أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1














المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6127 - 2019 / 1 / 27 - 19:58
المحور: الادب والفن
    


خِلَل بلور شرفة الصالة الرئيسة في الجناح الخاص بمقر إقامته الفندقية، تبدى القمر لعينيّ " مسيو غوستاف " كأنه أحد المصابيح الكهربائية، المنعكسة أنوارُها الماسيّة على السطح المائي للمسبح. السماء نفسها، كأنما تم صقلها الليلة بالنجوم، بهدف إضفاء مزيدٍ من البهاء على احتفال المسيو باختتام عقد السبعينات. دخيلته المطمئنة، والمضطربة في آنٍ معاً، كان من الممكن أن تُضرمَ بمزيدٍ من حطب الغرور لو لم تُكبح بجرعاتٍ باردة من لهيب كوكتيل الفودكا. مُجدّفاً هذه المرة، يفكّرُ في جنّة المسلمين وما لو كانت بدَورها انعكاساً لصورة جنينة المقر، المطوقة مسبحها الكبير من ثلاث جهات؛ يفكّرُ كذلك، هوَ من تحوّل إلى ديانتهم قبل نحو عقدٍ من الأعوام وذلك بمحض إرادته.. أو مصلحته، لو شئنا الدقة!
كان يلهي دخيلته، طالما أن الاضطراب طغى فيها على الطمأنينة. إذ على الرغم من نجاح استثماراته، المتوّجة بهذه الإقامة الفندقية، المعدّة الأكبر في المدينة الحمراء؛ على الرغم من ذلك، فإنّ مجرد تقطيب الملك لسحنته في أثناء استقباله له في عيد العرش، كان كافياً لبلبلته. الأمر، ربما تعلق بوشاية ما، وصلت للقصر عن مصدر أمواله أو حياته الشخصية. ومع أنّ المسيو واثقٌ من براءته فيما يتعلق بالحالة الأولى، فإنه لا بد أن يكون كذلك في الحالة الأخرى؛ بما أنّ الكثير من المستثمرين الأوروبيين لديهم الميول الجنسية ذاتها، بل وبعضهم يُجاهر بها علناً.
راحَ يُزجي وقته بتلك الأفكار، ما دام هناك متسع من الوقت لحين وصول ضيوفه. بما أنّ أبرزهم سيكون " الشيخ منّاع "، فقد وجد نفسه أمس أمام مأزق اختيار المدعوين. إلى أن ارتأى حلاً بتقليص عددهم ما أمكن، ليقتصرَ على أربعة من مواطنيه، علاوة على الشيخ وصديقه " السيّد راغب ". مرة أخرى، حثّ ذهنه على التأمل في مغزى مصادفة ذلك العدد من المحتفلين، وكانوا فضلاً عنه سبعة؛ وهو رقمٌ، يعدّ مقدساً في عقائد البشر مذ أقدم العصور. وإذاً، سبعة أشخاص سيحتفلون بآخر يوم من عقد السبعينات: فليتسلّ ذهنه بمادة جديدة، علّ ذلك يُلهي القلقَ والاضطراب.. وليُجدّف أيضاً، ما شاء له الاستهتار، طالما ليسَ هناك عالمٌ آخر!

