما لو أن أمي هيَ من ولدته. وهيَ، على أيّ حال، من الطمع والجشع بحيث تتوقع هباتك الكريمة! "
" ولكن، ماذا بشأن ذلك الرجل.. أعني والدك..؟ كيف أمكنك إخفاء حملك عن عينيه، في خلال الأشهر المنصرمة؟ "
" ذلك الرجل، لم يعُد موجوداً بعدُ على وجه الأرض.. "
" أعلمتني أمك أنه مات بحادث بئر، بعد مصرع أخيك "، قلت مقاطعاً. ولكنها أكملت كلامها كالمنوّمة: " لقد قبع أياماً في قعر بئر، سقط فيه بشكل ما بالقرب من بيتنا القديم في الصويرة، لحين أن تنبه بعضهم إلى جثته بسبب رائحتها النتنة ". قالت جملتها ببطء، وبشكل متقطع، كأنها تتهجى المفردات أو تحرص على ألا يزل لسانها بمفردة زائدة.

***
سأتذكّر الجملة تلك، عقبَ انتهاء الصيف، وكانت صاحبتها في الأثناء قد وضعت مولوداً ذكراً. ولكن المولود، لسوء فأله، سيتعين عليه العيش بقية عُمره بعاهة التخلّف العقليّ. بلى، ضمّنا فراشُ المعاشرة الجسدية مرة أخرى، وذلك في حجرة نومي بالإقامة الفندقية. كان الوقت ظهراً، تصخب في خلاله طيور حديقة المقر بأصوات متنافرة، مثل كورال أضاعَ النوتة الموسيقية، المطلوبة. عشيقتي الصغيرة، كانت ما تنفكّ متمددة على بطنها بعيد فراغ المضاجعة، مبرزة كفلها الصارخ الإثارة والذي تضاعف حجمه نتيجة الحمل. كنتُ قد تعمّدت سقيها عدة أقداح من الشمبانيا المنعشة، وها أنذا أتطلع إليها في صمت منتظراً أن تفتح فمها لينطلق اللسان في زلةٍ ما، اعتراف ما.

***
غبّ انتباه الأب لحالة ابنته، الطارئة، وتيقنه بأنها حامل، هزّ صراخه أركان المنزل. لحُسن الحظ، أنّ عدة قطع من الأراضي تفصلهم عن أقرب بيوت الضاحية. كان يصر على معرفة اسم المتورط، وما إذا كان مواطناً أو من النصارى: " أم أنه يهوديّ، حال من زرع بذرتك القذرة في رحم والدتك الفاسقة؟ "، قالها مقهقهاً في جنون وهوَ ما يفتأ يلوّح بسكين على سبيل التهديد. ثم تابع القول، مخاطباً امرأته: " أقضي وقتي بالتسول من أجلكم، بينما تفتحين رجليّ البنت لكل غريب مقابل المال! والآن، عليكما قبل كل شيء إخراج المال المكنوز وإلا دفنتكما في قبر واحد مع ذلك المعتوه، الراقد في براد المستشفى! "
قالت له امرأته، محاولة تهدئته: " فلنؤجل هذا الحديث إلى ما بعد دفن الفتى المسكين "
" لا، يجب أن تتكلما حالاً عن مكان المال. ومن ثم سأمضي إلى الرجل، الذي حبّل هذه الشقية، لأشهر سكيني في وجهه كي يعقد قرانه فوراً على البنت "
" بهذا التصرف، ستزيد الأمرَ سوءاً يا رجل "
" اخرسي أنتِ، ودعي البنت تتكلم "، قالها وهوَ ينحي المرأة جانباً. وإذا الابنة تندفع على غرة من خلف الأب، وكان هذا يقف بمحاذاة المنور، المفتوح على الدور الأرضي. دفعته عندئذٍ بقوة، فانقلب بجسده النحيل رأساً على عقب ثم سقط من علٍ مطلقاً صرخة ممدودة، شبيهة بعواء ذئب.
على الأثر، وبعد التيقن من أن الرجل لفظ أنفاسه الأخيرة، تكلمت الابنة وكانت ما تزال مرتعشة: " لا تخافي، أماه، لقد فكّرتُ ملياً بكل شيء ولن يشتبه أحد بأمر مصرعه. غداً سنأتي بجثمان أخي المسكين، فنضيف إلى التابوت جثة الرجل المأفون! هناك في الصويرة، نسحب الجثة في عتمة الليل ونلقي بها في إحدى الآبار. إذا سألوا عنه فيما بعد، نزعم أنه ذهب كعادته كل صيف ليشحذ المال في مدينة ما ولا نعرف ما جرى له. أما لو اكتشفت جثته، فسيبدوَ الأمرُ حادثَ سقوطٍ عرَضياً. في كلتا الحالتين، لن يتهمنا أحد ".
هكذا سارت الأمور وفق الخطة الشيطانية، وكانت الأم في خلال ذلك طوع إرادة الابنة وكما لو تم تنويمها مغناطيسياً. لكي تُسَهّل الخطةُ أكثر، فقد صاقب وجودهم في الصويرة مع عيد تقليديّ يحتفل فيه مسلموها ويهودها معاً منذ القدم. مضت إذاً المرأتان بالجثة فوق أرض خالية من البشر، يسترهما ظلام الليل. مرات قليلة، همدتا بين الأعشاب النامية مع وخز العتمة بأنوار بعض السيارات العابرة للطريق الرئيسة، الملتفة حول المكان نزولاً حتى سويقة الغزوة. جُرّت الجثةُ إلى بئر مهجورة، تقع بقرب منحدر الوادي. بعدما أسقطت المرأتان الجثة في البئر، أهالتا كمية من التراب فوقها بوساطة معولين أُحضرا لهذا الغرض.
جثة القتيل، لم تمضِ فترة طويلة هنالك في أعماق البئر المهجورة والجافة. ميّز أحد الرعاة رائحة الموت، فقام على الفور بإبلاغ مخفر القرية. كي يكتمل حظ المرأتين، كان من تولى التحقيق " العُرْبي "؛ الضابط في الشرطة وشريك أعمالنا في الأيام الخوالي. حين لحظ ارتعاش الابنة، ثمة في حجرة التحقيق بمقر المقاطعة، وضع يده على كتفها مهدئاً مع كلمات مواسية. ثم ما لبثت يده أن انزلقت إلى مكمن الثديين، المعتليين الصدر كتلتين بارزتين، فراح يعبث بهما منتهزاً خلو المكان من مرؤوسيه. في آخر المطاف، طوي التحقيق بالحادث دون أي اتهام أو شبهة جنائية.

