أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - أدب وفن وبطيخ














المزيد.....

أدب وفن وبطيخ


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6097 - 2018 / 12 / 28 - 21:26
المحور: الادب والفن
    


دفغ الباب ودخل المقهى الذي يبدو خاليا من الزبائن في هذه الساعة المبكرة من هذا الصباح الشتائي الممطر. أقفل مظلته المبللة ووضعها في السلة المخصصة لذلك وراء الباب. كانت هناك طاولة واحدة مشغولة، في الركن الأقصى من المقهى من قبل إمرأة تشرب قهوتها وتقرأ الجريدة الصباحية. صاحب المقهى كان يمسح الكؤوس بمنشفته البيضاء ويرتبها على الرفوف، مراقبا في نفس الوقت شاشة التلفزيون في الجانب الأيسر من المقهى. البرنامج كان على ما يبدو إعادة بث لمباراة لكرة القدم، مجرد صورة بدون صوت، مما ضخم الإحساس بالصمت المخيم على المكان. تردد في الجلوس على أول طاولة نتيجة خوفة من تيار الهواء إذا ما دخل أحد ما لقربه من الباب، وتردد في الذهاب إلى الكونتوار ليطلب طلبيته ثم يعود للجلوس. غير أنه أطال التردد، مما جعل الساقي يضع منشفته على الرف ويخرج من وراء الكونتوار ويأتي ليحييه ويسجل طلبيته ويدعوه للجلوس. وشكره وأخذ مكانه بعيدا عن المدخل وأبعد ما يكون عن شاشة التلفزيون. وأخرج من جيبه الجريدة المجانية التي التقطها في الشارع وحاول أن يتصفحها، ولكنه لم يكن قادرا على قراءة أكثر من العناوين الرئيسية والتي كانت تتعلق بالإنتخابات القادمة وبقرب إنفراج الأزمة وإرتفاع الأسعار وعودة الكهرباء وتصريحات الوزير والأمير ..إلخ. أما الصور الدعائية التي كانت تملأ ثلاثة أرباع الصحيفة فإنه لم يلاحظها ولم يعرها أي إهتمام ولم تثر في نفسه سوى اللامبالاة الكاملة. وعندما وصل إلى الصفحة الأخيرة من الجريدة، ألقاها على الطاولة أمامه، وبقي للحظات يحدق في الفراغ متسائلا عما يمكن أن يفعله في الساعات القادمة التي تترائى له كصحراء شاسعة يجب إجتيازها. أخرج من جيبه كراسته الصغيرة ووضعها أمامه محاولا أن يفكر في شيء ما يكتبه. الكلمات بدت له بعيدة وغريبة وتنزلق من بين يديه، بعيدة ملفوفة بطبقة من الضباب، ترفض أن تظهر، والأفكار تظهر وتختفي بسرعة مذهلة، متضاربة متناقضة. ولكنه لم يذعن لنزق الكلمات الهاربة، لا بد له من كتابة أي شيء، أي شيء حتى لا تبقى هذه الصفحة بيضاء. لا شك أن القاريء الذي سيقرأ هذه الكلمات يعرف على الأقل عنوان ما يقرأه، بينما هو الذي يكتب لا يعرف بعد أي شيء لا عن العنوان ولا عن مصير النص، حتى هذه السطور، ولا يعرف بقية القصة، إن كان هناك قصة. إن الذي يهمه هو أن يحرك القلم على الورقة البيضاء وأن يحرر الكلمات المسجونة داخله، والكلمة تجذب الكلمة، وكلما ظهرت إحدى الكلمات فإنها تخلق بالضرورة كلمة أخرى بعدها، منطق الكلمات منطق ديالكتيكي وتكاثري كالخلايا الأولية. ولكن هذه الكلمة الأولى ترفض أن تأتي، ويبدو أن الكتابة كالولادة المتعسرة .. كل كلمة تحتاج إلى عملية قيصرية .. وكل حرف يحتاج إلى زجاجة من الويسكي، أو عدة فناجين من القهوة.. ووضع في النهاية القلم على الصفحة البيضاء قبل أن يلتقط الجريدة من جديد، ويعاود تصفحها، محاولا هذه المرة قراءة العناوين الفرعية والأخبار الجانبية الصغيرة إن وجدت، قائلا في نفسه انه إذا تمكن من قراءة كل العناوين الكبيرة والعناوين