" لِمَ لم تحضر بعدُ صغيرتي، الفاتنة؟ "
تساءل في سره، وهوَ يهم بترك الشرفة بعدما شعرَ بشيء من البرد. كان قد أرسل السائق الخاص إلى الضاحية القريبة، والتي انتقلت إليها أسرة الفتاة مذ بعض الوقت. المنزل، كان يعود لامرأة " مسيو جاك "، ثم انتقلت ملكيته إلى ربيتها الصغيرة، تنفيذاً لوصيتها، وذلك بعدما فارقت الحياة قبل نحو ثلاثة أعوام. في الفترة الأخيرة، كان قد لحظ علامات اعتلال الصحة على الصغيرة. ثم انشغل عنها مؤخراً، بفعل تزايد انشغاله بالأعمال العديدة، المتعلقة بالإقامة الفندقية هذه.
رجعَ " مسيو غوستاف " أدراجه إلى الصالة الرئيسة، ثمة حيث مدفأة الجدار، الملبسة بالسيراميك، المنبعث من وراء بلورها لهيبُ النار مع صوت طقطقة الحطب المشتعل. جلس على أحد الكرسيين، القريبين للنار، ثم مده يده إلى المنضدة الأنتيكية الضخمة، فصبّ لنفسه قدحاً آخر من الفودكا، فتناوله سكاً بجرعة واحدة. عاد يلقي نظراته على مشهد الحديقة، المترائي خِلَل النافذة العريضة، المسدل على جانبيها ستائر ثقيلة من البروكار الدمشقيّ. شجرة الميلاد، ما فتأت تتراقص أنوارُ مصابيحها، الدقيقة الحجم. مذ أن تفرّد بمسكن خاص في الصويرة، وتالياً في شقيقتها الحمراء، وهوَ يتسلى بإضافة مصباح صغير لشجرة الكريسماس وذلك بغية حساب سنوات عمره مع كل عام جديد. ثم نقل بصره إلى المرآة، المؤطرة بالخشب المدهون بماء الذهب، والمحتلة قسماً كبيراً من الجدار المقابل لتلك النافذة. تأمل في المرآة قسمات سحنته، المنحوتة بدقة. مع اقترابه من سنّ الخمسين، كانت الشيخوخة ما تفتأ تنأى بنفسها عنه؛ فليسَ ثمة تجاعيدٌ تُذكر ولا لون رمادي يطغى على شعره الفاتح. يمضي في فكره، مستدركاً: " بت أشبه بامرأة تقف على جرف سنّ اليأس، يتناهبها التوجس من أي شيء يخص مظهرها الخارجيّ ". وابتسمَ لصوَرٍ، تبثها شاشة الذاكرة: " لو أنّ لويس عرفَ ما يشغل ذهني، لأطلق مطوّلاً ضحكاته المجنونة! ". على الأثر، استمرَ في مونولوجه الداخلي.

***
في فترة الشباب، كان كلاهما يقرض الشعر ويحاول إثبات ذاته على الساحة الثقافية من خلال غشيان المقاهي بغية لقاء مشاهير الأدباء والفنانين. كانا يتبادلان شعورَ الغيرة والحسد، إلى أن هجرا معاً ميدان الأدب: تفرغ " لويس " تماماً للحزب، ومن ثم للشأن العام. بينما هوَ اتجه إلى مراكش، بناءً على نصيحة " مدام هيلين "، التي كانت تؤكد أنه بحاجة لتجربة مثيرة تحت الشمس الأفريقية كي تنضج موهبته. لقد سلمته أيضاً توصية لزوجها الرسام، المقيم هناك منذ ما يزيد عن العشر سنين. ما لم تكن تتوقعه، أن يقع الرجلُ تحت تأثير سحر الشاب حدّ أن يتخذه عشيقاً. لما آبت أبداً من أوروبا، كي تبقى بجانب رجلها، كان الوقتُ قد فات لإنقاذ حياتهما المشتركة. انغماس كل منهما بعلاقة خاصّة، كان الهدف منه تأكيد عزلته أكثر منه إثارة غيرة الآخر. ثقافة المدام، الراقية حقاً، لم توفر لها مناعة قدّام سحر امرأة ريفية، تتسمُ معاً بالسذاجة والمكر. " مسيو جاك "، من ناحيته، لم يفعل شيئاً لإنقاذ امرأته من براثن " نفيسة " الخبيثة تلك، مفضلاً تجاهل الأمر وهوَ ينغلق أكثر فأكثر داخل قوقعة مرسمه.
" بدَوري، كأنني وقعتُ تحت تأثير سحر الشريفة، التي لا تقل مكراً وخبثاً عن أمها؟ "، كذلك تساءل على خلفية علاقته بها وما يعلمه عن ماضيها. كون الوقت لم يحن بعدُ لحضور أولئك الضيوف، فلم ير داعٍ لقلقه بشأن مجيء الساحرة الصغيرة. في الوسع إذاً شحذُ الذاكرة، علّها تكون كريمةً في مدّه بالصور الدافئة في هذه الأمسية، المُفتَتِحة بابَيّ الشتاء والعقد الجديد على السواء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المزحة
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13
- الشرفة
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 12
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 11
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 6
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 4
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 3


المزيد.....




- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...
- المخرج التونسي محمد علي النهدي يخوض -معركة الحياة- في -الجول ...
- سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
- منى زكي تعلّق على الآراء المتباينة حول الإعلان الترويجي لفيل ...
- ما المشاكل الفنية التي تواجهها شركة إيرباص؟
- المغرب : مهرجان مراكش الدولي للسينما يستهل فعالياته في نسخته ...
- تكريم مستحق لراوية المغربية في خامس أيام مهرجان مراكش
- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1