***
" الشريفة "، لم تتخلص من ابتزاز الضابط الفاسد، إلا بعدما طلبت معونتي؛ أنا مَن ستعدّه لاحقاً، وضمنياً بالطبع، والدَ ابنها المسكين.
ولكنها بنفسها؛ ابنة مَن هيَ، بالضبط؟ وحده، الشيطان، مَن يعرف جواباً!
بيد أن " الشريفة "، ولا مِراء، هيَ ابنةٌ أصيلة لمراكش. ولعلها الصنو القرين للمدينة الحمراء، بكل ما فيها من أصالة وزيف، جمال وقبح، خير وشر..

***
كنتُ ما أفتأ أقرأ في أوراق الفصل السادس، لأتوصل في نهاية الأمر إلى قرارٍ بصواب فصله عن بقية المذكرات. أنهض إلى القاصّة مجدداً، لأودع الأوراق في حرزها المكين. صوت انهمار المطر، سيعيدني أيضاً إلى الشرفة كي أتنفس عميقاً رائحة الحديقة، المبتلة بطلائع الغيث. المدينة الحمراء، مدينتي الحبيبة، تتنفس مثلي سواءً بسواء عبرَ أنوف منائرها ومنازلها وأبراجها ونخيلها.
سعيداً، أتخيل نفسي مخترقاً في الغد شوارعها الفسيحة، قادماً من " آلطين "، المنتصب على طرفها مقر إقامتي الفندقية والمتغرب عن المكان البائس.. ستخترق سيارتي الطريقَ بمحاذاة الأسوار، فتقطع المسافة برجاً برجاً لحين ظهور المنعطف، المؤدي إلى باب دكالة ومن ثم إلى غيليز؛ إلى الحي المحتفي بآثار مواطنيّ مذ فترة الحماية وحتى اليوم.. من " ماجوريل " إلى " بار 68 ".. وإلى حيث أتوقف أمام مأوى السكرتيرة، " شيرين "، التي ستصبح منذئذٍ خطيبتي إلى وقت عقد القران.. وإذاً، من الخضرة إلى الماء الروحيّ وإلى الوجه الحَسَن ـ كما اعتادت الحكمة الشرقية على القول، بوصفها أشياء ثلاثة تذكّر المؤمنَ بالفردوس العلويّ.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 4
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 2
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1
- المزحة
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13
- الشرفة
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 12
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 11
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5