الفرعية قبل وصول القهوة، فإنه بالتأكيد سيتمكن من قراءة أحد مواضيع الصحيفة قراءة كاملة، وبذلك سيتمكن من معرفة أخبار ما يجري في العالم وينمي رصيده من المعلومات العامة، وسيتمكن بذلك من المشاركة بطريقة أكثر جدية في الحياة الإجتماعية، رغم عدم رغبته نهائيا في أن يكون جديا ولا إجتماعيا هذا الصباح بعد الأحداث التي عاشها طوال ليلة البارحة. واسترعى إنتباهه في الصفحة ما قبل الأخيرة خبر صغير في أسفل الصفحة، "تقتل عشيقها وتفرمه وتطبخه وجبة شعبية". وكالة "أسوشييتد برس" أوردت الثلاثاء 20 نوفمبر أن إمرأة شابة تشتغل كخياطة قتلت صديقها في إمارة العين، وقامت بتقطيع جثته وطهيها في طبق تقليدي شعبي إماراتي يسمى "المجبوس" قدمته وجبة إلى مجموعة من العمال الباكستانيين. ورجحت الوكالة، أن تكون الموقوفة في هذه القضية، قد أقدمت على هذه الجريمة عندما حدث شجار بينها وبين صديقها والذي قام بالإعتداء عليها وضربها، وعللت المرأة سبب قتلها لصديقها بأنه نعتها بالبطيخة. وأكتشفت الجريمة بعد أن ذهب شقيق المقتول للبحث عنه في بيت الموقوفة، فعثر على أسنان بشرية داخل خلاط. وأثبتت اختبارات الحمض النووي أن المحتويات التي عثر عليها في الخلاط تعود إلى المتوفى. وحسب مصادر إعلامية إماراتية، فإن النيابة العامة أصدرت أمرا بعرض المتهمة على مستشفى الأمراض العقلية لتشخيص حالتها… وقبل أن ينتهي من قراءة الخبر جاءه الساقي بالقهوة ووضعها أمامه قائلا تفضل، فرد عليه وهو يطوي الجريدة ويضعها على الكرسي الذي بجانبه : شكرا
- عفوا، إحنا في الخدمة، شيء آخر؟
ـ أيوه
ـ نعم، إطلب
ـ شكرا، الله يخلليك ..
ـ إحنا في الخدمة، تفضل
ـ بطيخ
ـ نعم؟
ـ بطيخ، فيه بطيخ؟
ـ بطيخ؟
ـ أيوة، بطيخ.. بطيخ، عندك بطيخ؟
ـ هذا مقهى يا أستاد ..
ـ أعرف أنه مقهى، أسألك إن كان فيه بطيخ
ـ لماذا تطلب بطيخ في مقهى؟
ـ أنت الذي سألتني إن كنت أريد شيئا آخر ..
- أيوة .. بس ..
ـ بس إيش؟
ـ في المقهى الأشياء معروفة ومحدودة ..
ـ أعرف ذلك ولهذا طلبت قهوة في البداية ولم أطلب بطيخة، لماذا سألتني إن كنت أريد شيء آخر؟
ـ روتين .. فقط روتين ومجاملة، لكن لماذا البطيخ؟
ـ إنه فقط حب الإستطلاع، للمعلومات العامة، ولكنك لم تجب عن السؤال، فيه بطيخ؟
- لا يا أستاذ ما فيش بطيخ في فصل الشتاء.
- شكرا.
- عفوا إحنا في الخدمة.
وتركه الساقي وذهب للإهتمام ببعض الزبائن الذين بدأوا يتوافدون تدريجيا، وأخذ رشفة من قهوته قائلا في نفسه بأنه لم يكن يعتقد في أي يوم من الأيام أن يكون سخيفا إلى هذه الدرجة، رغم إنه فقط أراد أن يختبر قدرته على التواصل الإجتماعي. وأخذ من جديد كراسته الصغيرة وخط عدة كلمات "دفغ الباب ودخل المقهى الذي يبدو خاليا من الزبائن في هذه الساعة المبكرة من هذا الصباح الممطر..."



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبادة الشيطان
- الفأر الأبيض والتفاحة
- بكائية
- حافة الهاوية
- زلزلة الساعة
- الرئة المثقوبة
- شهوة الفراغ
- الثواني المطاطية
- الأشياء المفترسة
- التعويذة والفيل الأزرق
- الليل المثقوب
- ثورة الملل
- الغبار
- الوعي والوعي الآخر
- حرية العبيد
- القرود لا تحب الموز
- الأسرى
- حشرجة الهاوية
- الملائكة الخرساء
- مطاردة الغربان


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - أدب وفن وبطيخ