أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - مصطفى انصالي - إما الحرية وإما الأمن ؟ أبدا الإثنان معا و إلا فلا.















المزيد.....

إما الحرية وإما الأمن ؟ أبدا الإثنان معا و إلا فلا.


مصطفى انصالي
(Inssali Mustapha)


الحوار المتمدن-العدد: 6126 - 2019 / 1 / 26 - 09:47
المحور: حقوق الانسان
    


هناك صوتين نسمعهما داخل كل انسان : الأول يقول : هذا ما أريد فعله والآخر يقول : هذا ما عليّ فعله .. ‏الأول صوت الحرية، صوتي أنا والذي بدونه لن أكون أنا، والآخر صوت النحن ، صوت الأمن والأمان والاحتماء بدفئ الجماعة... تلبية نداء صوت الحرية يجعل الانسان من جهة أولى فخورا بنفسه كونه يشعر داخليا بأنه غير خاضع لأي قوى خارجية وأنه حر في التعبير عن أفكاره ومشاعره دون وصاية النحن، الشيء الذي يضمن له بشكل تلقائي وآلي تفرده واختلافه الطبيعي ويمنحه هوية خاصة به تجعله هو هو، متطابقا مع ذاته ومتمايزا عن الآخرين، فالحرية في النهاية ليست سوى حقي وحقك في الاختلاف ...لكن ومن جهة ثانية كلما ازداد شعور الانسان بحريته إلا وأصبح أكثر خوفا ووحدة، خوفا من سلطة الجماعة التي تنبذ الاختلاف(ما يخرج من الجماعة غير الشيطان) وتعتبر كل مختلف عنها عدوا ينبغي التخلص منه كونه يقلق راحة وأمن الجماعة وبالتالي يجد المختلف نفسه أمام حتمية الإصغاء لنداء صوت النحن تلبية لغريزة البقاء، فلكي يحيا الانسان يختار في الكثير من الأحيان وبدرجات متفاوتة التضحية بحريته/فردانيته لكي ينعم بأمنه عبر التطابق مع الآخرين، مثله في ذلك كمثل الحرباء التي تلون جسمها طلبا للحماية والأمن. إنها تبدوا مماثلة لمحيطها لدرجة يصعب معها تمييزها عن باقي الأشياء ، فكذلك الشخص الذي يتنازل عن حريته مفضلا أن يصبح آلة متطابقة مع ملايين الآخرين من الآلات الصماء المحيطة به طلبا للشعور بالأمن وهروبا من وحدة وقلق الاختلاف.انحناءه للظلم لايعني عدم إرادة الحرية ، بل الخوف من دفع ثمنها.
هناك تداخل إذن بين مفهومي الحرية والأمن بشكل لا يمكن تصور أحدهما بمعزل عن الآخر. تداخل تزكيه أيضا قصة بداية الخلق في الديانات التوحيدية حيث تقيم هذي القصة توحيدا بين بداية التاريخ وفعل الاختيار، لقد عاش آدم وحواء في حديقة عدن يعيشان في تناغم تام وينعمان بالسلم والأمن، لكن محنتهما ستبدأ عندما منحهما الرب حق الاختيار بين التقيد بأمره وعصيانه .(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ...سورة البقرة الأية 34/35). إن التصرف ضد إرادة الرب هو أول اختيار تجسدت من خلاله حرية الفعل الانساني والقصة نفسها تؤكد على المعاناة المترتبة عن هذا الفعل (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ... طه الأية 121) لقد وجد آدم ومعه حواء نفسيهما عاريين، خجولين. يشعران بالحرية لكنهما عاجزين وخائفين ، كانا متحدين ومتطابقين مع الله ومع الطبيعة وفي اتحادهما أكلا رغدا حيث شاءا ، أما الآن فعليهما تحمل مسؤولية اختيارهما ، لقد اختارا الحرية وثمن الحرية دوما، على الأقل كما علمونا هو الأمن.
أتذكر وأنا طالب بالجامعة أننا كنا بصدد مناقشة موقف الفيلسوف الهولندي اسبينوزا ورأيه حول حرية الفعل الانساني حيث بادرنا أحد الطلبة بتقديم مثال قصد من خلاله توضيح أهمية الحرية في حياة الانسان حيث قال :" لا تتعجب من عصفور يهرب وانت تقترب منه وفي يدك طعام له فالطيور عكس بعض البشر تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز". فكرت في مثاله فوجدته صالحا للدفاع عن الأمن أكثر من دفاعه عن الحرية فطرحت عليه سؤالا : ما الدافع في نظرك من هروب الطائر ! هل دفاعا عن حريته أم حفاظا على أمنه؟ وإذا افترضنا أنه دفاع عن أمنه فهل يصح من انسان أن يفعل ما فعله الطير ! هل يجوز للإنسان أن يضحي بحريته من أجل أمنه؟ رد طالب آخر : ما فائدة أمن تنقصه الحرية ، أن أموت جوعا وأنا حر خير من أن أعيش عبدا وأنا آمن ... ازدادت حدة النقاش وفتحت علامات الاستفهام وبدأ كل منا يناظر حول موقفه حتى استوقفنا طالب آخر لم تكن تبدوا عليه ملامح الاهتمام بما كنا بصدد الخوض فيه حيث قال : أعتقد بأنه لا ينبغي المفاضلة بين مفهومي الحرية والأمن بل ينبغي النظر إليهما في تكاملهما فالحرية تنبت الأمن والأمن يحمي الحرية وفي ضياع أحدهما ضياع للآخر. مستدلا بعد ذلك بقولة لم تفارق ذهني أبدا وصاحبها هو أحد أبرز مؤسسي الولايات المتحدة الامريكية (بنجامين فرانكلين) : "من يضحي بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أيا منهما".
إما الحرية و إما الأمان ؟ أبدا ! الإثنان معا و إلا فلا. عنوان اخترته كي أعبر من خلاله أننا نرفض أصلا أن نضع أنفسنا أمام هذا الاختيار، انه اختيار باطل. وما بني على باطل فهو باطل . نحتاج للأمن لأنه ليس ثمة أي مجال للصناعة... للفنون، للآداب،للإبداع، للمجتمع في غياب الأمن... نحتاجه كي نتخلص من الخوف المستمر، نحتاجه لتهذيب بعض الشر الذي تقتضيه طبيعة الانسان الأنانية... كي نأمن الوحش الموجود في دواخلنا، نحتاجه أساسا كي نضمن بقاءنا ... وبنفس القدر أيضا نحتاج الحرية لأنها خير يمكننا من التمتع بسائر الخيرات. تحققها داخل المجتمع يضمن تحقق الباقي، إنها سر تفوقنا وازدهارنا ، حصنوها إذن بالتعليم فهو قادر على حمايتها أفضل من جيشٍ مرابط. لا تسرقوا منا حريتنا باسم الدفاع عن الأمن فهما بلغة أبن رشد : أخوان من الرضاعة . مصدرهما واحد هو الطبيعة وغايتهما واحدة هي الانسان .
المشكل يقع عندما يتعرّض بلد ما لقمع طويل ، تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد ، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر. بلغة إتيان دي لابويسيه صاحب " مقال في العبودية المختارة" مواطن يصير مع مرور الوقت ضعيفا غير قادر على التفكير ، وبما أن ضعفه هو دافعه الرئيس للخضوع فإن هذا المواطن يستحيل مع مرور الوقت إلى شخص مسحور بنقيضه ، إن حبه وإعجابه واستعداده للخضوع وتضحيته بحريته يكون دوما مدفوعا بالقوة، سواء أكانت قوة شخص او مؤسسة( إله، حاكم،قوانين،زوج...) . القوة تأسره لا لقيم تتصف بها هذه القوة بل لمجرد أنها قوة . سعادته القصوى تكمن في خضوعه التام لتلك القوة التي تمسي بالنسبة له قوة مقدسة لا يمكن المساس بها أو ممارسة فعل الحرية عليها فعندما تخشى الشعوب حكامها يولد الطغيان , وعندما يخشى الحكام الشعوب تولد الحرية. فلنبدأ إذن بتحرير الحرية وهي ستتكفل بالباقي.



#مصطفى_انصالي (هاشتاغ)       Inssali_Mustapha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى الحكومة المغربية: إحذروا ثورة التلاميذ
- إن الدين عند الله الانسان
- الإسلام كما أراه
- الصورة : ديكتاتورية ناعمة(1)
- من سرق صلاة الجمعة


المزيد.....




- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...
- طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة
- خبير عسكري: المواصي لن تستوعب النازحين من رفح والاحتلال فشل ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى
- الآلاف يتظاهرون في تل أبيب مطالبين بالإفراج عن الأسرى ورحيل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - مصطفى انصالي - إما الحرية وإما الأمن ؟ أبدا الإثنان معا و إلا فلا.